الدكتور خالد محمد عبدالغني - حسين عبدالقادر رائد السيكودراما وثناءٌ على الأستاذ ( )

رعدٌ في أفق السيكودراما
ناسكٌ في محراب الفن
متبتلٌ في رحاب التحليل النفسي
علمٌ من أعلام التنوير ( )

مفتتح :
لعلي كنت من تلك القلة التي وضعتها الأقدار في صحبة رجال عظماء سواء في مجال الفكر والعلم والأدب والثقافة والفن والدين، فمنهم من صحبته سنوات ومنهم من كانت صحبته لقاءات عابرة وسريعة ولكنها تركت أثرها في نفسي وامتد فيما بعد، وكنت على يقين أن الأستاذ الحق هو من يحرص على أن يقف تلاميذه بجواره لا خلفه، وبخاصة أني رأيت تلك الصفة – الحرص كل الحرص من أساتذة الجامعة على أن يقفوا وحدهم، ويقف تلاميذهم على مبعدة منهم بحيث تنمحي كل فرصهم في الظهور أو حصد القليل من الشهرة والإنتشار بل ويكادون أن يقفوا حجر عثرة في طريقهم إذا ما بدت منهم أمارات النبوغ والإبداع - ومنهم كل أساتذة علم النفس إلا من رحم ربي وهم قليل لا يبلغوا عدد أصابع اليد الواحدة ذاك إن بلغوها، ولكن أن يحرص الأستاذ – أي أستاذ – على أن يقف تلاميذه أمامه فهذا ما قد صدمني وبدل ما عشت أعتقده لسنوات من أن "الأستاذ الحق هو من يحرص على أن يقف تلاميذه بجواره لا خلفه وهم قليل فيمن عرفت"، فلقد أتيحت لي فرصة تلبية دعوة الأستاذ لي لحضور ندوة بجماعة الرواد، وقدم دفتر تسجيل الحضور ولما كان الأستاذ سيكتب البيانات فقد كتب - كنا ضيوفه د.جمال يوسف( ) والمؤلف- وبمرور السجل عندي قرأت ما يلي: "د.جمال يوسف أستاذ جامعي، ويليه المؤلف بذلك الوصف، ويليه حسين عبد القادر – هكذا -"( ). ومنذ أن تعرفت على الأستاذ وأنا أدفعه دفعاً يصل لحد تجاوز الممكن من فروق المكانة والعمر والعلم و,,,وو– وهو بسماحة الأب ورهافة حس الفنان وعمق رؤية العالم وحدس الصوفي يقبل مني هذا التجاوز الذي لا يقف وراءه غير الحب وحده -.. لكي يكتب لنا سيرته الذاتية التي أراها مليئة بالأحداث ( ) والذكريات التي تتصل بهموم الوطن والعلم والفن والذات – أقصد ذاته هو -، فهو المناضل الذي يؤثر الكتمان عن البوح ويخفي دوراً كان من الممكن أن يدفع ثمنه حياته، وهو الفنان الذي آمن بالفن وبقدرته على تغيير الذات والواقع لما هو أفضل، والمسرح تحديداً كان وجهته الذي إلتحق به في بداية الستينيات من القرن العشرين، وهو المحلل النفسي الذي صنع نفسه بنفسه وقدم أطروحتي ماجستير ودكتوراه غير مسبوقتين ولا ملحوقتين وثلاث بحوث ميدانية لفاعلية استخدام السيكودراما في علاج الاكتئاب والجناح والمدمنين، ودراسات في التحليل النفسي والسينما والمسرح والسياسة والتاريخ– أقرر ذلك وأنا المتابع بدقة متناهية لما يصدر من بحوث ودراسات وأطروحات في علم النفس -، والإنسان في صورته المتعالية عن الصغائر، المجامل لأقصى درجات المجاملة ( ) دمث الخلق والمعطاء بلا حدود ( )، وكان دائماً ما يرى بأنها سيرة عادية ليس فيها ما يستحق أن يقال، وإذا قيل فلمن ينقال؟ - بحسب تعبيره -، وهذا من معالم تواضعه لا أكثر، ومرت السنوات وإذ بي ألح عليه في أن يكتب كتاباً عن التحليل النفسي عارضاً فيه للنظرية وما لها وما عليها ( ) وفعلاً تحددت بعض اللقاءات لكي أقوم بالكتابة في حين يملي الأستاذ عليَّ ما يريد، ولكن ظروف المكان منعتني من تنفيذ تلك المهمة ( )، ولما غبت عن الوطن لسبع سنوات تقريباً عرفت خلالها بصدور كتابه "التحليل النفسي ماضيه ومستقبله"( )، وخلال المؤتمر الدولي الثالث حول العنف والارهاب والذي نظمته الجمعية المصرية للتحليل النفسي، تجددت في نفسي الدعوة لإصدار كتاب تذكاري تكريماً للأستاذ ولكن حالت دون تنفيذه موقفه الرافض لصدور مثل هذا العمل وهو بين ظهرانينا، كما أن تقاعس بعض "رفاق الصحبة" حينها حال أيضاً دون الإبحار لصدور الكتاب، وبعد عدد من السنوات عرضت فكرة إصدار كتاب يضم الأعمال المجمعة للأستاذ مثلما حدث مع مصطفى زيور ويوسف مراد وغيرهما، على عدد من عارفي فضله، وكان الترحيب والتهليل ديدنهم جميعاً بل وزاد الأمر فتنة أنهم عرضوا تمويل نشر كتب أخرى عن حياة الأستاذ وأعماله، وكان الإتفاق على الصيف من عام 2013 لتنفيذ المهمة والانتهاء منها، وأعلنت أني بصدد إصدار كتاب عن حياته وأعماله وناشدت بعض عارفيه بأن من لديه محاضرات كان قد تلقاها على يديه أو ندوات أو مقالات بقلمه يمكن له أن يزودنا بها، ومن يريد كتابة مقال عنه أو عن أحد أعماله أو كل أعماله فليتفضل بإرساله لنا، ولكن الرفاق أيضاً تركوا الساحة وشغلتهم أنفسهم وأموالهم وأهليهم عن الفكرة.
ولكن الأفكار الحقة لا تموت طالما كان وراءها من يشعل في جذوتها الحماس بل والحياة، ولما كنت على صلة توثقت في السنوات الأخيرة مع أسرة تحرير مجلة علم النفس الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وبعد أن طرحت عليهم فكرة إجراء حوارات مع الأعلام لتقديم رؤيتهم للجيل الجديد وليكون ذلك الحوار شكلاً من أشكال التكريم لهم في سنوات عمرهم المتقدم، فقد رحبت هيئة التحرير وكلفتني بإجراء حوار مع الأستاذ لكي ينشر في أحد الأعداد القادمة من المجلة، وعلى الفور أعددت أسئلة كثيرة جداً كنت قد سألتها الأستاذ منذ سنوات بلغت العشرين، وعرضت عليه الموضوع فرحب قائلاً: "وبدون الحوار...بينا رسائل شوق لا أكتمها".، وبعد إجراء الحوار علمت أن هيئة تحرير المجلة تنوي عمل ملف عنه بحيث يضم الحوار وشهادات عدد من الشخصيات التي ترغب في الكتابة عن الأستاذ، وفعلاً أمسكت بالخيط من جديد وراسلت عدداً من الرفاق لكي يكتبوا هذه المرة وفعلاً رحبوا بالفكرة ووعدوا بتنفيذها، ولكن متى ينتهي الوقت؟ هكذا كان سؤالهم، فأخبرتهم بضرورة السرعة فالحياة لا تنتظرنا، وأكدت على سرعة الكتابة لأن الملف جاهز ومكانه محجوزاً بالمجلة، وانتظرت أن تأتيني المقالات، وطال الإنتظار، وطال أكثر فأكثر حتى نفد صبري وخشيت من طول التأخير وما قد يتبعه مما لا أحبه – أعرف عن نفسي أنها لا تطيق الانتظار والتسويف "فإن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة" - فقررت ألا أنتظر أحداً على حد قول فاروق جويدة "لا تنظر أحداً.....فلن يأتِ أحد"، ولأني على صلة سيئة بالانتظار الذي أصبحت أمقته بعدما كتبت في قصيدة "أتلهى بصديقين الوحدة والإنتظار"( )، فقد شرعت في تنفيذ الفكرة وحدي لتكون وردة واحدة أقدمها للأستاذ في عيد ميلاده، بدلاً من الباقة كثيرة العدد من الورود التي كنت حريصاً عليها، ولعل في وحدانية الوردة من الدلالة والمعنى ما يفوق الكثرة، ولا أدل على قيمة الواحدانية ما ذكره القرآن "وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً"، فكلنا يذهب إلى "الله" تعالى فرادى، وها هو العلامة صفوان يهدي ترجمته للعبودية المختارة لإنجي أفلاطون وفؤاد مرسي قائلاً "عاشا يجمعهما حب مصر وماتا كما نموت جميعاً: فرادى"( ) ، هذه كانت قصة هذا الكتاب / المقال الذي يحتوي على قراءة تحليلية لحياة الأستاذ وهو الذي كان دائم الرفض لأي نوع من الإحتفاء به والتكريم له ما دام حياً – طبعاً موقفي ضد هذه الفكرة ( )-، وهو الذي كان حفياً بأستاذه مصطفى زيور فجمع تراثه العلمي ونشره في حياته بمناسبة بلوغه الثمانين، وبمقدمة زميل آخر مخفياً دوره وزاهداً في إبراز جهده هذا ( )، وليس هذا فقط بل كتب العديد من مقدمات الكتب لعدد من التلاميذ والزملاء بل والأساتذة ( )، وكتب أيضاً محتفياً بعدد من الشخصيات الذين كانوا له بمثابة الأساتذة ( ). ولما كان بين يدي عدد من المؤلفات حول حياة وأعمال مؤسس التحليل النفسي سيجموند فرويد سواء من ينتقده بشدة أو يذكره بكل الخير( ). وكتاب بيرنارد مولدورف حول فرويد ( )، وكذلك كتاب عن زيور والتحليل النفسي في مصر ( )، وكتاب عن المحلل النفسي "فيلهلم رايخ"( ) وأيضاً ما كتبه فرويد عن حياته والتحليل النفسي ( ). فقد رأيت أن أكتب وووو.
في الطريق إلى 22 يناير
أنهيت الدراسة الجامعية الأولى بقسم علم النفس بآداب بنها في مايو 1992 ضمن أعضاء الدفعة الثانية، فقد كان القسم وليداً يومذاك، وبه عدد لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة من المدرسين حديثي العهد بالحصول على الدكتوراه أغلبهم من خريجي آداب عين شمس، ومع ذلك لم نحظَّ – نحن خريجوا هذا القسم – بمعرفة عن التحليل النفسي تتجاوز فصلاً واحداً في مواد تاريخ علم النفس أو الإرشاد النفسي أو نظريات الشخصية، ويكاد أن يكون ذلك الفصل مكرراً أو مبتسراً حسب ظروف الطلاب من جهة الحضور أو من جهة المدرس القائم بالتدريس فكلهم من الذين يقيمون خارج بنها وعليهم السفر لأماكن إقاماتهم ومواعيد القطارات تكاد تكون مقدسة وهي الأولى بالرعاية والاهتمام، وبالعودة لتلك المقررات نجد مادة تاريخ علم النفس "الفصل الرابع بعنوان: ظهور النظريات الشخصية وتطورها وأهم روادها" ص ص 119 – 156. من القطع الصغير. ومثلها في مادة الإرشاد النفسي ومادة نظريات الشخصية، وكانت مكتبة الكلية فقيرة فيما يتصل بكتب علم النفس بعامة، وكانت أشد فقراً فيما يتصل بكتب التحليل النفسي الذي لم ولا عنوان واحد يحمل اسمه ولا أحد مؤلفات فرويد المترجمة إلى اللغة العربية، وبالرجوع إلى وثيقة الاستعارة الخاصة بي من مكتبة الكلية خلال الفرقة الرابعة تبين ما نذهب إليه من فقر مدقع في كتب علم النفس وبخاصة التحليل النفسي في المكتبة، وكنت مزوداً بمعارف عدة عند دخولي الجامعة ما بين قراءة منتظمة لأعمال طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد الغزالي ومصطفى محمود ومحمد متولي الشعرواي وخالد محمد خالد، ومع مرور الأيام تهاوت نظرتي لمصطفى محمود والشعرواي بفعل الدكتور محمد حافظ دياب مدرس الانثروبولجيا يومذاك – والفائز بجائزة الدولة التقديرية 2013- ( )، والعقاد بفعل الدكتور السيد فضل مدرس النقد الأدبي ساعتئذ – وعميد الكلية فيما بعد -، وبقي في وجداني تعلق بمحمد الغزالي واستبدل العقاد بنجيب محفوظ( ). وقادني قدري للإلتحاق بقسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة عين شمس لأدرس السنة التمهيدية للماجستير وبعدها دبلوم علم النفس الكلينيكي أعوام (1994 – 1995 – 1996) وكانت مادة التحليل النفسي لأستاذ واحد وكان المقرر واحداً في الشهادتين وهو حول إسهام جاك لاكان ومدرسته في التحليل النفسي. والحق أن الفائدة كانت أيضاً قليلة لندرة المراجع في هذا الشأن فلم تزد عن مقال مرحلة المرآة( ) وجدل الإنسان بين الوجود والإغتراب( ). وكتاب ريتشارد بوثبي "الرغبة والموت"( )،( ) وكتاب مالكولم بوي "فرويد ، بروست ولاكان"( ).
ومنذ أن دخلت الجامعة بدأت أواظب على الحضور لمعرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام، لإتجول بين صالات عرض الكتب، وقاعات الندوات والأمسيات، والحصول على بعض الكتب مما غلت قيمته العلمية وقلت تكلفته المالية من طبعات أغلبها لناشرين مصريين وبخاصة هيئة الكتاب ودار المعارف وسةر الأزبكية وغيرها، وبعد الظهر بقليل جداً، تدفعني قدمايَّ للمشي أمام المقهى الثقافي فإذا بلوحة إعلانات مكتوب عليها "احتفالية عن مصطفى زيور" وعلى الفور أتطلع للباب، وولجته بسرعة فائقة وكان الحضور متوسطاً – وهذه عادة الندوات الثقافية في كل الدنيا - فتقدمت الصفوف لأجلس بالصف الأول من جهة اليمين، وبجواري أحد أساتذة قسم علم النفس بآداب عين شمس الذي قضى أغلب حياته المهنية بالسعودية إما متعاقداً أو مرافقاً لزوجته ولا أحسب أن نتاجه العلمي تجاوز ثلاثة كتب على أحسن تقدير، وأمامي المنصة، مقدم الندوة في المنتصف وعن يمينه أحد المتحدثين رجل يقترب من الستين عاماً يرتدي بدلة بنية اللون وكوفية قريبة من ذلك اللون، ربعة لا هو بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا النحيف، أبيض البشرة في حمرة قليلة كأنها اللون الوردي، ولعل ذلك يعود لأصول شامية ( )، قصير الشعر نصفه أبيض اللون تقريباً، يفرقه جهة اليمين، أفلج السنتين الأماميتين العلويتين، عريض الجبهة، واسع العينين - لقد دخلت الندوة ومقدمها قد عرفه فلم أتبين اسمه، وأخذ يتكلم، فظننته أحد الذين كانا مكتوبين على اللافتة – وما إن انتهى من حديثه إلا وأخذت أصفق له مستمتعاً بحديثه المنساب في يسر جدول الماء العذب الذي خبرته طفلاً في حقول القرية، وما بصوته من طلاوة كنت قد تعودت عليها من كثرة استماعي للإذاعة لسنوات طويلة، وبلاغة في مفرداته وصوره وتشبيهاته كنت قد خبرتها في الأدب والشعر، ودقة في ضبط مخارج الحروف والألفاظ وإعرابها كنت قد خبرتها في دروس التجويد وقراءة القرآن وسماعي لكبار القراء ، وإيقاع صوتي كما في ألحان الموسيقا – سنعرف بعد حين في تسجيله على جهاز الرد Answer Machine في التليفون كم في هذا الصوت من جمال - وتعبيرات وجهه ويديه وابتساماته خلال الحديث مما يجعلك تحس بقربك منه وكأنه يوجه الكلام لك وحدك دون الحضور جميعاً، وانتهت الندوة وعلى الفور قادتني خطواتي المتثاقلة نحوه، فها هو قد غادر المنصة ليصبح في منتصف المقهى الثقافي تقريباً، واقفاً ظهره للباب ووجهه للمنصة،،
- السلام عليكم
- فرد وعليكم السلام
- "لا فض فوك" ما كل هذا الجمال؟!!
- حضرتك د.فلان..
- بابتسامة ...لا..
- الزميل من أين؟ - تبينت أن المقصود بأين ؟ جهة العمل وفي أي جامعة أو أي قسم لعلم النفس أكون.
- أنا لا أعمل بالجامعة، ولكني أدرس تمهيدي الماجستير بقسم علم النفس بآداب عين شمس هذا العام (1994- 1995).
- حسناً..- وأخرج كارت من جيبه، وأعطاه لي ماداً يده وابتسامته في آن .. "لازم نلتقي....... يسعدني ذلك" -.
أخذت الكارت – كان صغير الحجم على غير المعتاذ ومكتوباً فيه "حسين عبدالقادر .. رقم هاتف المنزل.. وكان من الممكن أن يكتب فيه يومها ما يلي" - كما عرفت فيما بعد - "أستاذ التحليل النفسي بجامعة المنصورة، فنان قدير بالمسرح القومي، محلل نفسي، أستاذ التحليل النفسي بجامعة عين شمس وأكاديمية الفنون وسكرتير نقابة الفنانين سابقاً. كل هذه الألقاب هي بعض حقه، ولكنه تنازل عنها طواعية واكتفى باسمه فقط، وله الحق كل الحق في ذلك، فما هو بمن يحتاج للقب وظيفي يستتر وراءه، ولعلها صفة التواضع والاقتراب الحميم من الناس دون النظر لوظائفهم، فأشهد بأن كل الذين عملوا بالجامعة عندما ألتقيهم يبدون قرباً وحميمة في الحوار، وعندما أخبرهم بأني لا أعمل بالجامعة، يصبحون وكأن الطير حط رحاله على رؤسهم فأصباهم الصمت والرغبة في الإبتعاد، فما يكون مني إلا أن أبادلهم نفس الشعور والسلوك، ولكن أبداً ما رأيت في الأستاذ هذه الأفة التي حفظه الله منها (فما يسلم منها إلا من سلمه الله)، ولعل ذلك بعض ما يفسر سر العزلة المختارة - مع الإعتذار لمؤلف ومترجم العبودية المختارة – الذي ضربتها على أيامي خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي لم يكن فيها من اتصال إلا بالأستاذ، فكنت أتصل به غباً، وأتشرف بالإقتباس من صبح ضيائه غباً أيضاً ( )، وقد يغضبه ذلك الغياب ولكن ما يهونه هو أني بعد الغياب أكون قد أنجزت شيئاً (مقالاً أو دراسة)، فقد كان يخالجني شعور بالفشل لأني لم أستطع الحصول على عمل بالجامعة، وصارحته بأن سر غيابي عنه هو ذلك الشعور ولا أحب أن أرى نظرات الشفقة في عينيه، فما كان منه إلا أن قال:" ...ومنذ متى والعمل بالجامعة دليل على شارة الإمارة، وبهذا هدأت نفسي قليلاً، حتى كانت الذكرى العشرين لعلاقتنا فكتب في إهدائه – لي - لكتاب رايش والتحليل النفسي( ) والذي كتب مقدمته :" الزميل العزيز ........لعشرين عاماً سعدت فيها بمفكر وعالم موسوعي المعرفة خسرته الجامعة وكسبه واقع أبحر في شطآنه لتخوم لا يقربها غيره،،". وأيا كانت أهداف هذه الجملة الرائقة سواء من رفع لروحي المعنوية لكي أواجه الإحباط الوظيفي، أو المجاملة الرهيفة، أو تقدير لجهدي الذي اطلع عليه،، وصدر بعضه بمقدمة رائعة كانت صاحبة الفضل في زيوع الكتاب وانتشاره، أؤكد أياً كانت الأهداف .. فقد ءآتت تلك الجملة أكلها أضعافاً كثيرة.
كان هذا هو اللقاء الأول الذي جمعني بالأستاذ، وبعد أن كتبت مسودته قرأت ما كتبه هانز ساكس عن لقائه الأول بفرويد فتعالوا نقرأ ما كتبه لعلنا نقف على أوجه للشبه أو المفارقة: "أما الآن فالنوافذ معتمة والضوء الوحيد ينساب من مصابيح قليلة استقرت على منضدة المحاضر، وخلعت صفوف المقاعد المتصاعدة الخاوية على القاعة مظهراً شبحياً، ولما كنت أعرف تمام المعرفة حيائي وتخاذلي أمام أية مغامرة جديدة، ولو كانت مغامرة متواضعة مثل هذه، فقد اصطحبت معي ابن عمي، آملاً أن يزودني وجوده بالشجاعة اللازمة، ولكني شعرت في هذه الظروف بخوف يتزايد كل لحظة، وعندما دخل سيد نصف واضح أنه أستاذ، اتجهت صوب الباب، هامساً لابن عمي في اضطراب أننا قد أخطأنا المكان، فماذا كان عساه يحدث لو نجحت محاولتي في الهرب؟ يقيناً، كان دخولي مجال التحليل يتأخر سنة أو أكثر، لكن كان من المستحيل أن تأخذ حياتي كلها مجرى مغايراً. ولحسن الحظ لم أفلح. كان السيد النصف الواضح، والملتحي لحية بلون القسطل، نحيلاً متوسط الحجم، وكانت عيناه عميقتين نفاذتين وجبهته ذات ارتفاع ملحوظ عند الصدغين. قال بألطف طريقة، مشيراً لصف من ثماني أو عشر مقاعد في نصف دائرة بمقدمة المقاعد، قرب منضدة المحاضر، حيث جلس نفر من الناس: "هلا ازددتم اقتراباً وتفضلتم بالجلوس أيها السادة؟". واستجبنا لدعوته وعندما بدأ محاضرته فقدت حالاً كل أثر للحياء أو "الكف" فقد تحللت وذابت كلها في اهتمامي الشديد بما كان يقوله وبإعجابي بالطريقة التي قالها بها وكان التأثير يزداد امتداداً وعمقاً كلما ازددت إصغاءً وتعلماً. وتبدد حيائي الذي أزاحه جانباً عند لقائنا الأول وتلاشت معه موانع أخرى كثيرة وعقبات داخلية كانت تعترض طريقي، كانت الكراسي قد صفت في مقدمة المقاعد الخاوية لأن فرويد كان يكره أن يعلي صوته الذي كان ينقصه ما يدعى بالرنين "المعدني" في هذه الأصوات" ( ).
وكان ذلك اليوم الذي جمعنا للمرة الأولى هو 22 يناير 1995.
الطرح أم التعيين الذاتي أم الإستبصار بالذات والمصير؟:
عندما تفضل الأستاذ وكتب لي مقدمة لكتابي الذكاء والشخصية عام 2007 قال عن لقائنا الأول "في يوم زمهريري ما كان له أن يبدد دفء سويعات كانت يومها بعض نذرٍ للوفاء لمن كان له عليَّ وعلى غيري فضل النشأة العلمية والتكوين "العلامة خالد الذكر مصطفى زيور "كان اللقاء مع الزميل والابن الدكتور خالد محمد عبد الغني، فيومها ومنذ ما ينيف عن عقد من الزمان كان اللقاء.... شابٌ طُلْعَةٌ يقبلُ في نهاية لقاء بمعرض الكتاب المصري السنوي بأرض المعارض حيث كنتُ والعلامة فرج طه نتحدث عن أستاذنا "المصطفى" (مصطفى زيور)، وما أن انتهينا من الشجن المتجدد إلا والبرودة تسري من جديد بالأجسام، لكنها لا تبدد الأفهام, وإذ بهذا الشاب يندفعُ لتحيتي منادياً اسمي بزميل عزيز كان مقدراً أن يتحدث معنا، لكن حالت دون حضوره ما حرمنا من متعةِ حديثهِ، ولم يشأْ منظموا اللقاء أن يغيروا اللافتة المعلنة عن اسمه، وهنا كانت المفارقة: مديحٌ يتداعىَ به خاطرُ ابنٍ مسكونٍ بالشعرِ والأدبِ (وخالد سيكون له بعد ذلك قصائدَ منشورةٍ، ومذاعةٍ، وقلمِ أديبٍ إذ يكتبُ عِلماً)، لكن المفاجأةَ تولدتْ من المفارقةِ، إذ ناداني باسمِ الزميل الأعز، وكان في البسماتِ ما يبدلُ حَرَجَهُ، لتتآصر المشاعر، وتتأجج علاقةٌ أحسبُها تحملُ – في البدءِ على الأقل - ملمحاً لنبضٍ طرحيٍ Transference، والطرحُ لمن يعرفُ التحليلَ النفسيَ، ليس بعداً فحسبْ بين المحلل ومريضهِ باعتبارهِ جوهرَ كلِ علاجٍ سواء أقره المعالج وعياً بهِ، أم غابَ عنهُ دورهُ، فهو وجودٌ بالقوةِ - بأيٍ من شِقَيْهِ الموجب (حباً) أو السالب (كرهاً) في كل علاقة إنسانية -. وتتعدد اللقاءات مع طالبِ علمٍ نابهٍ من أولئك القلة من عطشى المعرفة ( ).
هذه كانت رؤية الأستاذ لما نشأ بينه وبيني من علاقة استمرت لما بعد العشرين عاماً، لا أود أن أعيد شرحها ولكن رؤيتي لها بعد كل تلك السنوات والأحداث أحسبها قامت منذ اللحظة الأولى على ما يمكن أن أسميه الإستبصار بالذات والمصير وإسقاطه على شخصية الأستاذ، والإسقاط projection مصطلح نشأ في نظرية التحليل النفسي ويشير إلى كونه حيلة دفاعية محددة في التحليل النفسي وينحصر في أن يلصق الفرد بغيره مشاعره الأليمة، ودوافعه الغريزية المستهجنة، وهذا النمط من الدفاع القائم على طرد الأفكار غير المقبولة من الذات إلى العالم الخارجي إنما يجد أنموذجه الأصلي الأول في عملية بصق الفم للأشياء الكريهة وهو يعمل بصفة أساسية في الفوبيا والبارانويا ولكنه يعمل أيضاً لدى الأسوياء، فهانز الصغير كان يكره أباه ويخاف منه ولكنه كبت هذه المشاعر وأسقط الكره والخوف على الخيل ( ). وخلاصة القول أن الإسقاط لا ينحصر فقط في كونه آلية من آليات الدفاع كأن يلصق الفرد بغيره مشاعره هو ودوافعه هو، وإنما يقوم على معاني أخرى تجعل منه معطىً للإدراك باعتباره واحداً من تلك العمليات التي يتضمنها، ويستند فيها الإدراك إلى ديناميات المجال النفسي باعتبار أن الإدراك نتاج (بين – شخصي) مع البيئة الخارجية، وبخاصة عندما يكون الموضوع غير محدد، فإن المرء في إدراكه له يضفي عليه من عنده، فدوافع الشخص وما يغلب عليه من اتجاهاته تجعله يدرك الموضوع أو الموقف أو المثيرات بطريقة خاصة، وهكذا بقدر ما لا يكون الموضوع – أو المرئي – محدداً، تتداخل الشخصية بالقدر نفسه لتسبغ على الموضوع دلالة ومعنى، وما أكثر معاني الإسقاط لدى فرويد إذ يراه في الحلم تعبيراً خارجياً لعملية داخلية، لكن ثمة معنى آخر يتصل بالإدراك بوصفه إسقاطاً، وهو أشمل من المعاني السابقة إذ يشتمل على كل مظاهر نشاط الفرد ( ). ومصطلح الذات self يضم مجموعة من المفاهيم المرتبطة به مثل صورة الذات وتعني تصور الفرد لذاته وامكاناته وخصائصه وسماته واستعداداته ومجمل ما عليه شخصيته، وإدراك الذات الذي يشير إلى كيفية إدراك الفرد لذاته، ومدى وعيه بأوجه القوة والضعف في شخصيته كالبخيل الذي يرى في نفسه غاية الكرم، وكلما اقترب إدراك الفرد لذاته من الموضوعية كلما كان أقرب للتوافق والنجاح ( )، ومفهوم الذات الذي يعد الطريقة التي يدرك بها الإنسان نفسه، وهو يمثل صورة الذات أو فكرة الشخص عن ذاته والصورة التي يكونها الفرد عن نفسه في ضوء أهدافه وامكاناته واتجاهاته نحو هذه الصورة ومدى استثماره لها في علاقته بنفسه أو بالواقع ( ).
وبناء عليه فقد وعيت / أدركت منذ اللحظة بأني أحب أن أكون مثل هذا الرجل الذي أراه وأسمعه للمرة الأولى في حياتي، وأنا يومئذ عاشق للفن والأدب والمعرفة بكل أشكالها، وأستطيع وبكل دقة أن أميز الغث من الثمين، وأقدر العلماء كل بقدر ما قدم من علم ومعرفة لا يغريني المظهر الخلاب أو الأناقة التي يبدو عليها بعضهم وهم خواء ، أو جوقة المصالح التي تلتف حولهم فتفسدهم. وإلى هنا يكون الوعي "الشعور" قد حدد معالم طريق، ولكن ماذا لو حدث الإستبصار بالذات والمصير مثلما حدث مع نجيب محفوظ وعاشور الناجي في ملحمة الحرافيش حيث استبصر بمصيره وما فيه من معالم حياة كبرى في شخصية عاشور الناجي مثل تسمية الأولاد، والخلود بعد الموت، وجائزة نوبل، والتصوف، والتشابه في الإسم، والحاسة الأخلاقية عند كليهما، والكثير من الصفات ( ).
ولقد تجلى ذلك الاستبصار بالذات والمصير الذي أراه مختلفاً عن الحدس أو التعيين الذاتي في العديد من الأحداث والملابسات منها:
في أطروحة الماجستير للأستاذ (1974) كتب ثبت المراجع: "قديماً حين كان المرء يستشهد بالقرآن – كان يذكر اسم السورة والآية، فكان كل مسلم ، كما هو الواجب، يشعر براحة الضمير والهيبة والطمأنينة، ولا يستطيع الدراويش المحدثون أن يفعلوا خيراً من هذا ..." _________ أيها القرآن الكريم أيتها الطمأنينة الخالدة. ثم يبدأ بالمراجع العربية ليبدأ الترقيم ( ) ، وعندما أنهيت أطروحة الماجستير (1998) ولم أكن قد أطلعت على تلك أطروحة الأستاذ بعد – أخيراً: وفي يناير من 2015 سنحت لي الفرصة لقراءتها - كتبت قائمة المراجع على النحو التالي : أولاً المراجع العربية: القرآن الكريم. ثم بدأت ترقيم المراجع بعده، وبهذا يصبح القرآن الكريم غير خاضع للترقيم مع الجهد البشري وهو المؤلفات. ولقد تكرر هذا الأمر في كل البحوث والدراسات التي نشرتها وأنا خارج مصر خلال السنوات من 2000 – 2007. ولعل سبب ذلك الإستبصار بالذات والمصير هو ما أعرفه عن نفسي من تكوين ديني آثر منذ الطفولة قراءة القرآن وتدبر معانيه ومحاولة التمسك به سلوكاً في الحياة وليس كلاماً أجوف يتردد في الحلق ولا يتجاوزه، وأحسب أن ذلك التكوين الديني وإن لم يعلنه الأستاذ حياءً منه قد مر به أيضاً وأنا الملازم له فقد سمعت منه كثيراً الإستشهاد بآي القرآن الكريم في مواضع مختلفة، وعندما يرتفع صوت الأذان المقابل لبيته يقف الأستاذ عن الحديث وينزل قدمه من على الأخرى إن كانت كذلك إجلالاً وتعظيماً لكلمات الأذان، وكذلك الحال عند ذكر القرآن أو الأحاديث النبوية الشريفة( ). ولعلنا لا نذهب بعيداً فهو الذي كتب "الشك واليقين بين الدين والتحليل النفسي، وإشكاليات حول المشروع الحضاري والإنسانيات"وقفة حول تخوم التحليل النفسي، وصفحات للنفس في التراث العربي بين بصائر السلف وإبداع الخلف (وتعثر المعاصرين)، وفي كل تلك الأعمال نجد القرآن حاضراً وبطريقة ميسرة للفهم ومكملة للنص مثلما هي عند محمد الغزالي - الذي تتلمذت على كل مؤلفاته ومحاضراته وندواته بل وصحبته لبيته وأهداني أغلب مؤلفاته قبل وفاته -.
ولقد درس الأستاذ على يد أد. لويس مليكة في نهاية الخمسينيات وما بعدها، ولم يكن بينهما كثير من الود لأسباب عرفتها، ومع ذلك يقر الأستاذ دوماً بفضل الرجل ومكانته في تاريخ علم النفس والقياس النفسي وقال عنه "علمنا ما لم يستطع غيره أن يعلمنا إياه" بل وأكثر من هذا إذ تحدث عنه في حفل أقيم لتكريمه بجامعة عين شمس بعد رحيله. وكذلك درست على يديه في منتصف التسعينيات ولما طلب منا – كل طلاب الدفعة - كتابة سيرة ذاتية بدأتها بقولي "لقد كرهتك ولم أحبك منذ اللحظة الأولي التي دخلتُ فيها المدرج"، فقد وجدته واقفاً يتكلم بالتهديد والوعيد والتكليفات التي كانت في غاية المشقة، خاصة وأني كنت أعمل صباحاً وحتى المساء، حتى أني فكرت جدياً في ترك الدراسة لهذا السبب، ومع ذلك فكثير من البحوث التي أجريتها كانت من ضمن ما كلفنا بالاطلاع عليه، ولا أدلَّ على ذلك من أن أطروحتي للدكتوراه كانت حول اختبار رسم المنزل والشجرة والشخص الذي ترجمه وعربه وقننه على المجتمع المصري.
وكان الأستاذ قد درس تمهيدي الماجستير وحصل على دبلوم علم النفس الكلينيكي من قسم علم النفس بآداب عين شمس (في منتصف الستينيات من القرن العشرين، وكذلك فعلت في (منتصف التسعينيات من القرن العشرين).
ولقد أهدى الأستاذ أطروحة الدكتوراه لأستاذه مصطفى زيور قائلاً " إلى العلامة الطلعة المحلل النفسي ووو...مصطفى زيور ولك العتبى حتى ترضى"( )، وأهديت أطروحتي للدكتوراه لأستاذي " إلى أد. عادل كمال خضر .. الأفكار التي لا تباركها يداك أولى لها أن تقام عليها صلاة الغائب"( ).
وفي السابع والعشرين من ديسمبر 2014 جمعني لقاء دوري مع الأستاذ وسألني لماذا لم تحضر اللقاء الماضي؟ فقلت له "لقد رزقنا الله مولوداً. فقال وماذا سميته فقلت حازم، فرد هل تعلم أن لي إبناً اسمه حازم" فقلت نعم( ).
لقد كان الأستاذ وبرغم ما تميز به من قدرة على العطاء والعمل وبرغم حاجة قسم علم النفس بآداب عين شمس الذي شهد تكوينه العلمي الأساسي وحتى الدكتوراه لأعضاء هيئة تدريس إلا أنه لم يحظ بهذه الفرصة في الوقت الذي تعين فيه كثيرون حتى إن إعلاناً قد نزل عن حاجة القسم لمدرس تحليل نفسي وظن الجميع بأنه هو المقصود بالإعلان ولكن المفاجأة أنه لم يعين، وأظن أن أستاذه مصطفى زيور لم يكن يرغب في تعيينه ولعل ما كتبه الأستاذ عن أن زيور لم يجتهد لنقل سامي علي من آداب الإسكندرية إلى عين شمس أو العمل على عودته من فرنسا حين تحسنت الأحوال السياسية في مصر وبعد أن أصبح زيور نافذاً في المجتمع، وهذا الحال تقريباً حدث مع مصطفى صفوان، وأحمد فائق، هؤلاء تركوا الوطن ولم يعودوا له ( )، وهذا هو موقف زيور منهم، فماذا عن موقفه من الذي لم يترك الوطن – أقصد الأستاذ ( )–؟ فقد حرص زيور – وهذا ظني وحدي - على بقائه خارج دائرة التعيين بالجامعة، وإن كان استعان به منتدباً للتدريس بالقسم، ولكن شتان بين التعيين والإنتداب، عموماً أعرف أن العرفان وأخلاق الفرسان ستجعلان الأستاذ لا يرى هذه الرؤية وله الحق كل الحق، ولقد حدث لي ما يشبه ذلك في جانب عدم التعيين بالجامعة وبخاصة في القسم الذي نشأت فيه وآثرته بالتسجيل فيه بالرغم من عروض كثيرة للتسجيل في أقسام أخرى كان من أهمها "عرض العلامة لويس مليكة التسجيل معه"( )، وزدت عليه ولا حتى الانتداب كان من نصيبي أيضاً، وظل علمي أنقله للناس مكتوباً في مؤلفات لا أحرص على أي عائد مادي منها.
كان اعتقادي أن الأستاذ يجمع بين بلاغة الجاحظ وعمق ثقافة وفلسفة أبي حيان التوحيدي، "والتوحيدي فيلسوف نفساني يتمتع بعين بصيرة نفاذة وروح نقدية ممتازة، فهو يفطن إلى عيوب الناس الخفية ، ويدرك حقيقة بواعثهم ولعل هذا هو السبب في أننا كثيراً ما نراه يغوص في طوايا النفس البشرية( )، والأستاذ يكاد ينطبق عليه الوصف السابق الذي وصف به التوحيدي تماماً وكأننا أمام التوحيدي المحلل النفسي، أو المحلل النفسي العلامة وعالم الفلاسفة وفيلسوف العلماء حسين عبدالقادر، وقد بنيت هذا الاعتقاد على قراءة كل ما كتبه الأستاذ من مقالات أو كتب أو بحوث أو مسودات لمحاضرات ، ولكنى وجدت في مكتبة الأستاذ نسخة من كتاب زيور "في النفس" مهداة إلى الأستاذ هكذا "إلى فيلسوف مصر الأول حسين عبدالقادر التوقيع مصطفى زيور". فكأني وجدت سنداً قوياً لما اعتقدته من بلاغة وفلسفة الأستاذ.
وفي إحدى المرات نشرت مقالاً عن أستاذي الدكتور عادل كمال خضر على صفحته على الفيس بوك، وعلق قائلاً "لو لم يكن من بين تلاميذي إلا أنت لكفاني ذلك فخراً"( ).
وكان الأستاذ طوال حياته مهتماً بالابداع الفني والمسرحي منذ نعومة أظافره وتجلى أكثر ما تجلي في المرحلة الثانوية بمدرسة "علي مبارك الثانوية" ( ) وكان من نشاطي الأدبي أني نشرت أول قصيدة لي بجريدة الحقيقة الصادرة عن حزب الأحرار في أعدادها الأولى وأنا لما أزل في بداية المرحلة الثانوية. ثم توالت الأعمال الفنية – الرسم والشعر – فما بعد حتى صدور ديواني "وحي التجلي" و"عروس البحر لا تدخل الجنة" ومجموعة دراساتي النفسية للأدب. بل وفي عام 1996 كتبت مجموعة قصصية بعنوان" سندريلا 96 وأمير بلا حذاء" ولكن للأسف أخذتها زميلة للإطلاع عليها ولم تردها لي واختفت مع الأيام.
وفي النصف الأول من عام 2005 كان من نتاج جهود الدكتور طارق عبد الرحمن العيسوي في الدوحة أن استطاع تنفيذ ورشة عمل لمدة ثمانية أيام متصلة بفندق رامادا وبإشراف الجمعية القطرية لذوي الاحتياجات الخاصة وكان المحاضرون هم "أد. عادل خضر، أد. طارق عبدالرحمن العيسوي، وكاتب هذه السطور " وفي أحد الأيام سأل بعض المتدربين من المصريين العاملين هناك وغيرهم عن رأي أد. عادل خضر في طريقتي في أداء المحاضرات - خاصة وأنها كانت المرة الأولى والأخيرة التي رآني فيها محاضراً - ، فرد عليهم قائلاً :"إنه يقلد الدكتور حسين عبد القادر" وفيما اعتبر السائلون هذه الإجابة قدحاً اعتبرتها مدحاً، فأين التلميذ القابع في مدارج المريدين من أقطاب العلم ورواده ( ). ولم يزد ردي عن قولي "لقد فاتني أن أتلقى العلم على يديه وما سمعته إلا في ندوات عامة كان أغلبها عن المسرح ومناقشات لأطروحات علمية" وكتبت فيما بعد وإني لأسى على ذلك الفوت( ).
لقد قدم الأستاذ عدداً من البحوث حول التحليل النفسي والسينما والمسرح، وكتبت عدداً من البحوث حول التحليل النفسي للأعمال الروائية والشعرية كما أن بحوث الأستاذ تلك كانت قد نشرت مرات عدة داخل مصر وخارجها ، وقد حدث لي مثل ذلك تماماً بل وأكاد أقطع باليقين، فقد قدم تلك الأعمال في تونس ولبنان وبعدها نشرت بمصر في دوريات وصحف الدولة المصرية، ولقد نشرت تلك الأعمال في الأردن وقطر والجزائر والإمارات وأعيد نشرها في مصر في دوريات وصحف الدولة أيضاً ( ).
والمتابع لأعمال الأستاذ يعلم قيامه بإجراء بحوث كلينيكية عددها خمسة حول (السيكودراما والفصام, العلاج الجماعي والسيكودراما لجماعات من مرضى البارانويا، والسيكودراما والاكتئاب، والسيكودراما والجناج، و السيكودراما ومدنى البانجو) ، ولقد أجريت خمس دراسات حالة إكلينيكية أيضاً حول (البارانويا، والضغوط النفسية، والقلق والوحدة، وتطور الشخصية من خلال الرسم، واضطراب الهوية الجنسية).
وكنت أعلم منذ نهاية التسعينيات من القرن العشرين أن الأستاذ ينوي الكتابة في موضوع التحليل النفسي ثم حالت ظروف عملي خارج الوطن منذ نهاية عام 2000 من متابعة الموضوع، ونما إلى علمي فيما بعد أن هناك كتاباً له صدر حول التحليل النفسي ( )، وحاولت الحصول على الكتاب ولم أفلح في حينه، وفي نهاية عام 2003 كنت قد انتهيت من كتابة تقديم كتاب أد. عادل كمال خضر ( ) – دون رؤية كتاب التحليل النفسي. وفي الصيف من عام 2005 حصلت على الكتاب واستمتعت بقراءته وأجريت معه حواراً مطولاً حوله، وفصَّل لي سيادته بعض أجزائه، وأسعدني أن عنوان هذا التقديم كان أحد عناوين فصول الكتاب، وأن كثيراً من التصور العام للتقديم شبيه بالتصور العام لما خطه أد حسين عبد القادر – مع الاحتفاظ بالبون الشاسع الذي لا يُتخطى لكل ما يصدر عن سيادته - عند تناوله لمسيرة التحليل النفسي ولحياة فرويد ولعل ذلك التشابه لا يعود إلى أني قرأت كل ما كتب سيادته أو استماعي إلى أحاديثه الخاصة فقط - فإن ما آسى عليه أنه فاتني الجلوس إليه في قاعات الدرس النظامي- ومقابلاتي معه منذ تعرفت على سيادته - بل يعود إلى رؤية إجلال.. واقتفاء خطى.. وصلوات "دعوات" في هيكل إسهاماته ( ).
وليس هذا فحسب بل إن هناك دراسة لم أكن قد اطلعت عليها بعد تحمل نفس العنوان تقريباً عن العلامة عبد العزيز القوصي ( ).
يقول الأستاذ "أنني – مع ولع بالتاريخ أعرفه في نفسي – أراني بصدد مبحث إذ أتجاوز فيه مع التاريخ، تاريخ التراث العربي للنفس، فإنني أستشرف المستقبل الذي يتحقق بالرجوع إلى الوراء لأصول فكرية هي على صلة بنا في بعضها( ). ولذلك وجدناه يكتب عن شخصية عباس الأول كتاباً لما يزل قيد النشر، وثلاث دراسات حول السينما التاريخية.
ولقد ولعت ايضاً بمعرفة التاريخ المصري القديم والحديث، والتاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، وتجلى ذلك في دراستي عن الشيعة والوهابية "مذهب أم فكرة"، والإخوان والسلطة ( ) وشخصية الزبير بن العوام التاجر الأفاق جواد الإنفاق ( ).
ولما كنت على ولع بشخصية عمر بن الخطاب الذي بلغ بي حبي له تسمية أحد أبنائي به، وترددت كثيراً في سؤال الأستاذ عن علاقته بشخصية عمر ولكن على غير اتفاق يسأل الأستاذَ أحدُ الحضور - في لقاء مفتوح - ما هي ذكرياتكم حول أول عمل مثلتموه؟ يقول الأستاذ " كانت مسرحية بعنوان "عمر والعجوز" وكان عمري حينها ما بين الخامسة والسادسة تقريباً" ، ومثَّل لنا الأستاذ مشهداً منها فهو يحفظها كما لو كان يمثلها الآن. لحظتئذ هتفت الله الله الآن حُلَّ اللغز وتأكد أن لابد للأستاذ من علاقة خاصة بهذه الشخصية الفريدة في التاريخ الإنساني.
وهناك أشياء أخرى كثيرة رأيتها بعيني واستفدت منها أيما فائدة في تطوير قدرتي على قبول الواقع الغشوم في مصر فيما يتصل بعلم النفس على المستوى الأكاديمي الذي يعج بكل ما هو زبد وغث. ويظهر على السطح سؤال كيف احتمل الأستاذ هذا الواقع المؤلم الذي يعرفه جيداً بل واكتوى ببعض نيرانه في أيام خوالي؟.
فيجيبني :"إنها قبض الريح يا بني فلا أحد يأخذ مجداً معه ، ولقد وطنت نفسي منذ زمن بعيد على ذلك فلم تغريني الدنيا ولقد خبرت عالم الفن وعالم العمل الأكاديمي ونجوت من سلبياتهما".
مكتبة الجاحظ أو بيت الأستاذ
مرت الأيام بعد ذلك اللقاء الأول ومعي رقم الهاتف وتدعوني أشياء لكي أتصل بالأستاذ الذي لم أعرف عنه غير ما ظهر لي في اللقاء،، وفعلاً يتحقق الإتصال ولكن ماذا أسمع... مقطوعة موسيقية أغلب الظن أنها من التراث العالمي.. وصوت ندي يأثرك دون أن تدري يقول من فضلك أترك اسمك ورقم هاتفك ويقيناً سيسرني الإستماع لصوتك". ومن حلاوة تلك الإيقاعات الصوتية كنت أكرر الاتصال لسماعها. متى تحب أن أزور سيادتك ، قل أنت، وفعلاً تحدد الموعد للقاء في البيت، وأخذ السؤال يلح على ذهني ما الذي يدفع أستاذ بجامعة المنصورة – هذا كل ما أعرفه ساعتئذ - أن يرحب بزيارة طالب بالسنة التمهيدية بآداب عين شمس له في بيته؟ ولم أستطع أن أسأله هذا السؤال حتى الآن، وعبرت الطريق ودخلت العمارة وصعدت السلم وتعثرت قدمي ووقعت فالسلم دائري والمصباح مطفأ وضغطت على الجرس وفتح الباب نصف فتحة تقريباً بحيث تدخل بجانبك، كان يكفيني أقل من ذلك بكثير فقد كنت نحيفاً، وعندما ولجت قدمي وقعت عيني على الجانب الأيسر لمدخل البيت فإذا به ردهة طويلة تملؤها الكتب من الأرض وحتى السقف وهذا هو السر في فتحة الباب الضيقة، وعندما تعبر تلك الردهة تقابلك السفرة ومن فوقها ومن أسفل منها الكتب المصفوفة في كل الجنبات وفي آخرها باب البلكونة المليئة بصناديق الكتب، وعن يسارك وأنت تقف أمام البلكونة حجرة الصالون المليئة بالكتب في جهاتها المختلفة - أعرف فيما بعد أنها تلك الحجرة الذي يستقبل فيها الأستاذ مرضاه - ، فيطلب منك الأستاذ بعد الترحيب والكلمات الرقيقة أن تجلس فلا يسعك إلا أن تستجيب له، وأنت مبهور بكل تلك الكتب التي وضعت على الرفوف بطريق يجعلك من العسير الوصول لما تريد بسب كثرتها، ثم تأخذ عينك بعض اللوحات المبثوثة هنا وهناك لتقرأ فيها عبارات أعرف أنها من أشعار المتصوفين وموقعة باسم سامي علي( ) فهو الفنان الذي رسم تلك اللوحات ولابد أنها من إهدائه، وكتب بالفرنسية لمصطفى صفوان ( ) وبالإنجليزية لفرويد وغيره، وما إن تجلس على المقعد وأعلاك شباك الغرفة وتنظر إلى يسارك حتى تطالع صورة أبيض وأسود للأستاذ في صدر شبابه، ويسألك الأستاذ ماذا تشرب فتقول لا أريد شيئاً فيرد عليك لا ..لا .. لابد يا سيدي، فيغيب لحظات ويعود عارضاً عليك ما جاء به ومتسائلاً كم ملعقة سكر ليضع بنفسه السكر ويقلب الشاي ويدعوك لتناوله، وليبدأ الترحيب والسؤال للإطمئنان والحفاوة والتقدير، وأسأله أين تعمل سيادتكم؟ فيرد في جامعة المنصورة قسم علم النفس. ألم تدرس في عين شمس؟ بلى ولمدة 14 سنة تقريباً. وماذا أيضاً؟ فيقول أشغل حالياً منصب مدير فرقة الغد للعروض التجريبية. ويمد يده ويعطيني كل ما يتعلق بالفرقة من المقالات والأفكار والتدريبات والعروض المسرحية الخ. وينتهي اللقاء ويتكرر مرة ومرات وفي كل واحد منها يهبني بعض أعماله حتى كان أول كتاب يُكتبْ عليه إهداءً لي من أحد وهو كتابه "انحراف الأحداث والسيكودراما" 1994. وذلك في العشرين من أبريل 1995. جاء فيه " الزميل العزيز الأستاذ ..... عاطر الأمنيات لإبحار دائم لشطآن التفوق "( )، وكان عندما يحب أن يعرض لقضية ما تجده وقد انتفض ليسحب كتاباًً أو عدة كتب من أماكن يعرفها بكل دقة، وبعد سنوات بلغت العشرين اصطحبني للدخول إلى الغرف الداخلية للبيت لأجد الغرف مليئة بالكتب حتى تلك الردهة الواصلة بين المطبخ والحمام وتلك الحجرات لم تسلم من وجود الروفوف عليها، وحتى دواليب الملابس مليئة بالكتب، ووجدت فيها ألواناً شتى من المعارف الإسلامية والفلسفية والفنية والأدبية والسياسية والاجتماعية بل والمخطوطات أيضاً مما تعد كنزاً حقيقياً، ولما صارحته بشعوري بأن بيته يذكرني بالجاحظ صدرت منه ابتسامة قليلة في هذه الأيام وقال ولكن الجاحظ وقعت الكتب على رأسه فمات، ولكن هل تعلم أن الثلاجة كانت هنا مشيراً إلى جهة من الصالة ووقعت الكتب فوق أحد الزائرين ذات يوم.
ولما ذهبت لزيارته لأعرض عليه خطة أطروحة الماجستير حول اضطرابات النوم ولأقول له "إنها أول رسالة في الموضوع" فإذا به يقف ويصعد عدة درجات على أرفف المكتبة ليأتيني بكتاب أبو مدين الشافعي حول الأرق، والكتاب صادر في الأربعينيات من القرن العشرين، وكتب أخرى، ولما طلبت منه أن يحكم مقياس اضطرابات النوم ، قومه بكل دقة عارضاً أن تكون العبارات مفتوحة النهايات ليصبح في صورة شبه اسقاطية، وتمنيت لو أنه شارك في الإشراف أو المناقشة ولكن كل هذا لم يحدث ولكنه تابع باهتمام كل تلك الأحداث، وسره – حينها - أيما سرور موقف العلامة قدري حفني رئيس لجنة المناقشة حين تصدى لغلو أحد المناقشين.
فعادة القراءة التي شب عليها الأستاذ دفعته لإقتناء هذا الكم الهائل من الكتب في تنوعها واختلافها وكان في أيام مضت صديقاً وعارفاً لكل باعة الكتب القديمة والحديثة في مصر، ولذا فقد صنع عالماً خاصاً به يلوذ به كلما ألمت به الملمات ويقضي مع تلك الكتب الساعات والساعات، فها هي الطبعات الأولى لمجلة علم النفس التي اصدرها يوسف مراد ومصطفى زيور، ومجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات، وغيرهما الكثير والكثير، وها هي الكتب النادرة في علم النفس مثل "كتاب علم النفس للشيخ محمد شريف سليم"، وغيره، وكتب التراث العربي في طبعات نادرة تزين رفوف تلك المكتبة التي تحتاج جهداً فائقاً لتبويبها وفهرستها لكي تسهل عملية العثور على ما تريد منها، فهناك واقعة تشير بذاتها لذلك ففي أحد الأيام كان الأستاذ يعد مناقشة لإحدى الأطروحات حول الثلاثية لنجيب محفوظ وكان يحب أن يراجع بعض صفحاتها ولما تعثر عليه الوصول عل نسخة الرواية من المكتبة، خرج لشراء نسخة من الرواية، ومن المؤكد وجود نسخ عديدة لكتب بعينها في تلك المكتبة العامرة.
ولكني رأيته ذات يوم آسفاً حزيناً على فقد نسخة من الطبعة الأولى لتفسير الأحلام ترجمة صفوان والتي درسها بالجامعة وفيها تعليقات بخط يده ومجلدة تجليداً خاصاً به، حيث أخذها أحد أصدقائه ولم يردها له، وحينها شعرت أن الكتاب بالنسبة للأستاذ قضية فهو يعيش معه بعض الذكريات، ولم أر أحداً حريصاً على متابعة الجديد والنادر مثلما رأيته فما من كتاب أحدثه عنه إلا ويقول لي "ممكن نحصل على نسخة أو نصور نسخة" وربما كان لذلك بعض أثر في تكويني العلمي حيث حرصي على اقتناء الكتب والمقالات والبحوث التي كتبها الأستاذ خلال مسيرته العلمية.
إنها ليست مكتبة ولا بيت فهو بيت في هيئة مكتبة ومكتبة في إهاب بيت ، عموماً فهو يسكن فيه / فيها / ويجد فيه راحته ومتعته، أتمنى أن أجد أعماله الكاملة تأخذ حظها في تلك الرفوف فتكتمل بهجة مشاعري، وهذه أمنية شخصية أرجو تحقيقها.
الهوامش والمراجع
- كتبت هذه الدراسة في بداية عام 2015، ومن المفارقات أني كتبت هذا العنوان دون الإطلاع على ما كتبه هانز ساكس حين وصف فرويد في أكثر من موضع بالبروفيسور "كان فرويد "الأب بالنسبة للأطفال" وسيجي "اختصار سيجموند" بالنسبة للسيدتين – يقصد زوجته وأختها -، وكان البروفيسور في دائرتنا من الأصدقاء والأتباع (هانز ساكس: فرويد أستاذي وصديقي. ترجمة سعد توفيق. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 1985. ص 65).
- هذا ما وصفت به الأستاذ في قائمة الشكر في اطروحة الماجستير ، خالد محمد عبدالغني: أنماط اضطرابات النوم لدى الراشدين والمسنين وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية "دراسة مقارنة بين الذكور والإناث". رسالة ماجستير. كلية الآداب. جامعة بنها. 1998.
- الكاتب والباحث والدبلوماسي.
- يشغل الأستاذ منصب نائب رئيس الجمعية التي تأسست عام 1929. وكانت الندوة في تمام الساعة الخامسة بعد العصر من يوم الجمعة الموافق 13 مارس 2015. ولقد لبيت في ذلك اليوم دعوة الأستاذ على الغداء ومن بعدها العودة للمنزل واستكمال جلسات الحوار ثم حضور الندوة. سبع ساعات في حضرة الأستاذ.
- بين يدي عدد من تلك السير الذاتية في مجال علم النفس ولست بصدد إصدار الحكم عليها ولكنها صدرت في السنوات التي تلت إلحاحي على الأستاذ كي يكتب سيرته مما يؤكد صدق توجهي الداعي لكتابتها.
- عندما ترقى أستاذي الدكتور عادل خضر – وهو من أشرف على أطروحتي الماجستير (1998) والدكتوراه (2003) – لدرجة الأستاذية وكان أد. حسين عبد القادر ضمن لجنة فحص النتاج العلمي وترقيته، أصر الأستاذ على الذهاب لتهنئته بنفسه في بيته، ولم يكتفِ بالاتصال التليفوني، وأهداه موسوعة علم النفس والتحليل النفسي أيضاً، ومن قبلها كان هو من رشحه لجائزة عبد الحميد شومان للعلماء الشبان العرب بالأردن عام 1998. كما دعاه مشاركاً في إحدى حلقات برنامجه "اللهم اجعله خير" على قناة (ART)، ومن نافلة القول أني كنت شاهداً على كل تلك الأحداث بل وربما صنعت على أيدي، وغيرها مع آخرين تشير كلها إلى تلك الروح المجاملة المعطاءة. وكان لي في هذه الواقعة - واقعة الترقي - حدس فريد إذ تنبأت باسم الأستاذ الثالث في لجنة التحكيم بعد معرفة اسم الإثنين الأولين.
- عندما ذهبت لزياته للمرة الأولى أهداني كتاب "في إيجابية التوافق" تأليف صلاح مخيمر وتقديم حسين عبد القادر. الأنجلو المصرية.1981، وفي كل زيارة يهديني كتاباً له أو لغيره أو بحثاً أو مقالاً. وسنقف بعد حين على الإهداء الأول وغيره، وما فيها من دلالات.
- كنت قد أعددت في عام 1991 بحثاً مطولاً بعنوان "فرويد نظرة جديدة" ولما تزل هذه الفكرة تلح علي لكي تكون كتاباً أعرض فيه ما لفرويد وما عليه وبخاصة بعد أن تناولت نظرية التحليل النفسي والانتقادات الموجهة لها بالتفنيد في حوار بإذاعة مونتكارلوا الدولية في برنامج "أفكار" للإذاعي فايز مقدسي يوم السبت الموافق 9/6/2007.
- كان الأستاذ ومازال يقيم في شارع الشهيد طيار حسن لطفي متفرع من شارع الخليفة المأمون منشية البكري، مصر الجديدة، ولقد سكن ذلك الحي منذ عام 1971، وهو بيت لابد من الوقوف عنده وهذا ما سيكون في الصفحات القادمة، وكنت وما زلت أقيم في بلقس مركز قليوب محافظة القليوبية.
- للكتاب واقعة سيرد ذكرها لاحقاً عندما نقارن بين عنواني بحثين للأستاذ عن فرويد وعن القوصي، وبحث لي عن الدكتور عادل خضر أيضاً.
- قصيدة للمؤلف بعنوان "عندما يغني الألم بقلبي" جريدة الشرق القطرية . 27 مارس 2007، وأعيد نشرها في ديوان "وحي التجلي". القاهرة. 2007. ويشير هانز ساكس أن فرويد قال له مازحاً" ما عرفت شيئا أكثر سرفاً من كل ذلك الفحم اللازم لإذكاء نار الجحيم. كان الأفضل إجراء المحاكمة المعتادة مباشرة والحكم على المذنب بالشئ مئات الألوف من السنين، ثم يساق إلى الحجرة المجاورة ويترك لينتظر فحسب إذ سرعان ما يصبح الانتظار عقاباً أسوء من الحرق بالفعل (هانز ساكس،1985: ص 68).
- إتين دي لابويسيه: مقال في العبودية المختارة. ترجمة مصطفى صفوان. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 1992.
- منذ أن قرأت رواية يوسف السباعي "أرض النفاق" في بواكير الصبا ورأيت أنه أهدى الرواية لنفسه محتفياً بنفسه إذ هو حي، معتبراً أنه لا قيمة بالنسبة له أي احتفاء أو تكريم له بعد موته، ومنتقداً أننا شعب يحب الموتى ولا يكرم الأحياء، وأنا مقتنع بهذا الرأي أيما اقتناع.
- مصطفى زيور: في النفس "بحوث مجمعة" دار النهضة العربية. بيروت. 1986. تقديم : أحمد فائق.
- منهم صلاح مخيمر: في إيجابية التوافق.1981. ، أحمد فائق : مدخل إلى علم النفس: 2002. فرج أحمد فرج: التحليل النفسي وقضايا العالم الثالث. 2007. ونيفين زيور: النرجسية من فرويد إلى لاكان. 2005، خالد عبدالغني : الذكاء والشخصية. 2007، قيس جواد العرادي: رايش والتحليل النفسي. 2014. كرمن سويلم : سيكولوجية الأزواج والزوجات العقيمين، 2015.
- مصطفي زيور، وعبد العزيز القوصي، ولويس مليكة، وصلاح مخيمر، ومصطفى صفوان، وسامي علي، وفاروق عبد القادر.
- هانز ساكس: فرويد أستاذي وصديقي. ترجمة سعد توفيق. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 1985. لجنة الرواد ومشاهير بدار ومطابع المستقبل: فرويد حياته وتحليله النفسي. مراجعة أحمد عكاشة. دار ومطابع المستقبل. القاهرة. ب ت. إريك فروم : فرويد. ترجمة مجاهد عبدالمنعم مجاهد. مكتبة دار الكلمة . القاهرة. 2008.
- Muldworf: Freud. Les editeurs francais reunis. Paris. 1976.
- مصطفى صفوان وسامي على وأحمد فائق وحسين عبدالقادر: مصطفى زيور في ذكرى العالم والفنان والإنسان. معهد اللغة والحضارة العربية / المركز الثقافي المصري. باريس. 1997. والحق الحق أن الكتاب كان للأستاذ لكي يتحدث فيه عن زيور ولكنه آثر الآخرين فضم أعمالاً لهم أيضاً.
- قيس جواد العزاوي: رايش والتحليل النفسي أضواء على سيرته العلمية والعملية. القاهرة. دار أفاق للنشر والتوزيع. 2014.
- سيجموند فرويد: حياتي والتحليل النفسي. ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة، يروت. 1981.
- في أحد أيام الدراسة الجامعية الأولى وبعد المحاضرة اصطحبني للسير معه بعض خطوات حيث كان يقيم في بنها بالقرب من مبنى الكلية ويومها قال لي "إن أباه علماه درساً مفاده أنه إذا اردت الوصول لهدفك فلا يجب أن يقف شيئ في طريقك " فإذا أردت السفر للقاهرة ومعك أموالاً فاركب وسيلة غالية ومريحة وإذا قلت فاستعن بوسيلة أقل تكلفة وإذا لم تمتلك شيئً فاذهب سيراً على الأقدام ..المهم أن تصل لما تريد، ووجه كلامه لي قائلا :" أن تجمع بين العلم والشباب والمال فذاك مستحيل ولكن تخير اثنين فقط، واحذر أن تحاول جمع الشباب والمال أولاً، فسيصعب تحقيق العلم بعد ذلك" ولعل هذا الدرس المبكر جداً (1990) حدد بعض ملامح حياتي فيما بعد.
- لقد نما هذا الإعجاب بنجيب محفوظ والذي تجسد فيما بعد بكتابي "نجيب محفوظ وسردياته العجائبية. المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة. 2011.
- جاك لاكان : مرحلة المرآة. ترجمة وليد الخشاب . مجلة ألف . الجامعة الأمريكية بالقاهرة. 1994.
- مصطفى زيور : جدل الإنسان بين الوجود والإغتراب: في النفس بحوث مجمة. (مرجع سابق).
- Richard Boothby : death and desire " psychoanalytic theory in lacan`s return to Freud ". Routledge, Chapman and Hall, Inc. ; New York .1991.
- ترجم المؤلف الفصل الثاني"lacanian reflections on narcissism” (ص ص 21- 45) وهذه الترجمة منشورة بمجلة علم النفس . القاهرة . الهيئة المصرية العامة للكتاب. العدد 100 يناير – مارس . 2014.
- Bowie,M. : Freud ; Proust And Lacan Theory as Fiction . Combrige, University pres , U. K . 1990 . .
- لقد كتب الأستاذ " ومن مصر، حيث جئت لكني دوماً أقول إني مصري الجنسية، عربي الهوية، لبناني الهوى (كلمة أساتذة الجامعات العربية في المؤتمر الأول لعلم النفس - بيروت من 7 -10 أبريل 2000-).
- لقد تبينت في نفسي أن سر هذا الغياب ربما يعود لتلك النزعة الفنية الموجودة في تكويني النفسي فغيابي عن الظهور في الوسط العلمي أو الاجتماعي يكون من أجل إنتاج عمل بحث أو مقال أو كتاب وبعدها أعاود الظهور مرة أخرى، وراق لي ما يقوله مخيمر في مثل هذا المقام إذ رأيته يعبر عني :" بينما يتنازل رجل الجمهور عن ذاتيته تواؤماً مع الواقع الخارجي (الديماجوس) فإن العصابي بنحبس في ذاتية من تخيلاته الطفلية (الميثوس) تسد عليه كل سبيل إلى الواقع الخارجي. أما الفنان فإنه يعزف عن الواقع الخارجي ليلوذ بذاتية صروحه الفنية (الأبولونيوس) هذه التي تعود به من جديد عبر استحسان الجماهير لنتاجاته الإبداعية إلى الواقع الخارجي. وكذلك العالم فإنه يعزف عن الواقع الخارجي ليلوذ بذاتية صروحه التفسيرية ونماذجه الهيكيلية عن الواقع (اللوغوس) هذه التي تعود به من جديد عبر ما تقدمه من حقيقة عن الواقع تتأكد بالممارسة العملية إلى الواقع الخارجي . فعملية الإبداع الفني والابتكاري العملي ليست غير حركة دياليكتيكية من الذهاب والمجيئ، من العزوف والعودة ما بين الواقع الخارجي والذاتية الفردية (صلاح مخيمر : في سامية القطان: كيف تقوم بالدراسة الكلينيكية. جزء 1. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. 1979. ص 33).
- قيس جواد العزاوي: رايش والتحليل النفسي أضواء على سيرته العلمية والعملية. تقديم : حسين عبدالقادر. القاهرة. دار أفاق للنشر والتوزيع. 2014.
- أتبين الآن أن ثمة تشابهاً بين الأستاذ وفرويد.
- خالد محمد عبدالغنى: الذكاء والشخصية "تقديم أد.حسين عبدالقادر". مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع. القاهرة. 2007.
- حسين عبد القادر وآخرون : موسوعة علم النفس والتحليل النفسي. الرياض ، الزهراء للنشر والتوزيع،2010.
- سامية القطان: كيف تقوم بالدراسة الإكلينيكية . الجزء الأول , القاهرة . مكتبة الأنجلو المصرية .1979.
- فرج طه وحسين عبد القادر وشاكر قنديل ومطفى كامل : موسوعة علم النفس والتحليل النفسي. الرياض ، الزهراء للنشر والتوزيع،2010.
- عادل الأشول : موسوعة التربية الخاصة. القاهرة .مكتبة الأنجلو المصرية. 1987.
- خالد محمد عبد الغني : نجيب محفوظ وعاشور الناجي بين الرمز والإسقاط الذاتي. مجلة إبداع . عدد 14. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 2011. و خالد محمد عبد الغني : الشعر بديلاً عن السيرة الذاتية في أناشيد مبللة بالحزن لعيسى الشيخ حسن. مجلة عمان. تصدر عن أمانة عمان الكبرى, عدد 139. 2007.
- حسين عبدالقادر : الفصام بحث في العلاقة بالموضوع كما تظهر في السيكودراما . رسالة ماجستير. كلية الآداب. جامعة عين شمس . 1974. (ص 392).
- في واحد من لقاءاتي المبكرة مع الأستاذ جاء الكلام عن الجنسية الطفلية - وكنت أظن في نفسي فهماً للدين – ثم استطرد الأستاذ في حديثه عن الباءة باعتبارها القدرة الجنسية، وعندها قلت إنها القدرة المادية، فما كان من الأستاذ إلا أن أمسك بأحد معاجم اللغة العربية ليشكف عن المعنى الذي يعرفه جيداً ولكن ليعلمني ألا أتعجل في الرد .
- حسين عبد القادر : العلاج الجماعي والسيكودراما دراسة لجماعات من مرضى فصام البارنويا. رسالة دكتوراه. كلية الآداب .جامعة عين شمس. 1986.
- خالد محمد عبد الغني: (2003). دراسة تطور رسوم الأطفال والمراهقين العاديين في اختبار رسـم المنزل والشجرة والشخص ومقارنتها برسـوم المرضى النفسـيين والفئات الخاصة. رسالة دكتوراة، كلية الآداب،جامعة بنها.
- على مستوى الشعور لم يكن اسم حازم مرتبط بالمهندس حازم حسين عبد القادر، ولكني منذ الأيام الأول للحمل وبدون معرفة نوع الجنين أطلقت عليه حازم ولم يكن لدي أدنى استعداد لتقبل اسم آخر إلا أن يكون حسين، ولكن لما قال الأستاذ جملته تلك، تذكرت أني لم أتعرف إلا على ذلك الإبن ولم تسعدني الأيام بالتعرف على الآخرين وإن سمعت عنهما ما يسر. ولعل من نافلة القول أن أسماء أبناء الأستاذ تلخص في ظني شخصيته فحسام الإبن البكر وحازم الإبن الأوسط وحاتم الإبن الأخير وكل أحداث سيرته تدور حول تلك الصفات التي تشير إليها الأسماء.
- حسين عبدالقادر : التحليل النفسي بين أمس واعد وغد غائم. أوراق فلسفية . علمية محكمة . العدد 16. عدد تذكاري عن جاك لاكان ومصطفى صفوان . تصدرها الجمعية الفلسفية المصرية . القاهرة . 2007. ص ص 7- 44. حدثنا الأستاذ قائلاً "لقد اجتهدت وأحضرت سامي علي استاذاً زائراً في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس"، والسؤال ألم يكن من الأولى أن يكون ضيفاً على كلية الآداب؟.
- قصَّ عليَّ الأستاذ أن سامي علي عرض عليه العمل معه في آداب الإسكندرية معيداً في النصف الأول من الستينيات من القرن الماضي وأنه رفض ذلك العرض مفضلاً العمل في المسرح القومي، ولعل هذا ما دفع مصطفى زيور ليعلق على ذلك لاحقاً "الفن قبل العلم".
- لمزيد من التفاصيل حول هذه الواقعة، راجع خالد محمد عبد الغني : "من أعلام علم النفس المعاصرين" القاهرة، الهيئة الإستشارية للنشر والتوزيع، 2013.
- زكريا إبراهيم: أبو حيان التوحيدي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء . الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة. ط2 . 1974. يعود الفضل لتعريفنا بالتوحيدي للأديب والناقد اد. السيد فضل الذي درسنا فصولاً من كتابي "الصداقة والصديق ، والإمتاع والمؤانسة" للتوحيدي، والبخلاء للجاحظ، وطوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم أثناء الدراسة الجامعية الأولى.
- لن أقف على تحليل الموقفين نفسياً ولكني سأكتفي بتلك الدلالة المباشرة لهما.
- لقد حدثني الناقد الراحل عبد الرحمن أبو عوف قبل وفاته وإبان عملي معه مديراً لتحرير مجلة الرواية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عن النشاط الفني والثقافي والاجتماعي والسياسي لأبناء جيله وكان منهم الأستاذ، وأكد لي الأستاذ في حواراته معي ما هو أكثر.
- بدأت فكرة هذه الورشة حين عرض علي الدكتور طارق العيسوي - وكنا يومئذ نعمل معاً بقسم التربية الخاصة بقطر – أن أحاضر بها خاصة وأنها حول رسوم الأطفال وتحليل الشخصية وتطبيقها على ذوي الاحتياجات الخاصة، فاقترحت عليه أن نستدعي أد.عادل خضر من أجل ذلك الغرض، ولكن العقبات التنظيمية والمالية كانت عقبة كئود كادت تمنع تنفيذها لولا الجهود الجبارة والمضنية - استغرقت عاماً كاملاً أو أكثر - والتي قام بها الدكتور طارق العيسوي وحده لأنه كان يعمل مع الجمعية أيضاً، حيث استطاع إقناع المسئولين بالجمعية بشتى الطرق واستخرج التأشيرة واستصدر المقابل المادي المجزي والإقامة اللائقة في فندق خمس نجوم ووسيلة الإنتقال ورحلات التنزه والسمر مساءً، وللحق كانت ورشة عمل ناجحة بكل المقاييس فقد تحدثت عن الصحف الخليجية على مدار أيام إقامتها وأفردت لها صفحات طويلة وأجرت بشأنها حوارات أيضاً. ولقد ختمت تلك الدورة بقولي "لقد جئنا فرادى مهمومين بذواتنا والآن صرنا جماعة واحدة يجمعنا هم واحد، وليحمل أ.د عادل خضر معه إلى مصر كل الشوق إلى أن نشم رائحة ترابها".وبعدها كان التصفيق الذي لم أسمعه من قبل، والورود التي كانت أثمن هدية. وحتى هذا التاريخ لم يزد حضوري لمحاضرات الأستاذ عن ندوته حول زيور وعدد من مناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراه بكلية الآداب جامعة عين شمس لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة.
- لقد أسعدني الحظ بحضور دورة تدريبية نظمتها الجمعية المصرية للتحليل النفسي، وألقاها الأشتاذ حول "العلاج الجماعي والسيكودراما"، في الفترة من 7 إبريل وحتى 13 مايو 2015 ، ويالها من محاضرات وطريقة عرض وأداء وحضور ذهني ومعرفي، لقد تجلى فيها الأستاذ كما كنت أستمع إليه منذ أكثر من عشرين عاماً.
- لقد تحقق لي وبغير قصد مني ما تحقق للأستاذ من تكوين معرفي بالفن والنماذج الأدبية ذلك الذي يعد بحسب تعبير سامية القطان "في رواية هاملت يرهص شكسبير بالتحليل النفسي عندما يقول على لسان إحدى الشخصيات "العقل قواد الرغبة" وكذلك بالنسبة إلى كل الروايات العالمية من قبيل الإخوة الأعداء والبخيل وعطيل الخ ..ومن هنا فإن دراسة الآداب العالمية تعتبر جانباً أساسياً في تكوين الكينيكي اليوم" (سامية القطان: كيف تقوم بالدراسة الكلينيكية. الجزء الأول. مكتبة الأنجلو المصرية. 1979. ص 16)، والآن أفهم السر وراء ذكر مشهد مناجاة لير للطبيعة متألما متحسراً على عقوق بناته، من مسرحية الملك لير لشكسبير حيث يختمه بقوله "واحسرتاه!!! وياللحقارة (خالد محمد عبد الغني: أنماط اضطرابات النوم لدى الراشدين والمسنين وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية "دراسة مقارنة بين الذكور والإناث ". رسالة ماجستير. كلية الآداب. جامعة بنها. 1998. ص 48). فلقد عاندتني الأيام مثلما عاندت لير على نحو ما من العناد.
- حسين عبدالقادر ومحمد أحمد النابلسي: التحليل النفسي ماضيه وحاضره. دار الفكر العربي. دمشق. 2002
- صدر الكتاب عام 2012 بعنوان "دراسات في علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي"، ولكن بدون تلك المقدمة التي كتبتها، ولعل في نشري لها عام 2007 ما يعد حدساً للمستقبل بأنها لن تنشر ضمن الكتاب الذي أُعِدَتْ من أجله. ولقد كتبت عرضاً له (خالد محمد عبد الغني: عرض كتاب دراسات في علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي. مجلة علم النفس. الهيئة المصرية العامة للكتاب. عدد 98. 2013. ص 213 – 214).
- خالد محمد عبد الغني: هوامش على ضفاف "نحو قراءة أولى لمشروع د.عادل كمال خضر العلمي". في كتاب: خالد محمد عبد الغني: الذكاء والشخصية. تقديم أد. حسين عبد القادر. مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع. القاهرة. 2007.
- حسين عبد القادر: عبدالعزيز القوصي "إبحار على ضفاف تاريخ ممتد". مجلة إبداع. الهيئة المصرية العامة للكتاب. العدد السادس. السنة العاشرة. يونيو 1992.ص ص 118 – 126.
- حسين عبد القادر : صفحات للنفس في التراث العربي بين بصائر السلف وإبداع الخلف (وتعثر المعاصرين). أعمال المؤتمر الأول للمحللين النفسيين العرب، فكرة النفس عند العرب وموقعها في التحليل النفسي. بيروت، دار الفارابي، 20 -22 آيار (مارس) 2004، ص ص 37 – 73.
- راجع كتابنا "سقوط أقنعة العمامة" . الهيئة العامة لقصور الثقافة. 2015.
- لقد فاز هذا البحث بجائزة الشباب المتميز دينياً عام 1991 على مستوى الجمهورية في مسابقة أعدها المجلس القومي للشباب والرياضة آنذاك، ورشحت نتيجة لذلك لحضور معسكر أبي بكر الصديق السنوي للشباب بالإسكندرية.
- سأعرف بعد ذلك أنه أد.سامي محمود علي الاستاذ بجامعة باريس 7 ومؤسس وحدة الأمراض السيكوسوماتية بها وترجماته لمؤلفات فرويد وغيره وكتبه المؤلفة سواء بالعربية أو الفرنسية وعلاقة الأستاذ به منذ أن درس على يديه في دبلوم علم النفس الإكلينيكي عام 1965 بآداب عين شمس. ولقد أخبرني الأستاذ الدكتور عزت الطويل بأنه درس على يديه – وهو لما يزل بعد في مرحلة الماجستير - في آداب الإسكندرية في النصف الأول من الستينيات من القرن العشرين.
- سأعرف بعد حين أن مصطفى صفوان أحد أبرز ما لم يكن علم اللاكانية الوحيد في العالم وأنه مقيم في باريس منذ ما يزيد عن خمسين عاماً وأقرأ له بعض الأعمال وليحكي لي الأستاذ عن تلك العلاقة الحميمة التي تجمع بينهما وتلك الزيارات السنوية لباريس وحواراته ولقاءته مع أعلام التحليل النفسي هناك وجهوده في التعريف بالتحليل النفسي في مصر وموضوعات أخرى كثيرة حدثت على مدار السنوات الطويلة التي بلغتها تلك الرحلة الصيفية الباريسية، وليتحقق لي في عام 2008 رؤية العلامة صفوان عندما كنت في شرف استقباله في مطار القاهرة لكي يكون رئيس شرف المؤتمر الدولي الثالث للمحللين النفسيين العرب حول العنف والإرهاب والذي نظمته الجمعية المصرية للتحليل النفسي بالقاهرة.
- أي تواضع هذا الذي نراه ، وأي دفع للأجيال الجديدة، وأي نموذج يحتذى ، ومثل أعلى يقتدى به ، وأي أفق نرنوا إليه، إذ يخاطب تلميذاً لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر ويناديه بالزميل، ألا ما أبهاك أيها الأستاذ!!!!.

بقلم الدكتور خالد محمد عبدالغني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى