شوقية عروق منصور - يطاردون بابا نويل

رأيتهم وهم يطاردون " بابا نويل " بدلاً من أن يطاردهم " بابا نويل " لكي يعطيهم الهدايا ، هم يطاردونه ، لكي يرحل من هنا ، فهذه الأماكن تشكل اغتصاباً واقتحاماً ، لذلك هم يحاولون طرده حتى لا تلتقطه عيون الكاميرات التي تسجل وتنشر كل تصرف .
وبعد أن يأسوا منه .. قاموا بقذفه بقنابل الدخان ، ثم بإطلاق الرصاص عليه .. وهرب بابا نويل من امامهم ..
تعددت صور بابا نويل ، فلكل بلد في العالم بابا نويلها ، شكله ولون بشرته ، وتعددت صور قدومه ومن يجر عربته سواءً الغزال أو الأسد أو الخروف أو القطط ، أو تتحول عربته الى دبابة أو طائرة أو غواصة ، حسب الظروف السياسية والاجتماعية للبلد الذي يأتي اليها ، لكن في النهاية نراه قادماً حاملاً كيسه المليء بالهدايا .. ومهما اثيرت حوله القصص والحكايات والمواقف والنكات ، يبقى وجوده في أيام الأعياد جزءاً لا يتجزأ من طقوس الفرح الانساني والطفولي الذي يتغلغل في النفوس ، حتى أصبحنا لا نستطيع الفصل بين العيد وبابا نويل .
لكن بابا نويل في فلسطين ، خاصة في مدن وقرى الضفة الغربية يختلف ، خطواته تتميز بالجدية ، لا يحاول الهرب أو العبث أو الاختباء ، لا يحاول افتعال المواقف والقيام بمقالب أو الغناء أو الرقص مع المحتفلين ، أنه بابا نويل جاد ، يحاول سرقة الخوف والاحباط والتساؤلات القاتلة وتحويلها الى لغة جديدة للفرح العابر ، لكن لا يستطيع ، فمهمته مختلفة هنا .. صعبة ، ففي هذه الاماكن البائسة ، بين البيوت وفي المخيمات والفقر ووجوه الاطفال ، وبين قبور الشهداء وفي الكنائس والمساجد هناك خيوط الدم النازفة ، من الصعب مسحها وجعلها شجرة تتألق بالأضواء .
رأيته يخرج في ثيابه الحمراء وينضم الى المتظاهرين ، يقف على الحواجز ويواجه الجنود ، والجنود لا يتحملون رؤية المتظاهرين الذين يقودهم بابا نويل .. لذلك يطلقون الرصاص وقنابل الدخان ، يحاولون ابعاده عن الحاجز وهو يقترب .. وكلما اقترب قاموا بإبعاده .. ثم صوبوا البندقية عليه ..فهرب .. خلف الجدار سألته :
لماذا هربت يا بابا نويل ... أنت تستطيع التحرك والتواجد في كل مكان قال :
- أنني خائف .. أرتعش من الرعب .. لقد قتل أبي برصاصة من جندي اسرائيلي قبل ولادتي .. وعشت في يتم ، تزوجت أمي .. وتركتني في رعاية جدي الذي يصر أن أعمل لأنه لا يملك قوته .. أنا أعمل في دكان للألعاب وقد طلب مني صاحب الدكان أن أرتدي ثياب بابا نويل واقف أمام الدكان حاملاً الجرس .. حتى يأتي الزبائن الى المحل .. وقد وجدت مظاهرة أمام الحاجز ، اعتقدت أن وجدوي مع المتظاهرين سيجعل وسائل الاعلام تنتبه للحواجز العسكرية ، وتبث صورتي على الملأ .. مما يدفع زملائي في عالم بابا نويل الاحتجاج والرفض .
لكن الظاهر أن ثيابي الحمراء وقبعتي الشهيرة ولحيتي البيضاء وجرسي لم تعد جميعها تشكل الدهشة والفرح .
أثناء حديثه .. سمعنا أصوات اطلاق الرصاص من قبل الجنود ..
اختبأ بابا نويل خلف احد الجدران .. انتظر حتى هرب كل من في الساحة ، فخرج .. ناده أحد الجنود ، وصل بابا نويل اليه .. شده الجندي من لحيته ، ثم طلب منه خلع بدلته الحمراء ... لم يتردد فقد قام بخلعها دون مقاومة .. أخذوا ينظرون الى ملابسه الداخلية الممزقة .. ضحك الجنود عليه ... لفوا البدلة الحمراء والقوا بها في الموقد المشتعل الذي وضعوه أمامهم للتدفئة في ليالي البرد .
وقف بابا نويل عارياً .. طلبوا منه الركض .. أخذوا يطلقون الرصاص في الهواء .. وهو يركض .. وصل الى أول بيت دق بابه لم يستجيبوا .. دق ودق وهو يرتعش .. ردوا عليه من فوق ، من الطابق العلوي ، طلب خرقة ، أو أي شيء يرتديه ، وعندما سألوه من يكون ، قال أنه بابا نويل .. !!
لم يصدقه أحد في الطابق العلوي ، بل اعتقدوا أنه رجل منحرف وعليهم ضربه ، فتحوا الباب وأخذوا يضربونه ...
سالت الدماء الحمراء .. على وجهه وصدره ... ومن بعيد ظهر كأنه يرتدي البدلة الحمراء ، لكن لم يسمعوا صوت الجرس وهو قادم .

شوقية عروق منصور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى