ذات صباحٍ باردٍ صحوتُ من نوْمي بعدما سمعتُ طرقاً على بابِ منزلي، فهرعتُ نحو البابِ لأرى مَنْ الطّارق وكنتُ حينها غاضبا، ففتحتُ البابَ بعصبيةٍ، فرأيتُ امرأةً كانتْ تقفُ على عتبةِ الباب وكانتْ ثيابها متّسخة، فقلت في ذاتي: لربما هي متسوّلة، فنطقتُ ماذا تريدين؟ فقالتْ تلك المرأة وهي ترتعش: أرجوكَ ساعدني، وقفتُ حينها انظرُ إلى عينيْها الحزينتيْن، فعطفتُ عليها، ودعوتها لكيْ تدخل وتستريحَ إذ بدت عليها علامات التّعب. في البداية ترددتْ تلك المرأة في الدخول، ولكنها دخلتْ، وقمتُ حينها بإجلاسها قُرب مدفأةِ الحطبِ وكانَ اللهبُ يداعبُ بقايا الجمر المتبقي فيها.
كانتْ المرأةُ ترتجفُ من شدّة البرْد، فأحضرتُ لها بعضا من الملابس النسائية، التي بقيتْ عندي من أيام التجارة، ولم أستطع حينها بيعها، حينما كنتُ أُضيّع كل وقتي في بيع تلك الملابس العادية على أرصفة الطُّرقات، وقُلتُ لها: اذْهبي وخذي حمّاماً وارتدي ما يُناسُبكِ مِنها. وبعد فترة خرجتْ تلك المرأة من الحمّام وبدتْ جميلة للغايةِ بشعرِها الأسود الطّويل، الذي انسدلَ على ظهرِها بانسيابٍ جُنوني، فقُلتُ لها: أليس مِنَ العيبِ بأنَّ امرأةً مثلكِ تعملُ متسوّلةً، فأنتِ جذابةٌ بجنونٍ. فقالتْ: لا أنا لستُ متسوّلة، لقدْ انفصلتُ عن زوجِي، ولا يوجدُ لي أيّ أحد في هذه الدُّنيا، ولكن من يراني يحسبني متسولة.
فحزنتُ عليها في تلك اللحظة حينما عرفتُ قصّتها، ولمْ اسألها عنْ سببِ انفصالِها عن زوجها، فجلستْ على الأريكةِ بصمتٍ، ولاحظتُ في عينيْها شيئا كانتْ تريد البوح به، وسألتني هلْ تحتاجُ إلى خادمة؟ يبدو أنّكَ تعيشُ لوحدكِ.
فقلتُ لها: بلى، أعيشُ لوحدي منذُ طفولتي، وقدْ تعوّدتُ على ذلك، ولكنْ إذا أنتِ بحاجةٍ إلى عملٍ فأنا لا أمانعُ بأنْ تعملي عندي، فاقتربتْ نحوي وبدأتْ تشكرني، وذهبتْ إلى المطبخِ لغلي القهوة، وبدا عليها علامات السُّرور.
فشربنا القهوة معا، وتبادلنا أطراف الحديث، وتركتُها، ومن ثمّ استأذنتُ منها وخرجتُ إلى عملي، وعند المساء عدتُ كعادتي إلى البيت في ساعات المساء، فشاهدتُ البيتَ بدا نظيفاً، واستقبلتني
بابتسامةٍ عريضة، وقالتْ: هل يوجدُ فرق الآن؟ وكانتْ تقصدُ بأنّ البيتَ ينقصُه امرأة. فقُلتُ لها: بالتّأكيد يوجد فرق كبير.
في اليوم التّالي صحوتُ من فراشِي، ولمْ أجدها، فبحثتُ عنها في البيوتِ المُجاورة وفي الحُقول، لكنّها اختفتْ تماما.
وذات ليلة كنتُ جالساً أفكّر في تلك المرأة الغريبة، وبغتة سمعتُ طرقاً على الباب، فخرجتُ ملهوفاً لأرى مَنْ الطّارق؟ فإذا هي ذاتها تلك المرأة، ورأيتها تبكِي وقالتْ: لا أريدُ أنْ ينعتوني الجيران بأنّني امرأةٌ عاهرة، فاضطررتُ لتركِ منزلكِ تَحْتَ جُنحِ الظلام لأنني سمعتهم ينادوني بعاهرة.. فهدّأتُ من روعها، وأدخلتها إلى غرفةِ الصّالون، وقلتُ لها: ماذا تقصدين؟
فردّتْ والدُّموع كانتْ تنهمرُ مِنْ عينيها أريدُ الزواج منكَ، حينها ستسكتُ الأصواتُ المُجاورة، لمْ أُعطها في تلك اللحظات أي جواب، ووعدتها بدراسةِ الموقف، فدعوتها للبقاء، ولكنها أصرّت على الزّواج.
واستأذنت وخرجتْ في تلك الليلة ولم تعدْ البتة، وأنا ما زلتُ ابحثُ عنها من جديد .. بحثتُ عنها في كل الأزقّة وفي والطُّرقات، ولم يرها أحد من الجيران. فقلتُ في ذاتي: ربما تكون تلك المرأة شبحا.
فأنا أحببتُ تلك المرأة، رغم أنني اعتقدتُ بأنها امرأةً متسولة، لكنني بقيتُ متضايقا من غيابها، وكنتُ أقولُ في ذاتي: أين ذهبتِ ارجعي، لكيْ تريحيني مِنْ انعزالِي المُميت وتسلّيني بحضوركِ. لقدْ اشتقتُ إلى ابتسامتكِ العريضة، أين أنتِ الآن؟ أتمنى أنْ تعودي لنبتسم معاً، لكي نتسامرَ تحت ضوءِ القمر على الشُّرفة المليئة بأُصصِ الزُّهور، التي قمتِ بزراعتها ذات مساء. فلمْ أعدْ أُبالي إنْ كنتِ امرأة شبحاً، سأبحثُ عنكِ في أحلامي في كل ليلةٍ، لكنني لستُ واثقا بأنّكِ ستعودين ذات يوم، لأنّكِ أنتِ مجرد امرأة شبح تهتِ ذات صباحٍ ولم تُرِيدِي سوى الحُبّ، كنتِ امرأة توّاقةً للحُبّ، لكنني تركتكِ تهربين..
عطا الله شاهين - فلسطين
كانتْ المرأةُ ترتجفُ من شدّة البرْد، فأحضرتُ لها بعضا من الملابس النسائية، التي بقيتْ عندي من أيام التجارة، ولم أستطع حينها بيعها، حينما كنتُ أُضيّع كل وقتي في بيع تلك الملابس العادية على أرصفة الطُّرقات، وقُلتُ لها: اذْهبي وخذي حمّاماً وارتدي ما يُناسُبكِ مِنها. وبعد فترة خرجتْ تلك المرأة من الحمّام وبدتْ جميلة للغايةِ بشعرِها الأسود الطّويل، الذي انسدلَ على ظهرِها بانسيابٍ جُنوني، فقُلتُ لها: أليس مِنَ العيبِ بأنَّ امرأةً مثلكِ تعملُ متسوّلةً، فأنتِ جذابةٌ بجنونٍ. فقالتْ: لا أنا لستُ متسوّلة، لقدْ انفصلتُ عن زوجِي، ولا يوجدُ لي أيّ أحد في هذه الدُّنيا، ولكن من يراني يحسبني متسولة.
فحزنتُ عليها في تلك اللحظة حينما عرفتُ قصّتها، ولمْ اسألها عنْ سببِ انفصالِها عن زوجها، فجلستْ على الأريكةِ بصمتٍ، ولاحظتُ في عينيْها شيئا كانتْ تريد البوح به، وسألتني هلْ تحتاجُ إلى خادمة؟ يبدو أنّكَ تعيشُ لوحدكِ.
فقلتُ لها: بلى، أعيشُ لوحدي منذُ طفولتي، وقدْ تعوّدتُ على ذلك، ولكنْ إذا أنتِ بحاجةٍ إلى عملٍ فأنا لا أمانعُ بأنْ تعملي عندي، فاقتربتْ نحوي وبدأتْ تشكرني، وذهبتْ إلى المطبخِ لغلي القهوة، وبدا عليها علامات السُّرور.
فشربنا القهوة معا، وتبادلنا أطراف الحديث، وتركتُها، ومن ثمّ استأذنتُ منها وخرجتُ إلى عملي، وعند المساء عدتُ كعادتي إلى البيت في ساعات المساء، فشاهدتُ البيتَ بدا نظيفاً، واستقبلتني
بابتسامةٍ عريضة، وقالتْ: هل يوجدُ فرق الآن؟ وكانتْ تقصدُ بأنّ البيتَ ينقصُه امرأة. فقُلتُ لها: بالتّأكيد يوجد فرق كبير.
في اليوم التّالي صحوتُ من فراشِي، ولمْ أجدها، فبحثتُ عنها في البيوتِ المُجاورة وفي الحُقول، لكنّها اختفتْ تماما.
وذات ليلة كنتُ جالساً أفكّر في تلك المرأة الغريبة، وبغتة سمعتُ طرقاً على الباب، فخرجتُ ملهوفاً لأرى مَنْ الطّارق؟ فإذا هي ذاتها تلك المرأة، ورأيتها تبكِي وقالتْ: لا أريدُ أنْ ينعتوني الجيران بأنّني امرأةٌ عاهرة، فاضطررتُ لتركِ منزلكِ تَحْتَ جُنحِ الظلام لأنني سمعتهم ينادوني بعاهرة.. فهدّأتُ من روعها، وأدخلتها إلى غرفةِ الصّالون، وقلتُ لها: ماذا تقصدين؟
فردّتْ والدُّموع كانتْ تنهمرُ مِنْ عينيها أريدُ الزواج منكَ، حينها ستسكتُ الأصواتُ المُجاورة، لمْ أُعطها في تلك اللحظات أي جواب، ووعدتها بدراسةِ الموقف، فدعوتها للبقاء، ولكنها أصرّت على الزّواج.
واستأذنت وخرجتْ في تلك الليلة ولم تعدْ البتة، وأنا ما زلتُ ابحثُ عنها من جديد .. بحثتُ عنها في كل الأزقّة وفي والطُّرقات، ولم يرها أحد من الجيران. فقلتُ في ذاتي: ربما تكون تلك المرأة شبحا.
فأنا أحببتُ تلك المرأة، رغم أنني اعتقدتُ بأنها امرأةً متسولة، لكنني بقيتُ متضايقا من غيابها، وكنتُ أقولُ في ذاتي: أين ذهبتِ ارجعي، لكيْ تريحيني مِنْ انعزالِي المُميت وتسلّيني بحضوركِ. لقدْ اشتقتُ إلى ابتسامتكِ العريضة، أين أنتِ الآن؟ أتمنى أنْ تعودي لنبتسم معاً، لكي نتسامرَ تحت ضوءِ القمر على الشُّرفة المليئة بأُصصِ الزُّهور، التي قمتِ بزراعتها ذات مساء. فلمْ أعدْ أُبالي إنْ كنتِ امرأة شبحاً، سأبحثُ عنكِ في أحلامي في كل ليلةٍ، لكنني لستُ واثقا بأنّكِ ستعودين ذات يوم، لأنّكِ أنتِ مجرد امرأة شبح تهتِ ذات صباحٍ ولم تُرِيدِي سوى الحُبّ، كنتِ امرأة توّاقةً للحُبّ، لكنني تركتكِ تهربين..
عطا الله شاهين - فلسطين