إبراهيم ناجي - حان حرماني وناداني النذير

حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعدَدت لي قبل المسير
زمني ضاع وما أنصفتني
زاديَ الأول كالزاد الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلبٌ ودمٌ
وعلى بابك قيدٌ وأسير
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي
هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما
جئتها أجتاز جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا
والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفاً عابراً
ثم أمضي عنك كالطير الغريب
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما
والحنان الجمّ والرقة فيما
لِم تسقينيَ من شهد الرضا
وتلاقيني عطوفاً وكريما
كل شيء صار مرّاً في فمي
بعد ما أصبحت بالدنيا عليما
آه من يأخذ عمري كله
ويعيد الطفلَ والجهلَ القديما
هل رأى الحب سكارى مثلنا
كم بنينا من خيالٍ حولنا
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه
فتهاوين وأصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً
وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا ليتَ أنا لا نفيق
يقظةٌ طاحت بأحلام الكَرَى
وتولّى الليلُ واللَّيل صَدِيق
وإذا النُّور نَذِيرٌ طَالِعٌ
وإذا الفجر مُطِلٌّ كالحَريق
وإذا الدُّنيا كما نعرفها
وإذَا الأحبابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدني وَدَعني أسعدُك
قَد دنا بعدَ التنَّائي موردُك
فأذقنيه فإني ذاهِبٌ
لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُك
وابلائي من لياليَّ التي
قرَّبَت حَيني وراحَت تبعدُك
لا تَدَعني لليالي فغداً
تجرَح الفرقة ما تأسو يَدُك
أزف البين وقد حان الذّهَاب
هذه اللَّحظة قَدَّت مِن عَذَاب
أزف البين وهل كان النَّوى
يا حبيبي غير أن أغلق باب
مضت الشّمس فأمسيت وقد
أغلقت دونَي أبواب السَّحاب
وتلفَّتُّ على آثارِهَا
أسألُ الليَّل ومَن لي بالجواب
أعلى