خالد جهاد - وجهة سفر

من الطبيعي بل ومن الصحي أن يكون هناك حالة من الحوار وتعدد الآراء والتباين في الأذواق ووجهات النظر تجاه أي موضوع أو قضية طالما ظلت ضمن نطاق الإحترام المتبادل، كما أن النقد وهو تخصص قائم بذاته ليس محصوراً في توجيهه نحو خصومنا ومن يختلفون عنا، فأهميته تكمن في نزاهته وحياديته وقيمته تزداد عندما يقف على مسافة واحدة من الجميع ويتم توجيهه نحو الذات لتصحيح المسار والتعلم من الأخطاء..

وعند الحديث في مقالات سابقة عن العديد من المشكلات أو الحالات التي تؤثر علينا كمجتمعات، وتؤثر على ثقافتنا وهويتنا كان الغرض هو أن نحاول التفكير معاً أو أن نصل إلى مصارحة قد تعود علينا جميعاً بالنفع من خلال تناول المواضيع من زوايا أقرب إلى الواقع، ودون شك فإن آفة التمييز والعنصرية التي لا زالت موجودة حتى الآن في مختلف البلدان والمناطق ولكن بدرجاتٍ متفاوتة هي محور نقاش مستمر ولن أمل من الحديث عنه لأنني أعتبرها قضية شخصية، ومع تناول العلاقات المعقدة بين الشرق والغرب وعالمي الشمال والجنوب وصراع الثقافات المختلفة نسينا أن نتحدث عن الجوانب التي نتحمل المسؤولية عنها أو أننا لم نناقشها بالقدر الكافي فالآخر ليس دائماً مصدر الخطأ، ومن خلال عدة نقاشات مؤخراً وجدت أنه من واجبي تناول بعض الآراء أو الأصوات التي لا نستمع إليها كثيراً..

فقد شن الإعلام الفرنسي منذ فترةٍ وجيزة حملةً على الممثل الفرنسي من أصول سنغالية (عمر سي) بسبب تصريحاتٍ أدلى بها وينتقد فيها السياسة الخارجية لفرنسا واهتمام الإعلام والفرنسيين عموماً بالشأن الأوكراني فيما يتجاهلون ما يحدث في القارة الإفريقية والعديد من الدول التي تعاني من العديد من المشكلات الكبرى، وهو ما دفع العديد من الصحفيين والإعلاميين لمهاجمته والحديث بشكلٍ صريح عن عدم وجود مشكلة في الإندماج مع المهاجرين الأوكرانيين عكس المهاجرين الأفارقة والقادمين من الدول العربية، ليرد مدافعاً عن نفسه ومتسائلاً عن أحقيته (كمواطن فرنسي) بالتعبير عن رأيه كالآخرين بسبب لون بشرته، ودفعه أيضاً للحديث عن تجربته مع (الباريسيين البيض) كما وصفهم والذين كان يشعر بعنصرية الكثير منهم تجاهه، حيث لم يتغير الوضع مطلقاً حتى بعد أن أصبح نجماً معروفاً وصاحب أجرٍ عالٍ جعله يتلقى عروضاً مختلفة للتمثيل في الولايات المتحدة الأمريكية..

و (عمر سي) هو ممثل شاب حاز على جائزة (سيزار) السينمائية الموازية لجائزة الأوسكار في الولايات المتحدة الأمريكية كأفضل ممثل، وهو أول ممثل من أصول إفريقية يحصل على هذه الجائزة في تاريخ فرنسا خاصةً بعد إحرازه عدة نجاحات متتالية في السينما والتلفزيون، وهي قضية جاءت بعد فترة وجيزة من ما حدث للاعبي المنتخب الفرنسي من أصولٍ إفريقية بعد عودتهم من مباريات كأس العالم الأخيرة، والذي أثار عاصفةً من الجدل بعد موجةٍ من التعليقات العنصرية تجاههم، كما فتح النقاش حول مصداقية الصورة التعددية والمنفتحة في فرنسا وأوروبا والغرب عموماً..

وكما كان هناك آراء ترفض وتستنكر ما تعرضوا له وهو ما يجب أن يرفضه أي إنسان كان هناك على المقابل آراء ترى الموضوع من زاوية مختلفة، حيث تساءلت والسؤال لكل من ينتقد السياسات المشابهة في الغرب عن سبب استمرار سعي الكثيرين من العرب والمسلمين والأفارقة وإصرارهم على السفر إلى دول لا ترحب بهم وترفضهم وترفض ثقافتهم ومعتقداتهم بشكلٍ واضح ولا تنظر لهم كما تنظر للمواطن الغربي، ولماذا مع معرفتهم بذلك جيداً عدا عن التاريخ الإستعماري للعديد من هذه الدول لا زالوا ينتقدونهم ويحاولون الوصول إلى بلادهم للإستقرار والعيش فيها ؟ ولماذا لا يعود المهاجرون الذين يتذمرون من التمييز إلى أوطانهم ؟

هنا كان لا بد من عرض هذا الرأي خاصةً وأن البعض اعتبر بعض المقالات السابقة نوعاً من التحامل على الغرب وهو ما ليس صحيحاً لأن الأحداث التي تم نقدها تمت على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فالإنسان هو الإنسان وهناك الكثير من الأشخاص من مختلف دول العالم ساندوا قضايانا وساندوا الكثير من القضايا الإنسانية ولهم كل التحية والتقدير والإحترام، وكل حديث هدفه التغلب على سلبيات نعيشها لنرتقي بأنفسنا وشعوبنا، وكجزء من النقد الذاتي دعونا أيضاً نتساءل داخل مجتمعاتنا العربية على تعدد مكوناتها وثقافاتها عن نظرتنا للمختلفين عنا وعن طريقة تعاملنا معهم كأصحاب البشرة السمراء الذين تحدثنا عنهم وعن العنصرية ضدهم في الغرب، في وقت لا زلنا نعاملهم فيه أيضاً بفوقية مهما حاولنا تجميل الواقع، وينعكس ذلك عليهم في فرص اختيارهم كموظفين وتكافؤ الفرص من حيث تواجدهم في الصفوف الأمامية، أو ظهورهم عبر وسائل الإعلام المحلية بشكل مشابه لبقية فئات المجتمع وصولاً إلى تقبلهم والزواج منهم بشكل طبيعي وهو ما يشي بخلل فعلي في طريقة تفكيرنا يوجب علينا أن نراجع أنفسنا وننقدها تماماً كما ننقد الآخر وألا نتذرع بأخطاء غيرنا مهما بلغ من تقدم، لأن النهضة التي لا تشمل الفكر والأخلاق والشعور محكومة بالإنهيار وبقاؤها مسألة وقت لا أكثر، ولا زلنا نتساءل عن الأجوبة بين وجهة النظر التي لا تتناقض مع وجهات السفر..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى