د. محمد عباس محمد عرابي - الطير في شعر عنترة بن شداد

اشتهر عنترة بن شداد بالبسالة والشجاعة تمشيا مع طبيعة الحياة في البيئة التي نشأ فيها حيث الصحراء، وتحدث عن ذلك في معلقته الشهيرة ،كما تحدث عن الطير المرتبط بالبيئة ،والذي كان له عدة دلالات لدى عنترة ،وهناك عدة دراسات فنية أكاديمية أجريت في هذا المجال منها دراسة " توظيف الطير في الشعر الجاهلي: عنترة بن شداد نموذجا" حوليات التراث لدامبلي، مامادو،ودراسة ﳐﺎﻃﺒﺔ ﺍﻟﻄﲑ ﰲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ حتى نهاية القرن الخامس الهجري رسالة ماجستير للباحث حمد الحسيني الهاشمي ،جامعة أم القرى ،كلية اللغة العربية 1435هـ،وغير ذلك.
وفي هذا المقال التثقيفي غير الأكاديمي شأن المقالات التي أكتبها هنا التي تهدف إلى التعريف بالموضوعات التي تضمنها شعرنا العربي الخالد، إشارة عابرة للطير في شعر عنترة بن شداد، وفيما يلي ما قاله عنترة عن الطير من خلال ثلاثة مطالب :
المطلب الأول: الحديث عن الطير وأحوله.
المطلب الثاني :الحديث عن الحمام .
المطلب الثالث الحديث عن الغراب
وفيما يلي ما قاله عنترة في ذلك :
المطلب الأول :الحديث عن الطير وأحوله :
وفيه تحدث عنترة عن :
طائِرَ البانِ يهيج أَشجان عنترة ويزيده طَرَباً
يبين عنترة أن طائِرَ البانِ يهيج أَشجانه ويزيده طَرَباً حيث يقول في قصيدة يا طائِرَ البانِ (1)
يا طائِرَ البانِ قَد هَيَّجتَ أَشجاني
وَزِدتَني طَرَباً يا طائِرَ البانِ
إِن كُنتَ تَندُبُ إِلفاً قَد فُجِعتَ بِهِ
فَقَد شَجاكَ الَّذي بِالبَينِ أَشجاني
مخاطبة عنترة للطيرة :
وها هو عنترة يخاطب الطير في نفس قصيدة "مَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمْلِ بالي" حيث يقول :
وَفي الوادي عَلى الأَغصانِ طَيرٌ
يَنوحُ وَنَوحُهُ في الجَوِّ عالي
فَقُلتُ لَهُ وَقَد أَبدى نَحيب
دَعِ الشَكوى فَحالُكَ غَيرُ حالي
أَنا دَمعي يَفيضُ وَأَنتَ باكٍ
بِلا دَمعٍ فَذاكَ بُكاءُ سالي
لَحى اللَهُ الفِراقَ وَلا رَعاهُ
فَكَم قَد شَكَّ قَلبي بِالنِبالِ
أُقاتِلُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ
وَيَقتُلني الفِراقُ بِلا قِتالِ

الطير عاكِفَةً تُمسي وَتَبتَكِرُ
يبين عنترة في قصيدة " أَطْوي فَيافي الفَلا وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرُ" (2) وهي ( من البسيط)
أن الطير عاكِفَةً تُمسي وَتَبتَكِرُ حيث يقول :
أَطْوي فَيافي الفَلا وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرُ
وَأَقْطَعُ البِيدَ وَالرَّمْضاءُ تَسْتَعِرُ
وَلا أَرى مُؤنِساً غَيرَ الحُسامِ وَإِن
قَلَّ الأَعادي غَداةَ الرَوعِ أَو كَثِروا
فَحاذِري يا سِباعَ البَرِّ مِن رَجُلٍ
إِذا اِنتَضى سَيفَهُ لا يَنفَعُ الحَذَرُ
وَرافِقيني تَري هاماً مُفَلَّقَةً
وَالطَيرَ عاكِفَةً تُمسي وَتَبتَكِرُ
ما خالِدٌ بَعدَما قَد سِرتُ طالِبَهُ
بِخالِدٍ لا وَلا الجَيداءُ تَفتَخِرُ
وَلا دِيارُهُمُ بِالأَهلِ آنِسَةٌ

مأوى قُلُص النَعامِ:
وتحدث عنترة عن مأوى قُلُص النَعامِ حيث يقول في معلقته الشهيرة: (3)
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ
وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى
نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ
تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً
بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ
تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت
حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ
يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ
حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ
كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ




المطلب الثاني: الحديث عن الحمام:
وفيه تحدث عنترة عن: نوح الحمام
نوح الحمام يزيل أحزان عنترة:
يبين عنترة أن نوح الحمام يزيل أحزان حيث يقول
زِدني مِنَ النَوحِ وَاِسعِدني عَلى حَزَني
حَتّى تَرى عَجَباً مِن فَيضِ أَجفاني
وَقِف لِتَنظُرَ ما بي لا تَكُن عَجِلاً
وَاِحذَر لِنَفسِكَ مِن أَنفاسِ نيراني
وَطِر لَعَلَّكَ في أَرضِ الحِجازِ تَرى
رَكباً عَلى عالِجٍ أَو دونَ نَعمانِ
يَسري بِجارِيَةٍ تَنهَلُّ أَدمُعُها
شَوقاً إِلى وَطَنٍ ناءٍ وَجيرانِ.

طلب عنترة من طَيرَ الحَمامِ أن يصف حاله لعبلة:
يطلب عنترة من طَيرَ الحَمامِ أن يصف حاله لعبلة إذا ما رأى قافلتها:
ناشَدتُكَ اللَهَ يا طَيرَ الحَمامِ إِذا
رَأَيتَ يَوماً حُمولَ القَومِ فَاِنعاني
وَقُل طَريحاً تَرَكناهُ وَقَد فَنِيَت
دُموعُهُ وَهوَ يَبكي بِالدَمِ القاني

يَرثي لعنترة الحَمامُ المُغَرِّدُ
يبين عنترة أنه يَرثي له الحَمامُ المُغَرِّدُ حيث يقول في قصيدة "إِذا كانَ دَمْعي شاهِدي كَيْفَ أَجْحَدُ" (4) (من الطويل ) حيث يقول :
إِذا كانَ دَمْعي شاهِدي كَيْفَ أَجْحَدُ
وَنارُ اشتِياقي في الحَشا تَتَوَقَّدُ
وَهَيهاتَ يَخفى ما أُكِنُّ مِنَ الهَوى
وَثَوبُ سِقامي كُلَّ يَومٍ يُجَدَّدُ
أُقاتِلُ أَشواقي بِصَبري تَجَلُّداً
وَقَلبِيَ في قَيدِ الغَرامِ مُقَيَّدُ
إِلى اللَهِ أَشكو جَورَ قَومي وَظُلمَهُم
إِذا لَم أَجِد خِلّاً عَلى البُعدِ يَعضُدُ
خَليلَيَّ أَمسى حُبُّ عَبلَةَ قاتِلي
وَبَأسي شَديدٌ وَالحُسامُ مُهَنَّدُ
حَرامٌ عَلَيَّ النَومُ يا اِبنَةَ مالِكٍ
وَمِن فَرشُهُ جَمرُ الغَضا كَيفَ يَرقُدُ
سَأَندُبُ حَتّى يَعلَمَ الطَيرُ أَنَّني
حَزينٌ وَيَرثي لي الحَمامُ المُغَرِّدُ
وَأَلثِمُ أَرضاً أَنتِ فيها مُقيمَةٌ
لَعَلَّ لَهيبي مِن ثَرى الأَرضِ يَبرُدُ
رَحَلتِ وَقَلبي يا اِبنَةِ العَمِّ تائِهٌ
عَلى أَثَرِ الأَظعانِ لِلرَكبِ يَنشُدُ
لَئِن يَشمَتِ الأَعداءُ يا بِنتَ مالِكٍ
فَإِنَّ وِدادي مِثلَما كانَ يَعهَدُ

نَحَتَ الحِمامُ مِنَ اللُحودِ غُمودَها
يبين عنترة في قصيدة" جازَتْ مُلِمّاتُ الزَّمانِ حُدودَها" وهي (من بحر الكامل) (5) أن الحِمامُ نَحَتَ مِنَ اللُحودِ غُمودَها حيث يقول:
رَضِيَت مُصاحَبَةَ البِلى وَاِستَوطَنَت
بَعدَ البُيوتِ قُبورَها وَلُحودَها
حَرِصَت عَلى طولِ البَقاءِ وَإِنَّما
مُبدي النُفوسِ أَبادَها لِيُعيدَها
عَبَثَت بِها الأَيّامُ حَتّى أَوثَقَت
أَيدي البِلى تَحتَ التُرابِ قُيودَها
فَكَأَنَّما تِلكَ الجُسومُ صَوارِمٌ
نَحَتَ الحِمامُ مِنَ اللُحودِ غُمودَها
نَسَجَت يَدُ الأَيّامِ مِن أَكفانِها
حُلَلاً وَأَلقَت بَينَهُنَّ عُقودَها
وَكَسا الرَبيعُ رُبوعَها أَنوارَهُ
لَما سَقَتها الغادِياتُ عُهودَها
وَسَرى بِها نَشرُ النَسيمِ فَعَطَّرَت
نَفَحاتُ أَرواحِ الشَمالِ صَعيدَها



المطلب الثالث الحديث عن الغراب :
صياح الغراب يحزن عنترة على الهجران
حيث يقول في رائعته ( من الوافر) ِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمْلِ بالي(6) حيث يقول
لِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمْلِ بالي
مَحَتْ آثارَهُ ريحُ الشَّمالِ
وَقَفتُ بِهِ وَدَمعي مِن جُفوني
يَفيضُ عَلى مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَن فَتاةِ بَني قُرادٍ
وَعَن أَترابِها ذاتِ الجَمالِ
وَكَيفَ يُجيبُني رَسمٌ مُحيلٌ
بَعيدٌ لا يُرَدُّ عَلى سُؤالي
إِذا صاحَ الغُرابُ بِهِ شَجاني
وَأَجرى أَدمُعي مِثلَ اللَآلي
وَأَخبَرَني بِأَصنافِ الرَزايا
وَبِالهُجرانِ مِن بَعدِ الوِصالِ.

عناد غُرابَ البَينِ لعنترة
تحدث عنترة أيضًا في نفس قصيدة "مَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمْلِ بالي" حيث يقول :
غُرابَ البَينِ ما لَكَ كُلَّ يَومٍ
تُعانِدُني وَقَد أَشغَلتَ بالي
كَأَنّي قَد ذَبَحتُ بِحَدِّ سَيفي
فِراخَكَ أَو قَنَصتُكَ بِالحِبالِ
بِحَقِّ أَبيكَ داوي جُرحَ قَلبي
وَرَوِّح نارَ سِرّي بِالمَقالِ
وَخَبِّر عَن عُبَيلَةَ أَينَ حَلَّت
وَما فَعَلَت بِها أَيدي اللَيالي
فَقَلبي هائِمٌ في كُلِّ أَرضٍ
يُقَبِّلُ إِثرَ أَخفافِ الجِمالِ
وَجِسمي في جِبالِ الرَملِ مَلقىً
خَيالٌ يَرتَجي طَيفَ الخَيالِ

الديار بعد فرقها أصبحت مأوى الغُراب وَالذِئب وَالنَمر
يبين عنترة أيضًا في قصيدة " أَطْوي فَيافي الفَلا وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرُ" أن الديار بعد فرقها أصبحت مأوى الغُراب وَالذِئب وَالنَمر حيث يقول:
يَأوي الغُرابُ بِها وَالذِئبُ وَالنَمِرُ
يا عَبلَ يُهنِئُكِ ما يَأتيكِ مِن نَعمٍ
إِذا رَماني عَلى أَعدائِكِ القَدَرُ
يا مَن رَمَت مُهجَتي مِن نَبلِ مُقلَتِها
بِأَسهُمٍ قاتِلاتٍ بُرؤُها عَسِرُ
نَعيمُ وَصلِكِ جَنّاتٌ مُزَخرَفَةٌ
وَنارُ هَجرِكِ لا تُبقي وَلا تَذَرُ
سَقَتكَ يا عَلَمَ السَعدِيِّ غادِيَةٌ
مِنَ السَحابِ وَرَوّى رَبعَكَ المَطَرُ
كَم لَيلَةٍ قَد قَطَعنا فيكِ صالِحَةٍ
رَغيدَةٍ صَفوُها ما شابَهُ كَدَرُ
مَع فِتيَةٍ تَتَعاطى الكَأسَ مُترَعَةً
مِن خَمرَةٍ كَلَهيبِ النارِ تَزدَهِرُ
تُديرُها مِن بَناتِ العُربِ جارِيَةٌ
رَشيقَةُ القَدِّ في أَجفانِها حَوَرُ
إِن عُشتُ فَهيَ الَّتي ما عُشتُ مالِكَتي
وَإِن أَمُت فَاللَيالي شَأنُها العِبَرُ

الحلوبة كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
يبين عنترة في معلقته الشهيرة (7) أن الحلوبة كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ حيث يقول:
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّماْ
زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها
وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً
سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ
عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ
وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ
سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ
أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها
غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ
فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ
يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ
غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ
قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

(1)
(2)

(3)
معلقة عنترة بن شداد ( هل غادر الشعراء من متردم ) - بصوت محمد ماهر

(4)إذا كان دمعي شاهدي كيف أجحد | عنترة بن شداد
عنترة شاعر الفروسية والحب | إذا كان دمعي شاهدي كيف أجحد
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ | عنترة بن شداد
عنترة بن شداد شعر | اذا كان دمعي شاهدي كيف اجحد

(5)عنترة بن شداد - جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ - بصوت فالح القضاع
جازتْ ملماتُ الزَّمانِ حدودها, واسْتَفْرغَتْ أيَّامُها مجهُودَها... عنترة ابن شداد

(6)شعر عنترة العبسي

(7)معلقة عنترة بن شداد | هل غادر الشعراء من متردم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى