إبراهيم الديب - ثروتي المبعثرة..

يشعر الإنسان كلما تقدم في العمر أنه بحاجة لاستعادة ذكرياته القديمة التي أودع فيها جزء من حياته ونفسه ،لا أعرف إذا كان الجميع يشعر بذلك أم هي مجموعة من البشر لا أعرف نسبتها ولكني أحد أفراد هذه المجموعة.
فأنا لدي قناعة أن جزء من ثروتي : تتمثل فى ذكرياتي ومشاعري التي هي موزعة في أماكن أو في مواقف وأحاديث مع أشخاص أعود إليها بين الحين والآخر، لأنها جزء من تكويني موزعة على الطرقات والأرصفة التي جلست عليها يوماً تناولت فيها الطعام وأنا صغير، في حواري وأزقة دمياط ، أو أماكن تبادلنا فيها الأحاديث التي تجلب البهجة والمرح ومارسنا بها لعب الكرة وتسكعنا ثم لهو ومزاح تحول لشجار بسبب تجاوز البعض في الممارسة .
جزء من ثروتي بداخل الحكايات الكثيرة والطرائف التي جمعت بيننا في المقاهي والطرقات , وتحت شجر التوت والجميز وعماتنا من النخيل ،وأنا اشتري أغراضي من الباعة الجائلين اللذين يقرأون في عيني حاجتي الملحة في بضاعتهم فيغالون في أسعارها ، ثقة منهم أنني لن أغادر قبل الشراء وهنا لا يجدي معهم جدلي العقيم فلهم الغلبة دائماً وهم من يفوزون في النهاية.
جزء من ثروتي بأول كتاب اشتريته من : معرض أخبار اليوم للكتاب برأس البر، الذي تحول لصالة ألعاب ترفيهية ولم يتبقى منه إلا جزءا صغيرا لعرض الكتب على استحياء، أما معرض الأهرام فأصبح أثرا بعد عين، نفس الاحساس مع أول كاتب أعجبت به ثم شعرت أثناء القراءة أنه يكتبني وتساءلت كيف عرف المؤلف كل هذه المعلومات عني، و بأول يوم أتممت صيامه من شهر رمضان، نفس الشعور مع أول مقال وقصة كتبتها وأخبرني من قرأها استمع بحروفي ، ثم رؤيتي للكعبة لأول مرة ،وعندما أصبحت أبا، وحملت صغيري بين يدي أنظر أنظر إليه .
أحرص على كل ذلك ليس من أجل الشيء في ذاته ولكن من أجل الإحساس أنه ما زال موجوداً خوفاً إن ذهب أن أفقد بذلك جزء من ثروتي المبعثرة في الأماكن والطرقات ونفوس الناس أشعر: بحزن عميق: عندما أمر على مكان جلست فيه يتحول لبناء إحساس أنه ذهب بجزء مني عندما اختفت المكان وتحول لكتلة إسمنتية خرساء ، أو عندما يتوفى أحد الأشخاص كنت على علاقة به و تجاذبنا الحديث يوما، ثم تحولت المعرفة لصداقة بيننا، فموته يأخذ بعضي، و بجزء من تكويني ،إحساس: أنني أموت أتلاشى وأنتهي بالتدريج ، في توالي رحيلهم ، ثروتي تنقص على التوالي وتتبدد بالقطعة بمرور الوقت،
أحس كلما اختفي مكان أو: تغيرت معالمه ،أو يغادر صديق أو شخص كانت تجمعني به علاقة ، وكأنه غادر و ذهب بعضا مني ، أتمنى العودة لكل الاماكن والشوارع والأزقة التي خطتها قدمي في السابق لاجمع منها ثروتي, وخاصة منها ما كان مسرحاً لاحداث فترة التجنيد، ولكن عزائي أنني كتبت عنها كتابا كاملاً، كسيرة ذاتية ،مستمرا منذ فترة في البحث عن ثروتي التي استودعتها الأماكن والطرقات، و بداخل أدمغة الناس، وبملامحهم التي تدعوني للإقبال عليهم، وفي ابتسامة اللقاء..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى