لا بد أن تكون طينة العرب من طينة أخرى غير طينة الأجانب، وخصوصاً غير طينة الإسرائيليين، وقد كان دايفيد اليعازر مهّذباً جداً حين أعلن أسفه لسقوط ضحايا مدنيين أثناء غارات الطائرات الإسرائيلية على لبنان "لأن ذلك شيء لا يمكن تجنّبه". والواقع أنّ هذا الكلام هو استكمال للشّعار المرفوع عالياً في إسرائيل: "إنّ العربي الجّيد هو العربي الميت".
وأنا واحد ممّن لم يتيسر لهم هذا الأسبوع قراءة القصص وكتب الأدب، وكنت مشغولاً طول الوقت بقراءة الصحف وأخبار الاعتداءات الإسرائيلية، وخطابات دهاقنة اللّغات الدبلوماسيّة في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة. وقد تبيّن لي -كما هو الأمر بالنسبة لـ١٢٠ مليون عربي على الأقلّ- أن أروع عمل أدبي في التّاريخ، ينطبق على حالنا، هو تلك القصة القصيرة التي تعلمناها حين كنا أطفالاً عن المعزاية والذئب، وكيف لوّثت المسكينة مياه الجدول وعكّرته على الذّئب المهذّب، مع أنّها كانت تشرب من مكان أدنى من الموقع الستراتيجي الّذي تمركز فيه الذّئب، منذ احتلال علم ١٩٦٧ على الأقلّ!
قلت: قرأت الصّحف، وقرأت تعليقاتها إثر حادث مطار اللّد الأوّل، ثم حادث مطار اللّد الثّاني، ثم حوادث الاعتداءات الإسرائيلية. وطويت الجرائد وأنا أنفخ غيظاً، إذ أن هذا العالم الأحمق ليس بوسعه أن يكون أكثر حماقة. وبعد ملايين السّنين من انحدارنا من العصور الحجرية ما زالت القاعدة الذّهبية إياها هي الصّحيحة: إن صاحب الحجر الأكبر، وحامل العصا الأتخن، والبلطجي الشرّاني، هو الّذي معه حقّ!
يقول رئيف شيف، أحد أساتذة المنطق العسكري الإسرائيلي، إن على إسرائيل أن تعترف بأن الفدائي علي طه، الذي خطف طائرة السّابينا، قد أظهر شجاعة لا يمكن تصوّرها بعمله هذا... تساءلتُ يومها إن كان رئيف شيف سيعترف بذلك لو انتهت عملية خطف السّابينا إلى نجاح، أم أن المسألة تشبه قصائد التفشيط العربية القديمة، حين ينظم الشّاعر تسعة وتسعين بيتاً من الشعر في وصف شجاعة الأسد وسطوته كي يقول في البيت المئة إنه قتله؟
وصبّرني الله شهراً، فإذا بها المنطق نفسه يصف الفدائيين الثّلاثة الذين اقتحموا مطار اللد بأنهم "جبناء"! يا سبحان الله! وانتظرت فترة من الوقت، فإذا هذا الفبركجي نفسه، يمتدح "شجاعة" الطيّارين الإسرائيليين، المتربّعين في السّكايهوك والفانتوم، والعارفين بأنه لا توجد نقيفة واحدة تزعجهم، يرمون قنابلهم من وزن 2500 رطل فوق بيوت اللّبن والطّين في دير العشاير!.
وأثناء ذلك كان محرّرو "الإكسبرس" الفرنسية يحللون هجمات المقاومة بقولهم "إن الطّائفة الأرثوذكسية في العالم العربي قد تأثّرت بالإسلام إلى حدّ صارت تسمح لنفسها بالقيام بعمليات همجية ضدّ الآمنين المدنيين والمتربّعين بهدوء وسلام فوق الأراضي المحتلة..!".
وقلت لنفسي: يا سلام كيف ينحدر العقل الغربي حين يصبح مرشوّاً وجباناً، ألا يشبه هذا الكلام كلام هتلر وروزنبرغ وأمثالهما؟ على أن "الاكسبرس" نفسها لم تذكر حرفاً واحداً عندما زخ مطر الموت فوق قرويي الجنوب العزّل، وأطلقت على تلك العملية البربرية اسم "ردّ عسكري"!
لندن لا تزعج أفكار السّادة!
قلنا: لعل "التايم"، على انحيازها، لم تنحط إلى درجة جنون "الاكسبرس" و"النّوفيل أوبزرفاتور"، فإذا بنا نستفتح بالعبارة التّالية: "لماذا يجب أن يقتل يابانيون حجاجاً بورتوريكيين لأنّ العرب يكرهون اليهود؟" قلت: عجيب! ألم يكن بوسع الكاتب أن يقول: "لمجرّد أن العرب واليهود يكرهون بعضهم بعضاً؟" – إذا شاءت الموضوعية المزيفة؟
وصباح اليوم الذي تلاه، قلنا: لعل إذاعة لندن معقولة أكثر.. فإذا بها ألعنُ وألعن. أما نشرتها بالإنكليزية فلم تشأ أن تزعج أفكار السّادة سكّان لندن، فلم تذكر شيئاً، ولا حرفاً واحداً، عن المئات الذين ماتوا تحت قصف الطّائرات الإسرائيلية أثناء العدوان على جنوب لبنان..
لجأنا إلى الـ"النيويورك تايمز"، وإلى "الإيكونوميست". إلى "الفيغارو" وإلى "اللّوموند"، إلى "ستامبا"، إلى "دي فيلت" -وكان الشعار المستتر واحداً، وهو الشعار الذي يجد رواجاً كبيراً هذه الأيام: "إن العربي الجيّد هو فقط العربي الميّت"! وأمس، قالت إذاعة لندن ببساطة: "ألقتْ طائرات الـ "ب - ٥٢" ألفي طن من القنابل حول مدينة هوي". هكذا. بس!.
قلت لنفسي: يا مساكين يا عرب! كلّ الّذي فعله فدائيو اللّد هو أن كل واحد منهم قوّص مئة طلقة، ورمى قنبلة يدوية واحدة أو اثنتين، لمدّة دقيقتين وذلك في قلب أرض محتلة، على موقع استراتيجي، ضدّ عدوّ ما زال يذيقنا الموت كلّ ثانية.. وهذا اسمه عنف وهمجية وبربرية وقتل وفتك ولاإنسانية ووحشية... أما ذلكُما الطُنّان الألفان -أي مليونا كيلو من الموت- في أقل من خمس ساعات، فوق عدد لا يحصى من القرى الفيتناميّة، القنابل ذات الشّظايا البلاستكية الّتي لا تقبل بأن تقتل إلا بعد أن تعذّب الجريح شهرين أو ثلاثة شهور... أما هذه الجريمة الجماعية، الّتي هدفها الاحتلال وليس التّحرير، فاسمها في قاموس الصّحف والإذاعات: غارة استراتيجيّة.
الطّائرات بدل الفدائيين!
يا مساكين يا عرب..!
لو كان لديكم بدل الفدائيين الثّلاثة، ثلاثة أسراب من قاذفات الـ"ب - ٢٥" الستراتيجيّة، وبدل الرّشاش الخفيف طاقة من النّار تبلغ ألفي طن من القنابل في الساعة الواحدة، لصار منطقكم عند "الاكسبرس" و"النيويورك تايمز" وإذاعة لندن وفالدهايم منطقاً معقولاً، يمكن الاستماع له! لكن، يا حسرة، ما العمل عندما يكون المنطق الصّحيح مصاباً بشلل الأطفال، والخطأُ الفادح مسلّحاً بألف كيلو من العضلات؟.
وبعد ذلك كله يأتي يوسف تكواع، مندوب تل أبيب في مجلس الأمن، فيلوم العالم لأنّه لا يكترث "بالدّماء اليهودية، وكأنها أقل قيمة"!! إن التاريخ حافل بالوقاحات، ولكن ليس إلى هذه الدّرجة! إن تكواع هذا هو مندوب دولة قال مسؤولوها مراراً وعلناً وعلى رؤوس الأشهاد إنهم يعتبرون كلّ إسرائيلي مساوياً لمئة عربي. وهم لم يقولوا ذلك فحسب، بل تصرّفوا وفقه، وآلاتهم الحاسبة لا تزال تشرب دماء قرويي الجنوب، كي توازن القتيل الواحد، أو ذلك الّذي أصيب بجروح طفيفة، أثناء قصف بازوكا على مستعمرات كريات شمونة!
بعد هذه القراءات كلّها، وخصوصاُ بعد الاطلاع على "الرّدود" الفهلوية للحكومة، وبعدما ألقيتُ نظرة عامة على الوضع الثقافي عندنا، وجدت أن علينا إعادة الاعتبار لحكاية المعزاية والذّئب وجدول الماء، فالظّاهر أن أحداً لم يستوعب هذه الحكاية جيداً.. ومن هنا، وحتّى تتفجّر على جسمنا عضلات من مستوى الصّراع، فإن الأثر الأدبي المتمثّل بحكاية المعزاية والذّئب هو ملحمتنا الأدبيّة الفذّة..
والّذي نسمعه الآن من تصريحات المسؤولين العرب هو الثّغاء!
وأنا واحد ممّن لم يتيسر لهم هذا الأسبوع قراءة القصص وكتب الأدب، وكنت مشغولاً طول الوقت بقراءة الصحف وأخبار الاعتداءات الإسرائيلية، وخطابات دهاقنة اللّغات الدبلوماسيّة في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة. وقد تبيّن لي -كما هو الأمر بالنسبة لـ١٢٠ مليون عربي على الأقلّ- أن أروع عمل أدبي في التّاريخ، ينطبق على حالنا، هو تلك القصة القصيرة التي تعلمناها حين كنا أطفالاً عن المعزاية والذئب، وكيف لوّثت المسكينة مياه الجدول وعكّرته على الذّئب المهذّب، مع أنّها كانت تشرب من مكان أدنى من الموقع الستراتيجي الّذي تمركز فيه الذّئب، منذ احتلال علم ١٩٦٧ على الأقلّ!
قلت: قرأت الصّحف، وقرأت تعليقاتها إثر حادث مطار اللّد الأوّل، ثم حادث مطار اللّد الثّاني، ثم حوادث الاعتداءات الإسرائيلية. وطويت الجرائد وأنا أنفخ غيظاً، إذ أن هذا العالم الأحمق ليس بوسعه أن يكون أكثر حماقة. وبعد ملايين السّنين من انحدارنا من العصور الحجرية ما زالت القاعدة الذّهبية إياها هي الصّحيحة: إن صاحب الحجر الأكبر، وحامل العصا الأتخن، والبلطجي الشرّاني، هو الّذي معه حقّ!
يقول رئيف شيف، أحد أساتذة المنطق العسكري الإسرائيلي، إن على إسرائيل أن تعترف بأن الفدائي علي طه، الذي خطف طائرة السّابينا، قد أظهر شجاعة لا يمكن تصوّرها بعمله هذا... تساءلتُ يومها إن كان رئيف شيف سيعترف بذلك لو انتهت عملية خطف السّابينا إلى نجاح، أم أن المسألة تشبه قصائد التفشيط العربية القديمة، حين ينظم الشّاعر تسعة وتسعين بيتاً من الشعر في وصف شجاعة الأسد وسطوته كي يقول في البيت المئة إنه قتله؟
وصبّرني الله شهراً، فإذا بها المنطق نفسه يصف الفدائيين الثّلاثة الذين اقتحموا مطار اللد بأنهم "جبناء"! يا سبحان الله! وانتظرت فترة من الوقت، فإذا هذا الفبركجي نفسه، يمتدح "شجاعة" الطيّارين الإسرائيليين، المتربّعين في السّكايهوك والفانتوم، والعارفين بأنه لا توجد نقيفة واحدة تزعجهم، يرمون قنابلهم من وزن 2500 رطل فوق بيوت اللّبن والطّين في دير العشاير!.
وأثناء ذلك كان محرّرو "الإكسبرس" الفرنسية يحللون هجمات المقاومة بقولهم "إن الطّائفة الأرثوذكسية في العالم العربي قد تأثّرت بالإسلام إلى حدّ صارت تسمح لنفسها بالقيام بعمليات همجية ضدّ الآمنين المدنيين والمتربّعين بهدوء وسلام فوق الأراضي المحتلة..!".
وقلت لنفسي: يا سلام كيف ينحدر العقل الغربي حين يصبح مرشوّاً وجباناً، ألا يشبه هذا الكلام كلام هتلر وروزنبرغ وأمثالهما؟ على أن "الاكسبرس" نفسها لم تذكر حرفاً واحداً عندما زخ مطر الموت فوق قرويي الجنوب العزّل، وأطلقت على تلك العملية البربرية اسم "ردّ عسكري"!
لندن لا تزعج أفكار السّادة!
قلنا: لعل "التايم"، على انحيازها، لم تنحط إلى درجة جنون "الاكسبرس" و"النّوفيل أوبزرفاتور"، فإذا بنا نستفتح بالعبارة التّالية: "لماذا يجب أن يقتل يابانيون حجاجاً بورتوريكيين لأنّ العرب يكرهون اليهود؟" قلت: عجيب! ألم يكن بوسع الكاتب أن يقول: "لمجرّد أن العرب واليهود يكرهون بعضهم بعضاً؟" – إذا شاءت الموضوعية المزيفة؟
وصباح اليوم الذي تلاه، قلنا: لعل إذاعة لندن معقولة أكثر.. فإذا بها ألعنُ وألعن. أما نشرتها بالإنكليزية فلم تشأ أن تزعج أفكار السّادة سكّان لندن، فلم تذكر شيئاً، ولا حرفاً واحداً، عن المئات الذين ماتوا تحت قصف الطّائرات الإسرائيلية أثناء العدوان على جنوب لبنان..
لجأنا إلى الـ"النيويورك تايمز"، وإلى "الإيكونوميست". إلى "الفيغارو" وإلى "اللّوموند"، إلى "ستامبا"، إلى "دي فيلت" -وكان الشعار المستتر واحداً، وهو الشعار الذي يجد رواجاً كبيراً هذه الأيام: "إن العربي الجيّد هو فقط العربي الميّت"! وأمس، قالت إذاعة لندن ببساطة: "ألقتْ طائرات الـ "ب - ٥٢" ألفي طن من القنابل حول مدينة هوي". هكذا. بس!.
قلت لنفسي: يا مساكين يا عرب! كلّ الّذي فعله فدائيو اللّد هو أن كل واحد منهم قوّص مئة طلقة، ورمى قنبلة يدوية واحدة أو اثنتين، لمدّة دقيقتين وذلك في قلب أرض محتلة، على موقع استراتيجي، ضدّ عدوّ ما زال يذيقنا الموت كلّ ثانية.. وهذا اسمه عنف وهمجية وبربرية وقتل وفتك ولاإنسانية ووحشية... أما ذلكُما الطُنّان الألفان -أي مليونا كيلو من الموت- في أقل من خمس ساعات، فوق عدد لا يحصى من القرى الفيتناميّة، القنابل ذات الشّظايا البلاستكية الّتي لا تقبل بأن تقتل إلا بعد أن تعذّب الجريح شهرين أو ثلاثة شهور... أما هذه الجريمة الجماعية، الّتي هدفها الاحتلال وليس التّحرير، فاسمها في قاموس الصّحف والإذاعات: غارة استراتيجيّة.
الطّائرات بدل الفدائيين!
يا مساكين يا عرب..!
لو كان لديكم بدل الفدائيين الثّلاثة، ثلاثة أسراب من قاذفات الـ"ب - ٢٥" الستراتيجيّة، وبدل الرّشاش الخفيف طاقة من النّار تبلغ ألفي طن من القنابل في الساعة الواحدة، لصار منطقكم عند "الاكسبرس" و"النيويورك تايمز" وإذاعة لندن وفالدهايم منطقاً معقولاً، يمكن الاستماع له! لكن، يا حسرة، ما العمل عندما يكون المنطق الصّحيح مصاباً بشلل الأطفال، والخطأُ الفادح مسلّحاً بألف كيلو من العضلات؟.
وبعد ذلك كله يأتي يوسف تكواع، مندوب تل أبيب في مجلس الأمن، فيلوم العالم لأنّه لا يكترث "بالدّماء اليهودية، وكأنها أقل قيمة"!! إن التاريخ حافل بالوقاحات، ولكن ليس إلى هذه الدّرجة! إن تكواع هذا هو مندوب دولة قال مسؤولوها مراراً وعلناً وعلى رؤوس الأشهاد إنهم يعتبرون كلّ إسرائيلي مساوياً لمئة عربي. وهم لم يقولوا ذلك فحسب، بل تصرّفوا وفقه، وآلاتهم الحاسبة لا تزال تشرب دماء قرويي الجنوب، كي توازن القتيل الواحد، أو ذلك الّذي أصيب بجروح طفيفة، أثناء قصف بازوكا على مستعمرات كريات شمونة!
بعد هذه القراءات كلّها، وخصوصاُ بعد الاطلاع على "الرّدود" الفهلوية للحكومة، وبعدما ألقيتُ نظرة عامة على الوضع الثقافي عندنا، وجدت أن علينا إعادة الاعتبار لحكاية المعزاية والذّئب وجدول الماء، فالظّاهر أن أحداً لم يستوعب هذه الحكاية جيداً.. ومن هنا، وحتّى تتفجّر على جسمنا عضلات من مستوى الصّراع، فإن الأثر الأدبي المتمثّل بحكاية المعزاية والذّئب هو ملحمتنا الأدبيّة الفذّة..
والّذي نسمعه الآن من تصريحات المسؤولين العرب هو الثّغاء!