هشام العطار - "تأملات الحزن والغربة".. قراءة في نص "على سكة الخسارات" للشاعرة السودانية أريج محمد أحمد

كان حدثاً مبهجاً أن يصل فريق مغربى الى تصفيات كأس العالم لكرة القدم فقد أثار هذا الحدث مشاعر التآخى بين شعوب العرب المظلومين الذين سرقت ثرواتهم دولاً غربية وقسموهم الى دويلات . ولكن الاعلام وظف ذلك الحدث لتكريس الفكر الاقليمي بدلا من التوحد الفكرى (الايدلوجى) الذى يساهم فى تقدم تلك الشعوب كما تم استغلاله ايضا فى تفريغ الشعوب من الشعور بالظلم واجهاض اى حراك فكرى تراكمى قد يؤدى الى التغيير .
ومثلما كان اقتراب المغرب من نهائي الكأس حدثا فى اوساط الجماهير العربية كذلك كانت قصيدة على سكة الخسارات للشاعرة اريج محمد حدثاً فى اوساط جمهور الأدب العربى لما لها من تأثيرات شعورية أكثر ايجابية لا يمكن تفريغها في قوالب أخرى و كذلك لما لها من مقاصد وجدانية سامية و مباشرة .
و تأتي أهمية هذا النوع من القصائد فى أنها تساهم بشكل تفاعلي في بناء وحدة فكرية تراكمية من خلال اصابة المتلقى العربى بجرعة صادمة و موجعة من تأملات الحزن والغربة مما يفجر لديه رغبة في التغيير.
لقد تم بناء القصيدة اعتماداً علي محورين رئيسيين كان اولهما
هو محور الاغتراب و المخاصمة و ثانيهما هو محور تجسيد الحزن و الالم.
ففي المحور الاول كشفت الشاعرة عن حالة الاندهاش و الغربة بسبب تخاصم جغرافية أوطاننا لنا فشمس الوطن التي من المفترض ان تبعث الضوء و الأمل تصادر امالنا و احلامنا كما ان الأرض تقتطع قطعا من قلوبنا ثم تحاول ان تقتلنا بدلا من ان تحتضننا و تحمينا .. وكذلك الطريق الذي يجب ان يوصلنا لاهدافنا فإنه يسرقنا بدلا من أن يعطينا غايتنا ليسلبها هو .
فكل مكونات الوطن غريبة عنا وهي في حقيقتها ليست لنا و لا نمتلكها وهذا الشعور يصيب المتلقي بالصدمة فتتحرك لديه احاسيس الاغتراب وتوقظ في نفسه المشاعر الإنسانية من جديد بعد ان تبلدت بفعل الاعتياد على القهر .
اما المحور الثاني وهو محور تجسيد الحزن فقد أبدعت فيه الشاعرة من خلال تجسيد صور الفساد المحنط بجيوب الفاسدين فاستطاعت الشاعرة تجسيد معاناة الشعوب العربية ازاء فساد انظمتها .. وتبلور هذا التجسد على هيئة صور شعرية معبرة عن حالات الفقر والمرض والموت... فتقول
ويصرعُ انتهاء الصلاحية
مرضانا بعلبِ الدواء
المفخخة باوراق البنكوت
و يعتبر قمة الفساد في وصفها للمدينة بانها مكب نفاياتٍ كبير و أن الفساد قد استشرى لدرجة أنه أضاء الخمارات وأظلم البيوت حتى أن أطفالِ الشّوارع صاروا يقتسمون بقايا خبز ميت.
اما بخصوص لغة السرد فقد جاءت متحرره من الوزن و القافية متمتعة بالموسيقى الداخلية التي قد وفقت فيها الشاعرة بشكل جيد.
وتكتمل القصيدة عندما تنتهي بمجموعه من التساؤلات المطعمة بصور سرياليه مثل: -
مَن سرق أريجَ الورداتِ
مَن خلط الطحينَ
بنثار الألماس
ليُشترى بماءِ العيون
يصيبنا العمى
ولا نشبع
مـَن حذر النهر
مِن موجه
وزرع الخديعة
بين الكلمةِ والمعنى
مَن جرد
الأوطانَ
مِن مساحة الكرامة
وضرج الأعلامَ
بالدماء .....؟
إنه بالرغم من ان اتمام القصيدة بتساؤلات ليس اسلوبا جديدا في فن القصيدة الشعرية الا ان طرح تلك التساؤلات بعينها تذيب جليد الاعتياد علي الظلم و تفجر لدى المتلقي من جمهور الادباء و المفكرين رغبه فى التوحد شعوريا مع الشعوب العربية الاخرى التي تعيش مأساة سرقة الاوطان . و اننى لأري في هذا التوحد قيمه كبيره قد تخرج جيلا جديدا من المفكرين الحالمين بالتغيير .. و من هنا تعلوا قيمة الادب و الشعر على مباريات الكره لأنها تولد حراكا فكريا تراكميا لا يمكن اجهاضه.


النص

..على سكة الخسارات ..
يسرقُنا هذا الطريقُ الذي نظن
انه يقاسمنا المشوار
وتلك الشمس التي تمنح الضوء
تقطعُ وريدَ أحلامِنا
تأخذُ الأرض قطعاً مِن قلوبنا
تغصُ بحملِها
ونئنُ
مِن وجع الغياب
ماهذه الحياة
في ظل طريق
يغلفُ مشوارنا
بالنقص
وأحلام يطعنُها النّهار
بالواقع
وأرض تُشبع نهمها
بالموت
كئيبٌ جداً هذا اللون
لون التبرير
لكُل خساراتنا
وواهيةٌ تلك الرؤى
لا تكشف الا عن هشاشةِ الفكر
عن عجز يفترشُ
سماء المُدن
المقتولة بالفساد
المحنطة في الجيوبِ الخلفية
للفاسدين
المفسدين
يختنقُ الخبز بالتخمة
على مرأى مِن جوعنا
ويصرعُ انتهاء الصلاحية
مرضانا بعلبِ الدواء
المفخخة باوراق البنكوت
بعيداً عن جيوبنا التي
تُزين عنقَ الفقر
بالمزيد مِن الجثث
يرقصُ المرضى
على لحنِ جنازة
ويثملُ الجوعى
على رائحةِ الخبز
والمدينةُ
مكب نفاياتٍ كبير
يتسعُ
لفواتير الكهرباء
التي تبيتُ
في النوادي الليلية
وتترك للبيوت
دموع الشموع
لترسم انهياراتنا
يتسعُ
لأطفالِ الشّوارع
يقتسمون
البقايا
خبز ميت
ورائحة التحلل
يتسعُ
ليُصدر لنا
الذباب
الكلاب
والعفونة
العطور باتت مغشوشة
مَن سرق أريجَ الورداتِ
مَن خلط الطحينَ
بنثار الألماس
ليُشترى بماءِ العيون
يصيبنا العمى
ولا نشبع
مـَن حذر النهر
مِن موجه
وزرع الخديعة
بين الكلمةِ والمعنى
مَن جرد
الأوطانَ
مِن مساحة الكرامة
وضرج الأعلامَ
بالدماء .....؟


من وقائع الندوة التي تمت استضافتي فيها بدعوة كريمة من الأستاذ الأديب نشأت المصري في رحاب صالونه الأدبي الراقي "جماعة الصالون" والتي تم فيها تناول بعض قصائدي بالنقد والتحليل.
توثيق ونشر لكل القراءات التي قدمت خلال الندوة تباعاً فور وصولها وذلك تقديراً لكل الأساتذة الذين شرفت بالحلول بينهم ولتعميم الفائدة الأدبية .
فائق الشكر لكل الحاضرين لحسن الترحيب والاستماع .
الأستاذ الأديب نشأت المصري _ إدارة الندوة والتقديم
الأستاذ ياسر عبد الرحمن _شاعر وناقد.
الأستاذ دكتور صلاح شعير _روائي وناقد.
الأستاذ مهندس هشام العطار _ قاص وناقد.
الأستاذ محمد هلال _ روائي ،صحفى بالأهرام.
الأستاذ مهندس مصطفى الخطيب _ قاص وناقد.
الأستاذة فاطمة المرسى _ شاعرة.
أريج محمدأحمد

1673861610360.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى