فايز السليك - "الغربة ان شاء الله تعقري"

مع نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، عرف المجال الأدبي ظاهرة ( أدباء المهجر)، أولئك الذين هاجروا من سوريا والعراق ولبنان إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، اشتهر أولئك الأدباء بمدرستهم الخاصة التي أرست دعائم الشعر الحر والحداثة، كانوا يأملون في تغيير واقع بلدانهم التي هاجروا منها، إلا أنهم انتهوا مهاجرين هناك.
من أشهر شعراء المهجر؛ إيليا أبو ماضي، مخاييل نعيمة، وجبران خليل جبران.
في السودان شهدت تسعينيات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين هجرة أسماء كبيرة من المبدعين، بدايةً بالهرم العظيم محمد وردي، ثم النيل الدفاق مصطفى سيد أحمد " أبو النيل" مثلما هاجر كتاب مجيدون مثل يحي فضل الله، أبكر آدم اسماعيل، عاطف خيري، الصادق الرضي، بشرى الفاضل.
في الدراما اغترب محمد السني دفع الله، والرشيد أحمد عيسى، تحية زروق، تماضر شيخ الدين.
لم يكن مستغرباً هجرة الفنانين، او اغترابهم هروباً من القبح والبؤس والتطرف، حيث صادر الاسلاميون كثيراً من الأغنيات التي لا تعجب ذوق غناء الدماء والاقصاء ومحاربة طواحين الهواء ( امريكا روسيا دنا عذابها)
طبيعي أن تشهد أيام البؤس الكيزاني هجرة العصافير عاشقة الحرية، بحثاً عن فضاءات واسعة، أو بحثاً عن لقمة عيش كريمة، واستمر النزيف، ولا يزال، فكانت فنانين امتلكوا أصوات فريدة.
من حسن حظي أنني رافقت صديقنا المحترم الفنان محمد العصامي " ما بين جامعة أم درمان الأهلية والخرطوم ( ووطني عيونك ديل وطني) و( الجالوص)، إلا أن تيار الغربة الجارف أصر على أخذ العصامي. كنت أقول له يا عصامي ، رحيل مصطفى سيد أحمد ترك فراغاً كبيراً، هذا الفراغ يحتاج لفنانين مجيدين، فنانون أصحاب قضية ومبدأ وأنت منهم، لكنه سافر واغترب.
مثلما سافر الفنان متعدد المواهب، صاحب الصوت الصافي، المناضل الملتزم بمبادئ الثورة طارق أبوعبيدة.
لم يمضي وحده، بل حمل الموج؛ سليل أبو النيل، عاشق الفن والوطن عاطف أنيس، من لا يتذكر عاطف وحفلات جامعة السودان أيام المقاومة الشرسة؟.
في السنوات الأخيرة تعرفت على صوت نادر، يحمل من صوت عبد العزيز العميري، العمق والمتانة، ومن مصطفى سيد أحمد، الحلاوة والطلاوة والشجن، هكذا صوت كمال الشادي، يتسرب كما العطر، يهدر كما الموج، يأخذ صوته من يستمع اليه عالياً في فضاءات فسيحة، تتدفق تطريباً شيقاً.
وتأبى الغربة إلا ان تحمل معها صوت ساورا، البهيج هشام كمال، سافر واكتفينا بسماع ابداعه عبر وسائط التواصل الإجتماعي.
تناثرت عقد الجلاد، فابتلعت المنافي صاحب الصوت البلوري، أنور عبد الرحمن، والرائع حمزة سليمان، وقبلهما عمر بانقا، ثم صاحب القضية والمحكمة، الصديق العزيز أباذر عبد الباقي، الذي استقر في القاهرة قبل هجرته إلى أوروبا، حضر أباذر أيام الزخم الثوري في المحيط المجاور، وشكل حضوراً بهياً.
والقاهرة كذلك هي مستقر الصديقة، المبدعة وسفيرة غناء السودان في مصر آسيا مدني.
وهل اعفت الغربةالفنان الوطن عاصم الطيب؟ يا للجمال! لونية خاصة بمذاق رائع .
ورشا شيخ الدين، يا سودان معليش.
يبقى السؤال؛ هل أضافت الغربة للمبدعين أم أخذت منهم/ن؟ ربما تتيح وسائط التواصل الإجتماعي والطفرة الكبيرة في مجال الاعلام الرقمي نوافذ كبيرة للمبدعين للاطلال عبرها من حين لآخر، لكن يبقى سؤال؛ هل يمكن للوسائط أن تعوض ما يضيفه الحضور المباشر، الاندماج اليومي، تفاصيل المشاوير والمسادير والمواويل؟
جميعهم/ن أصحاب قضايا، ظل فنهم مرتبطاً بالانسان ، وعرفوا بالجدية في الاختيارات الخاصة، أو اختيار ما يصطادونه من جواهر الأغنيات السودانية.
كل صوتٍ له وهجه، بهاءه، فخامته ورؤيته الخاصة، وهو ما كان يمكن أن يساهم في ملئ جزء من فراغ.
أيضاً ثمة اصوات اشتهرت بأداء الغناء العاطفي لكنهت تميزت بحسن الاختيار، جمال الصوت، وأناقة الحضور، وسوف أخصص لهم مساحةً خاصة.
أما الشعراء الذين يتبعهم غاوون الجمال والثورة والوطن، فلنا معهم وقفات.. عاطف خيري, الصادق الرضي، يحي فضل الله، وبشرى الفاضل.
أي نزيف هذا؟! وأي غربةٍ هذي؟.
ﺍﻟﻐﺮﺑﻪ ﺍﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﻘﺮﻱ
ﻳﺎﺗﻌﺪﻣﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ
ﺍﻟﻔﻘﺮﻱ ﻳﺎ ﺗﻌﺪﻣﻲ
ﺍﻟﺸﻴﻚ ﺍﻟﺨﻀﺮﻱ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺷﻠﺘﻲ
ﺍﻟﻌﻴﺎﻝ ﻣﻦ ﺑﺪﺭﻱ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺷﻠﺘﻲ



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى