د. محمد عباس محمد عرابي - صداقة حقة!! الصديقان جلال وعبد السيد أنموذجًا

تأتي الصداقة المخلصة بعد أحداث الأيام حيث يلمس الصديق في صديقه الصدق والأمان والأمانة والإخلاص والوفاء فيتخذه صديقًا له، وتزداد أخوة ومحبة الصداقة مع مرور الأيام

يقول تعالى:" الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. الزخرف /آية (67)

وعن أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، رواه أبو داود والترمذي، وقال بعض الحكماء مما ذاقوا حلاوة الصداقة ؛فالصداقة لا بد منها للحياة السعيدة بين الناس فهي ملح الحياة، كما أنه لا طعم للحياة بلا أصدقاء، فالأصدقاء هم الذين يضيفون لحياة أصدقائهم شيئاً مميزاً بكل تفاصيله، لا تضيفه للصديق عائلة، ولا زواج، هكذا هم الأصدقاء، وهكذا هي الصداقة الحقة .

ويقول الشاعر أسامة بن منقذ مبينا واجب الصديق نحو صديقه :

عش واحدا أو فالتمس لك صاحبا * في محتدى ورع وطيب نجار

واحذر مصاحبة السفيه فشر ما * جلب الندامة صحبة الأشرار

والناس كالأشجار هذي يجتنى * منها الثمار وذي وقود النار

ويقول صاحب النونية أبو الفتح البستي عن الصديق الحق مبينا سماته وصفاته:

نصحتُكَ لا تصحَبْ سِوى كُلِّ فاضِل * خَليقِ السّجايا بالتَّعفُّف والظَّرفِ

ولا تَعتمِدْ غيرَ الكِرامِ فواحِدٌ * منَ النّاسِ إنْ حصَّلْتَ خَيرٌ منَ الألفِ

وأشفِقْ على هَذا الزَّمانِ ومرِّه * فإنَّ زمانَ المَرءِ أضلَعُ من خَلْفِ

ولا نذهب بعيدًا فقصة صداقة الصديقين جلال وعبد السيد من المحيا إلى الممات خير دليل على ذلك: ففي إحدى مديريات الإصلاح الزراعي بإحدى المحافظات كان يعمل العاملان جلال وعبد السيد معًا في نفس المكان، فلمس كل منهما في الآخر حسن الخلق والسمات الحسنة فتوطدت الزمالة في العمل إلى صداقة مخلصة وفية أكثر من علاقة الأخ الشقيق بأخيه وأصبح كل منهما يعرف سر الآخر يأكلان معا ويشربان معا، ويشتريان نفس الملابس، ونفس حاجات الأسرة، حيث التزاور الأسري، ولسان حالهم القول الشهير: صديقك الحقيقي ھو من يرافقك في كل وقت، ويساندك في الشدّة قبل الفرح.
ومرت السنون على هذا الوضع إلى أن بلغ عبد السيد سن المعاش "التقاعد" فقال جلال لعبد السيد ،وكان جلال أصغر في السن من عبد السيد – قال له :لن أبقى في العمل يوم واحد بعد تقاعدك ،ولو تطلب الأمر أن أقدم استقالتي ،وأثناء تخليص عبد السيد أوراق التقاعد في نفس الوقت تفيض روح جلال إلى خالقها " مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا سورة الأحزاب (24)

رحم الله جلال، ووفق الله عبد السيد على فراقه وألهمه الصبر والسلوان، فهما نموذج للصداقة المخلصة من المحيا حتى الممات ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى