د. طارق محرم - أرق

الرأس تتمايل نحو الأسفل وصوت شخيره ينبهه إلى وجوب انتقاله من غرفة المعيشة حيث التلفاز والكنبة إلى غرفة النوم حيث فراشه العنيد الذي يأبى إلا أن يبقيه متيقظا في سهرة مملة وكأنه موصول بجهاز كمبيوتر يعمل بمجرد أن يشعر بتمدده عليه. ويبدأ الروتين عادة بتجوال عينيه في أنحاء الغرفة من وضع الرقاد مع عقل متيقظ وجاهز للقيام بكل العمليات الحسابية والذكريات منذ الولادة وحتى الآن. هل ياترى أغلقت باب الشقة بالمفتاح، هل أغلقت مفتاح الغاز. ياليتني رددت على هذا السخيف برد وقح حتى يصمت. ماذا لو ربحت مليون دولار، أم أجعلها 5 مليون دولار؟ إن عشقت اعشق قمر؛ سوف أشتري منزلا وسيارة جديدة وأضع الباقي في البنك من أجل عائد مربح. وهل أشتري أيضا شقة للمصيف أم أقوم بالتنقل بين الفنادق، هل يمكن أن افتح مشروع أيضا أم أن النقود لن تكفي. هل هذا عنكبوت في سقف الغرفة؟ الجسد مرهق والنوم واجب ولكن تأبى الجفون الرضوخ. الوقت يمر ويجب أن يكون متيقظا من أجل اجتماع الغد. هل التقرير الذي كتبته كاف أم أنه بحاجة إلى تعديل، هل كان يجب أن أقوم بعمل عرض بصري مع التقرير؟ ينظر إلى جهاز المحمول بجواره ليرى الوقت، لقد تعدت الثالثة فجرا. لماذا باب الدولاب الخاص به مفتوحا؟ هل يا ترى سيكفي باقي المرتب حتى نهاية الشهر؟ أغمض عينيه عنوة في محاولة لإجبار نفسه على النوم وحاول أن يتخيل نفسه أمام الشاطئ ويستمع إلى الموسيقى الهادئة مع أمواج البحر، ترن في أذنيه نغمات شوبان وهو سعيد بها. فتح عينيه فجأة فوجد الشمس قد تسربت إلى الشباك والمؤذن يعلن عن صلاة الظهر. قفز من سريره ناظرا نحو جهازه المحمول فوجد عدة مكالمات وردت إليه، وظل حائرا إن كان لا يزال يحلم أم أنه قد استيقظ بالفعل، وبعد أن هز رأسه عدة مرات ونظر إلى المحمول مرات أخرى عله يرى توقيتا مختلفا تيقن من أن المصيبة قد حدثت، فالاجتماع الذي فات موعده كان هو المتحدث الرئيسي فيه وبالتالي فمن المؤكد أن الاجتماع قد تم الغاؤه أو تأجيله وسوف يتم إلقاء اللوم عليه لا محالة، والمدير من أرذل خلق الله، يتصيد له الأخطاء حتى يستطيع توجيه الإنذارات له قبل أن يقوم بفصله ليستطيع أن يحضر صديقته اللعوب من الإدارة الأخرى لتحل محله. لن يستطيع القول بأنه "راحت عليه نومة" وإلا سوف يلقى من التوبيخ ما لن يتحمله، ربما يقول أنه فقد توازنه أثناء قيامه ووقع على الأرض وتسبب هذا في إغمائه ولم يستيقظ إلا الآن، ولكن قد يطلب منه هذا الرجل كشفا طبيا ليتأكد من وجود آثار لهذا السقوط. أو يقول أنه قد أصابه ميكروب في معدته ولم يستطع الخروج من الحمام، ولكن قد يكون العذر واهيا لن يصدقه كما كان يصدقه والداه للغياب عن المدرسة، أو أن بعض اللصوص ثبتوه في الشارع وقاموا بسرقة متعلقاته فاضطر للذهاب إلى الشرطة ولكن قد يطلب منه محضرا من هناك. هل يدعي السرقة ويقوم بعمل محضر بالفعل؟ ولكن قد تكون العواقب وخيمة إذا اكتشفوا كذبه.

وبينما هو يفكر في طريقة ليهرب بها من هذا الموقف المحرج رن جهازه المحمول مرة أخرى، وكان صديقه علي:
- إنت كويس يا محمود؟
- الحمدلله. معلش ماقدرتش أرد على التليفون، أصل..
- يا أخي اتصلت بيك كتير ومافيش رد فقلقت عليك.
- بص، بيني وبينك راحت علي نومة. بس ما تقولش لحد. أكيد الاجتماع اتلغى، صح؟
-اجتماع إيه؟
- اجتماع الشركة اللي كنت حاعرض فيه التقرير، مش هو كان النهاردة؟
- يا عم ده لسة الأسبوع الجاي.
- بجد؟ ياراجل، طب الحمدلله. والمدير قال إيه لما ما جيتش النهاردة؟
- أنا بحاول من الصبح أكلمك عشان أقولك إن مدير الشركة تعيش انت!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى