بالغ بعض الباحثين والدارسين الادبيين، عن قصد او غيره، في تقييم قصيدة النثر في ادبنا العربي الحديث، حتى أن احد الباحثين اعتبرها الثورة الاكبر في شعرنا العربي على مدى العصور، وقد نسي هذا البعض او تناسى ان قصيدة النثر هذه كانت وما زالت غريبة في اللغات الاجنبية وان ولادتها كانت متعسرة، وما زالت النقاشات حول عظمتها المفتعلة جارية على قدم وساق، بدليل اضافي هو اننا لم نستمع بعد باسم شعري يساوي اسم والت ويتمان الامريكي( 31 ايار 1819 - 26 اذار 1892)، صاحب المجموعة النثرية "اوراق العشب" التي ترجمها إلى العربية المغفورة له الشاعر العراقي سعدي يوسف.
صحيح ان هذه القصيدة حاربت وما زالت تحارب من اجل ايجاد مكان لها على مائدتنا الشعرية العربية، غير انها لم تُسجّل تقدمًا يذكر منذ ميلاد مجلة " شعر" اللبنانية، في الستينيات وموتها في السبعينيات، بعد فترة قصيرة من ولادتها، وانجابها بالتالي قصيدة النثر، وحتى محمد الماغوط الذي هلّل وكبر له رهط من المشجعين المحبذين، كل لسبب في نفسه، كان اقرب ما يكون منه إلى الفكر منه إلى الشعر مع أهمية العلاقة بين هذين، وقد تساءلت وما زلت اتساءل عن تلك الشاعرية التي ميّزت صاحب "غرفة بملايين الجدران"، فلم اجد سوى كاف التشبيه، خبأت الربيع في جيبي كالمسدس، وما الى تلك الكافات المتتابعة، التي لا يكاد يخلو منها نص كتبه الماغوط في مجال قصيدة النثر!!
لقد ارتفعت اصوات من يعلمون مختلطة بأصوات من لا يعلمون مناديه بأهمية هذه القصيدة، متجاهلين انها فنٌ وافدٌ إلينا من لغات اخرى، وان افضل ما كُتب فيها بلغتنا العربية حتى الآن قلما ارتقى مستواه إلى مرتقيات ما تُرجم من هذا الشعر المزعوم. اضف إلى هذا أن تراثنا العربي حفل بالأوزان والايقاعات المبنية على البيئة وخفقات قلبها وروحها، قد وجد خلال تاريخنا المديد الماضي، وقدّم الكثير الكثير في مجاله، صحيح ان هذا الشعر رزح تحت ضغط التقليد و"الثابت" وفق تعبير الشاعر العربي السوري المبدع ادونيس- على احمد سعيد، غير انه تفوّق في فترات تالية مائلًا إلى "التحول"، المنشود في كل ابداع يريد ان يكون وان يوجد نفسه بنفسه، وبإمكان من يود التوسع في هذه النقطة الهامة ان يقرأ كتاب "مقدمة للشعر العربي"، دار الفكر، بيروت، 1986، لأدونيس ذاته. كما يمكنه العودة إلى كتاب ادونيس مرة اخرى " ديوان الشعر العربي"، الكتاب الاول، الثاني والثالث، المكتبة العصرية، بيروت 1964، 1964، 1968، ففي هذين الكتابين تحديدًا وفي غيرهما تعميمًا، يمكننا أن نجد الجواب الشافي، الجامع المانع لتحولات الشعر العربي- القديم خاصة لدى ابي تمام- حبيب بن اوس الطائي ولدى ابي نواس- الحسن ابن هانئ- مثلًا.
اذكر في هذا السياق ان نقاشات ضارية كانت تندلع بيننا نحن جماعة من المثقفين المهمتين بالشأن الشعري وبين الشاعر الصديق الراحل طه محمد علي( 1931- 2011)، حول قصيدة النثر ومكانتها المنشودة في ثقافتنا العربية، فكان يقول بالحرف الواحد تقريبًا: ان الشعر العربي ذا الاوزان هو المائدة الكبرى في تراثنا الادبي/ الشعري، غير أن هذه القصيدة( قصيدة النثر)، هي ضيف متواضع على هذه المائدة. نحن لا نرى فيه بديلًا وانما نرى فيه اضافة بسيطة ومتواضعة.
اسجّل فيما يلي ملاحظتين اراهما هامتين فيما يتعلق بقصيدة النثر، احداهما ان من انتهجوا هذا النوع من الكتابة الشعرية في عصرنا الحديث عجزوا عن تعلم البحور الشعرية التي قعّد لها الخليل ابن احمد الفراهيدي، وانهم جاءوا إلى الشعر من باب العجز وليس من باب المقدرة، واشير هنا إلى أن من كتبوا قصيدة النثر في بلادنا على الاقل لم يكونوا يعرفون الاوزان الشعرية وتمردوا بهذا على ما لا يعرفونه، ومعروف اننا عندما نرفض امرًا ونتمرد بالتالي عليه، يفترض ان نعرف على ماذا تمردنا وإلى ماذا اردنا ورمينا. الامر الآخر هو أن هذا النوع من الشعر المنفلت من كل قيد، قانون وقاعدة، اتاح الامكانيات واسعة لكل من يحلم ان يكون شاعرًا ان يحقق حلمه، لكن دون ان يقدم ما يذكر في مجال الابداع الادبي، فجاءت كتاباتهم ضعيفة هشة، الامر الذي دفع الكثيرين للانصراف عن الشعر.. هذا الحصان الرهوان الجميل الذي لا يكتمل الا بفارس اجمل.
مُجمل القول، اننا لا نرفض هذا النوع من الشعر رفضًا تامًا، لكن علينا ألا ننسى ولو لحظة واحدة، ان كبار شعرائنا العربي في عصرنا الحديث لم يكتبوه ولم يروه اطارًا مناسبًا لإبداعاتهم، وعليه، اعتقد انه من المبكّر جدًا ان ندّعي أن هذا النوع الشعري هو الثورة العظمى في شعرنا على مر العصور.. والسؤال الاكثر جدارة بالطرح في هذا السياق هو: عن أي ثورة يتحدث البعض.. عن نوع شعري ما زال غريبًا عن مائدتنا العربية الشعرية العريقة.. ولم يقدم بعد ابداعات تذكر.. ام عن اية اوهام؟!
صحيح ان هذه القصيدة حاربت وما زالت تحارب من اجل ايجاد مكان لها على مائدتنا الشعرية العربية، غير انها لم تُسجّل تقدمًا يذكر منذ ميلاد مجلة " شعر" اللبنانية، في الستينيات وموتها في السبعينيات، بعد فترة قصيرة من ولادتها، وانجابها بالتالي قصيدة النثر، وحتى محمد الماغوط الذي هلّل وكبر له رهط من المشجعين المحبذين، كل لسبب في نفسه، كان اقرب ما يكون منه إلى الفكر منه إلى الشعر مع أهمية العلاقة بين هذين، وقد تساءلت وما زلت اتساءل عن تلك الشاعرية التي ميّزت صاحب "غرفة بملايين الجدران"، فلم اجد سوى كاف التشبيه، خبأت الربيع في جيبي كالمسدس، وما الى تلك الكافات المتتابعة، التي لا يكاد يخلو منها نص كتبه الماغوط في مجال قصيدة النثر!!
لقد ارتفعت اصوات من يعلمون مختلطة بأصوات من لا يعلمون مناديه بأهمية هذه القصيدة، متجاهلين انها فنٌ وافدٌ إلينا من لغات اخرى، وان افضل ما كُتب فيها بلغتنا العربية حتى الآن قلما ارتقى مستواه إلى مرتقيات ما تُرجم من هذا الشعر المزعوم. اضف إلى هذا أن تراثنا العربي حفل بالأوزان والايقاعات المبنية على البيئة وخفقات قلبها وروحها، قد وجد خلال تاريخنا المديد الماضي، وقدّم الكثير الكثير في مجاله، صحيح ان هذا الشعر رزح تحت ضغط التقليد و"الثابت" وفق تعبير الشاعر العربي السوري المبدع ادونيس- على احمد سعيد، غير انه تفوّق في فترات تالية مائلًا إلى "التحول"، المنشود في كل ابداع يريد ان يكون وان يوجد نفسه بنفسه، وبإمكان من يود التوسع في هذه النقطة الهامة ان يقرأ كتاب "مقدمة للشعر العربي"، دار الفكر، بيروت، 1986، لأدونيس ذاته. كما يمكنه العودة إلى كتاب ادونيس مرة اخرى " ديوان الشعر العربي"، الكتاب الاول، الثاني والثالث، المكتبة العصرية، بيروت 1964، 1964، 1968، ففي هذين الكتابين تحديدًا وفي غيرهما تعميمًا، يمكننا أن نجد الجواب الشافي، الجامع المانع لتحولات الشعر العربي- القديم خاصة لدى ابي تمام- حبيب بن اوس الطائي ولدى ابي نواس- الحسن ابن هانئ- مثلًا.
اذكر في هذا السياق ان نقاشات ضارية كانت تندلع بيننا نحن جماعة من المثقفين المهمتين بالشأن الشعري وبين الشاعر الصديق الراحل طه محمد علي( 1931- 2011)، حول قصيدة النثر ومكانتها المنشودة في ثقافتنا العربية، فكان يقول بالحرف الواحد تقريبًا: ان الشعر العربي ذا الاوزان هو المائدة الكبرى في تراثنا الادبي/ الشعري، غير أن هذه القصيدة( قصيدة النثر)، هي ضيف متواضع على هذه المائدة. نحن لا نرى فيه بديلًا وانما نرى فيه اضافة بسيطة ومتواضعة.
اسجّل فيما يلي ملاحظتين اراهما هامتين فيما يتعلق بقصيدة النثر، احداهما ان من انتهجوا هذا النوع من الكتابة الشعرية في عصرنا الحديث عجزوا عن تعلم البحور الشعرية التي قعّد لها الخليل ابن احمد الفراهيدي، وانهم جاءوا إلى الشعر من باب العجز وليس من باب المقدرة، واشير هنا إلى أن من كتبوا قصيدة النثر في بلادنا على الاقل لم يكونوا يعرفون الاوزان الشعرية وتمردوا بهذا على ما لا يعرفونه، ومعروف اننا عندما نرفض امرًا ونتمرد بالتالي عليه، يفترض ان نعرف على ماذا تمردنا وإلى ماذا اردنا ورمينا. الامر الآخر هو أن هذا النوع من الشعر المنفلت من كل قيد، قانون وقاعدة، اتاح الامكانيات واسعة لكل من يحلم ان يكون شاعرًا ان يحقق حلمه، لكن دون ان يقدم ما يذكر في مجال الابداع الادبي، فجاءت كتاباتهم ضعيفة هشة، الامر الذي دفع الكثيرين للانصراف عن الشعر.. هذا الحصان الرهوان الجميل الذي لا يكتمل الا بفارس اجمل.
مُجمل القول، اننا لا نرفض هذا النوع من الشعر رفضًا تامًا، لكن علينا ألا ننسى ولو لحظة واحدة، ان كبار شعرائنا العربي في عصرنا الحديث لم يكتبوه ولم يروه اطارًا مناسبًا لإبداعاتهم، وعليه، اعتقد انه من المبكّر جدًا ان ندّعي أن هذا النوع الشعري هو الثورة العظمى في شعرنا على مر العصور.. والسؤال الاكثر جدارة بالطرح في هذا السياق هو: عن أي ثورة يتحدث البعض.. عن نوع شعري ما زال غريبًا عن مائدتنا العربية الشعرية العريقة.. ولم يقدم بعد ابداعات تذكر.. ام عن اية اوهام؟!