أمل الكردفاني- سوسيولوجيا النكات الإباحية السودانية والمتواري الثقافي "بارادايم التسلُّط الجنسي"

سوسيولوجيا النكات الإباحية السودانية والمتواري الثقافي

"بارادايم التسلُّط الجنسي"



The Sociology of Sudanese Porn Jokes and the Cultural Concealment

"Paradigm of the sexual authoritarianism"​



أمل فايز حسن يوسف الكردفاني[SUP][1][/SUP]



ملخص:

عمل هذا البحث على استلال الأنماط المعرفية والخيال الاجتماعي في المجتمع السوداني من خلال المشترك الذي تعتمد عليه النكات الإباحية لخلق المفارقة الجنسية، بالإضافة إلى استبيان موقفه العام تجاه تفاعلاته الجنسية مع بيئته الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهو بحث تفكيكي وديالكتيكي في آن واحد. وكانت مخرجات البحث ليست صحة الفرضية من كون الجنس آلة قهر سلطوي في مجتمع ذكوري فقط، بل تبين أن النكتة الإباحية أدت -في دور ثانوي لها- إما إلى مناهضة سلوكيات اجتماعية أو عززت توجهات ومفاهيم أخلاقية جماعية، كرفض المثلية، وتعزيز مؤسسة الزوجية، ومكافحة بعض العادات التي سادت في المجتمع من خلال الاستخفاف بها عبر النكتة، فالنكتة الإباحية كان لها دور الموجه أخلاقي في الواقع.

كلمات مفتاحية: سيسيولوجيا، النكات، الإباحية، التسلط، الجنسي

Abstract

This research worked on inferring cognitive patterns and social imagination in Sudanese society through the participant on whom pornographic jokes depend to create sexual paradox, in addition to questioning its general attitude towards its sexual interactions with its economic, political and cultural environment. It is a deconstructive and dialectical research at the same time. The results of the research were not the validity of the hypothesis that sex is a machine of authoritarian oppression in a male-dominated society only, but it was found that the pornographic joke led - in a secondary role to it - either to combat social behaviors or reinforced collective moral orientations and concepts, such as rejecting homosexuality, strengthening the institution of marriage, and combating some The habits that prevailed in society by underestimating them through humor. The porn joke actually had a moral mentor role.

Keywords: sociology, jokes, pornography, authoritarian, sexuality















مقدمة: إحاطة ما قبل التوغل:

الموضوع والفرضية: الجنس كسُلطة:

تتأصل العجرفة في العلاقة الجنسية، باعتبار نهايتها (Orgasm) نصراً للرجل، وتنازلاً تمنحه المرأة طعم هزيمتها المُختلقة. إنها ليست علاقة متكافئة كما قد يبدو من مفهومها الأوَّلي كتبادل لإشباع الرغبة، بل هي إشباع أحادي وفردي، يحوِّل أغلب علاقات الزواج لكابوس مزمن. لا يمكننا أن نختزل هذه الأزمة (السوسيو-ابستمولوجية) في تأصيل ثقافي منحصر داخل إطار الزمكان، لأن التاريخ قد يكشف لنا عن خطأنا إن نحن فعلنا ذلك. من هنا لا تكون النكتة الإباحية مجرد مفارقة، بل عجرفة، ولذلك يتم تبادلها بشكل سري جداً. إذ أن الجنس يعتبر بمثابة سر تجاري (ربح وخسارة)، رغم أنه ليس كذلك لو أسقطنا بصرنا على الجنس في عالم الحيوان ما دون الإنسان. وبما أن الجنس هنا ميزة، ونصر، وكبرياء، وعجرفة، فإن النكتة الإباحية هي بدورها علامة حضارية. فالتناسب العكسي بين التحضر والعمومية، والتناسب الطردي بين التحضر والخصوصية، يعني أن النكتة الإباحية تستمد عمقها التأثيري من كونها تعبيراً حضارياً متجاوزاً، وبالتالي فهو تعبير سوبر؛ قادر على اختراق ما هو متكلِّف وسياسي، ورغم ذلك فهو ليس تعبيراً نخبوياً ولا شعبوياً، بل هو تعبير وسيط، ولأنه كذلك فهو أداة تواصلية لها رسائلها وأهدافها ومستهدفيها، فالنكتة الإباحية تعتمد على عناصر النكتة التقليدية، أي: (١) (الحدثين أو أكثر)، و(٢) (المفارقة) التي ينتجها ضم متعمد بين الحدثين أو الأحداث، (٣) اتساع الماصدق (جماهيرية المفهوم)، وهذه الجماهيرية، تعني تشاركاً نسقياً إما على مستوى بشري كوني، أو تشاركاً محصوراً في الزمكان (الخصوصيات الثقافية)، وهنا تكون النكتة مرآة إجتماعية لهذه الأخيرة بكل حمولاتها. وهي تفترض معقولية الربط بين الأحداث ومنطقية المفارقة. فإن كانت المقدمات غير معقولة أو كانت المفارقة غير منطقية، فقدت النكتة تأثيرها الإضحاكي. باختصار ينضاف الجنس إلى تلك العناصر، ولكنه ليس عنصراً ثانوياً كما نتصور جراء كونه لاحقة. بل هو جوهر أصيل يمنح النكتة ألقها، لأنه يضيف إليها عناصر غائبة، كالميزة (الصراع المزمن بين الرجل والمرأة) والكبرياء والنصر والعجرفة، ويعني أننا عبره نخترق الحضارة، ونتحدث عن سر قوتها وعظمتها وجبروتها، وبما أنه كذلك فهو -أي الجنس- يجب أن يظل سراً لا ينكشف على كل من هب ودب. وبتكامل الجنس والنكتة تظهر النكت الإباحية. التي يمكنها أن تعطنا ملمحاً سوسيولوجياً عن محيطها، وأنساقاً اجتماعية متوارية خلف ذلك الملمح. يمكن أن نجد ميزة مهمة للنكتة الإباحية إذ أنها تعتبر إغراقاً في الوجود، بحيث لا يمكن أن تنتمي للرؤى العدمية إلا فيما ندر. إنها تعبير عن اللذة بشكل مباشر، ومن ثم النزوع إلى تبني الحياة كمتعة، وجعل الجنس أعلى درجات المتع رغم أنه يتعرض لتتفيه واستخفاف ظاهري وفي الغالب يواجه بتجنب تطهري زائف.

المنهج والنظرية:

إذا كان دريدا يرى في الإختلاف تأجيلاً ومغايرة[SUP][2][/SUP]، فهو ينفي جوهر الإختلاف، حتى لو كان يتعامل مع الإختلاف كعلامة. تجد فلسفة الإختلاف ضرورتها الأهم في جانبها الحقوقي، أي في "الحق في الاختلاف". رغم أنه اختلاف عَرَض وليس جوهر. ولولا ذلك لأدى الاختلاف إلى أزمات حقيقية عند الانسان، فكل العلوم الإنسانية وحتى الطبيعية لا تتأسس على الاختلاف كجوهر، بل تتأسس على افتراض الوحدة؛ على الأقل الوحدة النسبية. ولذلك فإن العينات الإمبريقية هدفها التعميم، والنظريات هدفها إيجاد قواعد عامة تحكم أكبر قدر من التمظهرات محاولة اجتراح قانون كل شيء كما هو الهدف القديم والراهن لبعض الفيزائيين الذين يبحثون عن نظرية كل شيء Theory of everything.

ليس من المأمول أن نصل للوحدة الكونية عبر معادلات رياضية قريباً، لكننا يجب أن لا نهمل أن فلسفة الاختلاف تخدم معالجات سطحية لأمراض إما مفتعلة أو ظاهرية بحيث يمكن تجاوزها بقليل من التنازلات، في الوقت الذي تلعب فيه الروية الوحدوية –المنبوذة الآن- دورها في معالجة قضايا أعمق وأكثر جوهرية وإلحاحاً لأمراض أحوج ما تكون إلى العلاج عبر استكشاف عوامل الوحدة. لكن بالتأكيد فإن حرية الإنسان وفردانيته يحتاجان للإيمان بفلسفة الاختلاف كعلاج جيد. رغم أنني اعتقد بأنها فلسفة لقيت رواجها لأنها خدمت أكثر القوى الرأسمالية التي تميل إلى عزل الفرد عن الحماية الجماعية له.

مع ذلك، فنحن نهتم بفلسفة الوحدة ليس على أساس بارمينيدسي؛ حيث أنه "إذا كان كل شيء موجود، فلا شيء غير موجود وهكذا يصبح الوجود متطابقا مع ذاته"، فنحن لا نسلم بذلك ولا نعترض عليه، لكننا نحتاج إلى الوحدة لكي نحاول الاعتماد المطمئن على المنطق الاستقرائي عند محاولة فهم أنفسنا أو المجتمعات والشعوب. وهذا الافتراض الوحدوي، هو ما يمنح النظريات الاجتماعية تأهيلها، لكي تتحدث.

غير أننا إذا كنا سنطرح النكتة الإباحية على هذا الوجه السوسيولوجي الظاهر فإن ما يبدو كذلك ليس هو كذلك على نحو أمثل. فليست الفكرة هي الطرح الأكاديمي الصارم والمنكفئ على حقل علمي واحد، لأن التفكر الحر يحقق غالباً نتائج أكثر ديناميكية رغم أن هذه النتائج قد تكون أيضاً أكثر قابلية للجدل، كما يقتحم مناطق يصعب على البحث المقيد اقتحامها، ويحلل بيانات ومعطيات بأدوات مرنة وقابلة للطي والفرد واللَّي والتقويم كالتداولية والرمزية التفاعلية والتحليل النصي والدرامي Dramaturgical and Textual analysis. إن ذلك أشبه بالقوات الخاصة في الحروب الكبيرة؛ فهي تخلخل ارتكازات العدو تاركة للقوات الأكبر حسم المعركة أو ما أسماه ميلز بالخيال الاجتماعي[SUP][3][/SUP].

على ما سبق؛ فإننا لن نقيد أنفسنا بنظرية واحدة لفهم سوسيولوجيا النكات الإباحية، فتارة ما نأخذ بالبنيوية الوظيفية وتارة بالرمزية التفاعلية وأخرى بنظرية الصراع، ومتفرعات تلك النظريات. لأن غرضنا هو التحليل من أجل الاستكشاف والفهم. وإذا كانت أدوات البحث الاجتماعي وغيره متعددة، كالمسوحات والبحث الميداني، وغير ذلك، فإننا نميل إلى تحليل النكتة الإباحية نفسها، لأنها تعتبر أفضل أداة للفهم من حيث كونها يجب أن تستند إلى قاعدة اجتماعية (مشتركة)، لكي تكون المبالغة أو المفارقة مفضية إلى الضحك. لقد تمت إنجازات فلسفية طويلة حول النكتة خاصة في المنظومات الفكرية الغربية، وبعد عقود من التداول التفكري، تم الخلوص إلى نظريات ثلاث، تناوبت الجلوس على منطقة واحدة للفهم. ونحن كما سنرى، نرى أن هذه النظريات الثلاث تكمل بعضها البعض لأن لكل نظرية منطلقها المختلف. وبالتالي فإن جِماع هذه النظريات يحقق لنا رؤية متعددة من زوايا مختلفة. وبالتالي تحقق بعض الفهم المنشود.

وسنحاول بقدر الإمكان أن لا نسترسل في الجانب التنظيري، إلا بالقدر الذي يعيننا على استنطاق أنساق وأنماط ونماذج اجتماعية Social Paradigms من المعطى البياني. فنحن نتعامل مع تلك النكات كبيانات نوعية وفئوية Qualitative and Categories data قابلة للحديث الصامت.



فلسفة النكتة: لماذا تضحكنا النكتة:

نظرية التفوق:

تتأسس نظرية التفوق على أن النكتة فيها انتقاص من قيمة الآخرين عبر السخرية منهم، لذلك تم رفضها من قبل الفلسفة اليونانية والمسيحيين الأوائل الذين جمعوا التقييمات السلبية عن النكتة من المصادر اليونانية والتوراتية. حيث مثلت النكتة والضحك عليها فقداناً لضبط النفس، وإهانة للآخرين وشهادة على أوجه قصورهم مما يدل على الجبن، ولا يتفق ورصانة المسيحيين. واستمر ذلك التوجه بتأصيله من قبل بعض الفلاسفة قبل عصر التنوير، لذلك قال هوبز بأن الضحك تعبير عن مشاعر التفوق. ويرى بعض من أنصار هذه النظرية من المعاصرين أن الفكاهة إنما هي هدم يقظ لشخص أو شيء مرتبط بشخص ما[SUP][4][/SUP].

ولذلك يمكننا أن نفهم موقف الراهب يورغ في رواية اسم الوردة لامبيرتو إيكو حين مزق مخطوطة الضحك لأرسطو مدعياً بأنه عندما كان يفعل ذلك إنما كان "يد الرب". لكنه يعطينا وجهاً مختلفاً لنظرية التفوق، فالضحك الذي يحقق التفوق من وجهة الانفتاح الإنساني ليس سوى شر مطلق، إذ يعد ضعفاً، وانحلالاً، ومسخاً لطبيعتنا الإنسانية، هو الألوهية بالنسبة إلى الفلاح، هو الإباحة بالنسبة إلى الخمور، وأضاف: "حتى الكنيسة في حكمتها سمحت بفترة الاحتفال بالكرنفال، بالأعياد الشعبية، هذا التلوث النهاري الذي يفرغ المزاجات ويبعد عن رغبات وأطماع أخرى.. ولكن الضحك يبقى بهذه الصفة شيئاً حقيراً، دفاعاً بالنسبة إلى السذج، سراً خفياً غير مقدس بالنسبة إلى العامة"[SUP][5][/SUP]. ولا يمكن بأي حال ان نستخف بنهاية الرواية إذا كنا نعلم بالتاريخ المسيحي الطويل المعادي للضحك والمزاح والنكتة. كما تشير ليديا أمير Lydia B. Amir بناء على مراجع أخرى إلى أنه كانت هناك دلائل على أن أرسطو كتب أطروحة عن الضحك والتي للأسف لم يتم حفظها، مؤكدة أن الفلسفة اليونانية لم تخلُ من رؤية إيجابية للضحك اللطيف حسن النية[SUP][6][/SUP]. لذلك يبدو أن السمعة السيئة للضحك والفكاهة عبر نظرية التفوق هما ما دفعا الكنيسة إلى حجب تلك الحقائق. ومن ثم يمكن تأويل رواية إمبيرتو إيكو على أنها ترميز لبداية عصر التنوير والإنفتاح الأوروبي عبر الضحك.



1-2 نظرية الارتياح:

يعد التحول في النظر للفكاهة والضحك من وجهها السلبي إلى الإيجابي سمة من سمات عصر التنوير في أوروبا، وفي القرن التاسع عشر ذهب هيجل إلى أن الضحك تعبير عن دهاء الاكتفاء الذاتي، لكنه يقصر ذلك الرأي الإيجابي على الفكاهة الأكثر رقة، ثم أن المفكرين ما بعد هيجل ذهبوا إلى أن الفكاهة هي إحساس بالمصالحة مع إدراك للتوترات التي لم يتم حلها بعد. وذهب كانط إلى أن الضحك هو العلاج الذي أرسلته السماوات لموازنة أحزان الحياة المتعددة[SUP][7][/SUP]. وهكذا ظهر فهم مختلف للفكاهة عبر عنه سيغموند فرويد بأن الفكاهة والضحك يسمحان بتفريغ التوتر أو تخفيفه بطريقة آمنة، حيث تعمل الفكاهة على تبديد الطاقة العصبية[SUP][8][/SUP]. واستشهد فرويد بقصة مجرم محكوم عليه بالإعدام، ويوم التنفيذ ايقظوه في الصباح، غير أن السجين رفض اليأس وعلق قائلاً: (لقد بدأ اليوم بداية جيدة)[SUP][9][/SUP].

يمكننا أن نضيف أن الضحك نفسه هو محاولة تكيف اجتماعي، ولذلك فالنكتة والاستجابة الإيجابية لها بالضحك، يحققان ارتياحاً من ناحية التكيف. يقول سوليفان Sullivan على لسان أليكس ميكشيللي: أن الفرد " يسعى منذ طفولته المبكرة إلى تخفيف درجة القلق الناتج عن درجة ما من الاختلال العلائقي. فالاستياء الذي يبديه الآخرون (الأم إزاء رضيعها، العائلة، مربية الطفل، الجماعة أو الأشخاص ذو الاعتبار والأهمية في حياة الفرد) يُعَدُّ تهديداً يباشر العلاقة العاطفية وتقدير الذات عند الفرد. ومن أجل المحافظة على هذه العلاقة وعلى التقدير الذاتي يسعى الفرد إلى الاستجابة وفقاً لمقتضيات وسطه الاجتماعي ومتطلباته. ومثل ذلك الفعل يندرج تحت شكل قواعد السلوك وتوقعاته"[SUP][10][/SUP]. ويمكننا بالتالي أن نشير إلى أن النكتة تؤكد –من خلال سياقاتها- على نماذج اجتماعية محددة مسبقاً، يمكن استلالها منها وتعميمها بعد ذلك.



نظرية التناقضincongruity theory:

وهي التي أشار إليها كانط ابتداءً، باعتبار أن الضحك عاطفة ناشئة عن التحول المفاجئ لتوقع متوتر يتم اختزاله إلى لا شيء، ويقول شوبنهاور أن ظاهرة الضحك تدل دائماً على التخوف المفاجئ من التناقض بين مثل هذا المفهوم والموضوع الحقيقي الذي يتم التفكير فيه، وبالتالي بين موضوع الإدراك المجرد والمادي، وكلما كان هذا التناقض أكبر وأكثر توقعاً في الخوف من الضحك، كلما كان ضحكه أكثر عنفاً[SUP][11][/SUP].

ولقد انتقدت هذه النظرية لعدم وجود تعريف دقيق للتناقض؛ إذ يمكن لهذا الأخير أن يغطي مجموعة من المفاهيم الأخرى كالعبثية وعدم الاتساق وعدم الملاءمة..الخ بالإضافة إلى أنه لا يوجد سبب لاستمتاعنا بما ينتهك فهمنا للعالم، غير أن نظرية المفارقة قد انتشرت وذهب اتجاه إلى أن المفارقة هي انتهاك لمخططاتنا المعرفية Scematic violation ويعتمد الضحك على نوع الانتهاك الدلالي الذي يستغل المعرفة الثقافية المشتركة[SUP][12][/SUP].

أدبيات الطرفة والطرفة الجنسية عند العرب‏:

أما عند العرب فظلت الطرفة منتشرة بدون عُقد فلسفية أو سيكولوجية تجاهها، ومنها الطرف الجنسية، وقد ألف العرب والمستعربة في قرون ازدهار الحضارة ‏الإسلامية العربية المختلفة مؤلفات كثيرة، فنجد من فقهاء السنة مثلاً الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (1445- 1505) أي بين ‏القرنين الخامس والسادس عشر، وقد ألف مؤلفه الشهير "نواضر الأيك في معرفة النيك"[SUP][13][/SUP]. وكذلك ‏نجد مؤلفاً آخرَ هو كتاب "زهر الربيع"[SUP][14][/SUP] لأحد كبار فقهاء الشيعة الشيخ نعمة الله بن محمد الموسوي الجزائري (1640- 1701م)، ما بين ‏القرنين السابع والثامن عشر، وله العديد من المؤلفات الأخرى، وسنجد في زهر الربيع ما فيه من الطرف اللطيفة والجنسية معاً.‏ وأما أشهر المؤلفات الجامعة فمؤلف "المستطرف في كل فن مستظرف"[SUP][15][/SUP] للفقيه شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي ‏‏(1388- 1448م) ما بين القرنين الرابع والخامس عشر.‏ وكذلك سنجد مؤلفات أخرى كـ"العقد الفريد"[SUP][16][/SUP] للفقيه أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (27 نوفمبر 860 - 29 فبراير ‏‏940م) أي بين القرنين التاسع والعاشر.‏ وإذا دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على انفتاح ذلك العصر وتوجهه التنويري. فهو يقارب موضوعياً عصر الأنوار الأوروبي كما ‏بينا من قبل ولكنه فوق هذا يسبقه زمنياً. ثم أنه بعد ذلك بدأ عصر انحطاط الحضارة العربية وتقزمها، وأخذت في التشدد والتزمت، وكلما ازدادت ‏ضعفاً ازدادت انغلاقاً. وهو ما يلازم كل سقوط حضاري.‏



المفارقة ‏The irony‏ "الأنماط والمخططات":

تأتي كلمة مفارقة باللغة الإنجليزية من كلمة ‏Irony‏ والتي تعني بصفة عامة الفكاهة والسخرية، ولكنها تُخصص لمعانٍ ‏اخرى أورد قاموس أكسفورد ثلاثة منها[SUP][17][/SUP]:‏

‏١- السخرية.‏

‏٢- الانحراف الواضح لحدث أو ظرف عكس نوايا البشر.‏

‏٣- المسرح، وذلك عبر ما يسمى المفارقة الدرامية، حيث يكون الجمهور مدركاً لحقائق تجهلها الشخصية في الحبكة ‏المسرحية. أتذكر مثلاً أن هناك امرأة كانت تقول -قبل أن تجلس لتناول الطعام- بأنها ليس لديها نفس للأكل، وانها ‏لا تاكل كثيراً بصفة عامة. ولا أعرف لماذا كانت تكرر هذه الجملة رغم أنها كانت بعد أن تجلس تأكل نصف المائدة تقريباً، فنبهت ‏الجالسين على المائدة بأنها ستأتي وتقول ذلك. بالفعل ما أن جاءت وقالت بأنها ليس لديها نفس وأن... وقبل أن تكمل جملتها ‏انفجر الجالسون بالضحك.‏ هذه هي المفارقة الدرامية، والتي سنلاحظها في مسرح سوفوكليس، وشكسبير وغيرهما.‏

وأما في اللغة العربية فالمفارقة هي التناقض بين قولين، وهي مستمدة من الفعل فَرَقَ، ومن ذلك قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ ‏أَمْرٍ حَكِيمٍ)[SUP][18][/SUP] (الدخان- 4).‏

وإذا كانت هناك بعض التناقضات تصنع الضحك مثل التورية في اللغة، حركات الجسد، الأخطاء المفاهيمية، القوالب ‏النمطية، الأصوات الغريبة، انتهاكات الأداب الاجتماعية، فإنه ليس كل مفارقة تصنع الضحك. لذلك قال البعض بأن ‏التناقض قانون الكون، ولا مبرر يجعلنا نضحك على انتهاك فهمنا للعالم[SUP][19][/SUP].‏

لكن؛ قبل أن ندخل إلى مبررات الضحك على المفارقة، سألجأ في فهم المفارقة إلى علم التداولية أو البراغماتية لأستمد منه مفهوماً أكثر تحديداً ‏لمعنى الانتهاك.‏ ذلك أنه إذا كان التواصل من وظائف اللغة، فإن الإهتمام بالقواعد المُثلى للتواصل الإنساني عبر التداولية يقتسم أرضاً مشتركة مع علم اللغة ‏الاجتماعي ‏sociolinguistics‏، وتلك القواعد تبين أثر العلاقة الاجتماعية بين المشاركين في الحديث، والموضوع الذي يدور حوله ‏الكلام، ومرتبة كل من المتكلم والسامع وجنسه، وأثر السياق غير اللغوي في اختيار السمات اللغوية وتنوعها؛ حيث يمكن تعريغ التداولية بأنها العلم الذي يدرس اللغة في الاستعمال ‏in use‏ أو في التواصل ‏in interaction‏ إذ أن المعنى ‏ليس شيئاً يتأصل في الكلمات وحدها، ولا يرتبط بالمتكلم وحده، ولا السامع وحده، فصناعة المعنى تتمثل في تداول اللغة ‏بين المتكلم والسامع في سياق محدد (مادي، واجتماعي، ولغوي) وصولاً إلى المعنى الكامن في كلام ما[SUP][20][/SUP]. ونحن هنا لا نلجأ للتداولية في كل مفاهيمها، بل نجتزئ منها ما يخدم موضوعنا، لنفهم المفارقة من وجهتها الصحيحة، أو ‏ما أسماه التداوليون بالإستلزام الحواري، وخاصة مبدأ التعاون، حيث يتأسس هذا الأخير على أربع مسلمات حددها "غرايس" فيما ‏يلي:‏

‏١- قاعد الكمية ‏Maxim of Quantity‏: وترتبط بكمية المعلومات اللازم توافرها:‏

‏اجعل مساهمتك تتضمن أخباراً كافية.‏

‏لا تجعل مساهمتك تتضمن أخباراً أكبر مما هو مطلوب.‏

ويوضح غرايس أن هذه القاعدة الأخيرة لا تخرق مبدأ التعاون إن حدث إهمال لها، ولكنها تؤدي إلى ضياع الوقت فقط. فإذا ‏تضمن النص تفاصيل كثيرة، فإن ذلك يهدد التواصل بالإنسياق خلف بعض الجزئيات غير الضرورية.‏

‏٢- قاعدة الكيفية ‏Maxim of Quality‏: وترتبط بقاعدة أساسية هي:‏

‏اجعل مساهمتك صادقة.‏

وتتفرع عن هذه المسلمة قاعدتان خاصتان هما:‏

‏- لا تصرح بما تعتقد أنه كاذب.‏

‏- لا تصرح إلا بما تستطيع البرهنة عليه.‏

‏٣- قاعدة الملائمة ‏Maxim of Relevance‏ أو العلاقة ‏Relation‏:‏

اجعل مساهمتك مُلائِمة.‏

يؤكد غرايس أن هذه المسلمة تخفي جملة من الإشكالات من قبيل: ما هي مختلف أصناف الملاءمة الممكنة؟ كيف تتعدل ‏خلال عملية التبادل الكلامي؟ وما هي الإجراءات الطبيعية التي تساعد على تغيير موضوع المحادثة بطريقة مقبولة؟

‏٤- مسلمة الجهة ‏Maxim of Manner‏ أو الأسلوب: وهي مسلمة تختلف عن المسلمات السابقة في كونها لا تُعنى بما قيل، وإنما ‏بكيفية التعبير عما ننوي التعبير عنه. وينص غرايس على وجود قاعدة عامة جوهرية وهي:‏

‏كن واضحاً ‏be perspicuous‏ وتتفرع عن هذه المسلمة القواعد التالية:‏

‏- ليكن تدخلك واضحاً.‏ ‏- ليكن تدخلك موجزاً.‏ - اجتنب الغموض.‏ ‏- اجتنب الالتباس.‏

وقد أوضح غرايس أن الغاية المرجوة من هذه المسلمات تتمثل في ضمان فعالية عالية للتبادل الكلامي، دون أن يلغي ذلك ‏إمكانية الحديث عن غايات أخرى، كأن يسعى المتكلم للتأثير على الآخرين أو الاستئثار باهتمامهم.

أما ظاهرة الاستلزام الحواري، فتنتج عن خرق إحدى هذه المسلمات الأربع: وعدم احترام مبدأ التعاون.‏

ويخرق المتكلم قاعدة الكيفية عندما يعمد إلى السخرية ‏Irony‏ أو الاستعارة ‏Metaphore‏ أو المبالغة ‏Hyperbole‏[SUP][21][/SUP].‏

ويلاحظ أن النكتة الإباحية هي عبارة عن حوار، بين من يقول النكتة وبين من يستمع إليها. أما كل حوار داخل الحبكة هو ‏عبارة عن أداة من أدوات التطور الدرامي، الذي سينتهي بالمفارقة، لكنه هو نفسه لن يكون ‏خرقاً لمبدأ التعاون، بل هو تعزيز للتعاون، إذ يجب أن ينتهي التطور بالمفارقة لتحدث الاستجابة أي الضحك. أما عندما تحكي نكتة ويسألك المستمع: ‏ثم ماذا حدث؟ فهذا يعني أنك فشلت في مبدأ التعاون، ولم تكن المفارقة واضحة. سيستلزم منك هذا أن تتقدم إلى الأمام قليلاً بالشرح، ‏أو في حالات سوء الحظ عليك أن تخبر من يسألك بأن النكتة انتهت. ولا يعني ذلك أحياناً بأنك فشلت في صناعة النكتة وإنما قد ‏يعني ذلك عدة احتمالات أخرى، منها:‏

‏١- لا توجد ذات الأرضية الثقافية بينكما؛ سواء بالنسبة للمقدمة أو النتيجة.‏ فقد يكون ما ليس طبيعيا بالنسبة لك طبيعياً جداً بالنسبة للآخر، لأنه متاح في ثقافته.‏ أو أن المقدمات معادية لثقافته أو حتى آيدولوجيته، أو نماذجه المعرفية.‏

‏٢- أن طريقة طرح النكتة لم تكن واضحة.‏

‏٣- أن هناك سوء نية أو رواسب بينك وبين الطرف الآخر.‏

لذلك فالتعاون في النكتة لا يحدث إلا عبر خرق مسلمات التعاون الخارجية. من هنا يمكن أن نعتبر التعاون في النكتة هو ‏تعاون خارجي، يحدث بين من يلقي بالنكتة وبين من يستقبلها باستجابة سلوكية هي الضحك لتعبر عن ارتياح نفسي داخلي.‏

على هذا تكون المفارقة هي خرق لمستلزمات الحوار الداخلية فقط، سواء من حيث الكم أو النوع أو الأسلوب أو الملاءمة.‏ ولكن بالرغم من ذلك فإن هذا الخرق قد لا يجعل من المفارقة دائماً مضحكة، لذلك بحث العلماء عن أسباب أخرى، ومن ‏ضمنها ما ذهب إليه بورزيسكي ‏Purzycki‏ كما أشارت كيت واتسون ‏Cate Watson‏ إلى أن الانتهاك في المفارقة إما أن ‏يحدث بالنسبة لمخططات معرفية تخطيطية أو نموذجية (قوالب)‏ Schematic or teplatelevel cognitive schemata:

والمخططات المعرفية هي باختصار هي ما يمتكله الفرد من هياكل معرفية يدرك عبرها العالم. فمثلاً نحن نعرف أن الحمار ‏حيوان له أذنان وذيل طويل وينهق (مخطط قوالب)؛ فإذا نبح الحمار كان ذلك انتهاكاً لتلك القوالب. ولكن قد يكون هناك ‏انتهاك على مستوى المخطط نفسه بدون أي تجاوز أنطولوجي عميق: فجملة: "الحمار يرفس تحت الحزام" ليس فيها أي شيء غريب ‏في هذا المستوى التخطيطي، لكن الجملة تفيد أن الرفسة جاءت في الخصيتين وبالتالي أحدثت ألماً مبرحاً. ويرى بورزيسكي أن انتهاك ‏المخططات يُحدث فكاهة أكبر مما يحدثه انتهاك القوالب[SUP][22][/SUP]. مع ذلك فإنني أتفق مع رأي بروفيسور كيت بأن انتهاك ‏المخططات ليس بالضرورة أكثر إضحاكاً من انتهاك القوالب، بل وأضيف أن هذه المحاولة رغم جديتها لكنها استخدمت مفاهيم يصعب ‏البناء عليها؛ كمفهوم المخططات والقوالب هذا. لذلك اتجه جون مورييل إلى أن الفكاهة تعمل على تغيير النمط المعرفي ‏تنازلياً، أو ما أسماه هربرت اسبنسر (التنافر التنازلي) حيث تأخذنا النكتة مما هو أعلى لما هو أدنى[SUP][23][/SUP]، فنتحول من المهم ‏إلى غير المهم[SUP][24][/SUP]. كما يشترط ان يكون التحول الذي تحدثه المفارقة معتدلاً، فلا يكون مختلفاً تماماً عن النمط الأصلي بحيث ‏لا تتم ملاحظته، ولا في غير محله بحيث يثير الخوف أو الاشمئزاز، كما يشترط أن يكون المخاطب بالنكتة على دراية ‏بالنمط محل التغير حتى يتم إدراك الانتهاك[SUP][25][/SUP].

وسنجد أيضاً أن هناك أربعة أشكال للمفارقة الساخرة[SUP][26][/SUP]: ‏

‏١- السخرية البلاغية.‏ ‏٢- السخرية الأسلوبية.‏ ٣- السخرية من الأحداث.‏ ٤- السخرية الجدلية.‏

‏١- السخرية البلاغية: وهو أن يقول الشخص شيئاً مخالفاً لما هو مقصود.‏

‏٢- سخرية الأسلوب (وهذا ما ذكرناه عن المفارقة الدرامية) أي تنفيذ فعل غامض وإن كان معروفاً للجمهور، ولكنه غير ‏معروف للشخص المستهدف. ‏

‏٣- مفارقة الأحداث هي أن تحدث اختلافات في مسيرة الأحداث تقوض نوايا الإنسان من خلال الحظ أو الأقدار أو ما شابه.‏

‏٤- أما السخرية الجدلية (الديالكتيكية): فهو ما يمكن أن نطلق عليه تصاعد الحبكة وهبوطها أو ما يسميه لويس شنايدر بديالكتيك الانحناء. ‏فهذه الحبكة تفضي إلى تغيير مفاهيمنا وابراز التناقضات في افتراضاتنا النموذجية. ولذلك يطلق عليها الديالكتيك استلهاما ‏من النظرية الهيجلية والصراع الطبقي عند ماركس. حيث ينتج الصراع نتائج غير مقصودة. فمثلاً، أفضى الصراع بين ‏البارونات والملك جون إلى توقيع العهد الاعظم، وأفضى هذا التوقيع إلى تكريس حريات عديدة للمواطنين. ‏

سيكون من المهم جداً لنا؛ استصحاب كل تلك النظريات لفهم الواقع الاجتماعي الذي سيكشف عنه تحليلنا للنكات الإباحية.‏



تفكيك سوسيوثقافي:



3-1 السن والجنس: (تصورات مغلوطة تُصحَّح ذاتياً):

"قال ليك في خالة كده حلوووة وشاااايله صلب عجيب ومجيهة جيهة جد دخان وحنة وحركات ود الجيران صغير بقرا في الثانوي باكي فيها شديد طوالي بشاغلها وهي ولااا شغالة بيهو وسافهاهو ساااي يوم كده جات ماشة لقتو قاعد بره قام شاغلها قالت كدي اقوم اسوقو البيت اتسلى بيهو شوية مشى معاها دخلتو الغرفة شبكها ليك أحضان وبوس لمن سخنت فتح ليك رجولها وقطعو فيها الشافع قال ليك عندو عتالة مباااالغه حمار بس ظووووط كده لمن عيونها زغللت وريقها نشف حكاها حك نضيييف وكب فيها خلى جملها شطة شطة و قام منها حقو مدلدل زي كراع البيبي عاينت ليهو كده وقالت ليهو: شكيتكم على الله شفع الزمن ده زي الفجل تكبروا من تحت بس".

تلخص لنا النكتة الأولى، العديد مما سيتم طرحه في هذا المؤلف من أوصاف سوسيولوجية وأنساق ثقافية، فالمفارقة في هذه النكتة تكمن في مجموعة تصورات محددة اجتماعياً تجاه الجنس، تبدأ من أول الفقرة بمفهوم استعلائي، وهي كلمة "خالة"، وخالة تعني في ثقافة هذا المجتمع امرأة كبيرة في السن، تجاوزت الثلاثين، وهي بالتالي خسرت نضرة الصبا. تستدرك الجملة هذا الواقع وتشير إلى أن تصوراتنا هذه خاطئة، فهذه المرأة لم تفقد نضرتها، بل تظل انثى ناضجة الأنوثة، تمتلك مؤخرة جاذبة (صلب). وهذا يعكس اهتمام هذا المجتمع بمعيار جمالي أكثر بروزا ؛من ضمن معايير أخرى؛ وهو معيار المؤخرة دون غيرها. وهذا المعيار الليبيدي السائد قد تحكَّم بالفعل في التكلف الجمالي عند المرأة في السودان بالبحث عن أدوية لتكبير المؤخرة، وانتشرت تجارة المؤخرات الإسفنجية الصناعية التي يتم ارتداؤها تحت الثوب. إذاً، فالنكتة لم تعتمد على مخيال المؤلف الخاص بل على المشترك الثقافي. والذي يمثل علاقة الأنثى بالذكر في اتجاهين: اتجاه السن واتجاه الجسد. يعزز التناقض بين السن (الكبير) والمعيار الليبيدي مفهوما ثالثاً يؤكد عدم الارتباط بين السن والجاذبية الجنسية، سيتم ترسيخ ذلك في باقي الحبكة التي تخلق المفارقة، ولكن من وجهة عكسية، وهي مفهوم الخبرة الجنسية. فالسن (الخالة) لا تعني فقط المعيار الجسدي بل كذلك الخبرة، خبرة الحياة الجنسية، فهذه الخالة تملك (بحكم السن) خبرة جنسية عالية، تؤكدها العجرفة التي مارستها تجاه الصبي ابن الجيران (سافهاهو). فهي بدورها تبحث عن رجل له خبرة. وهذا البحث يؤكده اهتمامها بجسدها وفق الطقوس الفولكلورية المتمثلة في الدخان، فالدخان وهو حطب أخشاب عطرية معينة، يتم حرقه داخل حفرة تجلس فوقها المرأة عارية ومغطاة بالكامل بخرق او ببطاطين، وجراء هذه الساونا التقليدية، يخرج عرق المرأة ويتشرب جلدها برائحة تلك الأخشاب العطرية، ويشاع في هذه الثقافة أيضاً بأن عملية الدخان هذه تؤدي إلى تضييق فرج المرأة؛ سنجد تأكيد ذلك في النكتة المصورة التالية:

(في الصورة، ذباب ذكر يعتلي ذبابة أنثى، ويعلق أحدهم: شابكين الضبان بخور. طلح.. بخور طلح.. بخور طلع.. أها دي النتيجة ودة الكنت خايف منو). فمن عادات طرد الحشرات كالذباب وغيره هو إطلاق البخور في المنازل السودانية، وهي طريقة قديمة قبل ظهور الموبيدات الحشرية، ولا زالت قائمة حتى اليوم، ويؤكد المعلق على أن إطلاق البخور هو ما أفضى إلى إثارة الغريزة الجنسية عند الذباب.

قلنا بأن الجنس ليس مسألة تبادلية متساوية بل آلية متعجرفة واستعلائية، وتمثل في الثقافة السودانية معركة تنتهي بالنصر أو الهزيمة (انتصار الذكر وهزيمة الأنثى) أو (هزيمة الذكر وانتصار الأنثى) فلا مكان لنصر مشترك ولا هزيمة مشتركة. يعكس ذلك فكرة العداء المبطن بين الجنسين، العداء والحب في نفس الوقت. ستؤكد باقي النكتة هذه العلاقة الغريبة التي تبدو متناقضة جداً. حين امتلك الصبي ابن الجيران قضيباً ضخماً يقترب في حجمه من حجم رِجل طفل (من الفخذ حتى القدمين). انتهت النكتة بانتصار الصبي وهزيمة الخالة، لتستدعي هذه المرأة ثقافتها الزراعية الكلاسيكية وتشبه نمو (صبية هذا الجيل) بنمو الفجل الذي يكبر جزؤه السفلي تحت الأرض في حين يبقى جزؤه العلوي فوق الأرض صغير الحجم.

لقد تأسست هذه النكتة على نقض تصورات جنسية خاطئة عديدة، وهي ارتباط الجنس بالسن. لتؤكد النكتة بأن الجنس والسن لا علاقة بينهما سواء بالنسبة للمرأة (الخالة)، ولا بالنسبة للذكر (الولد). لكن من جهة أخرى تؤكد نكات أخرى دور الخبرة الجنسية، مثل النكتة التالية:

وحدة جابت حبيبها البيت والبيت فاضي م فيهو غير حبوبتها(جدتها) العميانة اها الولد شغال فيها نيك جق جق جق (صوت دخول وخروج القضيب) جدتها قالت لها : شنو الصوت دا؟

ردت عليها: دا كلب بشرب ي جدتي نومي نومك جدتها قالت لها: عاد كان الله عماني صوت النيك م بغباني (غير مجهول بالنسبة لي).

كذلك تلعب الخبرة الجنسية دوراً هاماً في مغالطة العلم نفسه؛ تقول النكتة:

"دكتور قاعد يشرح في مؤتمر قال العضو الزكري الكبير غير مهم في عمليه الجماااع ولا يؤثر علي اللزه الجنسيه . واحده من الحاضرين قالت ليهو يا دكتور انت ناكوك قبل كده؟ قال ليها لا. قالت ليهو خلاص قفل دينك ده واسكت".

طبعاً؛ نحن نترك النكتة بذات كتابتها العامية التي في الغالب لا تهتم بصحة الحروف، كما في كلمة (ذكري، اللذة) ونتركها (كما هي) لتعكس الوضع اللساني (كما هو) بما يعبر عن الثقافة العامة (كما هي). وسنلاحظ أن النكتة استخدمت كلمة (دين) كمرادف لكلمة (فم) (قفل دينك)=(اغلق فمك). واستخدام كلمة دين هنا، ورغم أنها من المفترض أن تثير حفيظة المؤمنين[SUP][27][/SUP]، لكنها تستخدم عموماً للتعبير عن الغضب. (غضب المرأة ذات الخبرة) من أخطاء العلم المجرد. سنجد أن الخبرة تؤكد على أهمية كبر القضيب الذكري، وفي المقابل فإن هناك انتقاد ثقافي للمهبل الأنثوي الواسع. سنلاحظ ذلك في نهاية النكتة التالية؛ والتي استخدمت فيها عناصر لا تنتمي للواقع التجاري، إذ لا توجد محلات لبيع الأعضاء التناسلية الصناعية في السودان.

"واحدة خشت دكان بتاع ذكور صناعية تفتش في المحل كل مره تمسك واحد تقول صغير بعد شويه قالت لي بتاع المحل دايره الاحمر الفوق داك عمك قال ليها ابردي يا موسعة دي طفاية الحريق".

وتؤكد النكتة التالية كذلك على صحة الخبرة الجنسية (أهمية ضخامة القضيب) وتفوقها على العلم (عدم أهمية ضخامة القضيب) في العملية الجنسية:

واحدة عرست (تزوجت) واتطلقت ... وتااااني عرست لافه في السوق مع عريسها الجديد، لاقت طليقها وقفت سلمت عليهو وعرفتهم بي بعض ده طليقي وده زوجي ، وقامت اصرت على طليقها يمشي يتغدى معاهم العريس الجديد اتعقد حلف على الراجل يمشي معاهم ... مشى اتغدى وقاعدين في الصينية والمرا قاعدة تحلف في طليقها النبي فيك ما اشتقت لسلطة الاسود دي... مالك نسيت طعم ملاحاتي النبي فيك شيل من اللحمة دي هاك دي وضوق دي اكيد اشتهيتها مني .. والجديد كابس وبيعاين ليها سااااي ، طليقها اتغدى وحلى وشرب الشاي وجا مارق ... المهم بعد ما طلع الراجل مسك ليك المرا ، دي شنو اللواطة البتعملي فيها دي ما في حتى احترام لي ... قالت ليهو ها اسكت سااااي والله حامد ده عندو زب لو ضقتو كان حلفت عليهو يبيت.

سنرى أن ضخامة القضيب لعبت دوراً جوهرياً في احترام المرأة لطليقها، وفي نفس الوقت عدم احترامها لزوجها الجديد. يعتبر القضيب هنا بمثابة سلطة لها هيبتها كرتبة عسكرية، لكن هذه النكتة تبين لنا عدة قضايا أخرى ومنها أحد أهم أسباب رفض الزواج من مطلقة، وهو أنها تكون على معرفة بالرجال (خبرة جنسية)؛ وعلى ما يبدو فإن الخبرة الجنسية للمرأة تخيف الذكور باعتبار الجنس معركة تنتهي بانتصار أو هزيمة ، كما أن المرأة تحن إلى الزوج الأول، وكلا الأمرين يفضيان إلى اضطهاد المرأة المطلقة في المجتمع، وهذا التصور لديه أصله في الثقافة العربية، والتي تحذر من الزوجة (الحنانة) أي التي تحن إلى زوجها الأول كثيراً. كذلك يمكننا أن نلاحظ من خلال النكتة العلاقة بين الرجلين في صراع (جنسي-سيكولوجي) وتوتر منطقي تعكسه ساحة الحرب الجنسية التي يمثلها فرج المرأة من حيث بسط الهيمنة عليه واحتكاره. غير أن هناك قيم تسامح لافتة للنظر في المجتمع السوداني فيما يتعلق بعلاقات الزوجة الجنسية السابقة، إذ لم يتخذ الزوج الجديد موقفاً محرجاً مع الطليق، بل ونراه قد قبل دعوة زوجته له للغداء. هذا التسامح لن نجده في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة. والتي تجعل الطلاق انفصام نهائي للعلاقة ليس بين الطليق وطليقته ولكن حتى بين الطليق والزوج الجديد. كذلك تجدر الإشارة إلى أن الخبرة الجنسية في هذه النكات؛ تبرز تفوق المؤلف وفق لرؤية تومس هوبز[SUP][28][/SUP]، حينما يسيطر عبر نكتته على عقل القارئ ويدس له بعض القواعد بين طيات النكتة[SUP][29][/SUP]. لكننا عموماً نغفل الشخصية المفهومية في النكتة وهذا ما يُحدث تعميماً سلطوياً للقاعدة بحيث لا تتعرض للنقد.

وبالعودة للنكتة الأساسية (المرأة الكبيرة مع الصبي الصغير)، سنجد أنها تجنبت الإشارة إلى قضايا لم تعد ذات أهمية في العلاقة الجنسية غير المؤسسة على الزواج بل مجرد الإشباع، فالمجتمع هنا -أي في هذه الحالة على وجه الخصوص لن يهتم بها كثيراً- مثل: ما الحالة الاجتماعية للمرأة؟ أهي مطلقة أم عزباء أم أرملة؟ وكيف تعيش لوحدها؟ وكيف تستدعي الصبي إلى منزلها الذي يبدو أنها تعيش فيه لوحدها؟ يبدو أن هذه التساؤلات لم تعد مطروحة الآن نسبة للتغيرات الاقتصادية الكبيرة التي حصلت في الدولة خلال العشرين سنة الماضية، بدخول المرأة لعالم التجارة (بكل أنواعها)، ظهور النساء الغنيات بلا رجال، والنساء من مالكات الشركات التجارية، والأبراج والقصور والمنازل، النساء المستقلات القويات جداً، واللائي يمتلكن قوة نفسية وعصبية تساعدهن على مُجارات الطبقات المنحطة من المجتمع من أجل الحصول على المال. ولولا هذه الحقيقة الاجتماعية لكان على مؤلف تلك النكتة أن يبحث عن تبريرات مختلفة للحبكة.

3-2 القبيلة والطبقية اللغوية:

"حلفاوي مرتو عملت عملية حبن في جملها كل ما يجيهو واحد يسألو : مهمد سالح سلامتو مرتك مالو ؟ يرد عليهو: والله عامل عملية فوق جملو !! ولدو زعل قال ليهو : يا أبوي مافي داعي للفضائح.. قال ليهو: يعني نكضب وللا ايه !!! الولد : تقول عاملة عملية في المهبل مثلا !! بعد شوية جا واحد سألو سلامتو مرتك مالو ؟ قال ليهو: عامل عملية فوق...فوق..(نسى) كورك (صاح) : ياولد انت قلت كس أمك الجديد اسمو ايه ؟؟؟"(6*)

تظهر الثقافة الخاصة بالقبيلة (قبيلة الحلفاويين) في هذه النكتة وخاصة قبائل الشمال، يمكننا أن نطرح سؤالاً مهماً هنا، وهو: لماذا اختار مؤلف النكتة هذه القبيلة تحديداً؟ وهل كان بالإمكان أن تستخدم اللهجة العاصمية العادية لإنجاز المهمة الإضحاكية بذات النسبة التأثيرية؟

سنلاحظ هنا عدة نقلات زمنية: جيل الأب الذي لا زال محتفظاً بلغته الأصلية مما جعل لغته العربية العامية ركيكة (يوصف اللسان الركيك بالأغلف أو اللِّكة)، وجيل الابن الذي غادر اللغة الأم وأصبح لسانه غير ذي عِوج. ولذلك سنجد الرابط بين العلم واللغة. إذ تبدو العربية العاصمية ناقلة للعلم، في حين اللغة الأصلية للأب مرتبطة بالأمية والجهل. فالأب لا يعرف كلمة مهبل، وهي كلمة فصيحة (رسمية) تشير بشكل رمزي إلى اللغة الأكاديمية العلمية، لكنه يعرف كلمتين عاميتين، تتعلق الأولى بمجاز عرفي؛ حيث تطلق كلمة "جَمَل" في الثقافة السودانية على فرج المرأة، وكلمة عامية وهي "كُس" على الفرج أيضاً. لكن الأب لا يعرف كلمة مهبل، بل اعتبرها كلمة جديدة وغير حقيقية. يقول البعض بأنه لا توجد مترادفات في اللغة، وهذا حقيقي إذ أن المسميات الثلاثة لفرج المرأة غير متطابقة، فالجمل مجاز عامي، والكس كلمة ارتبطت بالوضاعة والسوقية (الطبقية اللغوية) وجاء في المختصر:( الكس بالضم: لِلحِرِ، فرج المرأة في العامية ، لَيْسَ من كلامِ العرب، إنما هو مُوَلَّدٌ. ويعتقد أن أصل هذا اللفظ من اللغة التركية, حيث يقال للبنت أو الفتاة باللغة التركية "كز"kiz",ويبدو أنها انتشرت هكذا وأصبحت تطلق عند العرب على العضو)، وأما المهبل فكلمة فصيحة تصف كل الجهاز التناسلي للمرأة.

من هنا يمكننا أن نفهم لماذا أختيرت قبيلة الحلفاويين، إذ كان لابد من اختيار قبيلة لا ترتبط باللغة العامية العاصمية. وهكذا تم استبعاد قبائل تعتبر نفسها نموذجاً أمثلاً لتمثيل العربية العامية كالجعليين والشايقية والبطاحين..الخ. ولم يتم استخدام قبيلة من الشرق كالهدندوة أو البني عامر ولا من قبائل الجنوب والجنوب الغربي والغرب كالهوسا والزغاوة ..الخ. وذلك نسبة لجهل مؤلف النكتة بثقافة تلك القبائل فيما يتعلق بعيادة المرضى. إذ أن الحلفاويين هم أقرب لباقي قبائل الشمال العربي من حيث ثقافة عيادة المريض. ومن قواعد اللياقة عند قبائل الشمال، هو السؤال التفصيلي عن حال المريض وفي حالات الموت أيضاً، فمن ثقافة تلك القبائل أن كل من يذهب لعزاء الميت يسأل عن سبب الوفاة وتفاصيلها. وعلى أهل الميت أن يكرروا قص حكاية الموت كلما سألهم أحد بالتفصيل الممل. وقد حدث أنني في إحدى العزاءات وجدت والد المتوفى وقد نصب ميكرفوناً وحكى قصة وفاة ابنه بالتفصيل الممل لجميع المعزين حتى يختصر الوقت والجهد بدلاً عن التكرار. ويعد السؤال والإجابة التفصيلية مظهراً من مظاهر الاهتمام والحميمية عند تلك القبائل وليست شيئاً مستهجناً.

في الواقع؛ إن النكتة الجنسية تكاد تعبر فقط عن أهل الشمال، في حين أننا لن نجد الكثير من النكات الإباحية عن باقي القبائل، إما لأنها محافظة جداً ولديها حساسية فائقة، أو منفتحة جنسياً بشكل كبير بحيث لا تجد في الجنس ما هو مثير للغرابة والمفارقة، كما أن هناك أسباب أخرى منها سيادة ثقافة الشمال على الثقافات الأخرى، والحساسية القبلية والجهوية تجاه تناول مسائل جنسية تتعلق بالقبائل الأخرى، فضلاً عن أن الثقافة الشمالية سادت سيادة (سيسيو-بوليتيكة) بحيث جعلت كل ما دونها مجهولاً على المستوى العام. وقد تعكس النكتة في الشمال ما أشار إليه بعض فلاسفة ما بعد الهيجيلية من أنها تعبر عن التصالح مع الذات، والتسامح مع نقاط الضعف والعيوب البشرية[SUP][30][/SUP].

3-3 الجنس والحيوان والتعليم:

الجنس مع الحيوانات ظاهرة عالمية ولكنها تنتشر في أقاليم السودان الشمالية بالتحديد لتصبح ‏ظاهرة تم تناولها على مستوى النكات الإباحية بكثافة. وغالباً ما يتم الجنس مع الحمير في المجتمعات ‏الزراعية التقليدية. حيث يتم إفراغ الرغبة الجنسية في أسهل جسد دافئ متوفر. ‏

"عمك قام الصباح لحق ولدو في الخلاء يشوف الزراعه لقا ليك الولد ورا شجرة قاطعو في الحمارة للبيض. عمك عمل فيها رايح جا راجع البيت قال لي امو الولد دا لازم نعرس ليهو وبي اسرع وقت.. المهم أثناء الغدا عمك قال للولد المساء خليك جاهز ماشين لي عمك الناير دا نخطب ليك بتو.. الولد قال يا ابوى بت الناير دي مابتنفع معاي قال ليهو مالها مابتنفع معاك قال لي ما مثقفه.. ابوهو قال لي ونان القاطعو فيها الصباح دي خريجة الاحفاد".

تعكس النكتة السابقة، الطبيعة الاقتصادية للمجتمع في الدولة السودانية، والتي يغلب عليها الزراعة التقليدية، ويصبح إنجاب الأبناء نوعاً من تعويض الافتقار للأيدي العاملة المستأجرة والأكثر تكلفة. كما أن تلك البيئات الفقيرة المرتبطة بالأرض ارتباطاً وثيقاً، تعتمد على الأسر الممتدة، وذلك عبر التزاوج فيما بينها، ونادراً ما ينحرف الزواج نحو إثنيات أخرى ما دام العَرض قد توفر في منطقة واحدة. مع ذلك فلا تحرِّم تلك الثقافات الزواج من إثنيات أخرى إلا فيما ندر وحين يحدث ذلك يكون التحريم على أساس عنصري محض، وعواقب مخالفة العرف العام والزواج من خارج الإثنيات المعترف بها هي النبذ الاجتماعي أو التوتر المزمن بين الزوج وأسرته على امتدادها. تكشف لنا النكتة عن أن الزواج في هذه البيئات الزراعية يتم بشكل تقليدي خاصة بين أبناء وبنات العم. وتبين لنا المفارقة أن الولد متعلم وليس أمياً وأن المعيار لديه هو التعليم والثقافة. في حين أن الأب استهجن هذا المعيار لأن الحمارة لم تكن متعلمة (المفارقة). وهذا بدوره يكشف لنا عن فارق في الوعي بين الابن الذي ينظر للزواج كمشروع أكثر من كونه تفريغ جنسي، والأب الذي يعتبر الزواج مجرد إشباع للغريزة الجنسية ووقاية من الوقوع في الخطيئة أو الزنا ونكاح الحيوانات. مع ذلك فإن الأب لا يستنكر ثقافة المرأة في حد ذاتها بل يبجلها ويؤكد على ذلك بأن الحمارة لم تكن خريجة جامعة الأحفاد. وتعتبر جامعة الاحفاد إحدى الجامعات الرائدة التي تم تأسيسها لتعليم البنات على يد يوسف بدري عام 1966، والذي طور أول مدرسة علمانية للبنات كان قد أنشأها والده بابكر بدري عام 1907.

ويبين لنا هذا الربط التاريخي التطور لدى ثقافة المجتمعات الزراعية التقليدية، التي لم تعد ترى في تعليم المرأة صفة سلبية، بل على العكس، فإن هذه النكتة الإباحية تشير (ضمنياً) إلى أن المرأة غير المتعلمة والحمار متماثلان، مما يشجع هذه المجتمعات على تعليم بناتهن. بل سنرى في النكتة التالية نموذجاً لتفوق المرأة المتعلمة على الرجل غير المتعلم الذي يتم السخرية من جهله:

واحد تزوج أديبة قالت له في ليلة دخلتها : حدثني ما أنت فاعل بي، إن كنت تريد ان تجامعني فأنا لك و لكن لا تستبد بشهوتك عن بلوغ عسلي، إكشحني و اعصر نهديي لا تُدخل الحشفة إلا بعد إنتفاخ أوداج شفير فرجي و نزول سائلي، فإذا أولجته فلا ترحم آهاتي حتى تبرد أنفاسي. قال لها: ما فهمت يعني أنيكك ولا لا؟.

وتبين لنا النكتة أن المرأة متعلمة ومثقفة وأديبة، وهذا أيضاً يبين أن المجتمع السوداني لا يحول دون دخول المرأة في مجال الأدب من شعر وقصة وخلافه، بل كذلك يعتد بوعيها الجنسي غير مستهجناً له مع اقترانه بذلك التجويد اللغوي الذي يمنحه صفة العِلمية غامضة.

"صاحبنا منعم فيهو شوية عوارة (بله) كدا ،،، تلب في بيت ناس قمر.... وخالتك قمر دي اسوأ مرة في افريقيا جنوب الصحراء ،،، أي مشكلة صغيرة وتافهة بتكبرها ليك تشهيك المشاكل.... اهااا ،،، لقت منعم الشقي في (وضع مخل) مع حمارتها.... دقت جرس وكلمت الحلة كلها في النهاية اختتمت جرسها مع ام منعم ..... ام منعم لامت ولدها: دا شنو البتسوي فيه دا ؟ البنات ما كتار ؟ منعم: يما ما بدوني ! الام : طيب ما لقيت الا حمارة المرة شيالة الحال دي ؟ ويصمت منعم ،،،،،الام تواصل في ندب حظها وتقول: طيب يا ولدي وقت فاض بيك قدر دا حمارتنا دي ما قاعدة .... !!! منعم: والله يما ،،، حمارتنا شايفة زي اختي !!!".

المرجعية الأخلاقية تمتد إلى العلاقات الجنسية مع الحيوان. حيث يلخص لنا منعم (الابن المصاب بقليل من البله)، جدلاً تاريخياً حول التحريم الجنسي. أو ما سمي لدهور طويلة بزنا المحارم. وهذا الجدل نجم أساساً عن سؤال فلسفي حول ما تستند إليه الأخلاق الإنسانية، وهو سؤال لم يتمكن الفلاسفة من إيجاد إجابة حاسمة له حتى الآن مما دفع الكثير من النفعيين إلى الاعتماد على نسبية الأخلاق. سنرى مثلاً أن الأديان تعتبر نفسها أساس القيم الأخلاقية، وأفلاطون يردها إلى عالم المُثل، ومع ذلك يردها البعض إلى الضمير الإنساني[SUP][31][/SUP] والليبراليون الكلاسيكيون أمثال جورج استيوارت ميل يردونها إلى التطور الإنساني..الخ[SUP][32][/SUP]. غير أن النكتة لا تمنحنا سبباً حاسماً لشعور الشاب الأبله منعم تجاه حمارتهم كما لو كانت أخته. قد يبدو أن النكتة لم تهتم بهذه المسألة، واعتمدت على المفارقة، لكن دعونا لا ننسى أن النكتة اعتمدت على حكم عام تجاه ممارسة الجنس بين الأشقاء، وهو حكم مستمد بالفعل من التحريم الديني وليس المنطقي. لكن يبدو أن منعم اعتمد على مسألة أخرى وهي التجاور لفترة طويلة من الزمن مع حمارتهم مما خلق بينهما عاطفة فاضلة. هذا يعطنا ملمحاً عن فكرة الخطيئة أو الفعل النجس الذي يعبر عنه الجنس، الجنس بذاته كنوع من العنف والسادية وليس التبادل الإشباعي. يرى منعم أن الحمارة لا تستحق أن تُركب (تُذل). الفكرة الإذلالية للجنس هنا تتساوق مع التسبيب الديني والثقافي العام.

"واحد جنو نيك حمير قام مشا الجروف (مناطق زراعية على جرف النهر) بعد انتهى من شغلو (الزراعة) قعد ينيك في الدحشة الصغيرة وملص (خلع) هدومو كلها وختاها في الحمارة الام الحمارة اتحركت وجابت هدومو البيت امو من شافت الهدوم ضربت الكواريك (الصراخ) ولدي غرق في البحر والحلة كلها انكسرت في البحر جو لقو بنيك في الحمارة الصغيره خجل شدييييد وقعد يتلفت امو قالت لي بتفتش في شنو؟ قال ليها هدومي وينها؟ قالت ليو ارح هدومك جابتها ليك نسيبتك البيت".

النسيبة هي أم الزوجة، (ملص تعني خلع)، ويطلق البحر على النهر أيضاً، أما الكواريك فتعني الصراخ في سياقات معينة خاصة عندما تُجمع (كورك: جمعها كواريك) ، والصياح أو النداء من بعيد في سياقات أخرى خاصة عندما تُفرد، وهنا تعني الصراخ. انكسرت في البحر أي توجهوا كجماعات إلى النهر. (أرح) أمر بالذهاب.

وكما رأينا ترتبط ممارسة الجنس مع الحيوان بالبيئة الزراعية أكثر من البيئة الرعوية، إذ أن الحيوان في البيئة الرعوية له قداسة أكبر من البيئة الزراعية. يعتبر الحيوان في البيئة الزراعية خادماً وامتلاك الحواشات (الأرض الزراعية) وحدها مؤشراً على الطبقة الاقتصادية والاجتماعية، أما في البيئة الرعوية فيعتبر امتلاك مُراحات (قطعان) كبيرة من الماشية مؤشراً على الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فمن النادر أن تتم ممارسة الجنس مع الحيوان. كذلك فالبيئة الرعوية بيئة متنقلة وغير مستقرة، وتتحدد فيها الروابط الجنسية مبكراً جداً لأنها لا تتحمل الانتظار، في حين أن البيئة الزراعية أكثر استقراراً مما يجعلها بيئة ذات روابط جنسية مقيدة بمحيطها الأكثر ثباتاً إلى جانب محدودية الخيارات المعروضة.

3-4 صدام الثقافات: بين الانفتاح والتحفظ المتمدين:

"مذيعة تلفزيونيه مطلقه .. عملت لقاء مع أحد الزعماء الجنوبيين .. وبتسأل عن عادات وتقاليد الزواج عندهم !! قام قال ليها مرااا تويييله (طويلة) كده دي مهرها 100 بقره .. ومرااا سمحه ومتعلمه زيك كده 150 بقره. المذيعه لي شلاقتها قامت قاطعتو .. وقالت ليه المرأه (الثيب) مهرها كم؟ .. ما وقعت ليه كلمه (ثيب) دي .. قال ليها (ثيب دا شنو؟؟). وبدأت تتفلسف: "يعني ارمله مات زوجها .. أومطلقه .. وكده. صاحبك علي الهواء مباشرة ضحك ههههههه .. وقال ليها (باستغراب شديد): "دا .. دا عندنا (بنيكو) سااااي من غير قروش". قال ليك المذيعه لي الليله ثوبها في الاستديو ما جات شالتو.

وهذه النكتة تواجهنا بعدة تمظهرات سوسيولوجية وثقافية، كالتباعد الثقافي بين الثقافات المتعددة في القطر الواحد قبل الإنفصال، وتنبهنا -بقوة- إلى حتمية ذلك الإنفصال الذي تم- مع استمرار اتساع تلك الفجوة. وإذا كان التمدين ينقل العام إلى الخصوصية، بحيث تنحو اللغة دائماً إلى المجاز لتصبح لغة مؤدبة، فإن ما يتضح من النكتة ذلك الفارق التمديني بين الشمال والجنوب، الجنوب الذي ظل طازجاً وعفوياً نتيجة للتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، والشمال المتكلف والمتخفي خلف أقنعة المدنية. فالمذيعة المُطَلَّقة استخدمت لغة غير مباشرة مع زعيم قبلي جنوبي، يمثل الأصالة الأفريقية في طزاجتها والتي توصف تحاملاً أو غَلَطَأً بالبدائية. لقد عكست النكتة معايير مختلفة لاختيار الزوجة في الجنوب، معيار جمالي جسدي هو طول القامة، ومعيار أدبي أو معنوي وهو التعليم (التعليم مرة أخرى).

سنلاحظ أن تناول التعليم دائماً في النكات السودانية هو تناول إيجابي بالنسبة للمرأة، خلافاً لثقافات أخرى في الدول العربية والإفريقية التي لا زالت ترفض تعليم المرأة. لكن حتى في تلك الطزاجة الثقافية في جنوب السودان يعتبر تعليم المرأة قيمة تزيد من قدرها لدى الرجل عند الزواج. وبالتالي تزيد من رصيد الأب أو الأسرة أو القبيلة من البقر كأداة وفاء مالي لا علاقة لها بالنقود. فللبقر قيمة أكبر من النقود، إذ أن من يملك بقراً كثيراً لا يتساوى أبداً مع من يملك نقوداً كثيرةً، ولو كانت هذه النقود أكثر من البقر أضعافاً مضاعفة. نعود إلى الصدام الثقافي بين الشمال المقنع دائماً والمتصنع باستمرار والجنوب المنكشف دائماً والعفوي باستمرار؛ فاستخدام كلمات ك"بنيكو" ليس لديها أي مدلول انحطاطي في ثقافة الجنوب، بل هي تعبير طبيعي وعادي للعلاقة الجنسية. وهكذا فهذا الزعيم لا يرى فيما قاله أي عيب، تماماً كما لو وصف اجتراع الماء بأنه (شُرب) أو تناول الطعام بأنه (أكل) وهكذا. هذا الفارق الثقافي خلق المفارقة المضحكة، التي انتهت بشعور المذيعة بالخجل من ناحية ومن انتهاك كرامتها كمطلقة لا قيمة لها من ناحية أخرى. ولم تنظر المذيعة للمسألة من زاوية أن المطلقة تتحرر بطلاقها من الإلتزامات الناتجة عن تعهدات قانونية واجتماعية كما هو الحال بالنسبة للمطلقة في جنوب السودان، فهي جربت الرجال وأضحت ناضجة في ثقافة الجنوب، بحيث لم تعد مُقيَّمة في ذاتها بمال يدفع لولي أمرها. كما أن رغبة المذيعة في معرفة وضع المطلقة يعكس شعورها الداخلي بالهزيمة في مجتمع الشمال الذي هو بالفعل لا يضع للمرأة المطلقة اعتباراً خلافاً للفتاة البكر التي لم تتعرف على الرجال بعد. هذا الوضع الاجتماعي للمطلقات في الشمال خلق لهن أزمة نفسية عميقة، إذ أن المطلقة غير مُقيَّمة كالبكر من ناحية، وفي نفس الوقت لا تملك ذات حرية المطلقة في جنوب السودان والتي يجوز لها أن تمارس الجنس مع من تشاء بدون أي استهجان اجتماعي.

3-5 التكيف الجسدي الثقافي:

تشير النكتتين اللاحقتين إلى ما أطلقنا عليه التكيف الجسدي الثقافي؛ حيث يشير دافيد لو بروتون إلى ‏الحركات الجسدية كرمز أو كعلامة فيقول: "وسواء كان هذا الجسد مرسلاً أم مستقبلاً، فإنه ينتج ‏المعاني دون هوادة، ويعمل على دمج الإنسان بكل قوة داخل فضاء اجتماعي وثقافي معين"[SUP][33][/SUP] .

(أ) المخدرات كمؤشر لثقافة جديدة واستبدال لقبيلة مضطهدة: في الآونة الأخيرة ازدادت وتيرة المخدرات، تجارة وتعاطياً، وتناسق كل ذلك في نموذج ثقافي محدد، يتقبل فيه المجتمع متعاطي المخدرات خلافاً لما مضى. في السابق كان شرب الخمر مخترقاً للحجب الإجتماعية رغم تعارضه مع الدين، إلى حين وصول حكم الإخوان المسلمين إلى السلطة في السودان، وبدأت عمليات قمع لثقافة الخمور، غير أن ما ترتب على ذلك كان غريباً جداً؛ فقد حدث استبدال للمخدرات بالخمور، وأصبح تعاطي البنقو مسألة طبيعية بشكل مذهل رغم عدم قانونيته، وأنتشر التعاطي بين المطربين الشباب، الذين رسخوا أنساقاً ثقافية تجاه المتعاطي أو ما أطلق عليه المسطول، وفي أحيان قليلة (أصحاب الخيال الواسع)، وشخصية المسطول في النكات السودانية هي شخصية ذات سمات عفوية لطيفة وليست إجرامية، فالمسطول شخص مباشر، وفي الغالب لا يتحمل عقله المجازات والكنايات. سنلاحظ ذلك في النكات التي ارتبطت بوعي المسطول تجاه الجنس حيث يأخذ المسطول كل الحوارات ذات الطابع الجنسي بدون تعقيد أو تزمت مما جعله شخصية محط قبول إجتماعي.

"واحدة مشت لدكتور اسنان مسطول قالت ليهو : انا اهون علي أحمل من أقلع ضرسي ... قال ليھا : قرري إنتي دايرة شنو بالضبط ؟عشان نقدر نوزن الكرسي".

لم يعد تعاطي المخدرات مرتبطاً بطبقة اجتماعية معينة، ولو حدث ذلك لما نجحت المفارقة في هذه النكتة في تحقيق أثرها. فالمسطول هنا طبيب أسنان، وبالتالي فهو من الانتلجنسيا، وبالتأكيد من الطبقة البرجوازية أو على الاقل الطبقة الوسطى الأدنى. ويبين ذلك أن تعاطي المخدرات ليس فقط غير محصور في فئة إجتماعية دون أخرى بل هو أيضا لا يعرقل أداء المتعاطي لعمله في بيئته تلك.

وفي مجال التكيف الجسدي الثقافي فقد أشارت النكتة إلى وضعيتين جسديتين مختلفتين، وضعية ترمز إلى العلاج الطبي، ووضعية ترمز إلى الجنس. الوضعيتان مرتبطتان بما فهمه المسطول فهماً مباشراً من حديث المرأة. علاج الأسنان له وضعية، وممارسة الجنس له وضعية مختلفة. لذلك يمكننا الحديث عن ثلاثة عناصر ربط:

١- حديث المرأة: * الخوف من علاج الأسنان. * الحمل.

٢- حديث طبيب الأسنان المسطول: * وزن الكرسي من أجل علاج الأسنان. * وزن الكرسي من أجل ممارسة الجنس.

3- زيارة المرأة للطبيب. رغم موقفها الرافض للعلاج.

وهذه النقطة الأخيرة هي التي يتجاهلها القارئ ويُحَمِّل مؤلف النكتة فراغها الاستدلالي لاضطراب عقل الطبيب نتاج تعاطيه للمخدر أو البنقو. ولو حدث أن تساءل القارئ عن سبب قدوم المرأة للطبيب ما دامت تخاف العلاج؟ ستفقد النكتة مفارقتها، ويكون حديث المسطول منطقياً. وهذا ينبئُنا عن أن النكتة تدفعنا أحياناً إلى تجاهل المنطق. وربما تدفعنا إلى ملء الفراغ عبر تبريرات معنوية، مثل تبرير حديث المرأة بأنه مجرد تعبير ودي عن مخاوف جدية. لكن هذا سيدفعنا أيضاً إلى المنطق الذي على أساسه ربطت المرأة بين الحمل وعلاج الأسنان. فالحمل يبدو مؤلماً، مع ذلك ترى المرأة أن علاج الاسنان أكثر ألماً. هنا يمكننا أن نتساءل عن أشياء أكثر ألماً من الولادة وغير مرتبطة بالتشريح الجنسي لجسد المرأة، ولماذا لم تستخدمها المرأة لتجري تلك المقارنة، مثل ألم قلع الأظافر والتعذيب.. الخ. لقد استخدمت المرأة علامة تدل على الحمل الذي هو نتاج الممارسة الجنسية. لقد دفعت بمخيلتنا نحن أيضاً إلى ذلك الجانب المختبئ في عقلنا الباطن. ولو أننا لم نتعرض لذلك الانحراف لما استطعنا الضحك، ذلك بأنه ما كنا لنربط بين العنصرين الأساسين الذين أحدثا المفارقة ومن ثم تأثيرها المضحك لولا تصورنا للعلاقة بين الولادة والجنس. هذا بدوره سيعكس لنا جانباً مهماً، وهو ذلك الإخفاء الاجتماعي المتعمد لتصورات الذكر تجاه جسد الأنثى، فهذا المجتمع حساس تجاه أي مفردات ترتبط بجسد المرأة. فالمسألة تتجاوز حركات الجسد كعلامة بل حتى المفردة التي تعبر عن تلك العلامة أي علامة العلامة. وهنا يبدو أن المرأة مطلوب منها دائماً أن تنتقي كلماتها بحذر في هذا المجتمع. لأن حديثها يسبق حركات جسدها. ومن هنا تتضح لنا الأهمية الإجتماعية للصوت. صوت المرأة، ويرتبط ذلك ايضاً ببعد ديني يتعلق بكون صوت المرأة عورة. هذا السياق الديني مكرس في المجتمعات الإسلامية بحيث أضحى منغزلاً مع الوعي واللا وعي، وبالتالي مع ردود أفعالنا لفعل الكلام قبل الجسد.

بمكننا الإشارة كذلك إلى دور هام جداً يلعبه الشخص المسطول؛ وهو دوره كبديل للقبيلة المضطهدة، والقبيلة المضطهدة هي قبيلة توجه نحوها النكات باعتبار أن أفرادها يعانون من صعوبات في الفهم أو التكيف، لكن مع انتشار التعليم، والصدامات القبلية، أصبح موضوع القبيلة أكثر حساسية، لذلك جاءت شخصية المسطول لتعلب ذلك الدور القديم، كبديل مقبول بغض النظر عن القبيلة.

(ب) المؤخرة كمنطقة خطر:

ذكرنا أن جسد المرأة كله ليس كتلة واحدة ذات دلالة جنسية، هناك في كل ثقافة جزء محدد يمثل المعيار الليبيدي. وأقول الليبيدي لأن المؤخرة ليست امتيازاً لدى المرأة، بل هي الوحدة المشتركة بين الجنسين. لذلك يبدو الاهتمام الذكوري في المجتمع السوداني إبرازاً لأزمة جنسية ترتبط بالعقدة النفسية الناتجة عن إضطرابات ما بعد الصدمة. في الواقع رأينا ان ممارسة الجنس مع الحيوان وفكرة السادية الجنسية وارتباط الجنس بالقهر والسلطة، كلها تكشف عن مجتمع ذكوري تعرض لقهر جنسي في الطفولة. ونتيجة لذلك القهر الجنسي للأطفال الذكور نشأ بالغون يعانون من التقييم الجنسي المضطرب، ما بين الوضع المتسق مع الهوية الجنسية التي من المفترض أن يميل فيها الذكر للأنثى، والوضع الإذلالي والقهري التسلطي الذي يعد نوع من الانتقام من الماضي، لذلك هناك ميل لممارسة الجنس مع الكائنات الضعيفة من ناحية ومن المؤخرة لأي كائن آخر. لا يهتم الذكور في هذا المجتمع بالعلامات الجسدية الحصرية للأنثى، كالنهود، بل ينصب الاهتمام على المؤخرة، فالتطبيق الجنسي السادي الذي يحقق إفراغاً لأزمة الليبيدو لا يتحقق إلا في المؤخرة.

"واحد قاعد مع خطيبتو واهلها فى الصالون وفجأه الكهربا قطعت.. قام اتسحب وقعد جنبها و همس ليها : سوسو جيبي بوسه سريييع. رد ابوها : سوسو مشت تجيب شمعه شيل يدك من جعبتى يا كلب".

سنجد هذا الترابط الوثيق ما بين الجنس والمؤخرة في العديد من النكات الإباحية الأخرى:

"في محل ملابس في وحده ماسكه لباس وقالت لواحد واقف قريب منها: لو سمحت دا مقاسي؟ ضحك وقال ليها انا زبون . قالت ليهو عارفه لكن انت ليك ساعه بتعاين في جعباتي".

تؤكد المرأة على حملقة الرجل في مؤخرتها بالفصل بين السطور التي كتبت بها النكتة، أي ما بين كلمة (ساعة) و جملة (بتعاين في جعباتي). على هذا تمثل المؤخرة منطقة خطر، على الحيوانات والنساء والذكور، باعتبارها منطقة انتشاء سادي، وبالتالي هي حالة من الكثافة التصورية التي تؤرق هذا المجتمع، والتي لا تستهلكه نفسياً فتجعله مجتمعاً غير آمن على الأطفال فقط بل هي كذلك تمثل أزمة اقتصادية حين تتعرض للخطر ولو كان خطراً داخلياً:

‏سوداني مغترب سنين طويله فى السعوديه وجمع كل فلوسه ورجع السودان قال يشترى حافله وركشه ويستقر ، قبل ما يعمل اى حاجه صابته بواسير، ومن دكتور لى عمليه ، كل فلوسو ضاعت كلها فى العلاج و العمليه ... معاهو صاحبو متابع معاهو ... بعد بقى كويس قال للرباطابي هسي اعمل شنو كل الفلوس الي عندى ضاعت ... ؟ صاحبو قال ليه: شوف لك خطاط فناااان يكتب لك(في طيزك من ورا) حصاد الغربة.

الرباطاب قبيلة اشتهرت بردودها السريعة والذكية والمشتملة على مفارقات مفحمة ومضحكة. ويعتمد الاقتصاد في المجتمع السوداني على موارد قليلة كالزراعة والرعي التقليديين بالإضافة إلى الاغتراب في دول الخليج. ويمكننا أن نستخلص ذلك الواقع الاجتماعي المذري للمغترب الذي يكد ويتعب من أجل العودة وضمان استقراره الاقتصادي في مشروع تقليدي بدوره. ففكرة الهجرة نادراً ما تتجلى في النكات السودانية، وتغلب فكرة الاغتراب، لأن الهجرة تعني القطيعة بين الماضي والحاضر، في حين يعتبر الاغتراب حالة انقطاع مؤقتة لأهداف محددة، ما أن تتحقق حتى تتحتم معها العودة إلى الوطن. ولذلك فإن المجتمع السوداني مجتمع منغلق على ثقافته، ونادراً ما يندمج في الثقافات الأخرى. وربما كان ذلك من طبيعته القبلية وغلبة الأسر الممتدة. وإذا كان المجتمع على هذا النحو فهو سيظل مجتمعاً رافضاً للتخلي عن أعرافه وتقاليده بسهولة، وإذا كان كذلك، فإن فكرة تفكير الفرد خارج صندوق الجماعة سيؤدي حتماً إلى لفظه عن القطيع. وهذا بدوره سيؤدي -كنتيجة حتمية- إلى بطء التطور الثقافي لهذا المجتمع، ليظل مجتمعاً يتعامل مع المدنية باعتبارها استثناءً. سنلاحظ أن النكتة تحكي لنا عن المفهوم العام للغربة، واقصى طموحات المغترب في شراء حافلة أو ركشة (عربة هندية ثلاثية الأرجل). إن الخيال التجاري يعني الابتكار، ومع وجود مجتمع منغلق تضعف ملكة الابتكار لأن هناك عنصر المقاومة لكل ما هو حداثي. لذلك يختار المغترب المشروع التجاري الأكثر ضماناً من حيث كونه يشبع الطبقات الأفقر التي لا تمتلك سياراتها الخاصة. ويرتبط ذلك كله بالروح الحزينة الجاثمة على هذا المجتمع، تلك التي تجعله يميل إلى كتابة عبارات عاطفية خلف سيارات النقل، والتي استغلها مؤلف النكتة في خلق المفارقة. فالمفارقة هي ان تلك العبارة العاطفية لن تكتب على ظهر السيارة بل على المؤخرة. والمفارقة تتكون من شقين، الشق الذي ذكرناه، والشق الخفي أي ذلك التصور الأليم والراسخ في العقل الباطن نحو المؤخرة باعتبارها منطقة خطر أو نقطة ضعف. فالمغترب يؤكد انهياره الاقتصادي باستغلال مساحة المؤخرة لتوثيق ذلك الضعف، أي وهناً فوق وهن. وتظل المؤخرة كعلامة جنسية حاضرة في الكثير من النكات ففي نكتة مصورة سنرى تغريدة لفتاة شابة تقول فيها: ما بحب الأولاد الأذكياء الواحد تلقيو يحلل شخصيتك وكأنك مع طبيب نفسي أنا دايرة أقعد مع زول يعاين لي كجعبات وبس.. شكراً).

(ج) عصر الرأسمالية: الفساد والجنس:

"واحده اتقدمت لي وظيفه في شركة المدير قال ليها بتعرفي فرنسي؟ قالت ليهو في السرير ولا الكنبه؟ قال ليك اسي هي مديره فرع".

تنتقل النكتة الإباحية إلى مستوى أعلى من الشعبوي، لتصل إلى فساد النخبة الرأسمالية في عالم الأعمال، أو من يطلق على فسادهم white collar crime. أي تلك الافعال التي يمكنها أن تدمر المؤسسة أو تفقدها الموثوقية أو تقضي على مدخرات المستثمرين فيها أو يحقق المدراء فيها مكاسب شخصية بإساءة استخدام وظيفتهم..الخ[SUP][34][/SUP].

تعكس هذه النكتة أن السودان رغم كونه دولة فقيرة إلا أنه اقتحم عالم الرأسمالية، وثقافتها البراغماتية الانتهازية، وهذه نقلة كبيرة في المجتمع. حيث حدث سوء تفاهم لغوي أفضى إلى مكاسب لبطلي النكتة، المرأة المتقدمة للوظيفة والمدير، وكان الفهم المختلف لاستخدام كلمة "فرنسي" هو الذي حقق النتيجة التي تمثل المفارقة. فالفرنسية هي لغة عادية كسائر اللغات، واستخدمها المدير على هذا الأساس لمعرفة مؤهلات المرأة المتقدمة للوظيفة، غير أنه كان لهذه الأخيرة فهماً مختلفاً لها، وهو الفهم الذي تدركه فئة سنية محددة داخل العاصمة على وجه الخصوص، وهو وضعية ممارسة جنسية معينة، حيث تنكفئ المرأة على بطنها ويكون الرجل من خلفها. بالتأكيد لا يمكن أن تكون هذه النكتة مفهومة -حسب توقعي- في الأرياف والقرى والأقاليم البعيدة. وإن عُرفت فسيكون ذلك من قبيل استيراد مفاهيم من العاصمة وعلى مستوى عمري معين؛ فمن هم في الستين من العمر قد لا يعرفون معناها. وهذا يعكس ارتباط اللغة بالزمكان والمستوى الاقتصادي للمجتمع على نحو وثيق. فاللغة التي تبدو اعتباطية من حيث الفونيم، ليست كذلك على مستوى الترابط التصوري بين الدال والمدلول. بل هي توافق عرفي، يتسلل مفهوم المفردة فيه بخفة عبر التداول لتتحول إلى مصطلح له فحواه. ابرزت النكتة المفارقة بين المفهوم اللغوي العام والمفهوم الخاص لكلمة فرنسي، وهي المفارقة التي حققت نتائج باهرة حيث ترقت المرأة بسرعة لتصبح مديرة فرع. ويعني هذا أن كم التنازلات التي قدمتها عبر الأوضاع الجنسية هي اليوم –وفق ثقافة الرأسمالية- المعيار الأمثل للترقي، وبالتالي فساد المؤسسات. وإذا كان الفساد في المؤسسات الخاصة على هذا نحو، فلا شك أن الفساد في المؤسسات العامة أكثر عمقاً وانتشاراً.. وهكذا تقتحم النكتة التابوه السياسي بسرعة.

3-6 مفارقة السلطة والجنس:

في المنظومات العسكرية تمثل السلطة دائماً رمزاً للقوة، في مقابل ذلك القمع السلطوي الحكومي ينهض الجنس كانتصار سلطوي موازٍ لقوة السلطة المحتكرة للإكراه القانوني. هنا تنشأ مقاربة ثقافية، بين السلطتين، ويتماهى رجل السلطة بالاعتبار الذكوري أدبياً، وهذا يعكس فكرة الفارس الكلاسيكية، فالفارس هو مقاتل القبيلة والذي يجب أن لا تشوب ذكورته شائبة. لذا لا يمكن تصور فارس مثلي (يتم ركوبه كالمرأة). رئيس حكومة رجل مثلي، رجل شرطة مثلي،..الخ. فهذا التناقض يخلق مفارقة مضحكة لدى تلك المجتمعات التقليدية. سنلاحظ تلك القسوة المحمودة اجتماعياً في الجنس والتي تمثل انتصاراً ذكورياً يتفوق حتى على انتصار رجل السلطة.

"قال ليك عريس كبسو في المره (أدخل قضيبه في المرأة) .. لمن خلاها تشر دم ، المهم جرت بيت أهلها.. وسالوها شنو الدموم دي سكتت ساكت .. المهم ودوها القسم اخوها قال لحضره الصول: زوجها اعتدي عليها بي عكاز (عصا)، جابو الراجل قال ليهم ده المعلم بتاعي (قضيبي) ده ياحضره الصول. الصول قال ليهو يازول بطل كذب طيب ورينا ليهو. صحبك فكا السروال مرقو برا تل رماهو في الطربيزه حضره الصول خجل قال ليهو دخلو والله جعباتي خدرن ..الصول طلع فاقد حنان"

يمثل الصول وهو هنا رجل السلطة المثلي المفارقة التي ما كان بالإمكان توقعها، أمام العريس (المواطن) المنتصر ذكورياً. يخلق ذلك حنيناً لدى المواطن العادي إلى قليل من الانتصارات المتوهمة على السلطة أو الحكومة الدكتاتورية، وتمثل مثلية الصول ضعفاً في سلطة الحكم المركزية في مواجهة الشعب. يظهر ذلك في الفخر الذي تم به وصف إخراج العريس لقضيبه وإلقائه في طاولة الشرطي (الحكومة): (مرقو برا تل رماهو في الطربيزة). سنلاحظ التصوير الصوتي لسقوط القضيب على الطاولة (تل) وكلمة تل في اللهجة السودانية هي صوت سقوط الشيء الثقيل والضخم. تعمّد مؤلف القصة تضخيم الصورة، والتي ترتب عليها انكماش الصول: (الحكومة تشعر بالرهبة من مواطن). تنتصر السلطة الذكورية على السلطة القانونية. ويتبين بعد ذلك أن الصول مثلي. فالمثلية تعني انعدام الرجولة، وهو وصف يحط من قدر الرجل في هذا المجتمع.

سنجد المثلية رغم ذلك ذات حضور مكثف في النكات الإباحية، والتي يأخذ فيها المثلي السالب (اللوطي) مكانة المرأة الوضيعة، والمرأة ممتهنة جنسياً لأنها (مركوبة)، وليست راكبة، فاللوطي إنما تتضع مكانته لتمثله مكانة المرأة المنحطة جنسياً في نظر ذلك المجتمع، وهذا ما يخلق شعوراً مزمناً لدى المرأة بالمهانة عند ممارسة الجنس وبالتفوق والقوة لدى الذكر. لذلك من النادر أن يعتبر الذكر مثلياً بالنسبة (للموجب أو الفاعل)، خلافاً للثقافات الأخرى التي تساوي بين السالب والموجب في المثلية الجنسية. وسنرى مسرح القسوة الجنسية في تلك النكات الإباحية لتعظيم فكرة التفوق والسلطة (السادية)، وانهزام المرأة أو اللوطي (المازوخية).

"قالوا واحد خطب لي واحده موضوعهم ماشي كويس فجاءة رفضتوا وكلمتو وسالها عن السبب بعد الحاح منو . قالت: قالوا انت بتاع اولاد . قال ليها: ابدااا ده كلام ناس حاقدين الحاصل انا راعي للفرق بتاعة الاشبال في الكورة طبعا الاولاد بجو البيت عادي وكده الناس ما بتريح طلعوني بتاع اولاد وماعافي ليهم. قامت اقتنعت واتزوجو في شهر العسل اول يوم عادي زيو وزي اي عريس فتحها.. تاني يوم قال ليها بوراء كيف؟ قالت ليهو اهااا ده الكلام الخايفه منو معناها كلام الناس صاح؟ قال ليها لا والله عادي العرسان بس الايام الاولي لانو بقدام بكون ف خدوش وجرح بتكون في تصبيرة كده بورا وبعدها مابحصل تاني وافقت. بس عاوز ادخلو فيها بورا ومكنكش فيها صرخت واااااي .قال ليها: وااي يالوطي.."

يمكننا أن نفهم بالتالي أن المجتمع السوداني مجتمع تسلطي، وأن فكرة التسلط تضافرت ابستمولجياً مع مركبه الثقافي، فهو مجتمع لم يبلغ المدنية الرقيقة بعد، وبالتالي فإنه -كأغلب الشعوب الإفريقية- سيعاني من أنظمة الحكم الدكتاتورية لسنوات طويلة؛ ذلك أنها وحدها التي ستشبع شعوره بانتصاره السلطوي. وأرى أن فكرة التسلط الجنسي على المرأة وهي فكرة راسخة هي التي جعلت المرأة تعتبر ممارسة الجنس حتى مع زوجها منحة كبيرة يجب أن تحصل على مقابل لها. ففكرة الجنس ليست منفعة متبادلة بل عطاء وهبة ومنحة ومَنّاً. سنرى في نكات لاحقة أن هذا أورث العلاقات الجنسية ارتباكاً كبيراً بين الأزواج. وأن هذا التصور لمازوخية الجنس الأنثوي وبالتالي وضعه في كفة راجحة أمام كفة المال أو (تسليع العضو الأنثوي)، يتقلص حينما تفقد المرأة الزوج، خاصة في حالات الاغتراب. مع ذلك لا تغيب التجارة الجنسية بين الزوجين. وذلك ما تؤكده النكتة التالية:

"اتصل زوجها الغائب من 3 سنوات وقال ليها : جهزي الدكان ونضفيهو جاييك الجمعة الجاية بالكتير(يعني: سأحضر يوم الجمعة في الغالب) .الزوجة مندهشة : ياتو دكان ومن متين كان عندنا دكان ؟ قامت سألت جارتها ، وجارتها قالت ليها : ها الغبيانة دي....راجلك قاصد انه راجع بعد غيبة ومشتاق ليك ونضفي الدكان يقصد بيها ..الجمل.... فهمتى؟؟ الزوجة اتكبرتت وعملت اللازم ، جات الجمعة وبعدها السبت والأحد وراجلها ما وصل. اتصلت عليهو وقالت ليهو .. نضفنا الدكان وجهزناهو بتجي وللا نأجرو".

تبين لنا النكتة حالة غياب الزوج عن الزوجة، والإشارة الرمزية لفرج المرأة (الدكان). والدكان محل تجاري، يؤكد ما ذهبنا إليه من تسليع عضو المرأة الأنثوي كنتاج لسادية الثقافة، وتؤكد الزوجة ذلك بأنها بعد أن جهزت الدكان بالكبرتة (وهي طقوس جنسية تتمثل في الدخان ودعك الجلد بعجين عطري يسمى الدلكة وأشياء أخرى)، لن تُضيِّع كل هذا الاستعداد المتكلف وستقوم ب(تأجيره) حال عدم التزام الزوج بمواعيد أوبته. وهو يشبه ما يسمى في القانون بالغرامة التهديدية التي تفرض على كل من يتأخر في تنفيذ إلتزامه. إنها عمليات حسابية دقيقة (ليست أخذاً وعطاءً) بل عطاءً فقط، ولذلك تعتبر المرأة أنها دائما ضحية للزواج والزوج، وأنها ضحت من أجل الزوج بالغالي والنفيس (العضو)، وأنها أضاعت شبابها. وهي جُمل متداولة بكثرة عند المرأة السودانية، ولكن الكثير من الرجال لا يعرفون مغزاها الحقيقي.

ويتاكد البردايم حيث تتمازح السلطة بالجنس، وتحديداً القوة العسكرية، وتصور الجندي والقائد الفحل، عندما يتعلق الامر بالباه والقوة الجنسية.

تقول النكتة:

"قائد الحامية العسكرية قال عاوز يساعد المدارس بتاعة المنطقة بالبقدر عليو ! مشى زيارة ل مدرسة البنات اجتمع مع المديرة و قالت ليهو مشكلتنا حوش المدرسة عاوز ردمية . قال ليها خلاص خلي الموضوع دا علي أنا ! عاوزين كم دور قالت ليهو ستة ادوار . رسل السواق بتاع القلاب قال ليه تكب ليهم الردمية. السواق طلع بتاع زواغانات جاب دور واحد بس و نزلو برة المدرسة وشرد ! تاني يوم الصباح المديرة جات المدرسة لقت الحاصل زعلت شديد .. طوالي مشت الحامية العسكرية وكوركت للقائد من بعييييييد قدام ضباطه كلهم : و الله ياسعاتك ما كان العشم فيك ! أمبارح اقول ليك عاوزة لي ستة ادوار سمحات ! تقوم تدينى دور واحد بس و كمان تكبو برة !".

سنلاحظ في هذه النكتة ان المرأة تحدثت أمام ضباط القائد بصوت عالٍ (من بعيييد). هكذا وضع المؤلف السيناريو والحوار ليعكس انتشار المعلومة التي سيتم فهمها خطأ نتيجة الخلط بين (دور التراب)، و(دور الجنس). فبلوغ الذروة (الاورجازم) لمرة واحدة يطلق عليه (دور). ويطلق كذلك على شحنة نقل التراب (القلاب=الشاحنة) الواحدة (دور). لم تحدد المرأة طبيعة الدور، لكن الكلام جاء من انثى لقائد عسكري (السادية، المازوخية)، وهكذا سيقوم العقل الجمعي بتأويل الخطاب تأويلاً جنسياً. وإذا كان قائد الحامية ليس فحلاً كما وعد المرأة بستة ادوار، فإن صورته ستنتقص أمام جنوده ليفقد صلاحيته كقائد عسكري. (الجنس كسلطة) مرة أخرى. وتاكيداً للنزعة التسلطية (السادية) عند المجتمع السوداني.

3-7 النكتة: النص والحدث:

تتموضع النكتة موضعاً وسيطاً في الأدب باعتبارها تختلق حدثاً تماماً كالقصة القصيرة جداً والرواية والمسرح، وهي تتمتع بذات التقسيم الأرسطي من حيث البداية والوسط والنهاية في حالة درامية تصاعدية. لكن ما يجعل النكتة أكثر فاعلية فيما نرى توفر عدة عناصر:

1- كونها لا بد أن تكون صادقة، أي تعبر بصدق عن واقع ثقافي معين.

2- وكونها مشاعة، حيث يموت مؤلفها عبر التداول.

3- اتساع الماصدق. بحيث تعبر عن كم مقدر من الأفراد. وإلا فقدت أثرها الإضحاكي.

4- كون لديها هدف، فهي ليست فعلاً اعتباطياً.

5- ارتباط السياق بالمختبئ من الأنساق الاجتماعية والثقافية، لتصنع المفارقة المطلوبة.

وتزيد النكتة الإباحية على النكات الأخرى بأنها تمس الأنساق شديدة التخفي. وتكشف العلاقات المتنوعة بين الأفراد على المستوى الجنسي. وقد تعبر النكتة الإباحية عن ارتباطات سياسية ودينية مختلفة مما يعزز رسوخها في الذاكرة. لذلك تعتبر النكتة بشكل عام والنكتة الإباحية بشكل خاص إحدى أدوات العمليات النفسية شديدة التأثير، إذ أن الغرض من العمليات هذي هو توجيه مجموعة من الجماهير الوجهة التي تحقق مصالح محددة في الحرب أو السلم أو كليهما.

في النكتة المصورة التالية؛ تم الربط بين حدثين، أحدهما جنسي والآخر سياسي، الأول يتعلق بمرض تعاني منه بعض النساء والآخر تعبير عن مرض تعاني منه الأنظمة الحكومية.

(في الصورة: تسأل امرأة متزوجة حديثاً في إحدى مجموعات فيسبوك: من عضوة... سلام عليكم أنا عروس في شهر العسل لي 11 يوم راجلي حاول أمس يجامعني بس في جفاف في المنطقة بتألم جداً يا ريت تفيدوني شي طبيعي ولا نشوف دكتور؟ فيرد عليها أحدهم: العن أبو الحكومة نشفت أي حاجة في السودان).

عبرت المفارقة في الحوارين السابقين؛ عن الواقع السياسي للدولة، أي الدولة التي تستنزف المواطن اقتصادياً عبر الفساد، من رشاوي وجبايات وارتفاع أسعار.. الخ. وتم الربط بين الحدثين، عبر عبارة التجفيف (نشفت)، ولكنها أشارت بذكاء –كنوع من التهكم- على دور الحكومة نفسها في تجفيف فرج المرأة. وهذا يعني ليس فقط الفساد بل أيضاً التغلغل السلطوي إلى غرف النوم بشكل غير مباشر. فالحكومة تلعب بفسادها وتسلطها تأثيراً غير مباشر على العلاقات الزوجية، بخلق التوترات النفسية للمواطنين جراء معاناتهم الاقتصادية والأمنية. ومن ناحية أخرى فإن النكتة تكشف عن تحولات كبيرة عند المرأة السودانية التي باتت ليست فقط تبحث عن المعلومة العلمية والدقيقة، بل أضحت قادرة أيضاً على طرح اسئلتها على الملأ وبشكل واضح. ويبدو أن التابوه الجنسي الذي كان يحكم الخطاب النسوي قد تبدد أو في طريقه إلى التبدد. كما أن سؤال المرأة يعبر عن اهتمامها بعلاقتها الزوجية من حيث الأداء الجنسي والاستمرارية، لكنه من ناحية يحقق طمأنينة لدى القارئ الذكر لأنه يعكس قلة خبرة المرأة في المسائل الجنسية، وهذا يعني عذريتها السابقة على الزواج. تمثل العذرية قضية مهمة في المجتمعات المحافظة، مع ذلك فهذه المسألة لم تعد بذات الأهمية التي كانت عليها قبل بضع عقود. يخبرنا طبيب تم القبض عليه بتهمة إجراء عمليات إجهاض بالكم الهائل من عمليات الإجهاض للفتيات، كما أن العنف بسبب عدم وجود العذرية يكاد يكون منعدم، على الأقل في العاصمة. فبلاغات الشرطة ومضابط القضاء لم تورد أي جرائم تتعلق باكتشاف عدم عذرية الفتاة خليل السنوات الماضية. وهذا يعني أن اتجاهات المجتمع تنحو إلى الليبرالية بشكل أوسع، هذا بالمقارنة بمجتمعات أخرى متاخمة كالمجتمعين المصري والليبي، ووراء البحر الأحمر، المجتمع السعودي.

سنجد الحدث الجنسي يرتبط كذلك بالحدث الاقتصادي، في التعليق الوارد في الصورة التالية:

(في الصورة: فتاتان مومستان من تايلاند ترفعان لافتة عليها جملة: Fuck today pay tomorrow يعلق سوداني عليها: السوق تعبان حتى في تايلاند .. نيك اليوم وادفع بكرا)

ربطت النكتة بين واقع اقتصادي لدولتين، دولة السودان (الثابت) ودولة تايلاند (المتغير) الذي يخلق المفارقة المضحكة. التعبير يتم بلسان عاهرة حتى وإن لم يكن مؤلف التعليق كذلك بالفعل. أي أنه يتحدث عن واقع سوق الدعارة في السودان. لكنه في الحقيقة لا يقصد ذلك الفهم المباشر، بل يقصد الواقع الاقتصادي الشامل للدولة والذي مس حتى سوق الجنس. وهذا يدل بدوره على العلاقة المتوترة بين الشعب والحكومة، تلك العلاقة التي تفتقر للثقة، وترد كل كوارثها على المستوى الفردي والجماعي إلى أخطاء الحكومة وفسادها وتسلطها. من الناحية الأخرى تؤكد ذلك نكات أخرى في سوق الزواج؛ ذلك أن الزواج نفسه عبارة عن سوق، وليس مجرد علاقة عاطفية وجنسية داخل مشروع مستدام. وهكذا فالزواج كبديل للجنس خارجه (الزنا) يجب أن يكون له مقابل. ومقابل مجزٍ كذلك.

سنجد في التعليق التالي؛ الفهم الرأسمالي للزواج، وتسليع العضو الأنثوي عبر الزواج:

(في الصورة: يضع أحدهم صورة أشياء تافهة كزجاجات مياه غازية ودقيق وخلافه ويقول: دي الشيلة وداير لي عروس جادة. فيرد عليه أحدهم: شيلتك دي بت ابليس ما تجيبا ليك).

الشيلة؛ هي مقدار من الهدايا التي يقدمها الخطيب لمخطوبته لتأكيد إبرام عقد الزواج. أما بت إبليس فهي المرأة التي تظهر في أحلام الرجل البالغ ويمارس معها الجنس ويقذف منيه بسبب ذلك أثناء نومه. وتسمى بت إبليس، كناية عن ارتباطها بالشيطان. وهي ترتبط بالشيطان لأنها تدخل في باب تخييل الذكر بالزنا المحرم شرعاً، رغم أنها تلعب دوراً هاماً في إشباع رغبة المؤمن المحروم من الزواج عبر ظهورها له في أحلامه. هذا يعكس لنا التصور العام للجنس باعتباره شيئاً مخالفاً للقيم الأخلاقية، وأن شرعنته تحدث فقط عبر الزواج. لا يتم التعامل مع الجنس كغريزة الأكل والشرب، بل يبدو غريزة تتنافى مع الأخلاق، ويجب قمعها وكبتها إلى حين إيجاد مخرج شرعي لها. هذا فهم يبدو قديماً إلى حد ما، غير أن مصطلح (بنت إبليس) تموقع داخل اللسان العامي، بحيث فقد أصله الديني إلى حد كبير. لكن سنلاحظ أن طالب العروس يبحث عن عروس جادة. إنه بذلك يؤكد على عدة حقائق؛ بعضها ترتبط بتجاربه هو، أي تجارب أخرى فاشلة عديدة في إيجاد زوجة، وتؤكد حقائق خارجة عن تجاربه، وهي أن المرأة أصبحت قادرة على تحديد علاقاتها عبر التفاوض التجاري لتحقيق طموحاتها الشخصية. التفاوض حول الثروة. كذلك يعكس هذا الطلب واقع طبقي واضح، إذ أن الطبقات الفقيرة من المفترض أن تقبل بأقل من ذلك أي بشيلة أقل، في حين أن صاحب التعليق يعبر عن طبقة أخرى، لا تقبل بمثل هذا القدر من المال. فهناك ثقافتان للزواج، ثقافة البروليتاريا، وثقافة الطبقة البرجوازية. وإذا كان صاحب الطلب من طبقة البروليتاريا كما هو واضح، فإن بيئة العرض (الأنثيات) هي بيئة طبقة البروليتاريا أيضاً، ولكن يبدو أن المرأة حتى في طبقتها الكادحة هذه باتت تملك طموحات كبيرة للقفز على واقعها وتجاوزه عبر بيع البضع.

تؤكد لنا تلك النكات أن الاهتمام الشعبي بالسياسة هو اهتمام اقتصادي في المقام الأول، والذي يرتبط بالحاجات الأساسية (الأكل، الشرب، الجنس)، وليس بالاحتياجات العاطفية العليا (الحب، تقدير الذات، التطور العلمي)، فالدولة تعاني من بؤس عام، وقد أفضى ذلك إلى كبت جنسي بسبب التردي الاقتصادي، وبالتالي ارتفاع متوسط سن الزواج. وهذا ما تؤكده النكتة المصورة التالية:

(في الصورة: يكتب أحدهم: لو الواحد عارف نفسو بيقعد عزابي كدا .. كان مافي داعي للطهور زاتو).

ويربط التعليق بين سنة دينية وهي ختان الذكور (الطهور)، والتردي الاقتصادي. الطهور ومن مسماه يعني التطهر عبر قطع جزء من غلفة الطفل الذكر، وهذا ليس لأسباب صحية وإنما لأن كل ما يخالف الفرض الديني يعتبر نَجَس، أو يعتبر بشكل عرفي علامة رمزية على النجاسة. وعلى هذا الأساس فإن النكتة هنا ليست مجرد نكتة سياسية، بل تعبر عن امتعاض من قدر إلهي، أو اعتراض على الأحداث التي رسمها الإله للإنسان المؤمن. فالمؤمن يربط بين كل أنشطته وبين الضوابط الإلهية ليكون بعيداً عن المحظور وفي (السليم)، لكن الإله في الواقع لا يقابل ذلك الالتزام والانضباط بما هو متوقع، كجزاء على حسن العمل. فكأنما ضاع تطهر ذلك الشخص عبر ختانه هباءً. ولكن المسألة لا تتعلق بذلك فقط، بل تتعلق كذلك – من ناحية سياسية- بأن الحكومة تخالف هي بدورها أوامر الله، لأن الحكومة ستفضي بالمواطن إلى الكفر حينما تكون حكومة فاسدة، ويؤدي فسادها إلى انعدام الفرص في الاكتفاء الاقتصادي وإشباع الحاجات الأساسية للفرد. ومن ناحية أخرى تعبر هذه النكتة عن الفلسفة التشاؤمية التي تتم مواجهتها -كما يقول فريدريك بيسر Frederick C. Beiser- عبر النكتة[SUP][35][/SUP].

كما أسلفنا تعبر النكتة عن الواقع السياسي، كرسائل مبطنة، تحكي عن الواقع الحكومي في الدولة: تشير النكتة اللاحقة إلى خصيصة عادات سلوكية سائدة في المجتمع السوداني وهي عادة (حك الخصيتين)، ومن ناحية تشير إلى التسيب والترهل الإداري والخلل في مرافق الدولة العامة:

"في واحد بيضاته مقطوعه إتقدم على وظيفه فقبلوه عشان وضعه الصحي ويوم الشغل قاله المدير: احنا بنبتدي من ثمانيه وانت من الساعه عشرة.. قاله: ليه اشمعنى ؟!! قال المدير: إحنا من تمنيه لعشره ماعندنا حاجه بنقعد نحك بيضنا ساي ، وأنت ماعندك بيضات فمافي لازمه تجي من ثمانيه . انبسط الراجل وقعد مبسوط علي الوضع دة شهرين . وبعد شهرين المدير قال ليه: من بكره ح تجي من تمنيه زي باقي الموظفين .. قاله: ليه خير في شنو.. بطلتوا تحكو بيضكم ولا شنو؟ رد المدير: لا بس إتعين عندنا موظف جديد عنده بيضات بس للاسف يدينو مقطعات دايرنك تجي تحك ليه بيضاته من تمنيه لعشره".

تشير النكتة إلى عادة قبيحة[SUP][36][/SUP] كانت شائعة عند الرجال السودانيين، وهي عادة حك الخصيتين، للرمز على عدم وجود عمل حقيقي في المرافق الحكومية، فمؤلف النكتة ما كان لينجح في تحقيق الأثر الإضحاكي لو أنه أشار إلى شركة خاصة. وهذا يؤكد بعض النقد الموجه إلى الأنظمة الشيوعية باعتبار أن الخصخصة توفر قدر اً أكبر من الرقابة على العامل لأنها تسعى إلى تحقيق الربح؛ في حين لا يجد الموظف الحكومي أي حافز لتجويد أدائه، كما أن الحكومة تترهل بوظائف لا قيمة لها سوى (حك الخصيتين) في اغلب أوقات العمل. مع ذلك تشير النكتة إلى التمييز الإيجابي في القطاع الحكومي الخاص بالمصابين بإعاقات جسدية، وهؤلاء قد لا تتوفر لهم فرص في القطاع الخاص. كما تكشف النكتة عن أن الفساد في القطاع الحكومي ليس فردياً بل عبارة عن شبكة تبدأ من القمة وحتى القاعدة، مع ذلك فالإعاقة نفسها ترمز إلى ضعف الكفاء العام لدى الموظف الحكومي، فكأنما هذه المؤسسات مكباً لنفايات من قليلي الخبرة والكفاءة، لمجرد ترضيات شخصية. وفي ذات الوقت تمارس النكتة نقداً للسلوكيات الفردية السائدة في المجتمع كحك الخصيتين. لقد طثرت هذه النكات في السنوات الأخيرة، لأنها عادة انتشرت في الذكور من الأجيال السابقة في حين تكاد تكون اختفت في الأجيال الشابة الجديدة. هذا يعكس تغيرات سيكولوجية، ففي الغالب يبدو أن حك الخصيتين كان تعبيراً عن الفحولة الذكورية، تماماً كما كان البصق في الغرب الأمريكي تعبيراً عن اللا إكتراث الناجم عن شعور بالقوة. مع ذلك يمكن رد عادة حك الخصيتين إلى مشاكل صحية تتعلق بالنظافة الشخصية، خاصة أن البيئة الزراعية تكثر فيها الكائنات الدقيقة التي تمرض المناطق التناسلية، كما أنه يمكن رد تلك العادة إلى المناخ الحار، وعلى هذا؛ فإن مسببات تلك العادة قد قلت بسبب التطور الصحي والاقتصادي، كتطور العلاجات والأدوية، والموبيدات الزراعية، ووجود المراوح والمكيفات لتبريد الجو في المنازل والسيارات..الخ. مع ذلك لم تخضع تلك العادة لدراسات علمية، كما لم تخضع بداية اختفائها كذلك لأي دراسات علمية، بحيث يمكننا أن نعرف أسباب وجودها واضمحلالها، إذ أننا نستطيع أن نرد ذلك الاضمحلال أيضاً إلى التطور الأخلاقي الذي أشار إليه جاروفاللو في مؤلفه عن علم الإجرام إثر محاولته فهم التحولات في ما هو أخلاقي وغير أخلاقي. وإذا كانت تلك التطورات في قيم الآداب السلوكية هي السبب في اضمحلال تلك الظاهرة السلوكية فقد يكون انتشار التعليم والانفتاح على الدول الأخرى بدورهما سبباً لذلك التطور.





تعداد الإشارات والرموز بالوحدات:



4-1 قراءة للتعداد:

يشير تعداد عام للنكات أعلاه إلى أن سبع من العلاقات الجنسية تمت بين ذكور وإناث وحالة واحدة فقط هامشية (تحرش غير مقصود) بين ذكور وذكور.

كما أشار إلى تطلب الزواج في ثلاث حالات.

توفر التفوق في عشرين حالة.

كانت العلاقة بين بالغين ثمان حالات مقابل حالة واحد هامشية مع قاصر ولكنه بالغ.

سبع علاقات زوجية مقابل علاقة حب واحدة وعلاقتين جنسيتين بدون حب.

كانت هناك ثلاث نكات ذات إشارات سياسية.

كانت هناك سبع نكات تحت تأثير الفقر، مقابل اثنتين تحت تأثير الهجرة، بدون اي تأثير للغنى.

كانت هناك ثلاث حالات جنسية متداخل مع حيوان الحمار، وإشارة ثانوية للحشرات.

تمت الإشارة للقضيب خمس مرات منها أربع مرات تمجد في الطول. وخمسة إشارات للمهبل مع مرة واحدة تشير للإتساع. هناك ثلاث حالات وصفت فيها المؤخرة الأنثوية وحالتان هامشيتان للمؤخرة الذكورية. وأربعة اعضاء أنثوية أخرى هامشية.

كانت هناك نكتتان فقط ترتبطان بالقبيلة والجهة.

هناك أربعة عشر حالة ذكرت فيهما المهنة.

نالت البيئة التجارية الغلبة بخمس حالات حضور مقابل اثنتين للزراعية وواحدة لكل من الرعوية والخاصة والحكومية.

ثلاث عشر حالة ظهر فيها الاهتمام بالخبرة.

ست حالات تتعلق بتعليم المرأة مقابل حالتين للرجل.

ست نكات تعلقت بمتزوجات مقابل حالة واحدة لمطلقة وخطيبة وأربع حالات مجهولة الطبيعة.

هناك إشارتان للحالة العقلية.

هناك ثلاث إشارات لأسرة ممتدة وأربع إشارات لأسرة نووية.

4-2 تحليل التعداد:

▪ يوضح تعداد المؤشرات والرموز، أن الاتجاهات الجنسية خارج إطار الزواج أقل من الاتجاهات داخل إطار الزواج. ويعني هذا أن النكتة الإباحية تعمل في اتجاه رعاية مؤسسة الزوجية.

▪ يشير التعداد كذلك إلى الميل إلى جعل الزواج بديل عن العلاقات خارج الزواج.

▪ يشير التعداد كذلك إلى الميل للعلاقات بين الذكور والإناث أكثر من المثلية الجنسية.

▪ جاءت غالبية النكات متفقة ومؤكدة لنظرية التفوق.

▪ ارتبطت النكتة بالسياسة ارتباط طفيف. ولكن اكثر من الدين.

▪ ارتبطت المؤشرات بالفقر على نحو واضح، ولكن ليس على نحو غالب، وإن كان أكثر من الارتباط بتأثير الهجرة.

▪ كان هناك استخدام للنكتة للسخرية من بعض السلوكيات وإخراجها من النطاق الاجتماعي كممارسة الجنس مع الحيوانات، وحك الخصيتين. واعتبرتهما مهينة للفرد.

▪ ارتبطت النكتة ارتباطاً واضحا بالقضيب الذكري كعنصر قهر وقوة، أكثر من اهتمامها بالمهبل الأنثوي حيث وصف هذا الأخير مرة واحدة بالاتساع كنوع من التتفيه عكس القضيب. وعلى عكس المهبل كان هناك اهتمام بالمؤخرة الأنثوية كعضو جاذب، مع إشارات هامشية لباقي جسد الأنثى.

▪ ظلت القبيلة مُبعدة من النكات الإباحية بقدر المستطاع.

▪ ظل هناك اهتمام بالمهنة، وأغلبها مهن طبية أو تعليمية ترتبط بالتعليم. مما يشير إلى هاجس المجتمع بالتعليم الأكاديمي أكثر من الحرفي.

▪ تشير التعدادات أيضاً إلى غلبة الطموحات الاجتماعية تجاه بيئة التجارة المعبرة عن المدنية أكثر من الزراعية. كما لم يكن للبيئة الرعوية ظهور مؤثر. وهكذا يتضح أن محاولات الانتقال من الريف إلى الحضر تتم من البيئة الزراعية أكثر من البيئة الرعوية، ويشير ذلك إلى توفر التعليم في البيئة الزراعية أكثر من الرعوية.

▪ ظل الاهتمام بالخبرة الجنسية يؤكد أنها هاجس مجتمعي إلى جانب ذكورية هذا المجتمع.

▪ يؤكد التعداد الاهتمام المجتمعي بتعليم المرأة.

(ب) التوجهات الأخلاقية للنكتة الإباحية:

وبشكل عام يبدو أن النكات الإباحية كانت محافظة على طابع أخلاقي معين بل وتُوَجِّه إليه، وأهم ملامح هذا الطابع الأخلاقي:

رفض المثلية الجنسية.

دعم مؤسسة الزواج.

دعم تعليم المرأة.

استنكار الأمية والجهل وتغييب العقل.

استنكار الفساد الحكومي والخاص.



الخاتمة:

كان منطلقنا العام هو فرضية التسلط الجنسي في المجتمع، إذ وضح بجلاء انتماء النكتة الإباحية لنظرية التفوق أكثر من نظرية الارتياح والتناقض. رغم أن كل هذه النظريات يجب أن تتكامل لتحقق النتيجة الانفعالية، وهي الضحك. مع ذلك فنظرية التفوق ظلت مهيمنة على موضوع النكتة باستمرار في حين يرتبط الارتياح أكثر بالآخر أو بالمتلقي. ونظرية التفوق تعكس درجة من درجات التسلط، تؤكدها هيمنة الفاعل الجنسي الذكوري على سائر المتفاعلين في الدراما الاريوتيكية الاجتماعية. الذكر يتفوق على كل من الأنثى والمثلي باستمرار، القضيب يتفوق على سائر أعضاء الجسد الأخرى. وفي نفس الوقت فإن هذه الهيمنة تحمي نفسها من منافسيها في المجتمع، أي أنها تحمي نفسها عبر تقعيد قيم ما لتتحول لقيم أخلاقية معيارية، فهي تعمل ضد الجنس خارج إطار الزواج، وضد المثلية، ومع ذلك فإن تعليم المرأة -وهو الخطر الحقيقي على الهيمنة الذكورية- ظل خاضعاً لحماية مجتمعية لا يمكن استبانة مسبباتها بوضوح، بالرغم من أنها تبدو كما لو كانت توجهاً اجتماعياً أيدولوجياً لا مزايدة عليه.

(تــــــــــــــــــم)​







الروافــــد

عربي:

أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، تحقيق: الدكتور مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 1404هـ-1983م.

اليكس ميكشيللي، الهوية، ترجمة: د.علي وطفة، دار الوسيم للخدمات الطباعية، ط1، 1993.

أُمبرتو إيكو، اسم الوردة، نقله من الإيطالية: أحمد الصّمعي، دار أوريا، الطبعة الثانية، 1997.

جاك دريدا، ما الذي يميز الاختلاف كإرجاء ومغايرة؟، "الاختلاف"، إعداد وترجمة محمد الهلالي وحسن بيقي، سلسلة دفاتر فلسفية، توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 2016.

جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، نواضر الأيك في معرفة النيك، تحقيق وتعليق: طلعت حسن عبد القوي، دار الكتاب العربي، دمشق، بدون تاريخ

جواد ختام، التداولية، أصولها واتجاهاتها، كنوز المعرفة، الطبعة الأولى، 1337هـ- 2016م.

جون ستيوارت ميل، الحرية، تعريب: طه السباعي، مطبعة الشعب، مصر، الطبعة الأولى يناير 1922.

جيمس هنري برستيد، فجر الضمير، ترجمة: سليم حسن، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012.

دافيد لو بروتون، سوسيولوجيا الجسد، ترجمة: عياد أبلال، إدريس المحمدي، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013.

القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى سنة 817هـ)، تحقيق مكتبة تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف : محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة، 1426هـ- 2005م.

شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف، تحقيق: محمد خير طعمه الحلبي، دار المعرفة، بيروت- لبنان، الطبعة الخامسة، 1429هـ- 2008م.

د.محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 2002.

نعمة الله الجزائري، ، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم إسلامي، زهر الربيع، الطبعة الأولى، 1421هـ- 2000م.

English:

Cate Watson, Comedy and Social Science: Towards a Methodology of Funny, (UK, Routledge Advances in Sociology, January 13, ‎‎2014).

Frederick C. Beiser, Humor as Redemption in the Pessimistic Philosophy of Julius Bahnsen, in ‎‎"All Too Human Laughter, Humor, and Comedy in Nineteenth-Century Philosophy', (Ed, Lydia ‎L. Moland), (Switzerland, Springer, 2018).

Gerd-Günther Grau, Zur Philosophie des Humors: Wilhelm Busch, Heinrich Heine, Sören ‎Kierkegaard, (Verlag Traugott Bautz, Deutschen Nationalbibliothek, 2012)‎.

‎John Meyer, Understanding Humor through Communication, Why Be Funny, Anyway?‎, ‎‎(Lanham, Boulder, New York, London, LEXINGTON BOOKS, 2015).

‎John Morreall, Comic relief : a comprehensive philosophy of humor, (USA, UK, Blackwell ‎Publishing, 2009).

Lydia B. Amir, Taking the History of Philosophy on Humor and Laughter ‎Seriously, Israeli Journal ‎for Humor Research, June 2014, Issue 5‎.

Petter Gottschalk, explaining white collar crime, the concept of convenience in financial investigations, (Palgrave Macmillan, Oslo, Norway, 2016).

The Oxford dictionary of current English, edited by Delia Thompson, (Oxford, New York, ‎Oxford University Press, 2nd Edition, 1992).














[HR][/HR]
[1] دكتوراه القانون الجنائي، محام ومستشار قانوني ، [email protected]
[2]- جاك دريدا، ما الذي يميز الاختلاف كإرجاء ومغايرة؟، "الاختلاف"، إعداد وترجمة محمد الهلالي وحسن بيقي، سلسلة دفاتر فلسفية، توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 2016، ص 38.
[3]- Cate Watson, Comedy and Social Science: Towards a Methodology of Funny, (UK, Routledge Advances in Sociology , January 13, 2014), P.63.
[4]- John Morreall, Comic relief : a comprehensive philosophy of humor, (USA, UK, Blackwell Publishing, 2009). P. 1-6.
[5]- أُمبرتو إيكو، اسم الوردة، نقله من الإيطالية: أحمد الصّمعي، دار أوريا، الطبعة الثانية، 1997، ص 510.
[6]- Lydia B. Amir, Taking the History of Philosophy on Humor and Laughter ‎Seriously, Israeli Journal for Humor Research, June 2014, Issue 5‎, p.47-48.
[7]- Lydia B. Amir, ‎Ibid, pp.69-77.
[8]- John Meyer, Understanding Humor through Communication, Why Be Funny, Anyway?‎, (Lanham, Boulder, New York, London, LEXINGTON BOOKS, 2015), pp.9-10.
[9]- Gerd-Günther Grau, Zur Philosophie des Humors: Wilhelm Busch, Heinrich Heine, Sören Kierkegaard, (Verlag Traugott Bautz, Deutschen Nationalbibliothek, 2012), p.12.
[10]- اليكس ميكشيللي، الهوية، ترجمة: د.علي وطفة، دار الوسيم للخدمات الطباعية، ط1، 1993، ص 36.
[11]- Cate Watson, op. cit.,p.49. ‎
[12]- Cate Watson, Ibid, pp.50,51.‎
[13]- جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، نواضر الأيك في معرفة النيك، تحقيق وتعليق: طلعت حسن عبد القوي، دار الكتاب العربي، دمشق، بدون تاريخ.
[14]- نعمة الله الجزائري، ، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم إسلامي، زهر الربيع، الطبعة الأولى، 1421هـ- 2000م.
[15]- شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف، تحقيق: محمد خير طعمه الحلبي، دار المعرفة، بيروت- لبنان، الطبعة الخامسة، 1429هـ- 2008م.
[16]- أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، تحقيق: الدكتور مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 1404هـ-1983م.
[17]- The Oxford dictionary of current English, edited by Delia Thompson, (Oxford, New York, Oxford University Press, 2nd ed, 1992), p.469.
[18]- القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى سنة 817هـ)، تحقيق مكتبة تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف : محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة، 1426هـ- 2005م، ص 916.
[19]- Cate Watson, op. cit., p.50.
[20]- د.محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 2002، ص 10- 14.
[21]- جواد ختام، التداولية، أصولها واتجاهاتها، كنوز المعرفة، الطبعة الأولى، 1337هـ- 2016م، ص 101- 104.
[22]- Cate Watson, op. cit., pp.50, 51.
[23]- John Morreall, op. cit., p.51.
[24]- John Morreall, Ibid., p.19.
[25]- John Meyer, op. cit., p.20.
[26]- Cate Watson, op. cit., pp.60, 61.
[27]- يشير جون مورييل John Morreall إلى أنه في الوضع الهزلي؛ يفكر الناس ويقولون ويفعلون أحياناً كل أنواع الأشياء التي عادة ما تكون ممنوعة، وحتى النكتة المهذبة تتحدى شخصيات السلطة والطرق التقليدية في التفكير والتصور، كما أنه في الإطار الفكاهي للعقل، يمكن تحدي أي معتقد أو قيمة أو إصطلاح معياري.
- John Morreall, op. cit., pp.56, 66.
[28]- Lydia B. Amir, op. cit., p.56.
[29]- تشير Lydia B. Amir إلى أنه وبحسب نوسباوم Nussbaum فإن الضحكة نفسها "حركة واحدة متمفصلة" ولا تتم عبر مرحلتين، فعند الضحك يغير المرء المنظور ويتراجع. وأعتقد أن هذه الملاحظة جديرة بالاعتبار عندما تسعى النكتة لأهداف محددة، فهذه الحركة المتفصلة دون تمرحل، هي التي تلتقط الرسالة أو القاعدة المبثوثة بين حنايا الخطاب الفكاهي، لتستقر في العقل الباطن، كمنفضة السجائر التي تفتح وتبتلع العقب ثم تعود وتنغلق مرة أخرة، في حركة واحدة.
- Lydia B. Amir, Ibid, p.59.
[30]- [30]- Lydia B. Amir, Ibid, p.70.
[31]- جيمس هنري برستيد، فجر الضمير، ترجمة: سليم حسن، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012.
[32]- جون ستيوارت ميل، الحرية، تعريب: طه السباعي، مطبعة الشعب، مصر، الطبعة الأولى يناير 1922.
[33]- دافيد لو بروتون، سوسيولوجيا الجسد، ترجمة: عياد أبلال، إدريس المحمدي، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013، ص17.
[34]- Petter Gottschalk, explaining white collar crime, the concept of convenience in financial investigations, (Palgrave Macmillan, Oslo, Norway, 2016), p.1ff.
[35]- Frederick C. Beiser, Humor as Redemption in the Pessimistic Philosophy of Julius Bahnsen, in "All Too Human Laughter, Humor, and Comedy in Nineteenth-Century Philosophy', (Ed, Lydia L. Moland), (Switzerland, Springer, 2018), p.105.
[36]- يذهب البعض إلى أن أرسطو دعا إلى التوبيخ على الرذائل عن طريق الضحك أو النكتة. ومن الممكن أن تكون مثل هذه النكات قد لعبت دوراً هاماً في تقلص هذه الظاهرة عند الرجال السودانيين.
- Lydia B. Amir, Ibid, p.55.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى