د. زياد العوف - تأمّلات في النزعة الرساليّة عند الشاعر الكبير شوقي بغدادي

لم يكنْ الراحل شوقي بغدادي محضَ شاعر كبير يلهثُ وراء الحرف الأنيق، والجَرْس الرقيق، والمعنى العميق، والأسلوب الرشيق، بقدر ما كان شاعراً رسالياً يحملُ رسالة إنسانية سامية تتجلى في تعاطفه العميق، بل في تماهيه المطلَق، مع المستضعفين في الأرض بمختلف أجناسهم وانتماءاتهم.
جاء في ديوانه الأخير الذي نُشِر قبل عام واحدٍ من رحيله تحت عنوان (بعد فوات الأوان) :
-"حلمتُ أمس أنني أموت
وأن جثتي يرفعُها العمالُ أعلى من التابوت
قلت لهم: تمهلوا لا ترفعوني عاليًا
فأرجعوني نحو أقرب البيوت
قولوا لهم هو الذي صاح بنا: هيا ارجعوا: ونحن لا نعرف بيته فأين نرميه إذن؟
استغرب السكان حين صرت عاريًا بينهم
فألبسوني كفنًا ممزقًا فرفضتُه
وحين فتشوا عندهم لم يجدوا من الثياب ما يروق لي
وهكذا صاحوا: مقبرة الأغراب ليست بعيدة
امضِ إليها قبل أن تغلق الأبواب
وهكذا سايرتُهم وقلتُ في نفسي
أفضل ما أصنعه الآن إذن
لا بد أن أموت".
على أنَّ تصدّي الشاعر للدفاع عن القضايا الإنسانية الكبرى يتطلّب تأهيلاً خاصاً، لعلّ من أهمّه، الغوصَ في أعماق الذات والتّعرّفَ إلى مكنوناتها العميقة واستخلاص هُويّتها الأصيلة القادرة على التعبير عن كينونتها الروحية المنحازة إلى الحقّ والخير والجمال.
جاء في قصيدته المدهِشة ذات العنوان الموحي"شيءٌ يخصُّ الرٌّوح"
-"آه لو كنت أنا حقا أنا
لو خيروني
لو سوى لهجة صوتي
أو سوى لون عيوني
لو سوى الشعر
وغير الثغر
لو غير غضوني
لو سوى الاسم الذي أُعطيتُ
والحزن الذي أهديت
لو بعض شذوذي ,واندفاعي, وجنوني
آه لو كنت أنا حقا أنا
لو في بياني
بعض ذرات المجرات
التي يسبح فيها عنفواني
من ترى خطّطني شكلاً
ومضموناً مَحاني
كلما حاولت أن أدنوَ من نفسي احتواني
ناشراً حرَّاسه ما بين قلبي ولساني
أقبل الليل
فغادرت , وأغلقت ورائي
سوف أختار أنا
في هذه المرة زواري
فيا زائرة الليل ارجعي
إنني أبحث عن شيء يخص الروح
في هذا المساء"
ستبقى روح الشاعر شوقي بغدادي طوّافةً أبداً في سماء الإبداع الشعري الإنسانيّ الخالد.

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى