د. محمد عباس محمد عرابي - وصف الخيل في المعلقات الجاهلية

اهتم الفارس العربي قديمًا بفرسه اهتمامًا كبيرًا؛ لكونه مصدر فخر، وعلاقة اهتمام الفارس بفرسه علاقة وطيدة في الحل والترحال في السلم وفي الحرب، وقد رصد هذه الظاهرة الشعراء الجاهليون، وخاصة شعراء المعلقات، و يحاول هذا المقال إلقاء الضوء على ذلك من خلال الحديث عن: الخيل العاكفة لدى عمرو بن كلثوم، وحديث الحارث بن حلزة اليشكري عن الخَـيــل التي جَـالَـتِ فَــآبَـت لِـخَـصـمِــهَــا الإِجـــلاَءُ، وما بينه النابغة الذبياني من أن الخيلَ تمزَعُ غرباً في أعِنَّتها كالطَّيرِ، ومن خلال محاورة عنترة بن شداد عبلة مبينا لها أن الخيل خير شاهد على بطولته، وعن المحاورة بين عنترة وخيله أثناء المعارك والوغى ؛وفيما يلي بيان ذلك على النحو التالي:
*الخيل العاكفة:
تحدث عمرو بن كلثوم في معلقته عن الخيل العاكفة حيث يقول:
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ
عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا
وَسَيِّـدِ مَعْشَـرٍ قَدْ تَوَّجُـوْهُ
بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَـا
تَرَكْـنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْـهِ
مُقَلَّـدَةً أَعِنَّتَهَـا صُفُـوْنَـا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُـوْحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَـا



*جَـالَـتِ الخَـيــلُ فَــآبَـت لِـخَـصـمِــهَــا الإِجـــلاَءُ
بين الحارث بن حلزة اليشكري أنه جَـالَـتِ الخَـيــلُ فَــآبَـت لِـخَـصـمِــهَــا الإِجـــلاَءُ حيث يقول في معلقته الشهيرة:
فَكَـأَنَّ المَنونَ تَردِي بِنَـا أَرعَــنَ
جَــونـاً يَـنـجَــابُ عَـنـهُ العَـمــاءُ
مُكفَهِراً عَلَى الحَوَادِثِ لا تَرتُـوهُ
لــلـــدَهـــرِ مُــؤَيِّـــدٌ صَــمَّــــاءُ
رمِــيٌّ بِـمِـثـلِــهِ جَـالَـتِ الخَـيــلُ
فَــآبَـت لِـخَـصـمِــهَــا الإِجـــلاَءُ
مَـلِكٌ مُقسِطٌ وأَفضَلُ مَن يَمـشِـي
وَمِــن دُونَ مَــا لَــدَيــهِ الـثَّـنَــاءُ
أَيَّـمَــا خُـطَّــةٍ أَرَدتُــم فَــأَدوهَـــا
إِلَــيـنَــا تُـشـفَــى بِهَــا الأَمـــلاءُ
إِن نَبَشتُـم مَا بَـيــنَ مِـلـحَــةَ فَـالـ
ـصَاقِبِ فِيهِ الأَموَاتُ وَالأَحَـيَــاءُ
أَو نَقَشتُـم فَالـنَّـقــشُ يَـجـشَـمُـــهُ
النَّـاسُ وَفِيهِ الإِسقَـامُ وَالإِبـــرَاءُ
أَو سَكَتُّم عَنَّا فَكُنَّا كَمَن أَغـمَـضَ
عَـيـنــاً فِــي جَـفـنِـهَــا الأَقــــذَاءُ

*الخيلَ تمزَعُ غرباً في أعِنَّتها كالطَّيرِ
بين النابغة الذبياني أن الخيلَ تمزَعُ غرباً في أعِنَّتها كالطَّيرِ حيث يقول في معلقته:
ومن عصاكَ، فعاقبهُ معاقبةً
تنهى اللظَّلومَ، ولا تقعد على ضَمَدِ
إلَّا لمثلكَ، أو من أنت سابقُهُ
سَبقَ الجوادِ، إذا اشتولى على الأَمَدِ
أعطى لفارهةٍ، حُلوٍ توابعها
من المواهبِ لا تُعطى على نَكَدِ
الواهِبُ المائَةِ المَعْكاءِ، زَيَّنها
سَعدانُ تُضِحَ في أَوبارِها اللِّبَدِ
والأُدمَ قدْ خُيِّستْ فُتلاَ مَرافِقُها
مشدودةَ برحالِ الحيرةِ الجُدُدِ
والرَّاكضاتِ ذُيولَ الرّيْطِ، فانَقَها
بَرْدُ الهواجرِ، كالغِزْلانِ بالجَرَدِ
والخيلَ تمزَعُ غرباً في أعِنَّتها كالطَّيرِ
تنجو من الشّؤبوبِ ذي البَرَدِ
احكُمْ كحُكمِ فتاةِ الحيِّ، إذْ نظرَت
إلى حَمامِ شِراعٍ، وارِدِ الثَّمَدِ.

شهادة الخيل على بطولة عنترة بن شداد :
يحاور عنترة بن شداد عبلة مبينا لها أن الخيل خير شاهد على بطولته حيث يقول :
وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً
وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي
وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل
تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ
سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ
وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ
إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ
نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ
طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً
يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني
أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

*أحوال الخيل مع عنترة في المعارك :
تحدث عنترة أيضًا في معلقته عن أحوال الخيل مع عنترة في المعارك ومحاورتها له حيث يقول :
لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم
يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها
أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ
ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ
وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ
وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى
وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها
قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ
وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً
مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي
لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر
لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم
وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم
جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ
وخلاصة القول : لقد أجمع شعراء المعلقات الجاهلية على أصالة الخيل ومهارتها القتالية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى