في الحديث عن معيقات الثقافة تحضر جدلية الحاجة والرسالة والتوظيف التي تحملها كل ثقافة. ما ستكونه الثقافة في هذا السياق؟ طبعا التزاما مع تتبع جانب المؤاخذات حول المفهوم والتوظيف الذي يأخذه مساره، حول الحقول التي ينتمي إليها فيشكل بها هويته الرمزية والمعنوية، يمكننا استحضار المواقف والمسافات التي يجعلها البعض مع الثقافة.
لكن، ما الثقافة من جديد؟ لن تكون تلك الممتدة بين الحقول المنتجة للمعنى وللفن والرمز والتقليد هنا، لن تكون ذلك التنزيل الأنثروبولوجي الذي أراد اختراق المبهم في ثقافات الشعوب وتملّك نسقية تحليل لها. هنا ستنعكس الآية ربما. هنا سيكون الصعود في الرؤية والحكم بدل ذلك النزول من علٍ الذي مارسه المثقف والعالم والباحث. ومع الحاجة إلى حصر دائرة الاشتغال حتى نستطيع معاينة الملاحظات الموضوعية نسبيا، سنقتصر كذلك على الساحة المجتمعية والإعلامية والثقافية المغربية والعربية. ونبدأ بالصراع الذي نشب واستمر بين الشقيقتين العدوتين، أي بين السياسة والثقافة. فإذا كانت الثقافة قد أنتجت الوعي وحلّلت الواقع وكشفت القوانين المتحكمة فيه كأشكال استغلال أو جهل أو تحايل وما شابه، فإن السياسة ستكون بين قبولها ورفضها ذلك المتوجس من الثقافة لأن هذه الأخيرة تخلق دائما نقيضها وتعري نسبيها وتفضح قصورها. رغم ما يمكن للسياسة من أن تستعمله كتبرير في الخطاب وتعسف في تنزيل ودفاع عن المستحيل وعْدا وبرنامجا، فإن الثقافة ستنشطر بين مؤيدة ومعارضة، بين مدافعة ومرافعة.
هكذا ننتقل من أجل البحث عمّن يؤاخذ الثقافة ومن يتتبع نزولها ويلوم أوهامها التي لا تتماشى مع واقعها ولا تستشعر آلامه ولا تتماهى مع خطّ أحلامه...
ويكون الإعلام في عصرنا الحالي ذلك الحصان الذي يمتطيه كل من يريد غزو حقل الآخر إن صيدا أو قنصا أو غنيمة أو فريسة، أو (عريا) مشتهى للذة أو للألم... الإعلام كوسيلة، كتجسيد وترجمة لنوعية العلاقة وتفاعلها وتوترها أو التقائها في الجمع بين الثقافة والسياسة. وما بين الثلاثة حقل مشترك في الافتحاص والاشتغال، إنه المجتمع وذلك المتلقي للثقافة والمستعمل لوسائل الإعلام والمنخرط اختيارا أو كرها للبرامج السياسية وتنزيلاتها الاقتصادية والإدارية وغيرهما في ميادين الحياة.
ما يؤاخذ به المجتمع الثقافة هو أحلامها وتصوراتها التي تبدو مثالية أو موهمة بما هو غير واقعي ولا حقيقي. هو ذلك الإخراج السحري الذي يغلف كل برنامج طبقي وسياسي في خطابه وخداعه؟ ربما ذلك التواطؤ الذي برهنت عليه مجموعة من المنتمين لحقل الثقافة وبذريعة امتلاك العلم والمعرفة والوعي، وامتلاك القدرة على الفهم أكثر من الإنسان العادي، لكن، في النهاية يكتشف المجتمع التلاعب المشترك أو الاشتراك في اللعبة داخل غلاف منمق من الكلام تؤطره إيديولوجيا محكمة في تسويق المصالح وتحقيقها قبل يقظةِ من نوّمته عقاقير الكلام. ولا ننس أن السياسي يجعل عدّة القوة سلاحه مثلما يجعل المثقف عدّة العلم شرعيته.
ملاحظات تشفي غليل المتموقف من الثقافة خصوصا إذا وجد حقل صراعها مع السياسة متأججا. هكذا نجد اليوم بعض وسائل الإعلام وقد فقّرت كل تغطية أو برنامج ثقافي داخل مشاريعها وقد دخلت في استهداف للفكر والثقافة بحكم كونهما منفلتين عن الرقابة وعن كل معجم الخطاب السياسي والإعلامي المستعمل والمرخّص له بالتداول. فالخطاب حلال وحرام، مرغوب ومكروه، مقدس ومدنس، بحسب ما يتماشى مع أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية والمذهبية...
وإذا كانت الثقافة مشروع أمة ومشروع تاريخها الآني والمستقبلي والذي ينهل من التاريخ ومن تجارب الشعوب، فإن الاقتصاد مشروع الحال والمآل الذي يضمن استمرار الاستفادة والربح وأشكال الاستغلال. وهنا نتبين التباعد بين خط الزمن ونسيج الاشتغال بين الثقافة والاقتصاد، والسياسة بينهما.
سيكون حقل الثقافة تشبيها هو تلك الأرض الخصبة والواعدة دائما بالإنتاج الجيد والغذاء الوفير، لكن العيب سيكون على الفلاح الذي يستعمل هذه الأرض أو هذا الحقل. هو ذا حال الثقافة. سيكون اللوم على بعض المثقفين حينما يتلاعبون برسالة الثقافة وقيمها، وحينما يحوّلون الثقة إلى خديعة، وسيستفحل الأمر أكثر حينما ستلبس جبة الإعلام ويصبح الإعلامي هو مروّج هذه الخديعة.
هكذا في اللانهاية نفقد الثقة في السياسي وفي الإعلامي وفي الثقافي. هكذا لن تكون المؤاخذاة على الثقافة بل على السياسة والإعلام، ليتبين بأن هذا الثلاثي إذا ما شكّل تواطؤا أحكَم استغلال أمة خطابا وخضوعا واقتصادا، وإذا ما تعاضد على خدمتها بنى حضارتها ومجدها وقوتها.
هكذا في الاستنتاج نجد ضعف حقل الثقافة واردا وإمكانية خضوعه لضغط السياسي والاقتصادي سهلا فيسخّر طيّعا عبر وسائل الإعلام، والنتيجة انفتاح فاه المتلقي الذي كان ويكون أضعف إيمانه هو نزاهة المثقف وعدم استغلال قيمها النبيلة داخل خدمة التمويه والكذب السياسي الذي يجعل هذا بهلوانا راقصا وذاك عصاه السحرية المتلونة.
ذ. حسن إمامي
لكن، ما الثقافة من جديد؟ لن تكون تلك الممتدة بين الحقول المنتجة للمعنى وللفن والرمز والتقليد هنا، لن تكون ذلك التنزيل الأنثروبولوجي الذي أراد اختراق المبهم في ثقافات الشعوب وتملّك نسقية تحليل لها. هنا ستنعكس الآية ربما. هنا سيكون الصعود في الرؤية والحكم بدل ذلك النزول من علٍ الذي مارسه المثقف والعالم والباحث. ومع الحاجة إلى حصر دائرة الاشتغال حتى نستطيع معاينة الملاحظات الموضوعية نسبيا، سنقتصر كذلك على الساحة المجتمعية والإعلامية والثقافية المغربية والعربية. ونبدأ بالصراع الذي نشب واستمر بين الشقيقتين العدوتين، أي بين السياسة والثقافة. فإذا كانت الثقافة قد أنتجت الوعي وحلّلت الواقع وكشفت القوانين المتحكمة فيه كأشكال استغلال أو جهل أو تحايل وما شابه، فإن السياسة ستكون بين قبولها ورفضها ذلك المتوجس من الثقافة لأن هذه الأخيرة تخلق دائما نقيضها وتعري نسبيها وتفضح قصورها. رغم ما يمكن للسياسة من أن تستعمله كتبرير في الخطاب وتعسف في تنزيل ودفاع عن المستحيل وعْدا وبرنامجا، فإن الثقافة ستنشطر بين مؤيدة ومعارضة، بين مدافعة ومرافعة.
هكذا ننتقل من أجل البحث عمّن يؤاخذ الثقافة ومن يتتبع نزولها ويلوم أوهامها التي لا تتماشى مع واقعها ولا تستشعر آلامه ولا تتماهى مع خطّ أحلامه...
ويكون الإعلام في عصرنا الحالي ذلك الحصان الذي يمتطيه كل من يريد غزو حقل الآخر إن صيدا أو قنصا أو غنيمة أو فريسة، أو (عريا) مشتهى للذة أو للألم... الإعلام كوسيلة، كتجسيد وترجمة لنوعية العلاقة وتفاعلها وتوترها أو التقائها في الجمع بين الثقافة والسياسة. وما بين الثلاثة حقل مشترك في الافتحاص والاشتغال، إنه المجتمع وذلك المتلقي للثقافة والمستعمل لوسائل الإعلام والمنخرط اختيارا أو كرها للبرامج السياسية وتنزيلاتها الاقتصادية والإدارية وغيرهما في ميادين الحياة.
ما يؤاخذ به المجتمع الثقافة هو أحلامها وتصوراتها التي تبدو مثالية أو موهمة بما هو غير واقعي ولا حقيقي. هو ذلك الإخراج السحري الذي يغلف كل برنامج طبقي وسياسي في خطابه وخداعه؟ ربما ذلك التواطؤ الذي برهنت عليه مجموعة من المنتمين لحقل الثقافة وبذريعة امتلاك العلم والمعرفة والوعي، وامتلاك القدرة على الفهم أكثر من الإنسان العادي، لكن، في النهاية يكتشف المجتمع التلاعب المشترك أو الاشتراك في اللعبة داخل غلاف منمق من الكلام تؤطره إيديولوجيا محكمة في تسويق المصالح وتحقيقها قبل يقظةِ من نوّمته عقاقير الكلام. ولا ننس أن السياسي يجعل عدّة القوة سلاحه مثلما يجعل المثقف عدّة العلم شرعيته.
ملاحظات تشفي غليل المتموقف من الثقافة خصوصا إذا وجد حقل صراعها مع السياسة متأججا. هكذا نجد اليوم بعض وسائل الإعلام وقد فقّرت كل تغطية أو برنامج ثقافي داخل مشاريعها وقد دخلت في استهداف للفكر والثقافة بحكم كونهما منفلتين عن الرقابة وعن كل معجم الخطاب السياسي والإعلامي المستعمل والمرخّص له بالتداول. فالخطاب حلال وحرام، مرغوب ومكروه، مقدس ومدنس، بحسب ما يتماشى مع أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية والمذهبية...
وإذا كانت الثقافة مشروع أمة ومشروع تاريخها الآني والمستقبلي والذي ينهل من التاريخ ومن تجارب الشعوب، فإن الاقتصاد مشروع الحال والمآل الذي يضمن استمرار الاستفادة والربح وأشكال الاستغلال. وهنا نتبين التباعد بين خط الزمن ونسيج الاشتغال بين الثقافة والاقتصاد، والسياسة بينهما.
سيكون حقل الثقافة تشبيها هو تلك الأرض الخصبة والواعدة دائما بالإنتاج الجيد والغذاء الوفير، لكن العيب سيكون على الفلاح الذي يستعمل هذه الأرض أو هذا الحقل. هو ذا حال الثقافة. سيكون اللوم على بعض المثقفين حينما يتلاعبون برسالة الثقافة وقيمها، وحينما يحوّلون الثقة إلى خديعة، وسيستفحل الأمر أكثر حينما ستلبس جبة الإعلام ويصبح الإعلامي هو مروّج هذه الخديعة.
هكذا في اللانهاية نفقد الثقة في السياسي وفي الإعلامي وفي الثقافي. هكذا لن تكون المؤاخذاة على الثقافة بل على السياسة والإعلام، ليتبين بأن هذا الثلاثي إذا ما شكّل تواطؤا أحكَم استغلال أمة خطابا وخضوعا واقتصادا، وإذا ما تعاضد على خدمتها بنى حضارتها ومجدها وقوتها.
هكذا في الاستنتاج نجد ضعف حقل الثقافة واردا وإمكانية خضوعه لضغط السياسي والاقتصادي سهلا فيسخّر طيّعا عبر وسائل الإعلام، والنتيجة انفتاح فاه المتلقي الذي كان ويكون أضعف إيمانه هو نزاهة المثقف وعدم استغلال قيمها النبيلة داخل خدمة التمويه والكذب السياسي الذي يجعل هذا بهلوانا راقصا وذاك عصاه السحرية المتلونة.
ذ. حسن إمامي