د.خالد محمد عبدالغني - عبدالفتاح الديدي : فيلسوفا ونفسانيا وأديبا وناقدا وإنسانا

تحل ذكرى رحيله في 12 يناير القادم وقد رحل في نفس اليوم الموافق لـ 24 من شهر رمضان
كنت قد وصلت مسجد السيدة زينب مع العصر من عام 2019 وبقييت حتى بعد العشاء وانا أستعد لالقاء محاضرة ضمن احتفالات الهيئة العامة لقصور الثقافة بليالي رمضان الثقافية والفنية بالحديقة الثقافية بالسيدة زينب حول كتاب: "فلسفة المصادفة" وذلك يوم السبت الموافق 25 مايو 2019 - الموافق 20 رمضان لمؤلفه: الدكتور/ محمود أمين العالم والكتاب في مجال فلسفة العلوم هو في الأصل رسالة المؤلف لنيل درجة الماجستير في الفلسفة والتي تمت مناقشتها عام 1953، وعنوانها الأصلي "نظرية المصادفة الموضوعية ودلالتها في الفلسفة الحديثة"، ولما وجدت نفسي قد وصلت مبكرا عن المنظمين فقد تجولت في الحديقة فإذا بي أجد معرضا للكتاب نظمته الهيئة وكالعادة تجولت بداخله لاتابع الجديد من المنشورات فإذا بي بالمفاجأة التالية حيث وجدت رواية مترجمة وعليها اسم اد.عبدالفتاح الديدي مترجما للرواية فبسرعة تلقفتها يداي وكأني على موعد من أحد كنوزه، وعلى الفور أطلت على ذاكرتي حديثه الشائق عن مجموعته القصصية الوحيدة التي صدرت له منذ زمن بعيد ونفدت من الأسواق وكانت بعنوان " أوعية الألم" وقد ناقش فيها عدد من قضايا الإنسان المعاصر ، ومن اللافت للنظر هنا أن ثمة تشابها بينه وبين استاه العقاد فقد أصدر العقاد رواية واحدة هي "سارة" وأصدر الديدي مجموعة قصصية واحدة هي "أوية الألم" . كما ترجم رواية امرأة في الثلاثين تأليف أونريه دي بلزاك والتي صدرت للمرة الأولى عن دار المعارف بالقاهرة عام 1970 وتعتبر من كلاسيكيات الأدب الفرنسي ويلفت الديدي إلى أن بلزاك ينتمي اجتماعا إلى الطبقات الوسطى، وهي الطبقات التي كان ينتمي إليها غالبية المثقفين، وقد حاول أهل بلزاك أن يدفعوا به إلى إحدى المهن القانونية، فقطع المرحلة الأولى من دراسة القانون، ثم عمل في مكتب محام، ومكتب موثق عقود، ولكن هذا العمل الرتيب ما كان ليرضي الفتى الطموح الذي كان يرقب من حوله مجتمعا يمكن أن يرتقي فيه ضابط صغير من كورسيكا إلى عرش الإمبراطورية، ويصبح فيه تاجرا صغيرا - بفضل المضاربة أو توريد المؤن للجيوش – من أصحاب الملايين، وترفع المغامرات السياسية بعض أصحاب القلم إلى مراكز الصدارة.
ومن ثم هجر بلزاك مهمة القانون، محاولاً تحقيق المجد عن سبل أخرى، فجرب الصحافة والنشر والطباعة والعمليات المالية، ولكن كل محاولاته لم تورثه إلا الإخفاق والديون التي تراكمت عليه حتى وفاته.
وكانت أعماله الأدبية الأولى أبعد ما تكون عن النجاح، ولكنه عاد إلى الكتابة تحت إلحاح مزدوج من موهبته الطبيعية ومن حاجته إلى المال، فقد كان ينشر معظم أعماله في الصحف في شكل مسلسلات يقبض ثمنها مقدما.
ويرى الديدي أن أول ما يلفت النظر في أدب بلزاك هو غزارة الإنتاج بشكل منقطع النظير. فقد كتب في حوالي ربع قرن ما يزيد على تسعين رواية وقصة قصيرة ومسرحية. وفي السنوات الثلاث ما بين 1832 و1835 وحدها كتب عشرين مؤلفا. وقد أحصى بعض المتخصصين في الدراسات البلزاكية الشخصيات المذكورة في رواياته، فوجد أن تلك الروايات تضم 2472 شخصية خيالية محددة بالاسم والمعالم، و566 شخصية مذكورة بالوظيفة فقط، فضلاً عن شخصيات تاريخية حقيقية عديدة.
ولما كنت مهتما بالاطلاع خارج المقررات الدراسية كان من اليسير أن أتعرف على مجموعة من مؤلفات الفيلسوف المصري الأكبر اد. عبدالفتاح الديدي وكانت متاحة دوما في معرض الكتاب أو منافذ بيع الهيئة المصرية العامة للكتاب وكانت أسعارها في متناول أيدي أمثالنا من القراء رقيقي الحال أيام الشباب ، ومرت سنوات قليلة جدا لألتحق بآداب عين شمس قسم علم النفس لدراسة السنة التمهيدية للماجستير في العام الدراسي 1994-1995 يوم أن كانت الدراسة عاما ميلاديا كاملا يدرس الطالب 132 محاضرة سنويا بواقع 3 ساعات لكل محاضرة ، وكان من حسن حظي بل ومن آيات الكرم الإلهي لشخصي أن أدرس حينها على أيدي علامة القياس النفسي اد. لويس كامل مليكة ، ذلك الذي ظننته قبل رؤيته غير موجود في الحياة فهو لابد وأن يكون من ماضي وتراث علم النفس في مصر لا من حاضره ، وإذ برجل طاعن في السن ممشوق القوام به شبه من صورة جدي وإذ به واقف على السبورة يكتب موضوعات المحاضرة والكل في صمت لا مثيل له وتقف بجواره لمساعدته شابة من نفس عمرنا تقريبا- نحن أغلب أعضاء تلك الدفعة الدراسية التي كانت 93 طالبا وطالبة لم ينجح منها في نهاية السنة سوى 23 فقط - ولكنها معينة بالقسم بوظيفة معيدة كانت تعاونه بجدية وحماس وتلقي علينا التعليمات التي لم يكن يلقيها علينا وتيسر لنا فهم ما يستغلق علينا فهمه، كانت متواضعة مثله بالرغم من عملها معيدة، دمثة الخلق، لا تتكلف في شيء، معطاءة لكل من يريد حاجة ، طيبة حسنة السيرة داخل القسم، انشغلت الدفعة بالحديث عنها وعن أستاذها وعلمنا في أحاديث أعضاء الدفعة أن اسمها "رشا الديدي" ذلك عام 1994 ، وقد صارت أستاذا ورئيسا لقسم علم النفس من سنوات ، وسرعان ما عاد لذاكرتي اسم الفيلسوف المصري اد. عبدالفتاح الديدي وسألته هل هناك علاقة قرابة معه فأخبرتني بأنه أبوها ، وكان من اليسير أن أذكر بعض أعماله وهي كثيرة وكنت يومذاك من الذين يحفظون للعقاد مكانة وجهدا في تاريخ الأدب العربي ، وأعرف الكثير عن حياته وأعماله فأخبرتني بأن لأبيها كتاب عن العقاد أو أكثر منها كتاب "عبقرية العقاد" وقالت لو تحب تكلمه ، هذا هو تليفون البيت – قبل ثورة الاتصالات وشيوع الهواتف المتحركة – وفعلا اتصلت بسيادته كأول مرة في حياتي أتصل بأحد من أعلام الفكر والثقافة بعد الشيخ محمد الغزالى السقا – وكانت الحوارات طيبة ولطيفة وتنساب فيها المعلومات هادرة من ذاكرة فيلسوفنا الكبير حتى عرجنا على علاقته بالعقاد ليخبرني ببعض منها مثل حضوره ندوات العقاد في بيته وأصدقائه حينها أيام شباب فيلسوفنا ، ولنصل إلى دنجوانية العقاد كما تجلت في رواية سارة – وهي الرواية الوحيدة التي كتبها العقاد- ليفاجئني الفيلسوف الكبير بأنه حين تعرف على العقاد كان العقاد شيخا تجاوز مرحلة الشباب والدنجوانية ولم يبد عليه أي أثر لها لا في سلوكه ولا في حديثه ، وجرى الحديث عن سارة وهي تعرفوا عليها في الواقع فأخبرني بأنها شخصية حقيقية واسمها "أليس داغر" بنت أخي المنتجة السينمائية اللبنانية آسيا داغر منتجة فيلم صلاح الدين وأن العقاد هجرها نتيجة لعدم وفائها له
الدكتور عبد الفتاح الديدى من مواليد السويس عام 1925 التحق بمدرسة السويس الابتدائية حتى عام 1941 حيث انتقل خلال تلك الفترة إلى القاهرة بعد أن هاجرت الأسرة بسبب الغارات الجوية التي تعرضت لها محافظة السويس في الحرب العالمية الثانية .
استقرت أسرته في شارع الملك ( مصر والسودان حاليا ) في القاهرة دخل مرتين الشعبة الثانوية وحصل على الشهادة التوجيهية عام 1944 التحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول ( جامعة القاهرة الآن ) وتخرج عام 1946 من قسم الفلسفة وأعد رسالة الماجستير في الوجودية والميتافيزيقا وكان يشرف علي الرسالة الدكتور عبد الرحمن بدوي عين مدرسا للغة الفرنسية بمدرسة العريش الثانوية ثم نقل إلى السويس الثانوية عام 1948 كان له نشاط سياسي متميز حيث التحق بالحزب السعدي سكرتيرا للشباب سافر إلى فرنسا عام 1954 للحصول على الدكتوراه بالسوربون وهناك انضم إلى الحركات اليسارية العالمية عاد عام 1964 إلى مصر تلبية لرغبة الدكتور ثروت عكاشة التحق بجامعة الأزهر ثم انتدب مديرا بمكتب وزير الثقافة ثروت عكاشة آنذاك والذي أسند إليه مسئولية المدير الفني لمكتب الوزير كان من المعروف أنه من رواد ندوة عباس محمود العقاد ومن الصق المقربين إليه. وتصادف أن يتوفى العقاد في نفس الشهر الذي عاد فيه الدكتور الديدى من باريس إلى مصر عام 1964 له العديد من المؤلفات الفلسفية ومن أشهر كتبه ( عباس العقاد وعبقرياته) و (الاتجاهات المعاصرة في الفلسفة ) والعديد من الكتب والدراسات والمقالات المنشورة في المجلات المتخصصة.. ومن أهم كتبه : الأسس المعنوية الأدب / فلسفة هيجل / فلسفة سارتر / القضايا المعاصرة في الفكر الفلسفي / مقدمة في المنطق الرمزي / أدبنا والاتجاهات العالمية..
وكنت قد ناقشت في أواخر 1998 رسالتي للماجستير وذات يوم اتجهت لقسم علم النفس بآداب عين للبحث عن مراجع ودراسات للدكتوراه ، وفي الطريق إلى مكتب رئيس القسم قابلت اد.رشا الديدي وكانت ناقشت الماجستير وتستعد لمناقشة الدكتوراه وكانت ترتدي اللون الأسود على غير عادتها ، فترددت في سؤالها ولكنها قرأت السؤال يتردد صداه في أعماقي فبادرتني قائلة :"بابا تعيش إنت" ، وأديت العزاء الواجب لها نحو الفيلسوف الكبير الذي عرفته وترحمت عليه ، ثم قرأت لاحقا مقالا ضافيا عنه رحمه الله وقد صوب المقال الكثير من المعلومات التي وردت خاطئة في كثير من المقالات التي كتبت عن الفيلسوف الكبير من قبيل تاريخ الميلاد والوفاة ورحلته في دول أوربا وطبيعة والوظائف التي تقلدها . واآن أتركك عزيزي القاري مع مقال اد. رشا الديدي عن والدها الفيلسوف الأكبر عبدالفتاح الديدي.
لتقول :" شخصية اليوم هو الدكتور عبد الفتاح الديدى إبن مدينة السويس الباسلة. ولد في الثامن من مايو عام 1926 وتوفي في الرابع والعشرين من رمضان 1419هجريا الموافق 12يناير 1999 عن عمر يناهز الثانية والسبعين.
حصل الدكتور" الديدي "علي ليسانس الآداب في الفلسفة من جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً) سنة 1949 ثم سافر إلى فرنسا عام 1952 وحتي 1956حيث حصل علي دبلوم دراسات العليا(منطق) بجامعة السوربون سنة 1953 ثم حصل علي شهادة" الأجرجاسيون" من جامعة السوربون بفرنسا (وهي رخصة تدريس الفلسفة بجامعة السوربون) سنة 1954 وانتقل "الديدي " إلى ألمانيا من عام 1956 إلي عام 1958 للدراسة والعلم حيث قضي الدكتور عبد الفتاح الديدي بين الخمسينات والستينات من القرن نحوا من ست سنوات بين ألمانيا وفرنسا يدارس الفلسفة والمنطق،وكانت رحلته الطويلة الي الغرب بالاضافة الي ملازمته لأستاذه "العقاد" أهم أعمدة بنيانه الفكري حيث كان "الديدي"تلميذا من أقرب تلاميذ عباس محمود العقاد والذي كان عونا له علي اتقانه اللغتين الألمانية والفرنسية ،ناهيك عن تمكن "الديدي" من اللغة الانجليزية ،التي كان يتسيدها أستاذه العقاد ليعود "الديدي" إلي مصر عام1959 ويحصل علي ماجستير في المنطق من جامعة القاهرة 1967وكان موضوع الماجستير بعنوان " النفسانية المنطقية عند جون استيوارت مل" بينما حصل علي الدكتوراه في "المنطق في مذهب برادلي" من جامعة القاهرة سنة 1971.
كانت حياة "الديدي" العلمية والعملية حافلة ولأنه كان تلميذا من أقرب تلاميذ عباس محمود العقاد فقد نشر حوله عدة كتب منها" النقد والجمال عند العقاد "،و"عبقرية العقاد" ،و"الفلسفة الاجتماعية عند العقاد". وقد قام بالتدريس في العديد من جامعات ألمانية وفرنسا وكان أستاذا بجامعة وهران بالجزائر وكلك بجامعة الجزائر بالجزائر. كما قام بالتدريس بالجامعات المصرية و بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة والإسكندرية وكذلك انتدب للتدريس بكلية الآداب جامعة المنيا والإسكندرية وبكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة وبجامعة الأزهر.
و له العديد من المؤلفات منها عبقرية العقاد والخيال الحركي والأسس المعنوية للأدب الاتجاهات المعاصرة في الفلسفة وفلسفة سارترو القضايا المعاصرة في الفلسفة وهيجل وفلسفة هيجل والنقد والجمال عند العقاد والفلسفة الاجتماعية عند العقاد. والنفسانية المنطقية عند جون استيوارت ميل وادبنا والاتجاهات العالمية والسلوك والإدراك عند بياجيه وفلسفة الجمال وعلم الجمال وعيسى والإسلام الحديث في نظر العقاد(مؤلف باللغة الألمانية1957) وينابيع الفكر المصري المعاصر، كما قام بترجمة العديد من الكتب مثل مسرحية "الجنوب" لجوليان جرين الترجمة العربية وأوعية الألم مجموعة قصصية وامرأة في الثلاثين ترجمة عربية عن بلزاك ومقدمة في المنطق المركزي وأوليات المنطق الرمزي والمادية والثورة.كما عمل بإدارة المجلات وساهم في العمل بمجلة الثقافة ومجلة الرسالة ومجلة المجلة.و شغل عدة وظائف منها خبير فكر وعلوم اجتماعية بمكتب وزير الثقافة ومدير لإدارة الترجمة لمكتب وزير الثقافة ومدير عام مركز المعلومات مكتب الوزير بوزارة الثقافة ومدير عام لشئون أكاديمية روما.
هذا فضلا عن عضويته بلجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة كما كان عضوا بإتحاد الكتاب.
وصفه الأستاذ الدكتور عصام الدين هلال بأنه مفكرا بارزا من مفكري مصر غاب عنا بجسمه ولكنه حاضر بكتبه المنشورة في هيئة الكتاب ودار المعارف ودور النشر غير الحكومية ،وأن ماتركه لنا من اعمال ستجعله عنصرا فاعلا في ميدان الثقافة العربية لأجيال قادمة حيث شارك "الديدي" في مسيرة التنوير الفكري التي بدأت مع بدايات هذا القرن ،متواصلا في ذلك مع ابرز مفكري التنوير بدءا برفاعة الطهطاوي ،وعلي مبارك،واحمد لطفي السيد،وطه حسين والعقاد"،و أن كتابه "ينابيع الفكر المصري المعاصر "قد أبرز الخيط الواصل في نسيج هذا الفكر لينبهنا الي موقعه من هذا النسيج ،كما ينبهنا إلي مسيرة هذا الفكر التنويري الذي لابد وان يستمر.كما أوضح د.هلال أن "الديدي" قد عرض في هذا الكتاب لكل من رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد لطفي جمعةوأحمد فؤاد الأهواني وعبد الرحمن زكي وزكي نجيب محمود وغيرهم ممن وصفهم بينابيع الفكر المصري المعاصرلما يمثلونه من تجربة فكرية مصرية معاصرة فريدة من نوعها."
كما أشار ا.د.عصام الدين هلال أن من الكتب التي يري فيها الأبعاد الاجتماعية لهذا النمط من الفكر ،كتاب "الديدي" "في "الفلسفة الاجتماعية عند العقاد"،فهو في هذا الكتاب يشير بلغتنا المعاصرة الي السيناريو الثقافي الذي مارسته مصرخلال حقبة من الزمن تعتبر من أثري فترات خصوبتها الفكرية حيث جري التفاعل بين الفكر و الواقع الاجتماعي منذ بداية قيام اول مشروع حضاري مصري في القرن التاسع عشر مرورا بالمشروعات الحضارية المتعاقبةعبر الحقبة الليبرالية وصولا الي المشروع الحضاري الذي نجتهد في بنائه اليوم.
كما أوضح ا.د.عصام الدين هلال أن "الديدي" في هذا الكتاب كشف عن البصمة التي تركتها الثقافة العربية في مسيرة الفكر العالمي وهو في ذلك لا ينطلق من منطق عنصري دوجماطيقي يمارسه الكثيرون الآن ،ولكنه نقل إلي ساحة الفكر العربي مجموعة مهمة من الكتب والنظريات والفلسفات التي ماج بها عصره ،فترجم"المادية والثورة"ل"جان بول سارتر" ذلك الكتاب الذي عبر عن المد الثوري العالمي ،وفي الوقت نفسه ترجم امرأة في الثلاثين ل"بلزاك"وهي رواية تعكس رقة الحس الانساني ورهافته الجميلة ،ومن ناحية ثالثة ترجم مجموعة من الكتب في المنطق الرمزي الذي عبر عن جمال الانتظام في العمليلت العقلية عند الانسان ،وكيف تتطور الي الترميز الذي يلخص الحياة الانسانية والتجربة البشرية عبر مسيرة حياتنا .كما أكد د.هلال علي أن "الديدي" قد شارك في المسيرة التنويرية منذ الأربعينات بالمقال والخاطرة والبحث العلمي الجاد والرواية والنقد والندوات الثقافية." كما أن الأستاذ الدكتور محمد عبد العظيم سعود علوم عين شمس وأحد تلامذة العقاد قد وصف "الديدي"،رحمه الله عليه بأنه يمتلك عقل مفكر وقلب طفل ،كانت أحاسيسه ومشاعره بسيطة ،نبيلة،لا يعرف كيدا ولا مينا ولا خداعا ،بل هي نفس صافية رقراقة نفس شابة ،"لاتشيب بشيبه " كما وصفه بأنه صاحب نفس طيبة ،حسنة النية،سليمة الطوية وكان يستدل علي ذلك بأن "الديدي"كان يري أنه ليس هناك سبب للخصومة بين مدرسة العقاد ومدرسة الشعر الجديد ".كما وصف الاستاذ الدكتور محمد ابراهيم الفيومي بأنه "عالم أديب مفكر" ملأ الساحة الثقافية من فيض فكره الفلسفي فكتب في المنطق الحديث والمنطق الرمزي ،والنفسانية المنطقية وفلسفة الجمال وينابيع الفكر المصري المعاصر وترجم كثيرا ودرس بالسوربون وله العديد والعديد من المقالات الفكرية .
وهكذا كتب كثيرون عن "الديدي" وأعدت رسالة ماجستير في فكر "الديدي" بعنوان:"فلسفة التربية عند عبدالفتاح الديدي" للباحث "علي محمد يوسف الشيشي" حيث أوضحت الدراسة أن عبد الفتاح الديدي رغم أنه فيلسوف ومفكر إلا أنه رجل تربية حتي وان لم يكتب مباشرة في التربية.
توفي "الديدي" بعد حياة علمية وعملية ثرية في الرابع والعشرين من رمضان 1419هجريا الموافق 12يناير 1999 عن عمر يناهز الثانية والسبعين بعد صراع مع المرض الخبيث ومن قبله تعرض لحادث سيارة أليم أثناء عبوره الطريق عند منزله في مصر الجديدة فقد علي أثره البصر إلا أنه لم يبخل بعطائه العلمي والأدبي كما لم يفقد ابتسامته ابدا حيث كان محبا لأسرته ولأهله وتلامذته وزملاءه وهو بحق ينطبق عليه مصطلح "شهيد المعرفة" الذي صكه "الديدي" نفسه في حديثه عن أساتذته العظام والذي بحق ينطبق عليه



1672829423804.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى