المقال رقم (٢٨) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..
تنويه: تناول جميع الأسماء الواردة في المقال بعيد عن التناول الشخصي وهو فقط ضمن سياق الأعمال التي تم مناقشة فكرتها ولا يصح قراءته بشكل مجتزء..
لا يمكننا الحكم على توجه أي شخص أو صفاته أو نتاجه من خلال عمل واحد أو اثنين أو حتى بضعة أعمال بل يلزمنا أن نرى عدداً كافياً منها في مراحل مختلفة من حياته مع مراعاة ظروف كل مرحلة للوصول إلى رأي سليم أو أقرب للموضوعية كون وجهات النظر بكل الأحوال تتباين بحسب تفكير وقناعة وثقافة كلٍ منا، وعند الحديث عن مرحلة مهمة على أكثر من صعيد تبعاً للتغيير والتأثير الذي أحدثته على مستوى الأفكار والقناعات والذوق العام، والذي انتقل من بعده للأطفال والأجيال الشابة ينبغي أن نأخذ بعين الإعتبار مختلف العوامل مهما بدت بسيطة لذا تم فرد مساحة للحديث عن الأثر الذي أحدثته الأغنيات المصورة ومنابر عرضها والذي نختتمه بهذا المقال المخصص للحديث عن تجربة المخرج الراحل يحيا سعادة التي امتازت بغرابتها واختلافها وإثارتها للكثير من الأقاويل وعلامات الإستفهام التي طالته وطالت أعماله ومن شاركه فيها..
فبعد عمله لعدة سنوات كمخرج فني في مجالي الإعلانات وتصميم الأزياء إلى جانب عمله في شركات للإنتاج وتحت إدارة عدد من المخرجين المعروفين قرر بدء مسيرته الإخراجية (والتي قبل أن نبدأ بإستعراضها نذكر أن الحديث عنها جاء بعد مشاهدتها بالكامل وليس بشكلٍ مجتزء ومع عدة تجارب وأسماء وجنسيات ومواضيع)، فكانت بدايتها أو بداية (مشروع سعادة) مع المغنية أمل حجازي في ڤيديو كليب (بياع الورد) عام ٢٠٠٦ والذي لم يمر مرور الكرام فتزامن مع المتغيرات السياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة بين فلسطين والعراق ولبنان، ويبدو للوهلة الأولى رغم غرابته كليباً عادياً لشابة محبطة ووحيدة بعد غياب الحبيب لكن أجواء الڤيديو الضبابية وقص المغنية لشعرها وتحديداً ارتدائها لتيشرت يحمل إحدى الماركات العالمية التي تروج للإباحية كان مثار استهجان استدعى اعتذاراً قدمته بنفسها عبر وسائل الإعلام آنذاك، لكن الموضوع لم ينتهي هنا فكانت بعض مشاهد الدم غريبة بالنسبة للمشاهد (وهو ما سيتكرر لاحقاً في العديد من أعمال يحيا سعادة) عدا عن النهاية التي كانت توحي بالإنتحار..
قدم من بعدها بضعة تجارب مع أسماء غير معروفة ولذلك لم تحظى بالإهتمام، لكن توظيف عدسته وزواياها واستخدامه لطريقة تصوير جديدة في العالم العربي بمعدات متطورة قدمت صورة نقية بألوان مبهرة لفت نظر عدد من الأسماء التي كانت تعزز مكانتها بتقديم كليبات تحمل أفكاراً جريئة يجمعها جميعاً الإستعراض والإطلالات المثيرة فكان تعامله مع اسم مثل (هيفا وهبي) خطوةً بارزة في (مشروعه)، وبالطبع لن تفرد مساحة هنا للحديث عن مدى اعتماد هذه الأعمال على الإغراء لكن (الرموز) التي تتضمنها وتجمع مختلف إصداراته هي ما سيتم التركيز عليه لتشكل الصورة النهائية عنها..
فكان ڤيديو أغنية (مش قادرة استنى) عام ٢٠٠٦ البداية مع وجود (صلبان معقوفة) أثارت استياء الكثيرين داخل الأوساط المسيحية والذي استدعى اعتذاراً وتوضيحاً من قبل (سعادة) إضافةً إلى التركيز على (عينٍ واحدة)، عدا عن تكرر أجواء الهروب والتعقب والإعتقال والمراقبة بشكل يذكرنا برواية الكاتب البريطاني جورج أورويل (١٩٨٤) وهم بعض من عناصر يحيا سعادة المتكررة في كليباته، كما استخدم مع (هيفا) أفكاره في تقديم أبعاد سوريالية متصلة بتخصصه في الفن البصري في ڤيديو (يابن الحلال) المليء بالإغراء لكن ما لفت الأنظار إليه أيضاً كان المشهد الأخير واستخدام (التفاحة) كرمز للغواية لكن بصحبة طفل تهرب معه، وكان العمل الأخير الأكثر جدلاً والذي أنجزه قبل وفاته بفترةٍ قصيرة هو كليب (ياما ليالي) والذي يختلف عن كل ما سبقه بوضوح رموزه التي تم الربط بينها وبين الرموز الماسونية بشكل لا تخطأه العين ولاحظه المتفرج العادي، حيث تم التركيز عليها مراراً سواءاً كان ذلك من خلال استخدام اللونين الأبيض والأسود واللذين لهما رمزيتهما الخاصة التي تتكرر كثيراً في أعماله بالإضافة إلى توظيف عناصر كالهرم والعين الواحدة (مجدداً) والفرجار الذي يسمى في بعض البلدان بالبرجل وهو أشهر رمز ماسوني، عدا عن اصطفاف الجنود على رقعة الشطرنج وتأدية ذات الحركات وتلقي الأوامر وكأنهم مسيرون دون وعي مع وجود نقوش تحمل ذات الوشم على أذرعهم..
وكان تعامله مع (ميريام فارس) أيضاً مثار جدل في عدة أعمال لن نذكر منها سوى كليب (مكانه وين) والذي تتجدد عدة رموز بصحبته منذ اللقطة الأولى التي يظهر فيها طائر الغراب والذي تم استخدامه أيضاً في أعمال حملت رموزاً ماسونية ومن أهمها أعمال المغنية الأمريكية مادونا في كليب مثل (Frozen) والتي سيقدم من وحي مسيرتها عدة رموز ستتكرر في عدة كليبات له، بالإضافة إلى توظيف عناصر كالوشم والصحراء والعين الواحدة واستخدام بعض اللقطات التي توحي بالفراغ والعدمية إلى جانب الإيحاءات الجنسية بشكل واضح..
وتبدأ معالم (المشروع) بالإتضاح أكثر من خلال عناصر متكررة سنلخصها ثم نذكر محطاتها ألا وهي (الدم، السلاح، الجنس، المخدرات، العنف، إشارات سادية من خلال استخدام سلاسل في علاقة المرأة بالرجل، الضياع، المجون، العين الواحدة)، والتي ستتعانق مع أحداث سياسية ستذكر تباعاً كما قدمها في ڤيديو (فانكي آرابز) مع (جاد شويري) وبحضور كم هائل من الأجساد العارية للنساء والرجال على حدٍ سواء الذين يمارسون المتعة بمختلف أشكالها وتتضمن مشاهد داخل دورات المياه لفتيات يحقن أنفسهن بالبوتوكس عدا عن العنف وحفر الوشم هناك، يقابلها من ناحية أخرى تمرير لصورة (الرجل العربي الملثم) القادم إلى حفل صاخب ماجن بزي تقليدي وكأنه لا يعرف شيئاً من مظاهر المدنية على ظهر جمل وفي يده السلاح في تكريس للصورة النمطية التي يقدمها الإعلام الغربي عن العرب، وحمل السلاح واستخدام لغته أمر متكرر حتى في كليبات قد توصف بالعاطفية مثل كليب (خدتها) للمغني (ايوان) أو كليبات تعتمد على الإثارة (فارس أحلامي) لنيكول سابا، والذي كان تعامله الفني معها منذ العمل الأول الذي جمعهما بمثابة ملخص لفلسفة (سعادة) في الحياة عن الحرية المطلقة والمتعة الشخصية التي لا حدود لها من خلال كلمات وڤيديو أغنية (أنا طبعي كده)، والتي تحتوي على معظم العناصر المذكورة منذ اللقطة الأولى التي تقف فيها ضمن طابور للمشتبه بهم والذي يجسد كل منهم نموذجاً بحد ذاته، وصولاً إليها وعلامات الضرب تبدو على وجهها وتتركز على عينها اليسرى مع بعض الدماء التي تسيل من فمها، والتي سيتكرر التركيز عليها مراراً ضمن مشاهد العنف ضدها في (تحقيق مفترض) تبصق من خلالها الدماء مراراً، والذي يتشابه أيضاً مع مشاهد العنف والتعذيب في ڤيديو المغنية الأمريكية مادونا (Die Another Day) القائم على هذه المشاهد وعلى القتال المستمر بين شخصيتين يرمز إليهما من خلال استخدام اللونين الأبيض والأسود أيضاً، وبوجود وشم على الكتف الأيمن باللغة العبرية التي تظهر بشكل واضح كقوة لا تقهر في نهاية الڤيديو الذي صدر قبل ڤيديو نيكول سابا..
دون أن ننسى مشهد الحبوب المخدرة التي تتناثر وسط أجواء من الصخب الليلي والرقص، مما جعل هذا العمل تحديداً واحداً من أبرز المحطات التي تلخص أفكار (يحيا سعادة) الذي كان لا يعترف بأي قيود أو حدود ويروج لثقافة المتعة بكل أشكالها الحسية والجسدية..
وكان لا بد بعد التعامل مع الأسماء السابقة أن يحاول التعامل مع أسماء تمتلك رصيداً ونجاحات لدى الجمهور، وتمتلك على الأقل موهبةً حقيقية بغض النظر عن رأي الكثير من النقاد والجمهور في الأعمال التي قدمتها لاحقاً ليثبت قدرته على جذب أسماء تمتلك شيئاً أكثر من مجرد جسد، فكان تعامله مع اسمين يمتلكان شعبيةً كبيرة مثل (نجوى كرم) من خلال ڤيديو (خليني شوفك) و (نوال الزغبي) من خلال عملين لم يمرا بشكلٍ عادي، فمع التعاون الأول لهما في ڤيديو (قلبي سألوا) والذي تجسد فيه قصة امرأة يتركها حبيبها أو زوجها ذاهباً إلى الحرب تم حذف اللقطة الأولى التي لا تتجاوز مدتها ثلاثة إلى أربعة ثواني تظهر فيها (نوال) وهي تقوم بتقطيع اللحم، والذي قد يكون مشهداً عادياً إلا أن تلك الثواني كانت تركز كعادة (سعادة) على (الدم) الذي يتسرب من قطعة اللحم بشكل غريب وغير مريح مما أثار حفيظة الشركة المنتجة التي طالبت بحذف تلك الثواني قبل بثه، وقد استخدم عموماً فكرة (اللحم النيء) والدم أيضاً في أكثر من ڤيديو..
ويأخذ مشروع (سعادة) منحىً أكثر جدية وخطورة من خلال أعمال جمعته مع ثلاثة أسماء من دول عربية مختلفة لتزيد من الجدل وعلامات الإستفهام حول الرسالة أو الفلسفة التي يستميت في تقديمها وإيصالها إلى الناس، فتعاونه مع المغنية العراقية (شذا حسون) من خلال كليب (وعد عرقوب) لا يمكن أن يكون بريئاً من خلال استحضار صور غزو القوات الأمريكية للعراق ولتظهر ابنة العراق وهي ترقص وتغوي شخصاً يفترض أنه جندي امريكي لتقوم بحبسه داخل غرفة وتكون النهاية بصحبة صور محزنة للضحايا العراقيين، وهو ما تكرر في تعاونه مع (سمية الخشاب) من مصر في ڤيديو أغنيتها (كلٍ بعقله راضي) والذي قال (سعادة) عنه أنه رسالة في (التعددية)، فنلاحظ وجود رموز بوذية مع أن هذه الثقافة لا تمت بصلة للعالم العربي في نفس الوقت الذي حاول فيه ويحاول الكثيرون أن يسلخ المجتمع عن هويته، كما أنه قدم في هذا العمل استمرارية لصورة الرجل بطريقة غير مألوفة إضافةً إلى تكريسه لصورة الرجل المثير مفتول العضلات الذي يبرز جسده وكان من العناصر شبه الدائمة في أعماله، وما لا يمكن تمريره هو استمرار تقديمه لصورة العرب بنفس المظهر عدا عن لقطة تربت فيها أم عراقية على كتف أم لجندي أمريكي ترفع صورة ابنها بعد مقتله والذي طلبت منه (سمية الخشاب) بنفسها حذف بعض المشاهد في ذات السياق، وتستكمل هذه (الرسالة) في ڤيديو (تأتأة) للمغنية (شمس)، وتظهر كعادتها في لفت الأنظار في دور القاضي في محاكمة لشبيه الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج دبليو بوش) بحضور افتراضي للعديد من الوجوه السياسية الغربية ومن ضمنها حضور لمؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل وموشيه ديان إلى جانب رموز لإحتلال العراق والذي تم عرضه لفترة قصيرة قبل إيقافه..
رحل يحيا سعادة في ١٧ كانون الثاني ديسمبر عام ٢٠١٠ بسبب صعق كهربائي في محطة القطارات في إزمير بتركيا وهو يصور أحد الڤيديوهات بعد مسيرة قصيرة نسبياً وحافلة بعلامات الإستفهام والترويج لأفكار ساهمت في تغيير الذوق وثقافة المجتمع سلبياً من خلال عدسة متطورة وصورة نقية وظف فيها الكثير من الشعارات والرموز والمفاهيم عن طريق الفنون البصرية والسوريالية، والتي خدعت البعض وأبهرتهم لكن نتاجها ومعالمها واضحة لكل ذي عقل عندما نتأمل مضامينها ونفكك رموز مشاهدها ككلماتٍ متقاطعة نضعها بجوار بعضها لتكمل الصورة التي لم تكن واضحة من قبل، وليسدل الستار تقريباً على عالم الأغنيات المصورة التي لم تقدم من بعدها شيئاً يذكر ووجودها أصبح مجرد تكرار لما سبق خاصةً بعد اشتعال الأحداث في العالم العربي بعد وفاته بأيام قليلة..
خالد جهاد..
تنويه: تناول جميع الأسماء الواردة في المقال بعيد عن التناول الشخصي وهو فقط ضمن سياق الأعمال التي تم مناقشة فكرتها ولا يصح قراءته بشكل مجتزء..
لا يمكننا الحكم على توجه أي شخص أو صفاته أو نتاجه من خلال عمل واحد أو اثنين أو حتى بضعة أعمال بل يلزمنا أن نرى عدداً كافياً منها في مراحل مختلفة من حياته مع مراعاة ظروف كل مرحلة للوصول إلى رأي سليم أو أقرب للموضوعية كون وجهات النظر بكل الأحوال تتباين بحسب تفكير وقناعة وثقافة كلٍ منا، وعند الحديث عن مرحلة مهمة على أكثر من صعيد تبعاً للتغيير والتأثير الذي أحدثته على مستوى الأفكار والقناعات والذوق العام، والذي انتقل من بعده للأطفال والأجيال الشابة ينبغي أن نأخذ بعين الإعتبار مختلف العوامل مهما بدت بسيطة لذا تم فرد مساحة للحديث عن الأثر الذي أحدثته الأغنيات المصورة ومنابر عرضها والذي نختتمه بهذا المقال المخصص للحديث عن تجربة المخرج الراحل يحيا سعادة التي امتازت بغرابتها واختلافها وإثارتها للكثير من الأقاويل وعلامات الإستفهام التي طالته وطالت أعماله ومن شاركه فيها..
فبعد عمله لعدة سنوات كمخرج فني في مجالي الإعلانات وتصميم الأزياء إلى جانب عمله في شركات للإنتاج وتحت إدارة عدد من المخرجين المعروفين قرر بدء مسيرته الإخراجية (والتي قبل أن نبدأ بإستعراضها نذكر أن الحديث عنها جاء بعد مشاهدتها بالكامل وليس بشكلٍ مجتزء ومع عدة تجارب وأسماء وجنسيات ومواضيع)، فكانت بدايتها أو بداية (مشروع سعادة) مع المغنية أمل حجازي في ڤيديو كليب (بياع الورد) عام ٢٠٠٦ والذي لم يمر مرور الكرام فتزامن مع المتغيرات السياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة بين فلسطين والعراق ولبنان، ويبدو للوهلة الأولى رغم غرابته كليباً عادياً لشابة محبطة ووحيدة بعد غياب الحبيب لكن أجواء الڤيديو الضبابية وقص المغنية لشعرها وتحديداً ارتدائها لتيشرت يحمل إحدى الماركات العالمية التي تروج للإباحية كان مثار استهجان استدعى اعتذاراً قدمته بنفسها عبر وسائل الإعلام آنذاك، لكن الموضوع لم ينتهي هنا فكانت بعض مشاهد الدم غريبة بالنسبة للمشاهد (وهو ما سيتكرر لاحقاً في العديد من أعمال يحيا سعادة) عدا عن النهاية التي كانت توحي بالإنتحار..
قدم من بعدها بضعة تجارب مع أسماء غير معروفة ولذلك لم تحظى بالإهتمام، لكن توظيف عدسته وزواياها واستخدامه لطريقة تصوير جديدة في العالم العربي بمعدات متطورة قدمت صورة نقية بألوان مبهرة لفت نظر عدد من الأسماء التي كانت تعزز مكانتها بتقديم كليبات تحمل أفكاراً جريئة يجمعها جميعاً الإستعراض والإطلالات المثيرة فكان تعامله مع اسم مثل (هيفا وهبي) خطوةً بارزة في (مشروعه)، وبالطبع لن تفرد مساحة هنا للحديث عن مدى اعتماد هذه الأعمال على الإغراء لكن (الرموز) التي تتضمنها وتجمع مختلف إصداراته هي ما سيتم التركيز عليه لتشكل الصورة النهائية عنها..
فكان ڤيديو أغنية (مش قادرة استنى) عام ٢٠٠٦ البداية مع وجود (صلبان معقوفة) أثارت استياء الكثيرين داخل الأوساط المسيحية والذي استدعى اعتذاراً وتوضيحاً من قبل (سعادة) إضافةً إلى التركيز على (عينٍ واحدة)، عدا عن تكرر أجواء الهروب والتعقب والإعتقال والمراقبة بشكل يذكرنا برواية الكاتب البريطاني جورج أورويل (١٩٨٤) وهم بعض من عناصر يحيا سعادة المتكررة في كليباته، كما استخدم مع (هيفا) أفكاره في تقديم أبعاد سوريالية متصلة بتخصصه في الفن البصري في ڤيديو (يابن الحلال) المليء بالإغراء لكن ما لفت الأنظار إليه أيضاً كان المشهد الأخير واستخدام (التفاحة) كرمز للغواية لكن بصحبة طفل تهرب معه، وكان العمل الأخير الأكثر جدلاً والذي أنجزه قبل وفاته بفترةٍ قصيرة هو كليب (ياما ليالي) والذي يختلف عن كل ما سبقه بوضوح رموزه التي تم الربط بينها وبين الرموز الماسونية بشكل لا تخطأه العين ولاحظه المتفرج العادي، حيث تم التركيز عليها مراراً سواءاً كان ذلك من خلال استخدام اللونين الأبيض والأسود واللذين لهما رمزيتهما الخاصة التي تتكرر كثيراً في أعماله بالإضافة إلى توظيف عناصر كالهرم والعين الواحدة (مجدداً) والفرجار الذي يسمى في بعض البلدان بالبرجل وهو أشهر رمز ماسوني، عدا عن اصطفاف الجنود على رقعة الشطرنج وتأدية ذات الحركات وتلقي الأوامر وكأنهم مسيرون دون وعي مع وجود نقوش تحمل ذات الوشم على أذرعهم..
وكان تعامله مع (ميريام فارس) أيضاً مثار جدل في عدة أعمال لن نذكر منها سوى كليب (مكانه وين) والذي تتجدد عدة رموز بصحبته منذ اللقطة الأولى التي يظهر فيها طائر الغراب والذي تم استخدامه أيضاً في أعمال حملت رموزاً ماسونية ومن أهمها أعمال المغنية الأمريكية مادونا في كليب مثل (Frozen) والتي سيقدم من وحي مسيرتها عدة رموز ستتكرر في عدة كليبات له، بالإضافة إلى توظيف عناصر كالوشم والصحراء والعين الواحدة واستخدام بعض اللقطات التي توحي بالفراغ والعدمية إلى جانب الإيحاءات الجنسية بشكل واضح..
وتبدأ معالم (المشروع) بالإتضاح أكثر من خلال عناصر متكررة سنلخصها ثم نذكر محطاتها ألا وهي (الدم، السلاح، الجنس، المخدرات، العنف، إشارات سادية من خلال استخدام سلاسل في علاقة المرأة بالرجل، الضياع، المجون، العين الواحدة)، والتي ستتعانق مع أحداث سياسية ستذكر تباعاً كما قدمها في ڤيديو (فانكي آرابز) مع (جاد شويري) وبحضور كم هائل من الأجساد العارية للنساء والرجال على حدٍ سواء الذين يمارسون المتعة بمختلف أشكالها وتتضمن مشاهد داخل دورات المياه لفتيات يحقن أنفسهن بالبوتوكس عدا عن العنف وحفر الوشم هناك، يقابلها من ناحية أخرى تمرير لصورة (الرجل العربي الملثم) القادم إلى حفل صاخب ماجن بزي تقليدي وكأنه لا يعرف شيئاً من مظاهر المدنية على ظهر جمل وفي يده السلاح في تكريس للصورة النمطية التي يقدمها الإعلام الغربي عن العرب، وحمل السلاح واستخدام لغته أمر متكرر حتى في كليبات قد توصف بالعاطفية مثل كليب (خدتها) للمغني (ايوان) أو كليبات تعتمد على الإثارة (فارس أحلامي) لنيكول سابا، والذي كان تعامله الفني معها منذ العمل الأول الذي جمعهما بمثابة ملخص لفلسفة (سعادة) في الحياة عن الحرية المطلقة والمتعة الشخصية التي لا حدود لها من خلال كلمات وڤيديو أغنية (أنا طبعي كده)، والتي تحتوي على معظم العناصر المذكورة منذ اللقطة الأولى التي تقف فيها ضمن طابور للمشتبه بهم والذي يجسد كل منهم نموذجاً بحد ذاته، وصولاً إليها وعلامات الضرب تبدو على وجهها وتتركز على عينها اليسرى مع بعض الدماء التي تسيل من فمها، والتي سيتكرر التركيز عليها مراراً ضمن مشاهد العنف ضدها في (تحقيق مفترض) تبصق من خلالها الدماء مراراً، والذي يتشابه أيضاً مع مشاهد العنف والتعذيب في ڤيديو المغنية الأمريكية مادونا (Die Another Day) القائم على هذه المشاهد وعلى القتال المستمر بين شخصيتين يرمز إليهما من خلال استخدام اللونين الأبيض والأسود أيضاً، وبوجود وشم على الكتف الأيمن باللغة العبرية التي تظهر بشكل واضح كقوة لا تقهر في نهاية الڤيديو الذي صدر قبل ڤيديو نيكول سابا..
دون أن ننسى مشهد الحبوب المخدرة التي تتناثر وسط أجواء من الصخب الليلي والرقص، مما جعل هذا العمل تحديداً واحداً من أبرز المحطات التي تلخص أفكار (يحيا سعادة) الذي كان لا يعترف بأي قيود أو حدود ويروج لثقافة المتعة بكل أشكالها الحسية والجسدية..
وكان لا بد بعد التعامل مع الأسماء السابقة أن يحاول التعامل مع أسماء تمتلك رصيداً ونجاحات لدى الجمهور، وتمتلك على الأقل موهبةً حقيقية بغض النظر عن رأي الكثير من النقاد والجمهور في الأعمال التي قدمتها لاحقاً ليثبت قدرته على جذب أسماء تمتلك شيئاً أكثر من مجرد جسد، فكان تعامله مع اسمين يمتلكان شعبيةً كبيرة مثل (نجوى كرم) من خلال ڤيديو (خليني شوفك) و (نوال الزغبي) من خلال عملين لم يمرا بشكلٍ عادي، فمع التعاون الأول لهما في ڤيديو (قلبي سألوا) والذي تجسد فيه قصة امرأة يتركها حبيبها أو زوجها ذاهباً إلى الحرب تم حذف اللقطة الأولى التي لا تتجاوز مدتها ثلاثة إلى أربعة ثواني تظهر فيها (نوال) وهي تقوم بتقطيع اللحم، والذي قد يكون مشهداً عادياً إلا أن تلك الثواني كانت تركز كعادة (سعادة) على (الدم) الذي يتسرب من قطعة اللحم بشكل غريب وغير مريح مما أثار حفيظة الشركة المنتجة التي طالبت بحذف تلك الثواني قبل بثه، وقد استخدم عموماً فكرة (اللحم النيء) والدم أيضاً في أكثر من ڤيديو..
ويأخذ مشروع (سعادة) منحىً أكثر جدية وخطورة من خلال أعمال جمعته مع ثلاثة أسماء من دول عربية مختلفة لتزيد من الجدل وعلامات الإستفهام حول الرسالة أو الفلسفة التي يستميت في تقديمها وإيصالها إلى الناس، فتعاونه مع المغنية العراقية (شذا حسون) من خلال كليب (وعد عرقوب) لا يمكن أن يكون بريئاً من خلال استحضار صور غزو القوات الأمريكية للعراق ولتظهر ابنة العراق وهي ترقص وتغوي شخصاً يفترض أنه جندي امريكي لتقوم بحبسه داخل غرفة وتكون النهاية بصحبة صور محزنة للضحايا العراقيين، وهو ما تكرر في تعاونه مع (سمية الخشاب) من مصر في ڤيديو أغنيتها (كلٍ بعقله راضي) والذي قال (سعادة) عنه أنه رسالة في (التعددية)، فنلاحظ وجود رموز بوذية مع أن هذه الثقافة لا تمت بصلة للعالم العربي في نفس الوقت الذي حاول فيه ويحاول الكثيرون أن يسلخ المجتمع عن هويته، كما أنه قدم في هذا العمل استمرارية لصورة الرجل بطريقة غير مألوفة إضافةً إلى تكريسه لصورة الرجل المثير مفتول العضلات الذي يبرز جسده وكان من العناصر شبه الدائمة في أعماله، وما لا يمكن تمريره هو استمرار تقديمه لصورة العرب بنفس المظهر عدا عن لقطة تربت فيها أم عراقية على كتف أم لجندي أمريكي ترفع صورة ابنها بعد مقتله والذي طلبت منه (سمية الخشاب) بنفسها حذف بعض المشاهد في ذات السياق، وتستكمل هذه (الرسالة) في ڤيديو (تأتأة) للمغنية (شمس)، وتظهر كعادتها في لفت الأنظار في دور القاضي في محاكمة لشبيه الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج دبليو بوش) بحضور افتراضي للعديد من الوجوه السياسية الغربية ومن ضمنها حضور لمؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل وموشيه ديان إلى جانب رموز لإحتلال العراق والذي تم عرضه لفترة قصيرة قبل إيقافه..
رحل يحيا سعادة في ١٧ كانون الثاني ديسمبر عام ٢٠١٠ بسبب صعق كهربائي في محطة القطارات في إزمير بتركيا وهو يصور أحد الڤيديوهات بعد مسيرة قصيرة نسبياً وحافلة بعلامات الإستفهام والترويج لأفكار ساهمت في تغيير الذوق وثقافة المجتمع سلبياً من خلال عدسة متطورة وصورة نقية وظف فيها الكثير من الشعارات والرموز والمفاهيم عن طريق الفنون البصرية والسوريالية، والتي خدعت البعض وأبهرتهم لكن نتاجها ومعالمها واضحة لكل ذي عقل عندما نتأمل مضامينها ونفكك رموز مشاهدها ككلماتٍ متقاطعة نضعها بجوار بعضها لتكمل الصورة التي لم تكن واضحة من قبل، وليسدل الستار تقريباً على عالم الأغنيات المصورة التي لم تقدم من بعدها شيئاً يذكر ووجودها أصبح مجرد تكرار لما سبق خاصةً بعد اشتعال الأحداث في العالم العربي بعد وفاته بأيام قليلة..
خالد جهاد..