ألف ليلة و ليلة د. نادية هناوي - ألف ليلة وليلة من منظور العلّامة محسن مهديّ 1-2

1-2

تصدى العلّامة محسن مهدي وبجهود كبيرة لتحقيق كتاب(ألف ليلة وليلة) مستغرقاً أكثر من عشرين عاماً حتى أنجزه تحت عنوان(ألف ليلة وليلة من أصوله العربية الأولى)

ولقد انطلق في عمله هذا من أقدم طبعة لألف ليلة وليلة وهي طبعة كلكتا التي نشرها الشيخ شيرواني اليماني بجزأين بين الأعوام 1814 ـ 1818 وحملت عنوان(حكايات مائة ليلة من ألف ليلة وليلة) غير أن شيرواني لم يذكر هوية النسخة التي اعتمدها في نشر هذا الكتاب كما أن طبعات الكتاب الأخر لا أثر للأصل الذي اعتمدته.

فانبرى الدكتور محسن مهدي للبحث عن أصل هذا الكتاب وبذل جهداً كبيراً وهو يجمع تلك الطبعات ومعها النسخ الخطية بدءاً من عثوره على نسخة خطية في مكتبة المكتب الهندي بلندن وكان قد جلبها طبيب انكليزي من حلب عام 1750 ومرورا بالطبعة الأوربية(طبعة برسلاو) المنشورة عام 1824 وطبعة بولاق الأولى بثمانية أجزاء والمنشورة عام 1835 بإشراف مكسيميليان هابشت، وانتهاء بالنسخ الخطية المكتوبة لاحقاً والمتوزعة في مكتبات العالمين الشرقي والغربي على مدى مئة عام تقريباً أي من النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وألقى الدكتور محسن مهدي باللائمة على دارسي تلك الطبعات من الكتّاب والنقاد، لأنهم اتخذوا من الحكايات(دستورا) بينما لم يهتموا بالنظر إلى الأصل العربي للكتاب. لذا قام عمله في تحقيق هذه النسخ المخطوطة على توزيعها في شكل شجرة تتضمن عائلتين: هما الفرع الشامي والفرع المصري ثم اخضعهما لمنهجية مقارنة على وفق قواعد علم تحقيق النصوص، ففحص أصول النسخ ودققها وقابل كل نسخة بما يماثلها من النواحي التاريخية واللغوية والفنية والموضوعية. وإذا كانت النسخة المفحوصة وحيدة طبّق عليها قواعد التحقيق المعروفة في مثل هذه الحالة.

وبعد جهد تحقيقي مثابر ومضن انتهى المحقق د. مهدي إلى خلاصة مفاجئة هي أن عدد الحكايات 300 حكاية منقولة عن أصل عربي.

وعزا الدكتور محسن مهدي سبب الزيادات التي حصلت في هذا الكتاب إلى النساخ ومعهم بعض السواح الأوربيين الذين ظنوا أنّ الكتاب المترجم إلى لغاتهم ناقص، وأن النسخ لم تكن كاملة، وأن المفروض فيها أنها تحوي عدد الليالي الذي جاء ذكره في عنوان الكتاب وهو(ألف ليلة وليلة) فجمعوا حكاياتٍ وسيراً، وقسّموها إلى ليالٍ بهدف أن يسدوا ذاك النقص.

ورفض المحقق محسن مهدي فكرة أن لا أصل لهذا الكتاب، وافترض أن النسخة المطبوعة مأخوذة من أصول محددة غير مجهولة، بينما نرى أن قرونا ليست بالقليلة مرت على الكتاب ومن الممكن أن يضيع الأصل خلالها، هذا إن كان الكتاب فعلا موجودا كمدونة معلومة خصوصا أن أغلب ما وصل منه جاء من خلال ما رواه القصاصون شفاهاً.

شرع الدكتور محسن مهدي يتصدى لهذه المهمة التي هي كالمغامرة غير مضمونة العواقب، فكان عليه أن يعيد تركيب أصلٍ من مجموع متعدد ومختلف في ما يحويه من الحكايات، وكان قد اشتغل عليها عشرات النساخ، وكل ناسخ يتصرف بما وصله من الناسخ الذي سبقه.

لا مناص من القول إن ما قام به محسن مهدي من حيث المؤدى والمنهج لا يقل شأناً عما قام به طه حسين في مسألة الشك في أصالة الشعر الجاهلي أو عدمها. وإذا كان الأول في الشعر والثاني في السرد، فإن المهم أنهما ـ وبما امتلكاه من براعة وعبقرية ـ قد عمدا إلى زعزعة قناعات تامة الرسوخ حول الإرث الفكري العربي، لكن شك طه حسين الموجه نحو الرواية التي هي مكون أساس من مكونات الثقافة العربية الاسلامية، قد تمت مواجهته بحروب ضارية لا من أجل الموروث الشعري، بل لأنه زعزع منظومات قيم راسخة فرضتها السلطات عبر التاريخ بشتى أنواعها؛ السياسة والثقافية والدينية. مما قطع الطريق أمام مواصلة هذا المنهج في البحث العلمي الذي بدأه طه حسين. أما محسن مهدي فإنه انتهج الطريق نفسه في دراسة الموروث العربي ولكن في بيئة غربية أولا، وثانيا أنه تناول ميدان السرد الذي لا يُحسب على الثقافة الرسمية كالشعر ومن ثم يكون التحري عن حقيقة كتاب سردي أمر غير متعارض مباشرة مع المنظومة الثقافية العربية.

وعلى الرغم من أهمية ما فعله محسن مهدي وفضله في ولوج باب مهم غفلت عنه العصور الأدبية، فإنه لا ينجو من تساؤلات أو حتى اعتراضات كما هو حال المشروع الرائد للمفكر العظيم طه حسين.

* أولى الاعتراضات تبدأ من العنوان الذي عَبَرَ الأزمان، وأتى بهذا الشكل(ألف ليلة وليلة) فلماذا أُطلق عليها هذا العنوان إن لم تكن الحكايات بهذا العدد؟!. لعل الاحتمال الأول في معالجة هذا الاعتراض أنها كانت بهذا العدد الذي دلَّ عليه العنوان، لكن صروف التاريخ عبر مراحله ذهبت بثلثيها وأبقت على ثلث منها. وثاني الاحتمالات أن العنوان يدل على عدد الليالي وليس عدد الحكايات فقد يكون أي عدد أقل من الألف استغرقت روايته من قبل شهرزاد ألف ليلة وليلة أي قد تكون الحكاية الواحدة لم تنته منها بليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث وإلا لماذا لم يستخدم بالعنوان للدلالة على الحكايات لا على الليالي فيكون مثلا ألف حكاية وحكاية. الاحتمال الثالث أن العنوان يدل على الحكايات الرئيسة والفرعية داخلها معا، فتكون بعدد أكثر من العدد الذي صفا لدى محسن مهدي. والاحتمال الرابع أن استعمال العنوان كان من باب المبالغة للتدليل على الكثرة كما نقول: سنفتح ألف باب وباب أو سنواجه ألف مشكلة ومشكلة..الخ.

* من التساؤلات التي وجهت للدكتور محسن مهدي تساؤل أستاذة التراث الشعبي الدكتورة نبيلة إبراهيم: ما الذي يجنيه القارئ العادي من وراء التنقيب عن حقيقة كتاب(ألف ليلة وليلة) وهو الذي يريد أن يقرأ سرداً يستمتع به، فلا يهمه إن أضيفت إلى هذه الحكاية بضعة أسطر هنا أو أزيلت عدد أبيات من الشعر هناك أو استبدلت بغيرها؟ وما الفرق بين أن يقرأ عبارة(رأيت عفريتا طويل القامة) أو يقرأها في طبعة أخرى(رأيت جنيا رجلاه في التراب ورأسه في السحاب)؟ ونضيف تساؤلاً ملحاً آخر هو كيف نشذب كتاباً من الزيادات ونعرف نقصانه وهو الذي وصل من مصادر غير رسمية أي لا صلة لها بمراكز الثقافة وسلطاتها؟. ومن ثم يكون طبيعيا أمر الإضافة أو التعديل كفعل من أفعال النقل الشفاهي للذاكرة الشعبية وما تراكم من المخيال السردي العربي عبر الاجيال. ومعلوم أن السرد فن ليلي وهو على الدوام يصادي الثقافة الرسمية وينقد مراكزها وأقطابها الممثلة بالساسة والحكام ولذلك لم يدوّن في أكثره.

د. نادية هناوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى