فاتن فاروق عبد المنعم - بقعة ضوء (٧)

(٧)

معركة القادسية….دروس مجانية:
مازال هيو كينيدي يراوغ ويحقر من شأن العرب ونصرهم على الفرس دون مبرر يذكر، رغم أن أبجديات التأريخ هو إجلاء الحقيقة على مرارتها حتى تكون مشعل هداية فلا يقع الحاليون في أخطاء السابقين، وبالمثل لنا اقتفاء أثر الأول دون تزييف أو تهويل يجيب على الكثير من الأسئلة في زمننا الآني حيث الضباب الكثيف في أفق الذين ضلوا وأضلوا، فعميت عليهم الرؤية وفقدوا البوصلة التي بها يهتدون.

مدينة أفلاطون الفاضلة هي مدينة خلت من كل الفضائل، مدينة طبقية تراتيبية، تتكون من طبقة برجوازية ضيقة يستعبدون الجموع الغفيرة من العوام، وعلى هديهم مضى الفرس، ولكن المسلمون الأول كان يحضرهم قول نبيهم :

{يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ}

وهذا الإيجاز في القول نفي السبق لأي دعي يرى أن له السبق في نفي العنصرية وإرساء العدل بين الناس، قالها نبينا من قبل، فقط مناط الانتقاء والمفاضلة بين الناس هو التقوى والعمل الصالح، فكان هذا هو ما جعل الفرس يعترفون بالقوة والتفوق الأخلاقي للمسلمين، وأول ما استرعى انتباه رستم الأرمني وجعله يتشاجر مع رجال بلاطه الذين يصرون على غرورهم وصلفهم ويبقون على جهلهم وازدرائهم للمسلمين.

العدو، أي عدو لا يقاتل المسلمين إلا من وراء جدر، جدر الفرس كانت الأفيال التي اصطجبوها معهم، ولكن احتدام الأمر أثبت فشل وجود الأفيال مما جعل الفرسان ينزلون من على خيولهم ويواجهوا المسلمين بالسيوف والرماح، استمرت المعركة لأيام عدة ولا يفتأ كينيدي يشكك في المصادر العربية ويراها تهول ولا تذكر الحقيقة في الوقت نفسه لم يقدم البديل الذي يعتد به.

تفككت قيادة الفرس وأصبح من السهل أن يدخل المسلمين بقية المناطق بالعراق ولم تكن محاولات قادة الفرس المبعثرين في تجميع الناس حولهم لاستعادة ملكهم سوى تبعات الضرب المتكرر على الرؤوس والتي أفقدتهم التوازن.

طيسفون عاصمة الفرس:
وهذا الإسم باللغة الإغريقية وترجمته للعربية المدائن، مدينة محصنة على نهر دجلة، غالبية سكانها كانوا من النصارى واليهود ويتحدثون اللغة الآرامية، ولم تكن تضم أي معابد لنار الفرس، كانت محصنة بالمتاريس الترابية والحراس وغيرها، وقد أرسل يزدجرد كسرى الفرس يطلب التفاوض مع العرب على أن يتملك الفرس الضفة الشرقية لنهر دجلة ويكون النهر هو الفاصل بين حدود الدولة الإسلامية والدولة الفارسية.

وليتفقه معي أنصاف الموهوبين وأنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين المهزومين، تربية المستشرقين والمفكرين الغربيين رد الرجال الذين يوزنون بالذهب، “البدو الأجلاف” الأميين الذين لم يتصلوا بأسباب الحضارة ربما زالت من نفوسكم الهزيمة النفسية وضبابية المشهد والعقول التي جعل منها إعلام الرايات الحمر كلأ مستباحا ففاضوا عليكم بالضلال المبين:

«لن يكون هناك صلح أبدا حتى نأكل عسل إفريذين بأترج كوثه»

وهذا القول يعني أنهم سيتموا فتح العراق وإيران (إفريذين بين الري ونيسابور شمال شرق إيران، وكوثه بالعراق)

والحقيقة التي أقر بها كينيدي المنحاز للفرس أن الخطط الاستيراجية والعسكرية “للبدو الأجلاف” كانت مبهرة، فلم يكن لهذا النهر جسر يعبرون عليه واستعان العرب بمشورة بعض سكان المدائن الذين يعرفون بعض الأماكن بالنهر التي يمكنهم منها العبور بخيولهم، وبعضهم سبحوا بالنهر في مجموعات متماسكة، يثرثرون كما لو كانوا يسيرون فوق أرض جافة، وفاجأوا الفرس على نحو لم يظنوا أنه ممكن.

ويقول كينيدي المؤرخ المعاصر الذي مازال حيا يرزق دون خجل:
«تذكر أحد الجنود العرب كيف أنه دخل خيمة فارسية كان بها مرافق (وسائد) وثياب، وإذا فرش على إنسان فأنبشه، فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس فأخذتها وثيابها، فأديت الثياب، وطلبت في الجارية حتى صارت إلي فاتخذتها أم ولد» هكذا كانت متعة النصر، ولم يكن ثمة ما يحرم الاستمتاع بها.

وكما العادة كينيدي المعاصر لا يرى سوى بعين واحدة، لذا فهو لا يرى أمريكا ومافعلته بالعراق من سرقة سبائك الذهب والبنوك والآثار والمتاحف، أما عندما سئل أحد الجنود عن أكثر شيء جميل بالعراق، فقال المأفون البنات المراهقات الأبكار، هذه كانت متعة نصر الأمريكان فهل كان لديهم ما يحرم استمتاعهم السادي؟

العربي الجلف عندما أخذ الفارسية جارية طبقا لما هو متبع في زمانهم، قال لنفسه أنها ستصبح أم ولده، أما الأمريكي المتحضر الذي لا يعرف أبوه، اغتصب الأبكار وتركهن للمجهول فهل يدرك كينيدي هذه المفارقة؟

وبعد شروح مستفيضة عدد فيها كينيدي فتح العرب للمدن الفارسية وأفاض في القول ببساطة المسلمين في لباسهم وفرشهم وبيوتهم لدرجة أنهم لم يكن يعرفوا كيفية التصرف في ميراث الفرس الفخيم على تنوعه.

وعن عدلهم ورحمتهم بعوام الناس يقول كينيدي:
ومع انهيار الجيش الفارسي، كان العرب جاهزين لوضع شروط سهلة مع بقية السكان، إذ أنهم لم يرتكبوا مذابح ضد سكان المدن والقرويين، ولم يستولوا على منازلهم وأراضيهم، ولم يتدخلوا في دياناتهم أو عاداتهم، بل إنهم لم يستقروا بينهم، وطلبوا فقط دفع الضرائب، وألا يساعد السكان أعدائهم، ولا يمكن التحقق مما إذا كانت الضرائب أكثر أو أقل مما كانت عليه تحت الإدارة السابقة (الفرس) ولكننا واثقين من أن غالبية الناس بالعراق كانوا يعتقدون أنها صفقة جيدة.

تعقيب هام:
«البدو الأجلاف» لم يبنوا للعراقيين(سجن أبو غريب) ليمارسوا على نزلائه سادية ووحشية تعافها الحيوانات، ولم يسرقوا وينهبوا ويقتلوا الناس ولم يفرضوا عليهم دينهم وعاداتهم وسلوكياتهم الحياتية، لا لشيء إلا لاتباعهم المنهج الإلهي الذي بين أيديهم، والذي هو من لدن حكيم خبير.

العرب أينما ولوا وجوههم مدت الأرض كالبساط تحت أقدامهم وجاءتهم الدنيا مهرولة إليهم لا لشيء إلا لأنهم ما خرجوا من بلادهم إلا لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

منذ الاحتلال الفرنسي لمصر والمحتل أيا كان اسمه حريص على جعلنا مستهلكين لمنتجاته، بل ونقيس تقدمنا على قدر اتباعنا لعاداتهم ولغاتهم وفكرهم ورؤيتهم وأطروحاتهم حتى أصيبت عقولنا بالتكلس، بل إنه رسم الأطر التي فيها نتحرك، ومن أراد أن يبزغ نجمه في مجال ما لابد أن يكون تابع جيد لإملاءاتهم، والعالم إما أن يكون خادما مطيعا لهم (مثل أحمد زويل) أو أن يقتل بدم بارد والفاعل مجهول (قائمة العلماء المقتولين طويلة تستعصي على الحصر)

هل أدركنا لماذا يتم احتوائنا؟ هل أدركنا لماذا ابتلينا بالهزيمة النفسية التي أحالتنا إلى جملة من المعاقين؟ متى نشب عن طوقهم مهما كلفنا؟

عن العرب يقول جوستاف لوبون:
إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه…

وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى