عصري فياض - سناءْ...

كلُّ المواليدِ تَبْكي عندما تَخرج ُ للحياة،ويكونُ بكاؤها صحةً عافية،ويَخْلِقُ لوالديها وذويها فرحاً وسرور،إلا سنـــــــــاءْ...لم ْ يكنْ للحنُ بكائها صدى سعيد،لا بل نَحيبُ من فقدَ عزيزاً في يوم عيد...حسرة َ يُتْم ٍ أضحت سفراً من سفر التراويدْ...أدارت وجهها يَمنة ويَسْرَةْ،فلم تشاهده...فقد غيَّبته الشهــــــــادة...رحل فلقفه القمر،ولا زالت الشمس تمد يديها له،تتبعه،لتصنعَ من هالته التي مرَّت محرابَ عبادة...
جاءت العدساتُ والكاميرات،فَبُحَّ الصوتُ الخافتُ حزناً وهو يستقبل سنــــــاءْ...ويروي تراتيل تاريخ من كانت بِضْعَتِهِ...
فحَبَتْ سنـــــــــاء،وسارت على كفيّن من حرير،تَقْطَعُ خيوط الحَصِيرْ،رأت أُختها،فتوقفت عندها والدمع فِي عينيَّها كثيرْ،التفت اليها شقيقتها وقالت :-
أنا مثلك،عندما جئت للحياة لم أجده،كان خلف القضبان،انتظرته أشهرا طويلة،ولما عاد لم أرتوي منه... عاد وسافر مرة أخرى... قالوا لي:-
سفره هذه المرة طويلا طويلا...قرأت في نواح الباكين قولا يقول :-
هو حيُّ... لكنه لا يعود... لقد سُدَتْ بيننا وبينه السُدُوُدْ
قالت لها سناء:- ومن أخذه منا ؟؟
قالت :- شهامته والمخيَّم،وفاءه لرفيق دربة المُلّثَمْ،صِدقهُ المُعَظَّمْ،عَهْدُهُ،رُجُولَتَه،سُخّرِيَتَه من الموتْ،حُبْهُ لهذا الحِمَى الذي تشاهدين،حبٌ عظيم ٌكبيرٌ مُتيَّم... أخذه بهذه الخصال عدو ٌمجرمٌ صلفٌ مُقَـــــزَمْ...
مَدَتْ يدها سناء وقالت : كفى... أشعر أن ينابيع الشوق في وجداني تتفجَّرْ،وحروف التعبير على لساني تتبعّْثرْ،ويِنَاطُ قلبي الطريّ الصغير من صدى الوصف يتفطَّرْ...
كلُّ الاطفالِ يرضعونَ الحليب،إلا سناءْ... تشتهي عصارة صبر محمد ٍ وأيوبْ...
كلُّ الاطفال يتلذَذُونَ بقطعِ الحَلوى،إلا سناء...الشهد ُ في حلقها مرٌّ،والمرُّ على لسانها عَلقمْ...
كل ُّ الاطفالِ يَهْوُوَن اللَّعب والعَدْوَ والضَحِكَاتْ،إلا سناء...مُسِح من براءتها شغفٌ الحياة،والضحكُ على ضُلوعها تَحطمْ...
يَنتظرُ القدرُ على الفلسطيني أحياناً حتى يَكْبُرْ قبل أن ترميه النوائب،لكنَّ سناء،أتاها قبل الميلاد،طرقَ بابَ قلّبِهَا قبل الاكتِمَالْ...قال لها بحسرة المذبوح :- سنأخذُ كبداً أنتِ فَلْذَتَه...ونُخْفِي ضُلُوعَاً أنتِ مَسكَنَهُ...ونرحلُ به إلى حواصلَ الطَيّرْ...
فقالت :- أأمر الله هو...؟؟
قالوا:- نعم...
قالت :- وما عوضي فيه والآمر الرحمن الرحيم...؟؟
قالوا :- وسم ُتاجِ الوَقَار،والصبرُ والاصطبار،ووعدٌ باللقاء به في منازل الاخيَّار...
قالت:- قَبِلْتُ البيّع ربَّ سبحانك،فارتقاءه نورٌ وضياء،شموخُ وكبرياء،فوزٌ واصطفاء،والصبرُ صبرُ زينبَ والفواطمَ وسكينةَ والزهراءْ،والاصطبارُ قوتُ أيوب،والحشرُ مع محمد وآله الاطهار الانقياء،والمنازلُ منازلُ الشهداء،والرضى زادي،واللقاء ميعادي،وأنت خالقي،ومُلْهِمَ أمري،وما خطه القلمُ في لوحكَ المحفوظِ قدري وقضائي،وما أنا الا أمتك التي خلقت لتعبدك،وتقبل أقدارك بالحب والرضا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى