ثمّةَ هاجسٍ ينتابني في هذه الأيام، أشعرُ بأنني فقدتُ القدرةَ على الكلام مع هديرٍ من الهذيان يضجُ برأسي.
كانت آخر مرةٍ رأيتُه فيها منذ أسبوع، وهو يجلس في ذلك المقهى المظلم في السوق المسقف، لا أعرف ما الذي يعجبه في ذلك المكان البارد الذي يرتاده الحرفيون وذوو المحلات !
يجلس طويلا لعدةِ ساعاتٍ، يتصفح بعضَ الكتب والمجلات طوال وقت جلوسه.
أنا بطبيعة عملي في ذلك السوق حينما أذهب إلى المقهى، أجلس بجواره وأشاركه شرب الشاي في أوقات استراحتي، كان يستلطفني نوعاً ما ويحدثني عن بعض أموره،وأحيانا يحدثني عن أشياءٍ غريبةٍ تحدث معه، حتى أنني لا أفقه شيئا مما يقول. كانت تعلوه الكآبةُ، ويتحدث بمرارة.
غاب لمدة أسبوع ثم عاد بوجهٍ مُصفَر وملامح مُريبة، لم يعتن بنفسه ولم يحلق لحيته، ظننتُ بأنه مريض، جلست معه لبعضِ الوقت مما يسمح به عملي .
قال إنه سيسافر بعيداً ويترك أمه المُسنة ، لم أرتض له ذلك وأنّبتُه بشدةٍ، - كيف تترك عجوزاً في مثل هذا العمر وهي تحتاج إلى عنايتك !؟
ترقرقتْ الدموعُ في عينيه وغطّ في صمتٍ عميقٍ. عدت إلى عملي وعلى كاهلي مايكفيني من الهموم التي تعصفُ برأسي، فأنا أشبهه نوعا ما .
في صباح اليوم التالي كان مكانه خاليا تفوح منه رائحة الحزن بلا أسبابٍ واضحة. لم يأتِ حتى الظهر وأنا أرمقه كلّ حينٍ حتى رأيت سيارة الإسعاف تتبعها سيارة الشرطة وسطَ جمهور من الناس كلٌ على وجهه الحيرة والتعجب كيف تجرّأ على الانتحار ولماذا !؟
لقد فعلها وذهب بعيدا وترك تلك العجوز تصارعُ الحزنَ والحياة .
بدايةً صُعقت لسماع الخبر ، يا الله !!
بدأ ضجيجُ عقلي يعصفُ بشدة، تحطم جدار الصمت بهذيان لايسمعه أحد ،
هل ستنتهي معاناةُ الإنسان بحبل يتدلى من سقف المنزل؟! ألِهذا الحد يكون الإنسان أنانياً ليترك مَن حوله بظلمات الحزن والمعاناة ؟!
ذهبتُ مسرعاً إلى المنزل. وجدت أمي جالسةً وبجوارها تلعبُ صغيرتي ، ارتسمت على وجهيهما إبتسامةٌ لرؤيتي،
ذهبتُ إلى تلك الغرفة التي جعلت منها مخزناً للأغراض التي لا نستعملها، كنت قد وضعتُ فيها حبلا متيناً ينتظر رقبة جبان كي يلتف حولها لتبدأ حينذاك معاناةُ أشخاص آخرين.
علاء حسين عجيمي
العراق
كانت آخر مرةٍ رأيتُه فيها منذ أسبوع، وهو يجلس في ذلك المقهى المظلم في السوق المسقف، لا أعرف ما الذي يعجبه في ذلك المكان البارد الذي يرتاده الحرفيون وذوو المحلات !
يجلس طويلا لعدةِ ساعاتٍ، يتصفح بعضَ الكتب والمجلات طوال وقت جلوسه.
أنا بطبيعة عملي في ذلك السوق حينما أذهب إلى المقهى، أجلس بجواره وأشاركه شرب الشاي في أوقات استراحتي، كان يستلطفني نوعاً ما ويحدثني عن بعض أموره،وأحيانا يحدثني عن أشياءٍ غريبةٍ تحدث معه، حتى أنني لا أفقه شيئا مما يقول. كانت تعلوه الكآبةُ، ويتحدث بمرارة.
غاب لمدة أسبوع ثم عاد بوجهٍ مُصفَر وملامح مُريبة، لم يعتن بنفسه ولم يحلق لحيته، ظننتُ بأنه مريض، جلست معه لبعضِ الوقت مما يسمح به عملي .
قال إنه سيسافر بعيداً ويترك أمه المُسنة ، لم أرتض له ذلك وأنّبتُه بشدةٍ، - كيف تترك عجوزاً في مثل هذا العمر وهي تحتاج إلى عنايتك !؟
ترقرقتْ الدموعُ في عينيه وغطّ في صمتٍ عميقٍ. عدت إلى عملي وعلى كاهلي مايكفيني من الهموم التي تعصفُ برأسي، فأنا أشبهه نوعا ما .
في صباح اليوم التالي كان مكانه خاليا تفوح منه رائحة الحزن بلا أسبابٍ واضحة. لم يأتِ حتى الظهر وأنا أرمقه كلّ حينٍ حتى رأيت سيارة الإسعاف تتبعها سيارة الشرطة وسطَ جمهور من الناس كلٌ على وجهه الحيرة والتعجب كيف تجرّأ على الانتحار ولماذا !؟
لقد فعلها وذهب بعيدا وترك تلك العجوز تصارعُ الحزنَ والحياة .
بدايةً صُعقت لسماع الخبر ، يا الله !!
بدأ ضجيجُ عقلي يعصفُ بشدة، تحطم جدار الصمت بهذيان لايسمعه أحد ،
هل ستنتهي معاناةُ الإنسان بحبل يتدلى من سقف المنزل؟! ألِهذا الحد يكون الإنسان أنانياً ليترك مَن حوله بظلمات الحزن والمعاناة ؟!
ذهبتُ مسرعاً إلى المنزل. وجدت أمي جالسةً وبجوارها تلعبُ صغيرتي ، ارتسمت على وجهيهما إبتسامةٌ لرؤيتي،
ذهبتُ إلى تلك الغرفة التي جعلت منها مخزناً للأغراض التي لا نستعملها، كنت قد وضعتُ فيها حبلا متيناً ينتظر رقبة جبان كي يلتف حولها لتبدأ حينذاك معاناةُ أشخاص آخرين.
علاء حسين عجيمي
العراق