أمل الكردفاني - منع الجريمة عبر التصميم البيئي

يعتبر علم التصميم البيئي نتاج حديث للمدارس الاجتماعية الجنائية الحديثة. وتطبيق نوعي لليبرالية على حساب الأدوات التقليدية لمنع الجريمة. وقد تمت دراسات هندسية وجنائية عديدة حول التصميم البيئي الذي يمنع الجريمة.
ولتبسيط فهم هذا العلم وآلية عمله، سنتخيل أن الدولة ترغب في إنشاء منشأة ضخمة. كمفاعلات نووية أو محطات كهربية..الخ. هذه المنشآت يجب حمايتها من الجرائم، كالإرهاب مثلاً. فيمكن لمجموعة إرهابية ترغب في تفجير قسم شرطة أن ترسل أحد اتباعها لتفجير نفسه في محطة الكهرباء الرئيسية فتنقطع الكهرباء وتبدأ العمليات الارهابية في المدينة المظلمة بسبب انقطاع الكهرباء. لذلك يجب تصميم هذه المحطات بحيث تحول دون دخول المجرمين بسهولة، فهي تصعب عليهم اقتراف الجريمة. فعلى سبيل المثال، يكون من الأفضل أن تكون المحطة مشيدة بتصميم دائري، لكي تكون المراقبة مركزية من كل الجهات، كما أن نصف قطر بين المنشأة والسور المحيط بها يجب أن يكون مسافة لا تقل عن مائتي أو ثلاثمائة متر، وتكون المساحة خالية من معرقلات النظر كالأشجار الظليلة، كما أن مسار السيارات الداخلة يجب أن يكون متعرجاً، وذلك حتى يشعر المجرم بأنه مراقب وتحت التوجيه المستمر، وبالتالي يربكه ذلك ويجعله يفقد تركيزه وسيطرته ويتراجع..الخ كما تسهل هذه المسارات مراقبة الداخلين عن كثب. وعلى مستوى المدن، فإن المنازل تبنى عبر تخطيط دائري مركزي، مع وجود أدوات راقبة مجتمعية، كالحدائق والاكشاك الصغيرة، ودور العبادة التي تجعل الشوارع مطروقة باستمرار وتخلق رقابة مجتمعية، كما يتم تصميم المنازل بحيث تظهر وجود حائزيها فيها، كوضع امتدادات أسوار حديدية فرعية ومسارات عبور وكاميرات مراقبة..الخ.
تعتمد فكرة التصميم البيئي على توجه رأسمالي مفاده أن الدولة بدلاً عن إنفاق ملايين الدولارات لدعم المناطق كثيفة الاجرام، فهي يجب أن تزيل فرص ارتكاب الجريمة. وهو ما يسمى بنظرية الفرصة، فالمجرم يشبه الحيوان المفترس الذي يحوم في الغابة ليجد فريسته، فاللص سيبحث عن منزل بسور قصير، أو محل تجاري في مكان نائي أو خالي من الرقابة كمحطات البنزين، ومهمة التصميم البيئي هو منع هذه الفرص. وبالتالي يتطلب التصميم البيئي التفكير بذات طريقة المجرم وسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها لاقتراف جريمته. كما تلعب الحدائق ودور العبادة والمحلات التجارية أيضاً دورها في منع الجريمة، فيتم تصميم الوحدات السكنية ومعها مباشرة مناطق ترفيه ومحال تجارية ودور عبادة وغير ذلك لتحد من اقتراف الجريمة بخلق رقابة مجتمعية. وتلعب الصلوات الخمسة في المساجد رقابة مجتمعية قوية لانها تتوفر في كل الاوقات، وخاصة أوقات الخمول العام، مثل الفجر والعشاء.
ولذلك يجدر بالمهندسين المدنيين وغيرهم من أهل الاختصاص أن يطوروا مفاهيمهم لعلم التصميم البيئي ويعتمدوه كمعيار في تصاميمهم الهندسية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى