بنيامين يوخنا دانيال - أهمية الغابات للسياحة

للغابات أهميات اقتصادية و بيئية و سياحية و صحية و اجتماعية و ثقافية جمة . أما السياحية منها فتكمن في كون الغابات من أهم المغريات ( المجذبات ) السياحية التي تستأثر باهتمام الزوار و السياح لغناها بالأحياء الحيوانية و النباتية و مختلف الأنظمة الايكولوجية و أوجه التنوع الايكولوجي ( مغريات طبيعية ) , و لشتى الأغراض , مثل : التريض , التخييم , الاستجمام , التصوير , الترفيه , الاستظلال , و ممارسة بعض الهوايات مثل الجري و المشي و تسلق الأشجار و صيد السمك و التمرجح و هواية جمع النباتات و الحشرات و غيرها . و هي مرتبطة بأنواع و أشكال شتى من السياحة , مثل سياحة الغابات و السياحة الايكولوجية و السياحة الريفية و السياحة الرياضية و السياحة الصحية و سياحة مراقبة و مشاهدة الطيور و الفراشات و سياحة الاحياء البرية و السياحة الايكولوجية و السياحة منخفضة الكربون التي تساهم باقل قدر ممكن في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري التي سجلت ارتفاعا على المستوى العالمي بنسبة ( 45 ) في المائة منذ عام 1999 بحسب تقرير صدر عن الأمم المتحدة في عام 2014 .

و تعتبر الغابات من أهم السبل و الوسائل في تحييد غاز ثاني أوكسيد الكربون و موازنته ( مصائد الكربون – مستودعات الكربون ) , لما لها من دور فعال في امتصاص هذا الغاز الناجم عن حرق الوقود الاحفوري ( الفحم الحجري , النفط الخام , الغاز الطبيعي ) و اطلاق غاز الاوكسجين . إذ تشير إحدى الدراسات الامريكية إلى أن الغابات في الولايات المتحدة الامريكية تمتص و تخزن سنويا نحو ( 750 ) مليون طن متري من غاز ثاني أوكسيد الكربون في البلاد , أي ما يعادل ( 10 ) في المائة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون . علما ان ( 12 – 20 % ) من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي على مستوى العالم مرتبط بالإزالة العشوائية و المنظمة للغابات الطبيعية وفقا لمنظمة الأغذية و الزراعة التابعة للأمم المتحدة ( فاو ) . و يختلف الرقم على المستوى الوطني بحسب البلدان , ففي البرازيل مثلا ربط المعهد الاجتماعي البيئي غير الحكومي ( 75 ) في المائة من تلك الانبعاثات بإزالة ما مساحته ( 550000 ) كلم من غابات البلاد . كما ان الفدان الواحد من الأشجار ينتج يوميا ما يحتاجه ( 18 ) فردا من غاز الاوكسجين في اليوم , و بما يعادل ( 120 ) كغم من غاز الاوكسجين الضروري للحياة على أساس سنوي . أما بالنسبة لنيوزيلندا فإن الغابات التي تغطي ( 37 % ) من اجمالي مساحة أراضيها فهي كفيلة بامتصاص و خزن ما يعادل ( 60 % ) من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري و تغير المناخ التي سجلت زيادة بنسبة ( 23 % ) خلال الفترة 1990 – 2014 وفقا ل ( المعهد الوطني للمياه و بحوث الغلاف الجوي ) , الامر الذي سيسهل تنفيذ التزاماتها الدولية بهذا الاتجاه و الرامية إلى تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة ( 30 % ) بالمقارنة مع عام 2005 , و بنسبة ( 11 % ) بالمقارنة مع عام 1990 بحلول عام 2030 .

و من الأمثلة على تحييد و موازنة الكربون عن طريق الغابات ( مصائد – مستودعات الكربون ) مشروع غابة ( خندق الرهبان ) في ( بعبدا ) الزاخرة بأشجار البلوط و السنديان و الصنوبر و غيرها , و الذي أطلق في عام 2013 من قبل شركة ( تاتش ) و ( جمعية الأرض لبنان ) . و مشاريع تجديد و ترميم الغابات في النيجر و بوركينا فاسو على نطاق واسع , و بالاعتماد على الإمكانيات و الموارد المحلية وفقا للمعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية 2009 .

و هناك تقرير علمي 2015 يوصي بتوسيع الغابات على نطاق العالم ( توسيع بالوعات الكربون ) ب ( 5 – 15 ) في المائة بحلول عام 2050 من أجل تحقيق الاستراتيجيات الدولية المرتبطة بتحييد الكربون . .. و لبيان الأهمية السياحية للغابات سوف نختار الغابات الوطنية لولاية أوريغون الامريكية على سبيل المثال , فهي تستقطب بحدود ( 11 ) مليون زائر و سائح سنوي و تولد ( 15 ) الف فرصة عمل مرتبطة بالسياحة على نحو مباشر و غير مباشر , و تدر على الاقتصاد المحلي بحدود ( 440000 ) دولار وفقا لدراسة مسحية أجرتها دائرة الغابات في الولايات المتحدة الامريكية . كذلك الامر بالنسبة لمنتزه ( نيوفورست ) الوطني في جنوب شرق المملكة المتحدة الذي يستقبل سنويا أكثر من ( 13 ) مليون زائر و سائح محلي و أجنبي , و يخلق بحدود ( 8000 ) فرصة عمل دائمية و مؤقتة مرتبطة بالسياحة , و تدر قرابة ( 400000 ) جنيه إسترليني على الاقتصاد المحلي . علما ان ( 8,3 ) في المائة من مساحة الغابات في أوروبا ( بدون الجزء الأوروبي من روسيا ) و أمريكا الجنوبية قد تم توظيفها لأغراض الخدمات الاجتماعية المعروفة المرتبطة بالترفيه و الاستجمام و أوجه السياحة الأخرى , و ( 3,7 ) في المائة من مجموع مساحة الغابات على مستوى العالم ( بدون البرازيل ) .

و قد تشكل كثرة المشاريع و المرافق السياحية و كثافة أنشطتها ضغطا كبيرا على المساحات الغابية من حيث استهلاك الموارد البيئية و المساس بالمناظر الطبيعية و الاضرار بالتنوع الحيوي و الاخلال بالأنظمة الايكولوجية . كما حدث لمدينة ( بيليك ) في ولاية ( أنطاليا ) التركية من جراء النمو السريع للسياحة الجماعية على حساب النسيج الغابي الذي يتضرر يوما بعد يوم بغياب خطة تنمية سياحية مستدامة في المنطقة . و أيضا حالة غابات الامازون في البرازيل التي شهدت الكثير من عمليات الإزالة ( 40 % ) لمختلف الأغراض و منها السياحة , و العديد من أوجه التلوث البيئي و التدمير البين للحياة البرية و التآكل الثقافي بين السكان الأصليين نتيجة زيادة التدفقات السياحية اليها من أوروبا و الولايات المتحدة الامريكية و اليابان و من داخل البلاد , و زيادة الحجوزات السياحية بنسبة ( 300 % ) في عام 1989 بالمقارنة مع عام 1988 وفقا لتقرير نشر في ال ( كريستيان ساينس مونيتور ) 1989 . و حالة غابات المنغروف ( الايكة الساحلية ) في ( سوندربانس ) في جنوب بنغلادش و أقصى الجزء الجنوبي من ولاية البنغال الغربية في الهند التي صنفت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1989 , و قد سجلت فيها معدلات نمو ملحوظة في حجم السياحة الوافدة الذي قفز من ( 50000 ) سائح في عام 2002 إلى ( 117000 ) سائح في عام 2010 , و لكن على حساب الثروة الغابية التي تراجعت نتيجة النمو العشوائي للسياحة التي خلقت قمامة كبيرة مع الضغط على مصادر الطاقة و الموارد المحلية . و أيضا بالنسبة لغابات ( دينتري ) المطرية على الساحل الشمالي الشرقي ل ( كوينزلاند ) في استراليا المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو أيضا , و التي يعتقد بانها أقدم غابة استوائية مطيرة على كوكب الأرض , و تستأثر باهتمام ( 400 ) الف سائح دولي و داخلي سنويا , الامر الذي أخل بالأنظمة البيئية فيها على نحو بين , و هدد أكثر من ( 120 ) نوعا من الأنواع الحيوانية و النباتية الموجودة فيها .
أما أهمية السياحة ( المستدامة ) للغابات فهي كبيرة لإمكانية الأولى بأن تدفع باتجاه العناية بالأخيرة و تنميتها و استثمار الموارد الهائلة الموجودة فيها , و على نحو غير استهلاكي ( مثل مراقبة الحيوانات البرية بدلا من صيدها ) , و أن تساهم في تطوير المجتمعات التي تستوطنها اقتصاديا و اجتماعيا , كما حدث للمنطقة الغابية الحدودية بين المجر و سلوفينيا , إذ تم تحديث ( 6,25 ) كلم من سكك الحديد في المنطقة للضرورات الملحة , و من أجل تنشيط السياحة المحلية و تسويق منتجات سياحية مرتبطة بالبيئة الطبيعية , الغنية و الزاخرة بأنواع الاحياء النباتية و الحيوانية . و أيضا حالة محمية ( كانها ) للنمور في ولاية ( ماديا براديش ) الهندية التي تستوطنها قبيلة ( بايغا ) الموزعة على ( 28 ) قرية , و قد شملتها خطة تنمية و تطوير مستدامة بهدف المحافظة على الغابات و الموارد الحيوانية و النباتية الموجودة فيها . و بخاصة النمور التي تعرضت في السابق إلى عمليات صيد جائر ( استخدام استهلاكي للموارد ) , مع محاولة اشراك أفراد هذه القبيلة في الأنشطة السياحية , و تحسين وضعهم المعيشي . و أيضا حالة ( غاندروك ) النيبالية التي شهدت ظهور و تنامي أنشطة سياحية عديدة بفضل ثروتها الغابية , و غناها بالكثير من الموارد الثقافية المتميزة التي أسست لسياحة أيكوثقافية ناجحة .. و على أن يتم الاخذ بهذه الاتجاهات وفق أسس و قواعد الاستدامة المعروفة , فتصبح السياحة المستدامة أحد أوجه الإدارة المستدامة للغابات و في خدمة الحراج المستدام , أي المحافظة على النظم البيئية الموجودة فيها و تعزيز أهميتها في دورات الكربون و خزنه , و ضمان استمرار وظائفها الإنتاجية ( الخشبية و غير الخشبية ) , و بما يخدم التنوع الحيوي في نظمها البيئية , و تجاوبا مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بأهدافها ال ( 17 ) و غاياتها ال ( 169 ) . و قد جاءت تحت عنوان ( تحويل عالمنا : خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ) . و هي خطة واسعة تشمل عموم كوكبنا , و قد اعتمدت في القمة ال ( 70 ) للأمم المتحدة المنعقدة في نهاية شهر أيلول 2015 في نيويورك / الولايات المتحدة الامريكية , و بدأ تنفيذها على نحو رسمي اعتبارا من 1 كانون الثاني 2016 , و ذلك استكمالا للأهداف الإنمائية للألفية الثالثة التي دخلت طور التنفيذ في مطلع عام 2000 , و تمثل ( استراتيجية عالمية شاملة للتنمية للسنوات ال 15 القادمة ) بحسب المنظمة المذكورة .

* للمزيد من الاطلاع ينظر ( آفاق سياحية ) للباحث , مطبعة بيشوا , أربيل – العراق 2017 .




1678723141602.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى