مصطفى نصر - الذي حدث في التاسع من يونيو 67

قررنا أن نسمع خطبة الرئيس جمال عبد الناصر مساء يوم التاسع من يونيه عام 67 في بيت صديقنا محمد البشاوي، فهو الوحيد – بيننا – الذي عنده تلفزيون.
يسكن محمد البشاوي شقة كبيرة تطل على شارع الحضري، فقد أثرى والده من التعامل مع شركات الملاحة، كان يورد لسفنها الأدوات الكهربائية التي يجيد صنعها. وقد تقابل محمد البشاوي مع ابن خالي وصديقي في مدرسة إعدادية خاصة. ارتبط محمد البشاوي بكل أصدقائنا من حي غربال.
كنا قد سمعنا أخبارا عن هزيمة جيشنا من إسرائيل، وإنهم احتلوا صحراء سيناء كلها، ثرت على رجل أكبر مني عندما قال هذا واتهمته بالخيانة، لكن ما يقوله جمال عبد الناصر في خطبته الآن، يؤكد ما قاله الرجل الأكبر مني.
وأعلن جمال عبد الناصر تنحيه عن الحكم، وقتها بكى صديقنا عبد العال أبو الدهب بصوت مرتفع، فضممته لصدري وأخذ ينهنه ويصيح من شدة الأسى والحزن والألم.
صحت وقتها يجب أن نفعل شيئا، وإذ بأصوات تأتي من أكثر من مكان، مظاهرات آتية من شارع جامع سلطان متجهة لمحطة مصر، من علو صوتها سمعناها في شارع الحضري. ومظاهرة تأتي من ناحية كلية العلوم بمحرم بك.
أسرعنا جميعا إلى الشارع، كنت ألبس في قدمي شبشب يسمونه " زنوبة ". من شدة الزحام انقطع ابزيمه فسرت بفردة واحدة، كان صوتي قد بح من النداء.
عدت إلى البيت، فوجدت ابنة خالي الصغيرة تبحث عني، فقد أرسلها والدها لتسأل عن أخيها – صديقي –
ذهبت لمقابلة خالي، قلت له:
- كان معنا في المظاهرة، لكنني لا أعرف أين ذهب.
قالت زوجة خالي مستنكرة:
- كنت أنت أيضا في المظاهرة؟
فصاح بها زوجها:
- الم تلاحظي تغير شكله وضياع صوته؟!
أتضح أن ابن خالي سافر إلى القاهرة، وأخي الأصغر سافر للقاهرة أيضا، فالقطارات كانت بلا ثمن.
00
الذين يزعمون أن مظاهرات التاسع من يونيه 67 - التي طالبت جمال عبد الناصر بالبقاء - كانت مدبرة ومصنوعة، بلهاء، ولا يعرفون طبيعة الشعب المصري.
ما حدث في التاسع من يونيه 67، دليل على عظمة الشعب المصري، ورد على من يتساءلون عن آثار حضارة سبعة آلاف سنة للشعب المصري.
شعب انهزم هزيمة بشعة، لدرجة أن موشى ديان - وزير الحرب الإسرائيلي - قال إنه يجلس بجوار التليفون منتظرا لاستسلام جمال عبد الناصر.
الجيش في حاجة لأن يعاد تنظيمه وتكوينه من جديد، المدن مفتوحة فلماذا لم تأت القوات الإسرائيلية لكي تحتل مصر، لأن الإسرائليين يعرفون طبيعة الشعب المصري. فهو سيقاومهم بكل ما يملك.
كانت مظاهرات التاسع من يونيه 67 هي الرد على موشى ديان.
الموضوع ببساطة أن ما فعله جمال عبد الناصر آثار واستفز الدول الكبري في العالم، تأثيره تعدى منطقة الشرق الأوسط. قام كاسترو بثورة في كوبا متأثرا بفكر عبد الناصر، البلاد الأفريقية والأسيوية، ودول أمريكا اللاتينية تأثرت بفكر جمال عبد الناصر، فكان لابد أن يلحق بالزعمين اللذين سبقاه، محمد علي باشا والخديو إسماعيل. اجتمعت الدول الكبرى لوقف فتوحات وانتصارات محمد علي، حتى أصابوه بالجنون، كان على قيد الحياة حين حكم ربيبه إبراهيم وحفيده عباس حلمي الأول، وأوقفوا فتوحات الخديو إسماعيل وتطويره لمصر، خلعوه وجاءوا بابنه الخائن – توفيق – ليحكم، واحتلوا مصر في عهد توفيق. وكان عبد الناصر ثالث من يستحق أن يصف بالزعامة في العصر الحديث، ولابد أن تتوقف مسيرته وتطويره لمصر، إما بقتله، أو هزيمته هزيمة لا يقوم منها. حاولوا قتله عام 1965 عندما تعاونوا مع خونة المنطقة وعملائهم – الإخوان المسلمين- فلم يجدوا سوى الهزيمة التي تشله. الكل اشترك في صناعة هذه الهزيمة، وأزعم أن الأتحاد السوفيتي هو الآخر اشترك معهم في صناعة هذه الهزيمة، ليرغم مصر على أن تنحاز إليهم. فليس هناك شيء في العالم اسمه عدم إنحياز. يا معنا يا ضدنا.
ما فعله الشعب المصري في التاسع من يونيه عام 67، أفسد على الجميع مخططهم. وجعل موشى ديان يقوم من جوار التليفون، فقد جاءه الرد، ليس من جمال عبد الناصر، وإنما من كل الشعب المصري، فأحسوا جميعا أن مافيش فايدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى