حسن إمامي - بحبر مرّ... في اتجاهات الشخصية المغربية في عقم السياسة والاخلاق

تعاني الشخصية المغربية من إرث قروسطي ثقيل، تداخلت فيه عوامل شتى متفرقة بين المجالات والدراسات والعلوم والأبحاث في تشخيصه وتحليله والاستدلال عليه.
تعاني الشخصية المغربية من تعامل شبه وجودي تاريخيا، منقص من قيمتها وقدراتها. تعامل الشخصية المغربية بعقلية قروسطية تعتبرها قاصرة، محجور عليها، غير قادرة على النضج والمبادرة والابداع للمستقبل.
علاقة تراتبية تكرسها علاقة الذكر والأنثى، وعلاقة الحاكم بالمحكوم. كل يرضى بسلطته وجبروته على من هو خاضع له: الأنثى للذكر، والمحكوم للحاكم. علاقة الهبة وليس الحق، الخضوع وليس المساواة. وقد بينت مجموعة من الدراسات السوسيوثقافية والسيكولوجية هذه الملاحظات.
تترتب عن هذه الولاية، تشريعات وقوانين وضعت لخدمة هذه الحجر وهذا الخضوع، تجلت في غياب ديومقراطية بالمفهوم الحالي تدمج فئات المجتمع وتشركها في الخيارات الاستراتيجية للمجتمع المغربي، وفي قيادة فعالة تجعل الثقة بالنفس، والموضوعية والنسبية في التفكير، تؤمن بالخطإ، لكن تؤمن اكثر بالتصويب له مع كل تجربة وخطوة.
تعاني الشخصية المغربية من فقدان الثقة الذاتية والجماعية. فقد ضيعت على نفسها تاريخيا فرصة البناء الجديد، خصوصا بعد خروج المستعمر. لقد كان أمل الاستقلال مرتبطا بما دفع للمطالبة به: عدالة، حرية، حقوق، كرامة، مساواة، تعليم، بناء مشترك، تكافؤ فرص وحظوظ واستفادات، تضامن وتآزر، وطنية أقوى نضحي لأجلها قبل الاستقلال كما نضحي لأجلها بعده.
للأسف، تراكمت الأخطاء والصراعات على حساب المصالح العليا للوطن، تعمق الشرخ من جديد، استغل أعداء الوطنية في الداخل كما في الخارج كل هذا
الضعف، فأخذوا ينهشون ولا ما شبعوا من النهش، من هذا الجسم الواقف الجريح الصابر على الاأم والنزيف تحت أشعة شمس الحقيقة الصادمة.
تعاني الشخصية المغربية من تربية فاسدة مصطنعة تلقتها وفرضت عليها، مدعوة فيها للخضوع، لقبول الظلم، لتزوير الشهادة، ودفع الرشوة، وبيع الكرامة، من وصولية قاتلة، تدمر حتى عزة النفس، القاتلة في دواخلها وليس فقط وصولية على حساب الآخرين.
ينطلق عقم السياسة مع ما ترسب من الماضي، ما يزال سقفه يقطر على رؤوسنا بسيل كريه ورائحة منفرة.
مشهد الشهداء الذين ضحوا بدمائهم وحياتهم ونعمها في الزواج والإنجاب والتملك والعيش الكريم الرحيم مثل باقي المغاربة. مشهد هؤلا الشهداء وقد أصبحوا معيرين من طرف رموز الوصولية والارتشاء المغامرين بالكراسي كأنها جلسة بوكير يتساوى فيها الربح مع الخسارة. مشهد هؤلاء الشهداء وقد أصبحوا محكومين بالبلادة لمجرد كونهم ضحوا لأجل من لا يستحق التضحية كما يبرر البعض تخاذله. هو مشهد شخصية مغربية آخذة في التآكل والتدمير الذاتي على حساب الهوية المغربية الغالية التي لن نعرف قيمتها إلا حين دمار حروب وتطاحنات طائفية.
مشهد التزوير في الانتخابات، مدخل لمشهد لعبة سياسية تقول: الكل لعبة، الكل مصالح، الكل بيع وشراء، الكل تمثيل وتصنع...
لقد دمرت القيم والمبادئ السياسية والأخلاقية التي هي مثل طبقة الأوزون والغلاف الجوي للكرة الأرضية، كذلك هذه القيم والأخلاق بالنسبة للمجتمع المغربي. لا ترى ولكن تعاش.
مشهد النهب المستمر لثروات البلاد من طرف من لا يؤمنون بمصلحة الوطن. هو مقلع للنهب ومنطق "من بعدي الطوفان". فلي سفينة النجاة كما لسيدنا نوح سفينة، تعبر بي الجو والبحر، وها أنا ذا فالت بالثروة والحياة،ف الت من العقاب.
مشهد التسابق لإنشاء مقاولات حزبية، مفتوحة للبيع والشراء، وقضاء المصالح الشخصية، وشراء الذمم والأصوات لتقلد المناصب والكراسي، ووضع السيجار وسياقة رباعية الدفع، واللعب بالصفقات كما لو أننا في كازينو للبوكر، منطقه الربح الشخصي وبعدي الطوفان والجحيم.
مشهد غياب التكوين القانوني والسياسي والحقوقي والتدبيري للمرشح كما للناخب. فلا أفهم كيف يعلو مشتر لشهادة التعليم الابتدائي كرسيا في برلمان، في لجنة مالية أو امنية أو قضائية، داخل قبة هذا البرلمان، وهو لا يفقه شيئا فيه، عمله بإشارة هاتفية ورفع يد أو منعها حين التصويت والاستشارة فيه.
ويستمر التشخيص في انتظار العلاج لعقم السياسة والأخلاق في اتجاهات الشخصية المغربية. فهذا سيل من فيض فقط.
ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
حسن إمامي
16/05/2009

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى