سعيد گنيش - حول السودان

أعلنت اليوم وزارة الحرب الأمريكية إعادة انتشار القوات الأمريكية المتواجدة قرب السودان وزيادة عددها تحسبا لكل تهديد لمصالحها بعد اندلاع الاقتتال بين أدواتها في الخرطوم يوم السبت 15 من الشهر الجاري.
العالم يقف اليوم مندهشا وحتى مستنكرا بعد اشتعال الحرب. لكنه ظل صامتا عن حرب الحصار الاقتصادي والغذائي وحرب التجويع والامراض والاوبئة التي تشنها أمريكا وأروبا باستمرار ضد الشعب السوداني، وهي لا تقل فتكا وتدميرا، لتركيعه وفرض شروط الانتقال الذي تريد أمريكا من خلال "حكومة مدنية". ما تريده أمريكا وترعاه هوإما القبول بالتطبيع مع الكيان زائد الاستسلام لشروط نادي باريس والبنك الدولي أو الجوع والامراض والخراب.
بدأت أمريكا في السودان بحروب التقسيم تم تلتها حرب الحصار والتجويع تم اليوم تفكيك المؤسسات الوطنية وجر البلد للانهيار التام، ليبقى الفصل ما قبل الاخير هو حرب قبلية تدمر كل شيء.
تريد أن ينجر الشعب السوداني إلى الاختيار والاصطفاف في معسكر البرهان أو في معسكر حميدتي، وكلاهما من صنع أيديها. وتستطيع ترويضهما كما تشاء عبر لعبة استقطاع هدنة ليوم العيد، أو التهديد بفرض سلاح العقوبات عليهما معا حتى تظهر كبطلة للعالم في المشاعر الإنسانية. وحتى اليوم فإن جماهير الشعب السوداني لا تبادل الطرفين المتحاربين مشاعرهما.
قناة الجزيرة القطرية التي تنقل الاقتتال الدائر بين الغريمين كما تنقل على الهواء مباراتين في كرة القدم، تدفع المشاهد إلى اختيار فريقه... من مع ومن ضد؟؟ ترتفع السخرية السوداء في لحظة، عندما يسأل المذيع بخبت في البرنامج الاخباري والحواري ضيفه الخبير الغربي. هل يمكن "لإسرائيل" أن تتدخل عند الغريمين لما لها من نفوذ، لاستقطاع وقت هدنة إنسانية؟
أما القنوات العربية الأخرى فيستطيع الواحد منا معرفة معسكرها الذي تدعمه دون عناء. فالإعلام العربي الرسمي يقوم بالتغطية الإعلامية للاقتتال في السودان كجزء من الحرب النفسية والدعائية ليقصف وعي جمهور عربي دخل لقاعة الإنعاش ولم يخرج.
لسنا مطالبين بالاصطفاف والاختيار بين الطاعون والكوليرا، ولكننا مطالبين بالاصطفاف إلى جانب الشعب السوداني والقوى الثورية التي تقاوم في السودان ضد التقسيم وضرب السيادة ووحدة الشعب ووقف نهب ثرواته. والاقتتال هو المقدمة التي تجر السودان وشعبه إلى هذا المصير.
نحن مطالبين بالتضامن مع الشعب السوداني ورفع الحصار الاقتصادي والتجويع الذي تشنه أمريكا وحلفها الغربي والعربي الرجعي ودعم القوى الثورية في السودان لأخذ المبادرة وفرض مرحلة انتقالية حقيقية تستمد شعاراتها من رفض التبعية و من أجل التحرر الوطني والديمقراطي. لقد جربت القوى الثورية السودانية خطأ تحالفها مع ما يسمى بقوى "الحرية والتغيير" ذات الارتباط الأمريكي والصهيوني التي تحني ظهرها للغربي والخليجي الذي يمول ويملي شروطه في مرحلة الانتقال لتأمين مصالحه؛ و تبني تحالفها مع القوى الوطنية والشعبية. فالديمقراطية كما تعلمها لنا دروس ما يسمى "بالربيع العربي" لا تبنى وتستقر إلا بارتباط مع النضال ضد الاستعمار الجديد وأدواته في الداخل.

سعيد كنيش في 2023/04/22

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى