د. محمد الشرقاوي - هل يدرك وزير العدل مبادئ الفضيلة السياسية؟

يتطلب الإشراف على العدل في أي دولة ديمقراطية شروط الحصافة والرّزانة والإنصاف وتجاوز الاعتبارات الحزبية والطبقية. ومن يحمي ميزان العدالة ينبغي أن يكون رجل الحياد والعمق الأخلاقي والصرامة القِيَمِية في تطبيق القوانين. والنظام الأمريكي مثلا يمنع وزير العدل في أي حكومة ديمقراطية أو جمهورية كانت أن يجاري انتمائه الحزبي أو العقائدي، وأن يدير الملفات القانونية بما يمليه الدستور والتشريعات التي يصدرها الكونغرس بعيدا عن حسابات المصلحة.
عندما يعتد وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي بأنه "لا باس عليه"، وأن ابنه "عندو جوج ديال إجازات، وبّاه خلص عليه باش يقرا في كندا"، فإنه يترجم المزاج العام الذي تنطلق منه حكومة تغلّب قيمة المال على قيمة القيم وبقية مقومات الفضيلة السياسية التي تجسد رأس المال المعنوي لأي نظام حكم سياسي. وتدل تركيبة الحكومة وممارساتها اليومية حاليا على مرحلة احتباس في الفضيلة السياسية، وهي بالتالي ما يقوض مقولة الحكم الرشيد وتزيد في تآكل شرعية حكومة أخنوش وسط حملات "ارحل" وانكشاف أكذوبة تستاهلو احسن، الشعار البراق الذي لوّح به أمام الناخبين قبل اربعة عشر شهرا.
تتوازى مقولة الحكم الرشيد مع مبدأ الفضيلة السياسية Political morality، التي نادت بها كتابات عدد من الفلاسفة سواء العقلانيين أو المثاليين عبر التاريخ منذ أرسطو وافلاطون، مرورا بان رشد وإيمانويل كانط ومونتسكيو وجون رولز وبقية منظري فلسفة العدالة والحكمة السياسية. وقد شدّد أرسطو على أهمية مفهوم العدالة وقرينته بمفهوم الدولة العادلة، وهو مفهوم مركزي في الفلسفة السياسية منذ الإغريق حتى اللحظة المعاصرة.
عندما يدعو وزير العدل بشكل ضمني لمراعاة الفرق بين فئتين من المغاربة: مغاربة لا باس عليهم من صنفه ومقامه، وفي المقابل الخفي مغاربة مقسحين مع الوقت، فإنه يكرّس حسب اعتقاده "عدالة" من صنف آخر تصنعها المقدرة المالية وثقل الأملاك والمدخرات، وليس العدالة الاجتماعية ومسؤولية الدولة على تحقيق الرفاه لمواطنيها، كما تخيلها توماس هوبز وجون جاك روسو عند هندسة نظرية العقد الاجتماعي.
وعلى غرار الظواهر التي لا يُعتد بها كقاعدة في التاريخ السياسي، تكمّل #الوهبية ما بدأته #الأخنوشية من انحراف منظومة الحكم في المغرب عن مسار الفضيلة السياسية نحو الاحتكار وتكديس الأرباح. وتجتمع هاتان الظاهرتان التعيستان في تغليب كفة الثروة على كفة الكفاءة والأصالة الأخلاقية، فضلا عن معضلة الجمع بين الثروة والسلطة بشكل معلن.
كما كتبت من قبل، لو كان أخنوش في دولة ديمقراطية، لواجه جلسات تحقيق عسيرة في البرلمان أو الكونغرس وفق قوانين الاحتكار لقطاع الطاقة وقوانين تنازع المصالح بين الثروة والسلطة. واليوم أضيف: لو كان للمغرب برلمان بعمود فقري متماسك وتوازن القوة بين السلط، لتمّ استدعاء عبد اللطيف وهبي إلى جلسة إفادة عاجلة أمام لجنة الشؤون القانونية حول مغزى تصريحاته الاستفزازية في عاصمة فقراء المغرب، وقرر ممثلو الأمة #سحب_الثقة من حكومة تضع الاعتبار لقوة المال وتتلذذ بتذكير البسطاء بضعفهم وقهر الأيام العصبيات.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى