د. أحمد الحطاب - الذكاء الاصطناعي، نعمة أم نقمة!

الذكاء الاصطناعي عبارة عن أسلوبٍ أو سياقٍ الغرضُ١ منه هو تقليد الذكاء البشري. يعتمد هذا الأسلوبُ على ابتكار الخوارزميات algorithmes وتطبيقها في بيئة معلوماتية informatique نشيطة dynamique. الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تمكين الآلات والحواسيب ordinateurs من التَّفكير والتَّحرُّك كما يفعل ذلك البشرُ.

الذكاء البشري هو الذي صنعَ الذكاء الاصطناعي. لكن يبدو أنه بعد سنوات، سيغزو هذا الأخير كلَّ مرافق الحياة وقد يتفوَّق على الذكاء البشري، أي أن ما كان يُنجزه الإنسان في مدَّة طويلة، سيُنجزه الذكاء الاصطناعي في مدَّة جد وجيزة. حينها، قد يفقد الإنسان حرِّيتَه وأحاسيسه وحميميةَ وجوده!

وخصوصا أن هناك نوعا جديدا من الذكاء الاصطناعي يوجد في طور التطوير بإمكانه أن يتكيف مع الظروف ويخلق خوارزميات جديدة ملائمة لتلك الظروف.

وهذا يعني أن هذا النوع من الذكاء قادر على اتخاذ القرارات. والسؤال المطروح هنا يكتسي أهمٌِيةً بالغة : "هل كل القرارات التي ستُتٌَخذ ستكون صائبة"؟ "أليس من الممكن أن يفقد الإنسان سيطرتَه على ما أنتجه هو بنفسه"؟

لا أملك أجوبةً عن هذه الأسئلة. لكن يبدو لي أن الإنسانَ سيفقد جزأً من إنسانيته لسبب بسيط : الذكاء الاصطناعي، مهما تطوٌَر ومهما كانت إنجازاتُه لن يكون قادرا على خلق المشاعر والأحاسيس والتعبير عنها. لأن هذا الذكاء الاصطناعي مبني على الرياضيات، أي على الأرقام. والرياضيات وأرقامها لا مجال فيها للمشاعر والأحاسيس. الإنسان وحده قادر على خلق وإظهار هذه الأحاسيس والتعبير عنها بفضل تفاعل دماغه مع محيطه المادي والبشري.

وحتى إن تمكٌَن الذكاء الاصطناعي تقليدَ الأحاسيس، فإنه لن يتمكٌَن من التعبير عنها كما يفعل ذلك البشرُ لسبب بسيط : الأحاسيس والمشاعر البشرية مرتبطة بالحياة من الناحية البيولوجية والحياة، كعنصر بيولوجي، لا تزال لُغزاً كبيرا لم يستطع العلم تفكيكَ كُنهِه. وما دام هذا اللغز قائما، لن يستطيع الذكاء الاصطناعي أن ينفعلَ كما ينفعل البشر.

ولهذا، فالذكاء الاصطناعي يتأرجح بين النٌِعمة والنٌِقمة.

نِعمة لأنه، بكل تأكيد، سيُسهٌِل الحياة البشرية وفي جميع المجالات من حيث : الاقتصاد، الإدارة، الزراعة، تدبير الببئة، الطب، الصناعة، النقل، الملاحة، التجارة، المالية، غزو الفضاء، الخ. كما سيُلطٌِف ما هو شاق ويقرب المسافات ويختزل الوقت… ويُمكٌِن من التنبؤ بالعديد من الظواهر الاجتماعية، الاقتصادية، البيئية،...

نِقمة لأن الحياة اليومية البشرية، بمختلف مظاهرها، ستُختزلُ في الأرقام إلى درجة أن الإنسانَ سيُصبح مضطرا للخضوع لهذه الأرقام. بل إنه لن يؤمنَ إلا بها، بمعنى أنها هي التي ستُسيٌِر حياته في غياب ألأحاسيس والروحانية spiritualité والعواطف. وهنا، لا بد من التذكير أن الآلة تبقى آلة وما تُصدره من قرارات هي الأخرى آلية. ولا بد كذلك من التذكير أن الأحاسيس مثل الفرح والحزن والسعادة والخوف والشجاعة والانشراح لا يمكن أن تُعبِّرَ عنها الأرقام.

لكن النِّقمةَ لا تتمثَّل فقط في الجانب الوجداني البشري. النقمة ستزيد حِدةً لأن الذكاءَ الاصطناعي ستكون له انعكاسات سلبية على عالم الشغل le monde du travail. فبالرغم من الانعكاسات الإيجابية على هذا العالم من حيث المردودية وسرعة التَّنفيذ، فإن بعض المهن مهدَّدةٌ بلاختفاء نظرا لحلول الحواسيب ordinateurs والآلات التِّلقائمة automatiques محلَّ اليد العاملة المتخصِّصة وغير المتخصِّصة. ونظرا كذلك لتفوق هذه الحواسيب والآلات من حيث الأداء على الدماغ البشري.

وما قد يزيد في الطين بلةً هو أن عالمَ الشغل، أي عالم المقاولات لا يؤمن إلا بالمردودية من خلال اللجوء إلى الوسائل التي من شأنها تقود إلى نمو أنشطته. ولهذا، فإن عالمَ المقاولات يرى في الذكاء الاصطناعي فرصةً ثمينة لتحقيق هذا النمو.

وفضلا عن كل هذا، فإن الذكاءَ الاصطناعي يؤدي المهام التي سبق أن تمَّت برمجتُه من أجل أدائها. فلا يجب أن ننتظرَ من هذا الذكاء أن يتوقَّفَ عن العمل إذا كان أداءُه مخالفا لأخلاقيات éthique الشغل والمِهَن.

أما النِّقمةُ الكبرى، فتتمثَّل في سقوط الذكاء الاصطناعي بين أيادي آثمة ومن ذات النوايا السَّيِّئة، أي بين أيادي قراصنة المواقع العنكبوتية. حينها، كل الانحرافات تصبح ممكنة: سرقة المعطيات، انتحال الشخصية، التلاعب بالأسواق المالية والحياة الخاصة، سرقة الحسابات البنكية، الهجوم على المواقع الحساسة…

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى