د. مصطفى رجب - قصة تزوير ديوان أحمد شوقي

هل يصدِّق أحد أن ديوان الشوقيات الموجود بين أيدينا الآن به تزوير فاضح واضح؟
القصة بدأت منذ أربع وخمسين عاما ..!! ويرجع الفضل في كشف هذه الجريمة إلى عالم كبير من علماء المسالك البولية هو الأستاذ الدكتور مصطفى الرفاعي الأستاذ غير المتفرغ بكلية الطب جامعة الإسكندرية. فهذا الرجل عشق شعر شوقي منذ طفولته وشبابه. وعاصر قصة التزوير وكتب عنها في مقدمة طبعة خاصة طبعها على نفقته من ديوان الشوقيات سماها (الشوقيات الصحيحة).
وقد تحدثت مع هذا الرجل مرات كثيرة ، وهو الآن في العقد التاسع من عمره ، بارك الله في عمره ، فقصّ عليَّ قصته مع هذه الجريمة واكتشاف أبعادها، وجهوده التي باءت بالفشل مع وزارة الثقافة المصرية ممثلة في المجلس الأعلى للثقافة الذي رفض تقدير جهد الرجل، وتستر على هذه الجريمة النكراء.
وقد بدأت القصة عام 1956م، حين أعيد طبع ديوان الشوقيات بعد أن تم حذف مائتين وستين بيتاً من قصائد لأمير الشعراء تدور كلها حول مديح أفراد من الأسرة المالكة التي قضت عليها ثورة الجيش عام 1952م.
وقد رأي المنافقون للثورة ممن قاموا على طبع الديوان، أن يحذفوا تلك الأبيات تقرباً من نظام عبد الناصر، مما أدى إلى نقصان الجزء الأول من الشوقيات (الخاص بالقصائد السياسية) خمسين صفحة كاملة، فقد وقع هذا الجزء في طبعة 1956، وما تلاها من طبعات في ثلاثمائة صفحة بدلاً من صورته الأولى التي كانت تقع في ثلاثمائة وخمسين صفحة.
وقد تراوحت جريمة التزوير بين حذف قصائد كاملة في الطبعة الجديدة التي طبعت عام 1956، والتي ما زالت تتكرر طباعتها حتى الآن بدون تلك القصائد الكاملة المحذوفة، والتي كانت موجودة في الطبعة الشرعية الأولى للديوان وعدتها سبع قصائد كاملة مجموع أبياتها مائتان وستون بيتاً. وهي:
1- قصيدة (محمد علي باشا الكبير) ، 49 بيتاً ومطلعها:
عَلَمٌ أنت في المشارق مفردْ لك في العالمين ذِكْرٌ مُخَلَّدْ
حبذا دولةٌ وملك كبيــر أنت باني ركنيهما يا محمدْ
2- قصيدة (الخديوي إسماعيل) وهي من القصائد الطوال، حيث بلغ عدد أبياتها (104) بيتاً مائة بيت وأربعة أبيات، ومطلعها:
حُلُمٌ مدَّه الكرى لك مدّاً وسدىً ترتجي لحلمك ردّاً
3- قصيدة (تهنئة) كتبها شوقي بك في عام 1902 [تقديراً] حين فتك وباء الكوليرا بكثير من قرى الصعيد، وكانت أشد القرى تضرراً هي قرية (موشا) – مسقط رأي سيد قطب فيما بعد- وكان الخديوي عباس حلمي الثاني خارج الوطن في تلك الأثناء فلما عاد كتب شوقي بك هذه القصيدة مهنئاً بسلامة العودة، وفيها تعرض لذكر ما أصاب قرية موشا من هلاك، ومطلعها:
الدهر جاءك باسط الأعذار فاقبلْ، فأمر الدهر للأقدار
ومنها يقول عن تلك الغاشية:
خمسون ألفاً في المدائن صادهم شَرَك الردى في ليلة ونهار
وتقع هذه القصيدة في أربعة وعشرين بيتاً .
4- قصيدة (الجامعة) وعدد أبياتها تسعة عشر بيتاً، وقد ألقيت يوم الاحتفال بافتتاح الجامعة المصرية عام 1908، في مقرها القديم [مقر الجامعة الأمريكية حالياً بالقاهرة قرب ميدان التحرير] وهو قصر تبرعت به صاحبة السمو الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل ، عمة الخديوي عباس حلمي الثاني الذي افتتح تلك الجامعة. ومطلعها:
يا بارك الله في عباس من ملك وبارك الله في عمَّات عباس
5- قصيدة (السلطان حسين كامل) وعدد أبياتها سبعة وخمسون بيتاً، ومطلعها:
الملك فيكم آل إسماعيلا لا زال بيتكمُ يُظلُّ النيلا
وقد قالها حين تولى السلطان حسين كامل عرش مصر بدغم من دولة الاحتلال بريطانيا، بعد حربها مع الدولة العثمانية، والتي انتصرت فيها بريطانيا، وأعلنت خلع الخديوي عباس حلمي الثاني، ونفيه خارج البلاد، واعتبار مصر غير خاضعة للخلافة العثمانية، وتولية حسين كامل (عم عباس حلمي) سلطاناً على مصر في بداية الحرب العالمية الأولى.
6- قصيدة (على يد الله) التي قالها بمناسبة زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني لمدينة طنطا، وعدد أبياتها ثمانية عشر بيتاً، ومطلعها:
ما للقرى بين تكبير وإهلالٍ وللمدائن هزَّتْ عِطْف مختالِ؟
7- قصيدة (دمعة وابتسامة) وعدد أبياتها تسعة وستون بيتاً، وقد قالها شوقي بك يوم عودة (أم المحسنين) والدة الخديوي عباس حلمي الثاني بعد غيبة طويلة في تركيا، وكان قد سبقها إلى العودة جثمان حفيدها الأمير عبد القادر، ففي القصيدة تهنئة بعودتها، وتعزية في حفيدها، ومطلعها:
ارفعي السِّتْر، وحيِّي بالجبينْ وأرينا فَلَق الصبح المبينْ
وقفي الهودج فنا ساعــةً نقتبسْ من نور أم المحسنينْ
تلكم هي القصائد السبع التي تم حذفها بالكامل من الشوقيات، وقد أثبتها الدكتور مصطفى الرفاعي في الطبعة التي طبعها على نفقته الخاصة في إخراج رديء، ورفضت وزارة الثقافة طبعها، وهذا هو القسم الأول من جريمة التزوير النكراء.
أما القسم الثاني من الجريمة فهو أكثر بشاعة، وينم عن سوء تقدير من أولئك المنافقين الذين ارتكبوا تلك الجريمة، وهو قيامهم بحذف عدد من أبيات قصائد مشهورة لشوقي، منها على سبيل المثال:
1- قصيدة (كبار الحوادث في وادي النيل) حذفوا منها 25 بيتاً.
2- قصيدة (مشروع 28 فبراير) حذفوا منها 22 بيتاً.
3- قصيدة (إلى عرفات الله) حذفوا منها 21 بيتاً.
4- قصيدة ( في سبيل الهلال الأحمر ) حذفوا منها 13بيتاً.
5- قصيدة (الأزهر ) حذفوا منها 17بيتاً.
6- قصيدة (وداع فاروق ) حذفوا منها 22بيتاً.
7- قصيدة (عبد الفداء ) حذفوا منها 18بيتاً.
8- قصيدة (وداع اللورد كرومر ) حذفوا منها12بيتاً.
9- قصيدة ( الزعيم مصطفى كامل) حذفوا منها18بيتاً.
10- قصيدة (توت عنخ آمون ) حذفوا منها12بيتاً.
وهناك عدد آخر من القصائد لم نشر إليها هنا، حذف منها قليل من الأبيات، وقد فصّل الحديث فيها الدكتور مصطفى الرفاعي في كتاب له عنوانه (في رحاب شوقي) أصدره على نفقته الخاصة أيضاً عام 1996 وتفضل بإهدائي نسخة منه، كشف فيه أبعاد تلك الفضيحة التي ما تزال تتكرر في الطبعات الحالية للديوان.
وقد أشار المغفور له الدكتور مصطفى محمود إلى جهد الدكتور الرفاعي في هذا الموضوع فكتب في مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام يوم 6 يناير 1996 عن هذه الجريمة مخاطباً زميله:
" وأنا أرى يا عزيزي الطبيب أنها أكثر من مهانة، فهي جهالة، وسوقية، فالثروة الأدبية التي تركها شوقي هي ملك للتاريخ. إن أي تغن بالحرية والدستور هو شرف لمصر، وشرف لكل مصري. . وشهادة لكل عصر وكل ذوق وكل عقل يفهم. والشاعر حر فيما يكتب. . هل فعلت إنجلترا مثل ذلك لشكسبير، أو فرنسا لموليير، أو ألمانيا لجوته؟ أو إيطاليا لدانتي؟ إنهم – على العكس- ينقبون عن سطر مفقود، أو مسودة مهملة لهؤلاء العظماء ليضموها إلى متاحفهم . .
وما يشير إليه د. مصطفى محمود بقوله " إن أي تغن بالحرية أو الدستور شرف لمصر . . " يكشف عن أبيات تم حذفها لمجرد كونها أبياتاً تتحدث عن احترام دستور مصر، أو حريات المصريين. وكأن من قاموا بهذه الجريمة يريدون أن يقولوا إلأى منطق ثورة يوليو ضد احترام الدساتير وحريات الشعوب. وإلا فما الذي دعاهم إلى حذف هذين البيتين اللذين يطلب فيهما شوقي ألا يصل إلى البرلمان الجهلة والآفاقون وهما مما تم حذفه من قصيدة (مشروع 28 فبراير) ويقول فيهما:
اليوم – يا قوم- إذ تبنون مجلسكم تبنون للعقب الأيام والحقبا
دار النيابة قد صُفَّت أرائكها لا تجلسوا فوقها الأحجار والخشبا

***

وقد قيل لي مؤخرا إن وزارة الثقافة طبعت الديوان وبه ما كان محذوفا ، ولكني لم أتحقق مما قيل لي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى