من مقدمات الخطيبي (27) تشكيل حكومة التناوب والنقاش السياسي بالمغرب.. إعداد وترجمة: محمد معطسيم

“من مقدمات الخطيبي” إضمامة من الاستهلالات، قدم بها الخطيبي بعض أعماله وأعمال غيره في الفكر والإبداع. وهي في إبداعه لا تتجاوز نصا مسرحيا واحدا، ووحيدا في كتابته المسرحية، وهو “النبي المقنع” الصادر عن دار “لارمتان” L’Harmattan في 1979.
قدم الخطيبي أعمال مؤلفين معروفين، وآخرين ليسوا بالقدر نفسه. كما قدم لنساء كاتبات مغربيات. وكانت له استهلالات في المجلتين (المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع، علامات الحاضر)، ووقع مقدمات أخر بالاشتراك.
ونصادف في مقدمات الخطيبي الأكثر ترددا: التمهيد Avant-propos، الاستهلال Préface، التقديم Présentation، الديباجة Prologue، الاستهلال البعدي Postface، الافتتاحية Préliminaire، أو بروتوكول… وهي تصنيفات-رغم تداخلها- صالحة لتأطير ما تثيره كل مقدمة من قضايا حول المؤلف، وتشكل النص، وإضاءات لولوج عالم الكتاب…
غير أننا نعثر على مقدمات، لا تشير إلى نفسها بهذه التسمية، بل تأخذ عنوانا مستقلا حل محلها، أو عنوانا مصحوبا بها.
ليست المقدمة ملزمة ولا ضرورية، في كل كتاب. إلا أنها تستمد قيمتها مثل باقي المتوازيات والمناصات والعتبات. وغالبا ما يعدم حضورها في الهوامش والإحالات، وكأنها خارج النص hors livre بتعبير جاك دريدا.
ورد في كتاب “التشتيت” La dissémination “تكون المقدمة لنص فلسفي غير مجدية ولا حتى ممكنة”. فهل كتب الخطيبي مقدمة فلسفية؟ هذا الحكم القاطع لجاك دريدا يعفينا من إثارة هذا السؤال أصلا؛ فكتابة الخطيبي المتعددة، لا تيسر تأطيره في خانة معينة، فالخطيبي ليس رجل المفاهيم، ولا نعثر له على كتاب فلسفي بالمواصفات الفلسفية، إذا استثنينا “كلمته” التي قدم بها الكتاب الفلسفي لعبد السلام بنعبد العالي: “الميتافيزيقا، العلم والإيديولوجيا”.
ويكاد المنجز الإبداعي لعبد الكبير الخطيبي، يخلو من مقدمات، باستثناء كتابه المسرحي الآنف الذكر. والذي استهله بديباجة Prologue.
لكن، من يقرأ منا كتابا بدءا من مقدمته؟ من يقرأ مثلا، مقدمة “لسان العرب” لابن منظور (1232-1311). الجواب السهل: قليلون نادرون هم من يقوم بذلك. يكشف الناقد عبد الفتاح كيليطو، في إحدى شهادات عن قراءته لمقدمة ابن منظور، وهو أمر قد لا يعني شيئا، للكثيرين من متصفحي هذا المعجم النفيس. ليذكر ما قاله: “جمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون…وسميته لسان العرب”.
حظيت مقدمة ابن خلدون بذيوع صيتها، أكثر من كتابه المقصود بها: “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر”. وحسابيا، حبر الفيلسوف نيتشه من المقدمات أكثر مما ألف من الكتب. وهذه لعمري معادلة غريبة! ومهمة مستحيلة كما أثبت ذلك “دريدا” وهو يفكك مقدمة “هيجل” في كتابه “فينومينولوجيا الروح”.
ولا تخفى الأهمية من تجميع مقدمات الخطيبي، سواء تلك الواردة في مؤلفاته أو مؤلفات غيره أو في المجلتين اللتين كانا يديرهما. وتوفير بعض منها، في هذه الإضمامة، عرضا وترجمة، تثمينا لهذه العتبات النصية وتبريزها.

تمهيد

إلى كل هؤلاء الذي يريدون أن يفهموا ما يجري حاليا، في المغرب، على المستوى السياسي، عليهم بقراءة هذا الكتيب الأساسي. الذي ألفه عبد الكبير الخطيبي أحد ألمع السوسيولوجيين المغاربة. يحلل فيه الشروط التي سمحت بحكومة التناوب، مع مجيء السيد عبد الرحمان اليوسفي الاشتراكي على رأسها، «هي الأولى، كما يكتب المؤلف، في المغرب والعالم العربي».
يصف المؤلف، بدقة كبيرة، خصائص- تاريخ، توجه، إيديولوجية- تحالفات- الحزب الاشتراكي المغربي، والأحزاب الأخرى. يختتم الكتاب ب «رسالة إلى مناضل شاب»، وهي في نفس الوقت، درس في السياسة ودرس رائع في الإيثيقا.
Nancy Dolhem
Le monde diplomatique, Paris, avril, 1999.
ترجمة محمد معطسيم
لماذا هذه الطبعة الثانية؟
ألفت هذا الكتاب صيف 1998، شهورا قليلة بعد تشكيل حكومة التناوب، في مارس من نفس السنة. وصدر في يناير من سنة 1999. استهدفت من ورائه، عرض قراءة لهذه التجربة في التناوب للجمهور، بموضعة الفاعلين السياسيين، وبخاصة الأحزاب في علاقتها بالدولة. كان إذا، مرافقة فكرية، ودراسة للتبيين.
تُلُقٍيتْ رسالتي كما هي. كانت فرحتي كبيرة: فقد استقبلت بكثير من الاهتمام، من الدوائر العليا للدولة، ومن وزراء، وأمناء عامين للأحزاب -من الكتلة والوفاق- ومن برلمانيين ومسؤولين في الغرفتين، ومن طرف مثقفين وباحثين وطلبة ومتتبعين للحياة السياسية، وطنيا أو دوليا. كادت الصحافة أن تجمع، على تقديم هذا الكتاب، بكونه فعلا سياسيا. أما الجمهور، فكانت له قراءات كثيرة، لهذا الكتاب، وتعليقات عليه في الصحف، وداخل الأحزاب والكليات. فمن هنا تأتي إشارات، لتحفيز عمل المؤلف ومساهمته المتواضعة، في النقاش السياسي بالمغرب.
في السياسة، نفكر إما بالشفرة، وإما على المكشوف. ينبغي على المثقف السياسي المتمرس، أن يطور، مع الرأي، بعدا ثالثا ملائما للنقاش العمومي. ويلزمه أيضا أن يكون منصتا،لما يجري ويروج- كيفما كانت محتويات ذلك- وأكاد أقول الإنصات، عبر أذنه الثالثة. الإنصات والكلام، التموضع؛ لأن الصمت مفسدة للمعدة وللفكر خاصة.
أعيد نشر هذا الكتاب، بعد تصحيح الأخطاء المطبعية، وهي قليلة، وتحيين بعض الأرقام. أعيد نشره كما هو. ألحقت به ثلاثة حوارات، أجريت معي، عقب صدور طبعته الأولى.
لا تحلل هذه الطبعة الثانية، وضعية الأحزاب، بعدما تولى العرش جلالة الملك محمد السادس، وما كانت تعنيه عبارات الشكر الوزارية.

الرباط، في 20 نونبر 2000.
ترجمة محمد معطسيم
L’alternance et les partis politiques, essai, deuxième édition, Edition EDDIF,2000, p.p.11-12.

الكاتب : إعداد وترجمة: محمد معطسيم


بتاريخ : 05/05/2022



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى