مأمون أحمد مصطفى - نعم أنا أفخر بهذا

نعم أنا أفخر بهذا​

سؤال غريب، من شخص غريب، مسيحي، ومسلم، وثني، وبوذي، وكأني بهم جميعا، يريدون مني التنصل مما حباني ربي ومنً علي به من كرمه ولطفه، كي أكون راضيا منتهى الرضى عن انتمائي، إيماني به، تسليمي له، تذللي المطلق غير المحدود لصفاته وأسماءه جل في علاه.



إيمان ثقة راسخة، لا تحركها أو تميلها رغبة، ولا يؤثر فيها افتراء كون كامل، ولا تلجأ لخجل أو حياء هروبا من قوة طاغية أو هجوم ممنهج للنيل من عزيمتها.



أول الفخر ومنتهاه، أصله وفرعه، هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبكتابه الكريم، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من الألف وحتى الياء، كما أمرنا القوي المتين، وكما نقل الصادق الأمين.



وكي أكون صادقا، غير مدعيا، وأنا الآن بين يدي الله العالم بالنوايا والأسرار، لن أدعي بأني من أهل التقى، أو من أهل قيام الليل وتلاوة القرآن، لكنني إن شاء ربي من أهل التسليم والإيمان، تعتريني لحظات تقصير تشدني نحو اللهو واللعب، نحو الطموح بهذا الشأن والحلم بذاك الشأن، ينازعني إبليس منازعة قوية، يوسوس فأسمع له وأنقاد وراء وسوسته، يغريني بالخيال المنتزع من الخيال، فأغرق حتى أذني وراء عوالمه المنسوجة من الفراغ والخواء، ألعنه، تتالى لعناتي، يتفجر حقدي عليه، ألوذ لله بالسجود أن يخلصني منه، ينقلني بقوته للتمكن من ركضه خلف أنفاسي، أنجح قليلا، وأفشل كثيرا.



أواصل المسير وأنا أرتجف خوفا مما يعتريني ويستبد بي، فأخجل من الله لدرجة شعوري بأني لا أجرؤ على دعائه، أصاب بثقل في القلب، وضغط في الروح، وفجأة تفتح نافذة من الغيب، من نور، فأشعر بالأمن والأمان، بالسكينة والراحة، بعلو الروح نحو السماء لتتلمس المعجزة وهي تلقي في الروع فيضا من يقين مستل من يقين.



نعم، أنا مسلم، ولو لم أكن مسلما، لكنت خسرت آدميتي، إنسانيتي، التكريم الذي منحني الله إياه، الخلق الذي أتى بكتابه، وتمثله رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تبعه، حتى يوم الدين، ولا ينقص ذلك من شخصيتي وتكويني الذهني والفكري شيئا، بل يدفعني حتى وأنا في أشد حالات التقصير، للتوق الذي يبحث عن الثبات فوق قمم تلك الأخلاق.



ولم يحصل مذ تملكني الوعي وأدركني الإدراك، أن شعرت تحت ضغط قوة مستبدة، أو دعاية ماكرة، وهجوم خبيث، ومراوغة مبطنة بالشهد والشفقة، أن شعرت بحياء من كوني مسلما يلوذ بكل ما فيه من أنفة وعزة وشموخ وكرامة إلى الله سبحانه وتعالى، وكيف أشعر بعكس ذلك؟ وأنا بين يدي القوة المطلقة التي تتخللني وأنا في أقصى لحظات القوة، وفي ذروة لحظات الضعف.

كل الحرب المشعلة ضد الدين، ممن بخالفونه، من دول ومؤسسات، من حكام وطغاة، من جبروت وسطوة، تستطيع محوي ونثري كهباء لا يرى ولا يحس، هي أقل بكثير من أن تخلع من قلبي ويقيني وإيماني واعتقادي، ولو مقدار شعرة أو حتى واحد من اللانهاية في العدد من جزء من الشعرة، فلا تهم الإرهاب الملصقة بالإسلام، ولا تهم التخلف، ولا نظرات الاحتقار أو الازدراء، مهما بلغ شأوها ولهيبها وصليلها، تساوي عندي سوى التعمق بالتعلق في قوة الله الذي خلقني وبراني، ليس وعيا وإدراكا فقط، بل فطرة وروحا، تجتمع كلها لترفعني فوق هامة الفخر الذي لا يدانيه فخر، واعتزاز لا يضاهيه اعتزاز، وتباه لا يصل لحدوده تباه، وزهو لا يساويه زهو.



وكلما ازدادت الهجمة على الدين، على الرسول صلى الله عليه وسلم، على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كلما أمسكتني الفطرة لرؤية مدى الانحطاط والاسفاف، التعفن والتحلل، في نواة الروح المحكومة بالشهوات والغريزة التي تترفع شهوات وغرائز الحيوان عنها، ترفعا يصل بها حد النقاء والطهارة، وما تفرزه تلك النفوس المتقيحة لا يحتاج عند من يملك فقط الخروج من الجنون إلى مرحلة الغباء، لجهد في اكتشاف ما يسعون إليه، لتجريد الإنسان من كل ما فيه من إنسانية يمكن أن ترتفع به فوق شهوة ذل وغريزة تدني وفساد.



نعم أنا عبد الله سبحانه وتعالى، اتذلل له، وأصغر بكل إرادتي ووعيي أمام صفاته وأسماءه، بل إنني لا أشعر بوجودي إلا حين يمسني الخوف وتستعمرني الرجفة حين أقف عاجزا، مشلولا، كسيحا، وأنا أرفع يدي نحو السماء طالبا منه بفقر وفاقة، بعجز وانهيار، أن يمن علي برضاه، فقط رضاه المتصل بالعدل الذي لم يكن قبله ولن يكون بعده أي عدل أو ظل لعدل.



أنا من أتباع محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، تبعية مسلم بكل ما جاء به، مقتديا بكل قول وفعل صدر عنه ومنه، وهو عندي، كما أمرني ربي، خير أهل الأرض وأهل السماء، سيد الأنبياء والمرسلين، سيد الخلق، نصلي ونسلم عليه كلما دعتنا الروح وساندتنا الذاكرة، صلاة نتقرب فيها إلى الخالق البارئ المصور.



نحبه كما أمرنا أن نحبه، ونفتديه في كل ثانية وطرفة، بأنفسنا وأولادنا وآباءنا وأمهاتنا، بأرواحنا ومهجنا، كل ذلك ونحن في قمة النشوة والانشراح والمسرة، وكلما أمعنا في حبه، كلما شعرنا بحقيقة الحياة وسر الوجود وشفافية الروح، وكلما أعلنا حبنا وعشقنا لشخصه، لسيرته، لخلقه، كلما نهضنا نحو النور المتفجر حياء من نوره، فنرى أنفسنا تحتشد بالهدوء والسكينة، بالتعالي والتفاخر، لحد غيابنا عن ذواتنا وأنفسنا التي تحاول بكل جهود الشياطين والأبالسة، شياطين الجن وأبالسة الأرض أن تجرنا نحو محاولة التفكير، لوهلة مخطوفة الزمن بما يمثله هذا الرسول الكريم الخلق والخلق لدنيانا وآخرتنا، لكنها ترتد خاسرة، خاسئة، فنور الله المزروع فينا، يمسك بنواصينا نحو نور رسوله صلى الله عليه وسلم، رغم ما فينا من قلق وعصيان وفسوق، لنستعيد أنفسنا تحت ظلال المغفرة والرحمة التي تتغلغل فينا، فنشد عليها بكل ما فيها من يقين، بكل طمع وإلحاح وجشع، خرص وشره، دون الشعور بنقص فينا، لكن بنقص قصورنا عن القدرة بإدراك المخلوق للخالق، العبد للمعبود، نقص يقودنا بكل ما فيه نحو الكمال والتمام.



نعم بكل ثقة، شسع نعل محمد بن عبد الله عندي خير من الدنيا وما فيها، كيف لا يكون ذلك وقد اقترن اسمه باسم الخالق، وشهادة الوحدانية متصلة بشهادة رسالته ونبوته، فلا يغني عن المرء شهادته بالوحدانية عن الشهادة بنبوته، وليس هناك ما يمكن زيادته على هذه الرفعة وعلى هذا الشرف، فالعقل الذي يطلب وصفا أو تصويرا أو تشبيها، حول حياة الرسول بعد هذه الرفعة وذاك الشرف، كمن يطلب من الفناء بث الحياة في العدم، أو كمن يحث الخرافة على إحياء الحقيقة.



أنا إن شاء الله، أحب الله، حبا خالصا لوجهه، رغم قوة قريني في سوقي بين إثم وخطيئة، بين تفلت وتسيب، وبين كرهي ومقتي للموت مع علمي بأنه حق، حياء وخجلا من المثول بين يديه وأنا لا أملك من زاد لملاقاته، مع يقيني الذي لا ينزاح بعدله وقسطه، لكن رجائي الذي لا ينفك يقيني برحمته ومغفرته التي تتجاوز عدله وقسطه، فإن كنت أملك شيئا يمكنني من الفخر، فهو حبي ويقيني به جل في علاه، حتى وإن كنت في النهاية في عذاب جلبته على ذاتي القاصرة عن التزود بما يدنيني من رحمته.



بيني وبين الله سبحانه تعالى علاقة، لمستها باليد، بالتجربة، والأهم بالستر الذي أسدله علي، وأنا أدعوه بكل وجل وتعلق أن يستر علي وأنا فوق الأرض، لم يكن دعائي هباء، فقد ستر الله علي بالكثير الكثير، من ً علي بالاستجابة لدعاء كنت قبل تحققه أرتعد فرقا من انكشاف الستر، نعمة لوحدها غرست بأعماقي إحساسي بكرم الله حتى على العاصي، ورأفته على ما بالإنسان من ضعف لا يمكن رتقه إلا بإرادته، هي نعمة لا يدرك قيمتها إلا من منً الله عليه بها، وكانت جزء من تركيبة حياته وتفاصيلها، فهي فوق الوصف، لأنها متصلة بمن لا يوصف.



ما زلت أدعوه سبحانه، دعاء المقصر، العاصي، أن يستر علي وعلى أولادي وبناتي وحفيداتي وأحفادي سترا يختاره هو، فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.



فخرت وسأفخر بأني حين أمسكت القلم، وتمكنت منه، تمكنا شهد الكثير من أهل العلم بالكتابة، بتفوقي وقدرتي، حتى وصفني رجل كنا في فلسطين نعرف عنه التقوى والصلاح، وهو من أهل اللغة، بأنني افري الكلام فريا، شهادة اعتززت بها وما زلت بها أعتز، وغيره كثير.



فخرت وأفخر، رغم كل ذلك، ومعرفتي بمفاتيح الشهرة والجاه، والتي كنت قادرا فيها ببراعة أعهدها بنفسي، بقوة تأثير شخصيتي، وقدرتي على الإقناع، أن أفرك الشهرة والجاه بين السبابة والإبهام ببساطة شديدة، فقط الكتابة ضد الدين، والانخراط بأدب الجنس، وهما عماد كل فاشل – وإن كان ذا علم- لإرضاء شهوة ستزول فور نزوله القبر، وكثير منهم تحول لمطايا لمن هم مطايا لمطايا، فاخترت بيقين، وبغير يقين، بسليقة كانت تنبت من منابت طفولتي التي تعلقت بالمسجد، لتقودني بإرادة وغير إرادة، لكن بتوفيق وعناية من الله، لتضعني على حد الوفاء والإخلاص للحظات التجلي التي كانت تقتحم أعماقي في صلاة الصبح، حين كنت بعمري الصغير أبحث عن الملائكة التي هبطت لتحفنا، ومن شدة ذوباني في التجلي المخترق للروح والقلب، كنت أشعر بوجودها حولي، فأحس بأنني خفيف، مثل ريشة، يمكنها التنقل بين النسمات والندى.



كبرت، وستر الله يظللني، رغم عقوقي وفسقي، فأتتني بعض الفرص، كي يكون قلمي عبدا للكفر والرذيلة، بما يحملان من شهرة وجاه، حتى كانت هناك جملة واضحة، نفذ لنا ما نريد، ولا تسأل عن حجم المبلغ الطلوب.



كان عرضا مع فسح وقت للتفكير، لكنني الحمد لله، بقوة من الله وليس من ذاتي، رددت بالرفض دون أن أترك لنفسي مجالا للوقت أو التفكير، أنا أعلم بأني فقير، وأنني لم أستطع أن أؤمن لأولادي ما يمكنهم الاستناد إليه في حياتي وبعد وفاتي، لكن هذا لم يخطر ببالي لوهلة أثناء العرض، برحمة من الله واستمرارية ستره الذي أعرفه وأخبره معرفة وخبرة يقين، فأنا صاحب الشأن وأنا من تظلل بالستر.



كانت بعض الفرص تأتي مبطنة وبعضها واضحة، وبعضها لم يكن يصلني من قوة المفاجأة التي تصفد صاحبها حين ينطلق لساني بتفصيل الإيمان الذي يسكنني وأسكنه، خاصة من أولئك المتشدقين بمن أتقنوا التلاعب بالألفاظ، ومن فرق باطنية، وممن يدعون أنها أصحاب مذهب، لم يقف الأمر عند الرفض، بل كنت في كل مجلس تتاح لي فيه فرصة، أقف معريا باطلهم وزيفهم، مؤكدا على طهارة القرآن والسنه وأهلهما، ولم يدر حوار حيث أقيم بيني وبين نرويجي إلا وكانت جملتي قاطعة حاسمة، أنا مسلم، وأنا فخور بإسلامي، كي يكون الحد فاصلا بين شبهة أو تطاول يمكن أن يأتي ممن يظن بي ضعفا أو خجلا من ديني.



نعم، أنا استطيع القول الآن، بأنني لم أخن قلمي أو ثقافتي أو ديني، ليس بحكمة خالصة مني، بل، وهذا ما كنت أكتشفه لاحقا بعد تفكير وتبصر، برعاية من الله أحمده عليها حمدا يفوق سعة عرشه إن أحسنت التعبير.



ومن ظن بأنه حمد الله حمدا يوفيه حقه، هو من أهل الجهل والضلالة، فكل حركة وسكنة، وكل نعمة من النعم التي يضيق العقل وتضيق الأرقام عن إحصائها، لا تصل إلى عتبة الحمد الذي يوفي الله شيئا مما أعطانا ومنحنا.



أولادي الخمسة، الذين أدعو بقلب خالص برضا الله عليهم، ثم رضا قلبي عليهم، استطعت رغم قساوة الظروف، وتمكن الضياع الذي يعصف بالفرد المسلم، في الدول الإسلامية والأوروبية حيث نعيش الآن في النرويج، بعد أن تنازل عنا العالم الإسلامي، أن أعلمهم اليقين، الإيمان، الانتماء لله ورسوله، وأن أضع في قلوبهم ووعيهم نواة صلبة، متينة، تقودهم في أقسى الظروف للتمسك الممزوج بالفخر والأنفة، بثوابت الإيمان المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملت بكل جهد وثقة، بمعونة من الله، على إبعادهم عن صدمة السقوط بحبائل المشعوذين الذين يصقلون الباطل بسخام الحضارة المدعاة، وتفتح التمدن الذي يسحب الشخصية نحو التباهي بالألفاظ، وزرعت فيهم بزخم خصوبة الثابت الذي لا يقبل التحول، وأسقيتهم ثقة العلو والسموق بما يملكون من حب لله ورسوله، حتى تيقنت يقينا يكاد محسوما، بأنهم الآن مسورين بستر الله الذي خبرته سابقا، وبرحمته التي لم تتركني لأسقط في حبائل من يبحثون بما يملكون من أمراض تفتتهم وتذروهم رمادا في غثاء السيول التي لا تساوي شيئا.



هذا قليل القليل مما أفخر به كوني مسلما، هناك ملايين الملايين من الأشياء التي يمكنني الفخر بها، بل أنه لا يوجد نهاية أو بداية لما يمكنني الفخر فيه.



أنا أفخر كل الفخر كعبد من عباد الله، حين أركع خانعا له، وأسجد بعبودية مفرطة في العبودية، وخضوع مسكنة بين يديه، أنا أفخر بما لم يفخر به غير المسلم، أنني أحدثه مباشرة حين أرفع يدي بالدعوات، دون واسطة بيني وبينه، وأنا مخلوق وهو الخالق، أنا من طين، وهو ليس كمثله شيء.



اللهم أرزقني الثبات على ما برأتني عليه وفطرتني عليه، اللهم ثبت قلبي على التعلق بنورك الذي تدركه ولا ندركه، اللهم إني أسألك سؤال الضعيف للقوي، العبد المقر بعبوديته لوجهك الكريم، المخلوق بفضلك ومعرفتك وروحك، أن ترزقني وأولادي البقاء على صلة بك، ليس بجهد منا قد تتمكن منه شهوه أو غريزة أو تقصير، بل بنعمة تنعمها عليها بما تملك من أسماء وصفات، اللهم إنا عبيد لا نملك شيئا من زاد يوصلنا إليك إلا من خلال رحمتك ومغفرتك، فحصنا بها تحصينا مكلل بعظمتك التي ننشد الوصول لرضاها، اللهم أرحم أبي وأمي وهما في القبر رحمة تغسلهما من كل شيء وترفعهما إلى عفوك الموصل للجنة، اللهم إن أختي صبحية قد أصبحت الآن في عالم تملكه أنت، ولا نعرف عنه شيئا، اللهم تجاوز عنها بما في اسمائك كلها، العفو، الرحيم، الغفور، الرؤوف، القوي، الكريم، الجواد، اللهم أني أسألك باسمك الأعظم الذي تعلمه ولا نعلمه، أن تكرم أختي صبحية في قبرها ويوم بعثها ويوم السؤال.



مهداة إلى أبي وأمي وأختي صبحية وزوجي وأولادي وأحفادي، وأنا، علها تكون حامية لنا في الدنيا، شافعة لنا بالآخرة، وصدقة جارية إن شاء ربي ذلك.



مأمون أحمد مصطفى

فلسطين- مخيم طول كرم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى