د. محمد الشرقاوي - لماذا أخشى عليكم من التشكيك في تقاليد غيركم؟

يلومني البعض على تهنئتي بالسنة الأمازيغية الجديدة كحنقهم على اهتمامي بمعايدة المسيحيين بمناسبة العام الميلادي الجديد. وقد وصل النقاش حد طرح سؤال هلامي حول الفرق بين "الحلال" و"الحرام" في جواز أو بطلان روح التهنئة. ولا أستغرب من مثل هذه السؤال الذي يقحم الدين في مسألة مواطنة وتعايش اجتماعي وتعدد ثقافي داخل المجتمع ذاته لأننا تشبعنا بالتعصب في حقبة تعالي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة وقيم المواطنة المشتركة.
كتبت ذات يوم أقول: "سألتني العرب من أكون؟ فقلت أمازيغي. وسألني الأمازيغ، فقلت: عربي. فسألني الأفارقة، فقلت أندلسي. واستفهمني الغرب، فقلت: من قارّتين وحضارات عريقة وأمة محمد."
لم يعد الأمريكي والأوروبي يهتم بمدى الاختلافات الثقافية بيننا بحكم رصانة التركيب القائم لقيم المواطنة ومعاييرها القانونية ومجاراتها الاجتماعية. لكن، ما يثير انزعاجي هو تنامي سرديات الاختلاف والتعصب داخل السياق المغربي ذاته. وكم حاول البعض أيضا التهجم كلّما ذكرت عبارة "المغرب العربي"، ويصرون على "المغرب الكبير"، وكأن من السهل إجراء عملية جراحية لدول المغارب واستئصال كل ما هو عربي في تلافيف أكثر من أربعة عشر قرنا من التمازج الثقافي والحضاري.
أقول لكلا المتعصبين من الطرفين أن حكم التاريخ أقوى من قناعاتكم، ونسيج هذا المجتمع تراكم حضاري عبر فترات تاريخية مختلفة. ومن لا يقبل هذا التراكم الثقافي والاجتماعي، فإنه بمثابة دون كيشوت أمام تطور التاريخ.
أخشى عل كل مشكّك في ثقافة غيره من مغبة الانطواء على الذات وعدم الوعي بأن القيم والأعراف الثقافية وحتى التعاليم الدينية تظل خارج سياق التدقيق السلبي أو الاستصغار والتقزيم لأنها قناعات ومعتقدات متوارثة عبر قرون، وهي الشحنة التي تنفخ الحياة في الهويات والانتماء الاجتماعي. وإذا انقلب التشكيك في ثقافة الغير إلى تشكيك مضاد في ثقافة الذات، فإن المرء لن يستطيع الدفاع عن حقيقة الكثير من المعتقدات الثقافية والموروثات الدينية على حد سواء.
تنوع الهويات وتعدد الثقافات إثراء للمواطنة المشتركة، وليست مدفعيات ثقيلة لنسف ثقافة الآخر الذي لا يكتمل وجودنا إلا بحضوره وحضور ألوانه الثقافية!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى