عندما مات زوجها أطلقت فاطمة صرخة مدوية , وأخذت تدور في حوش البيت الترابي , تلطم بكفيها وتدق على صدرها دقات متتابعة , ثم سقطت مغشيا عليها .
ظلت فاطمة أسيرة الحزن عدة أسابيع ، ثم أفاقت وتوقفت عن البكاء , وبدأت تفكر في أطفالها الذين لا تدري كيف تنفق عليهم , بعد رحيل أبيهم الذي لم يترك لهم سوى قاربه ومنزله القديم .
فكرت فاطمة أن تحل محل المرحوم في صيد الأسماك , وكانت العقبة الكبرى أمامها هي افتقارها للخبرة في الصيد , ورغم ذلك تحدثت إلى جارتها بذلك , فاستغربت الجارة , لأن مهنة الصيد تقتصر على الرجال دون النساء , وتحدثت بدورها الى زوجها الصياد , الذي كان صديقا للمرحوم , وكانت المفاجأة أن زوجها وافق على ذلك , بل ووعد أن يقوم بتدريب فاطمة على الصيد بنفسه , رغم إعتراض زوجته على ذلك دون أي مبرر .
وتنفيذا لوعده قام الجار بزيارة مع زوجته إلى بيت فاطمة , وأخبرها أنه سوف يعلمها كيف تصيد , ونصحها أن تبيع القارب الذي تركه المرحوم بعد وفاته لتستفيد من ثمنه , لأنها لا تستطيع الصيد بالقارب , لعدم خبرتها بالبحر وما فيه من أخطار تحتاج خبرة كبيرة في قيادة القوارب , والتعامل مع الرياح المتقلبة والتي لا تثبت على حال واحد .
وكانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتعلم فاطمة من خلالها الصيد هي إستخدام الشباك , هذا ما قاله الجار , لأن في هذه الحالة يخوض الصياد في الماء لبضعة أمتار فقط , ثم يلقي بشباكه في الأماكن التي تكثر فيها الأسماك , وبعدها يجمع شباكه ويعود للشاطئ ليخلص الأسماك من الشباك , وعلى الصياد أن يكرر ذلك عدة مرات حتى يقنع بنصيبه من الصيد .
إستغرق التدريب على الصيد عشرة أيام , كان الجار خلالها يعلمها كيف تمسك بالشباك , وكيف تلقي بها إلى الماء , ثم كيف تخلص الأسماك من الشباك على الشاطئ .
ولم ينس الجار أن يحدد لها المواقع التي تكثر فيها الأسماك , والمواقع الخالية منها , كما علمها كيف تخلص الشباك من الشوائب التي تعلق بها والتي قد تعرقل الصيد , وعلمها أيضا متى يكون الطقس مناسبا للصيد , ومتى يكون غير مناسب لذلك .
وفي اليوم العاشر من التدريب ترك الجار فاطمة تبدأ الصيد دون مساعدة منه , واكتفى بمراقبتها وهي تصطاد أسماك الحريد والسيجان والبربوني , مثلها مثل أي صياد خبير , ولم يمر وقت طويل حتى تجمع عدد من الصيادين الذين اندهشوا لرؤية امرأة تمارس الصيد لأول مرة .
أغلب الصيادين تعاطفوا مع فاطمة , لأنهم كانوا أصدقاء لزوجها , ولكن قلة من النساء كن يستهجن ما فعلته فاطمة , بحجة أن الخوض في الماء يتطلب أن ترفع المرأة جزءا كبيرا من ثوبها أثناء الخوض , ومن هؤلاء النسوة زوجة الجار الطيب التي كانت تشهر بفاطمة بقولها أنها تكشف عورتها أمام الصيادين الغرباء , وكانت فاطمة تدرك ذلك , فخصصت ثوبا للبحر ومن تحته سروال طويل يصل إلى القدمين , هذا بالإضافة إلي غطاء الرأس بالطبع , وبذلك يمكنها أن ترفع ثوبها وتخوض في الماء كيفما شاءت .
وعندما استقر الأمر بفاطمة سارعت إلى بيع قارب المرحوم , وتم البيع بالفعل بثمن مجزي بمساعدة من جارها , وكان أول ما فعلته بعد البيع هو شراء كسوة لأطفالها الصغار , وكسوة لأمها , التي تقوم برعاية الأطفال عندما تذهب فاطمة للصيد , ولم تنس فاطمة أن تشتري لنفسها ثوبا جديدا وأنيقا , وأكثر من ذلك قامت بتأجير من يقوم بترميم بيتهم القديم حتى يبدو جميلا ويليق بهم .
كان كل شئ على ما يرام , ورغم ذلك كانت فاطمة تشعر بالقلق بعد أن نما إلى سمعها أن جارهم مريض , ورغم أن علاقة فاطمة بزوجة الجار ليست طيبة , إلا أن فاطمة سارعت إلى زيارة الجار , ولكن زوجته رفضت أن تسمح لها بدخول البيت , بحجة أن زوجها لن يتحمل أي زيارات , فعادت فاطمة إلى بيتها باكية , واستمر بكاؤها المتقطع لعدة أيام توقف خلالها صيد الأسماك , حتى وصلها الخبر المشؤوم بوفاة جارها الطيب .
إستمر العزاء سبعة أيام , كانت فاطمة تشارك فيه صباحا ومساءا , وبعد أن انتهى العزاء دأبت فاطمة على زيارة قبر زوجها وقبر الجار الطيب معا كل أسبوع , ولكن بعد مرور بضعة أشهر من وفاة الجار , فوجئت فاطمة بزيارة زوجته لها , فبهتت ولم تصدق عينيها , وفكرت أن تطردها كما طردتها وشهرت بها من قبل , ولكن سرعان ما تذكرت الجار الطيب الذي ساعدها وعلمها الصيد , فعدلت عن ذلك , ورحبت بزوجته , بل وقامت معها بواجب الضيافة , رغم كل ما فعلته بها من إهانة وتشهير .
وعندما دلفت زوجة الجار إلى البيت جلست على الأرض , والتزمت الصمت أثناء الزيارة , فحاولت فاطمة أن تستدرجها إلى الكلام , ولكن دون جدوى , وظلت صامتة , تنظر إلى الأرض حينا , وإلى وجه فاطمة حينا أخر , إلى أن نطقت فجأة كلمة واحدة : "سامحيني" .. قالتها .. وأمسكت بيد فاطمة , ثم قالت وهي تنظر إلى الأرض : "علميني الصيد بالشباك".
ظلت فاطمة أسيرة الحزن عدة أسابيع ، ثم أفاقت وتوقفت عن البكاء , وبدأت تفكر في أطفالها الذين لا تدري كيف تنفق عليهم , بعد رحيل أبيهم الذي لم يترك لهم سوى قاربه ومنزله القديم .
فكرت فاطمة أن تحل محل المرحوم في صيد الأسماك , وكانت العقبة الكبرى أمامها هي افتقارها للخبرة في الصيد , ورغم ذلك تحدثت إلى جارتها بذلك , فاستغربت الجارة , لأن مهنة الصيد تقتصر على الرجال دون النساء , وتحدثت بدورها الى زوجها الصياد , الذي كان صديقا للمرحوم , وكانت المفاجأة أن زوجها وافق على ذلك , بل ووعد أن يقوم بتدريب فاطمة على الصيد بنفسه , رغم إعتراض زوجته على ذلك دون أي مبرر .
وتنفيذا لوعده قام الجار بزيارة مع زوجته إلى بيت فاطمة , وأخبرها أنه سوف يعلمها كيف تصيد , ونصحها أن تبيع القارب الذي تركه المرحوم بعد وفاته لتستفيد من ثمنه , لأنها لا تستطيع الصيد بالقارب , لعدم خبرتها بالبحر وما فيه من أخطار تحتاج خبرة كبيرة في قيادة القوارب , والتعامل مع الرياح المتقلبة والتي لا تثبت على حال واحد .
وكانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتعلم فاطمة من خلالها الصيد هي إستخدام الشباك , هذا ما قاله الجار , لأن في هذه الحالة يخوض الصياد في الماء لبضعة أمتار فقط , ثم يلقي بشباكه في الأماكن التي تكثر فيها الأسماك , وبعدها يجمع شباكه ويعود للشاطئ ليخلص الأسماك من الشباك , وعلى الصياد أن يكرر ذلك عدة مرات حتى يقنع بنصيبه من الصيد .
إستغرق التدريب على الصيد عشرة أيام , كان الجار خلالها يعلمها كيف تمسك بالشباك , وكيف تلقي بها إلى الماء , ثم كيف تخلص الأسماك من الشباك على الشاطئ .
ولم ينس الجار أن يحدد لها المواقع التي تكثر فيها الأسماك , والمواقع الخالية منها , كما علمها كيف تخلص الشباك من الشوائب التي تعلق بها والتي قد تعرقل الصيد , وعلمها أيضا متى يكون الطقس مناسبا للصيد , ومتى يكون غير مناسب لذلك .
وفي اليوم العاشر من التدريب ترك الجار فاطمة تبدأ الصيد دون مساعدة منه , واكتفى بمراقبتها وهي تصطاد أسماك الحريد والسيجان والبربوني , مثلها مثل أي صياد خبير , ولم يمر وقت طويل حتى تجمع عدد من الصيادين الذين اندهشوا لرؤية امرأة تمارس الصيد لأول مرة .
أغلب الصيادين تعاطفوا مع فاطمة , لأنهم كانوا أصدقاء لزوجها , ولكن قلة من النساء كن يستهجن ما فعلته فاطمة , بحجة أن الخوض في الماء يتطلب أن ترفع المرأة جزءا كبيرا من ثوبها أثناء الخوض , ومن هؤلاء النسوة زوجة الجار الطيب التي كانت تشهر بفاطمة بقولها أنها تكشف عورتها أمام الصيادين الغرباء , وكانت فاطمة تدرك ذلك , فخصصت ثوبا للبحر ومن تحته سروال طويل يصل إلى القدمين , هذا بالإضافة إلي غطاء الرأس بالطبع , وبذلك يمكنها أن ترفع ثوبها وتخوض في الماء كيفما شاءت .
وعندما استقر الأمر بفاطمة سارعت إلى بيع قارب المرحوم , وتم البيع بالفعل بثمن مجزي بمساعدة من جارها , وكان أول ما فعلته بعد البيع هو شراء كسوة لأطفالها الصغار , وكسوة لأمها , التي تقوم برعاية الأطفال عندما تذهب فاطمة للصيد , ولم تنس فاطمة أن تشتري لنفسها ثوبا جديدا وأنيقا , وأكثر من ذلك قامت بتأجير من يقوم بترميم بيتهم القديم حتى يبدو جميلا ويليق بهم .
كان كل شئ على ما يرام , ورغم ذلك كانت فاطمة تشعر بالقلق بعد أن نما إلى سمعها أن جارهم مريض , ورغم أن علاقة فاطمة بزوجة الجار ليست طيبة , إلا أن فاطمة سارعت إلى زيارة الجار , ولكن زوجته رفضت أن تسمح لها بدخول البيت , بحجة أن زوجها لن يتحمل أي زيارات , فعادت فاطمة إلى بيتها باكية , واستمر بكاؤها المتقطع لعدة أيام توقف خلالها صيد الأسماك , حتى وصلها الخبر المشؤوم بوفاة جارها الطيب .
إستمر العزاء سبعة أيام , كانت فاطمة تشارك فيه صباحا ومساءا , وبعد أن انتهى العزاء دأبت فاطمة على زيارة قبر زوجها وقبر الجار الطيب معا كل أسبوع , ولكن بعد مرور بضعة أشهر من وفاة الجار , فوجئت فاطمة بزيارة زوجته لها , فبهتت ولم تصدق عينيها , وفكرت أن تطردها كما طردتها وشهرت بها من قبل , ولكن سرعان ما تذكرت الجار الطيب الذي ساعدها وعلمها الصيد , فعدلت عن ذلك , ورحبت بزوجته , بل وقامت معها بواجب الضيافة , رغم كل ما فعلته بها من إهانة وتشهير .
وعندما دلفت زوجة الجار إلى البيت جلست على الأرض , والتزمت الصمت أثناء الزيارة , فحاولت فاطمة أن تستدرجها إلى الكلام , ولكن دون جدوى , وظلت صامتة , تنظر إلى الأرض حينا , وإلى وجه فاطمة حينا أخر , إلى أن نطقت فجأة كلمة واحدة : "سامحيني" .. قالتها .. وأمسكت بيد فاطمة , ثم قالت وهي تنظر إلى الأرض : "علميني الصيد بالشباك".