خيري حسن - دموع الأبنودي.. ومحمود درويش

" المرة الوحيدة التى رأيته فيها يبكى..كانت عندما تسمر أمام شاشة التليفزيون وهو يقرأ خبر رحيل محمود درويش"
قلت: وماذا قال قبل أن تدمع عيناه؟
ردت :"لم ينطق بشىء.. وقالت دموعه كل شىء" - هكذا قالت لى [ آية عبد الرحمن الأبنودي] - فى حديث لى معها نُشر من قبل - واليوم وأنا استرجع ذكرياتى القليلة مع الخال - فى ذكرى ميلاده - ما بين بيته فى المهندسين - شارع البعثي - فى عمارة كان يسكنها معه - وأظنه كان مالكها - الكاتب الصحفى الراحل محسن محمد وزوجته الإعلامية الراحلة هند أبو السعود صاحبة البرنامج التليفزيونى الشهير (جولة الكاميرا) - وبين بيته الريفى فى محافظة الإسماعيلية بالقرب من ضفاف قناة السويس التى زارها وكتب بالقرب منها جزءاً كبيراَ من السيرة الهلالية( السيرة التى عشقتها منذ الصغر وأنا استمع لها فى الإذاعة - إذاعة شمال الصعيد )
فى الإسماعيلية ذات مرة قلت له:" عم سعد أبو جمعة - وكان جارا لنا فى الشارع - كثيراَ ما كان يحمل الراديو ويأتى إلى أبي ليستمعا معا للسيرة الهلالية.
يستمع الخال لى وهو يرتكز على عصاه التى معه وهو سارح قليلاَ ثم يقول:" طيب...وكانت عجباهم يعني؟!
- "عجباهم بس" ؟ ثم أكمل: لقد كان عم سعد - بحبه وعشقه للسيرة يترك زوجته الست الطيبة بعد خناقة ليلية معتادة بينه وبينها - لأنه حسب قولها - "الحكاية بتاع الأبنودي وأبو حسين اللى فى الراديو دي أكلت دماغه " ثم يتركها وحيدة ويأتى إلى أبي ليستمعاَ معاً للسيرة ( على مزاج ) مع كوباية شاى مصنوعة على ( وابور جاز - نمرة 5 )!
وما أن انتهي من كلامى - والذى كررته أمامه كثيراً - إلا وأجد العصا التى فى يده تكاد تسقط - وهو معها - على الأرض من شدة ضحكه العالى ثم يقول:" الله يخرب مخ عمك سعد أبو جمعة ده يا شيخ .. كده يزعل منى الست مراته"؟!
هذه الحكايات وغيره كانت دائماَ تجعلنى أنسي سؤالاَ كثيراَ ما كنت أريد طرحه عليه عن دموعه عندما علم نبأ رحيل صديقه الشاعر محمود درويش...
-------------
-------------
وفى الطريق عائداَ من عنده كنت فى كل مرة أعاتب نفسي وذاكرتى - بسبب حكاية السيرة وعم سعد أبو جمعة - التى لم تسعفنى بالسؤال
. وفى كل مرة - وأنا عاتب نفسي - كنت أقول ...حسناَ... لقد كانت دموعه تنساب ليس لأن محمود درويش شاعراَ استثنائياً فى الشعر العربي قد لا يتكرر كثيراَ، إلا بعد سنوات طويلة. ولا لأن الأبنودي شاعر قد لا يتكرر كثيراَ؛ إلا بعد سنوات طويلة!
ولكن قد تكون دموعه انهمرت بشدة لأنه أدرك - بموت محمود درويش - إن الأمة كلها - وليس الشعر فقط - قد ودعت زمناَ، لا يتكرر كثيراَ؛ إلا بعد سنوات طويلة.
--------------
--------------
ويقول الخال:
"ومن بعيد القمر...عوام بلا شاطى
مادخلش شباكى...ده عالى..وده واطى
هو اللى يعشق عيون بلده يصير خاطى؟
ده أن كان عشقك يا مصر خطيّة ونجاسة؟!
طين النجاسة...يا نخَّاسة ..بَلغ باطى"
--------
خيري حسن
▪︎ الأحداث حقيقية...والسيناريو من خيال الكاتب
▪︎ الشعر المصاحب للشاعر عبد الرحمن الأبنودي.
المناسبة:
▪︎ ذكري ميلاد عبد الرحمن الأبنودي ( 11 إبريل )
▪︎ الشعر المصاحب للراحل الأبنودي من ديوان - الزحمة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - طبعة - 1976

الصور:
الأبنودي
محمود درويش



1681171881899.png 1681171906179.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى