حامد حبيب - المسار الثقافى فى رواية (ليلة في حياة كاتب) للروائي مجدي جعفر (٣)

(٣)


التاريخُ جُملةٌ من الأحداث المتنوعة ، ليس سياسةً

فحسب ولااقتصاد ، بل إن الجوانب الثقافية فيه من العوامل المؤثرة فى كل حركاته .

ولم يغفل الكاتب هذا الجانبَ الهام فى رواياته ،لأن

الأدب والثقافة منذ قديم الزمان يسايران أحداث التاريخ خطوة بخطوة ، لذا لايستطيع المؤرخون أنفسُهم إغفالَ هذا الجانب فى التدوين التاريخى. بل إن الثقافةَ فى كل زمان ومكان هى مايمكن الاعتماد عليه فى رسمِ صورةٍ حقيقيةٍ للمجتمعات فيما قد يغفله التدوين التاريخى فى الجزء الخاص من مشاعر الشعوب ومواقفها ودور الأدباء فى الحراك والتغيير.

*يتطرّق الكاتبُ فى بعض مناطق الرواية إلى بعض المقارناتِ الخاصة بالتمييز بين الشاعر والروائى،

فى أن الشاعرَ قلقٌ بطبعِه لايطيقُ الانتظار ، على عكس الروائى الذي يتحلّى بالصبر.

"طبعاً لاتكتب الشعر.

_وماالذى جعلك تجزم بهذا؟

_الشاعرُ قلِقٌ بطبعه ، ولايطيقُ الانتظار.

_وماذا ترانى أكتب؟

_الرواية أو المسرحية، هذا يحتاجُ إلى دأبٍ وصبر

وأناة"_____(ص١٦)

وهذا توصيف دقيق فى المقارنة وصحيح بلاشك.

………

ثم يتطرّق للتمييز بين العالم والأديب :

"الكاتبُ يشتغل فى التكبير ، والعالِم يشتغل فى التصغير"___(ص٩٣)

"أحمد(زويل) ياولدى شُغلُه الرموز،والمعادلات،أما

الأديب أو الكاتب ياولدى شغله الكلمات ، ومعظم الناس تعرف القراءة ، ويعرفون كيف يصطادون

للكاتب أخطاء"___(ص٩٣)

"أحمد(زويل) مجاله تصغير ، ويبحث عن حرفٍ عزيز،ونادر،أما الكاتب مجاله تكبير ، والكلمة تثيرُ

جدلاً ، وحزناً وفرحاً ، وهرجاً ومرجاً ، وتقطيع جلاليب"____(ص٩٣)

وهذا يذكّرنى بمقولة ل(ابن قُتيبة) يقول فيها :

"العالِمُ لديه علمٌ واحد ، والأديبُ لديه مُتَّسَع من العلوم"

ومعناه ضرورة تبحُّر الأديب فى كافة العلوم ،حتى

يكون مثقّفاّ حقيقياً.

وهذا مانبّه إليه الكاتب فى روايته:

" والعلمُ ياولدى .... لابدّ أن تحترمَ العلمَ والعلماء،

وتحترم الادبَ والأدباء،وتقرأ فى العلم والأدب والفن وفى كل المجالات…"_(ص٩٢)

وذلك لأن الأديبَ لابد أن تكون له رؤية واسعة فى الحياة ،فى جميع مجالاتها ،لكن العالم يقتصر دوره

على كشف علمى بما تثبته التجربة،كقوله:

"طريق زويل،طريق تحت القياس المترى، وطريق

الكاتب طريق تقدر أن تسمّيه(فكرياً) فن التأويل "

___(ص٩٣)

"اقرا..اقرا ياولدى…اقرا فى العلم والأدب وفى كل الفنون".___(ص٩٣)

……..

يتناول الكاتبُ مسألةً هامةً للغاية تبخسُ الكتاب الحقيقيين مايستحقونه من التقدير ، وهى مسألة

عدم التفاتِ النقاد لأعمالهم رغم قيمة أعمالهم

وسعة ثقافتهم:

" هل قرات كتبى ياولدى،بل هل تعلم أصلاً أننى من الكُتّاب ؟ لم تنل اهتمام النقاد ، لم أحظَ بدراسةٍ

أو قراءةٍ نقدية واحدة ، أهملنى النقاد،و..و.."--(٩٣)

" إنّ الضميرَ الادبى فى مصر يعانى أزمةً حقيقية..

كيف لنقادنا الاشاوس أن يتجاهلوا أعمالاً مثل هذه

بقيمتها الموضوعية والفنية العالية و..و..والضمير

الادبى مدينٌ لك بارفعِ وسام وجائزة تقدمها الدولة.."

____(ص١٠٤)

*مسألة الجهل بقيمة الادب والثقافة:

"أنّ أنّ أوّلَ مافعلته أمّك بعد الأزمة ..تخلّصت من

كتير ومكتبتى،أكثر من عشرين ألف كتاب ، معظمها

من الكتب النادرة ، لو علمَت أمُّك بقيمتِها ، وهى العاشقة للمال ، لباعتها بعشرات الألوف.."--(ص٩٤)

و هذا معناه أن الثقافة لها عائدها المادى الهائل لو قُدّرت قيمتها.

*حقيقة وضع المثقفين فى ظل الثقافة:

..أى فى ظلّ النظام الثقافى السائد ، كما أوضحته الرواية ، وفيه كشف القناع عن فسادها وعدم ملاءمتها للخلق والإبداع:

" ..احنا فى الثقافة غطا..عرش فى زريبة، قاعد فيها عيال، منتظرة فرحتها فى زفة عروسة ، فى يوم خيبتها …"___(ص٩٢)

"يقول(أى الأبنودى): جاهل فى وزارة الثقافة عاوز يطوّر ، ويعمل العامية لغة رسمية ، هوّ البعيد

( خسارة نقول اسمه ) فاهم إنّ اللغة اللى بنكتب

بيها غير العربية، احنا بنغرف من الفصحى يا.."

___(ص٤٧)

*ويستعرضُ الكاتبُ مستدعياً ذكريات الجيل القديم

فى التعامل مع الادب والعلم، وكيف كان يُجِلُّه ويُجّل

رموزه: " فى حضرة الأبنودى، كنت أجلس كما يجلس التلميذ أمام الأستاذ، أعشق حكاياتِه، ونكاتِه وقفشاته،

ولغته.."__(ص٤٧)

ويعتزّ بتلك الكوكبة من الأساتذة العظام بذكر أسمائهم (الابنودى/سيد حجاب/حداد/بيرم التونسي

/العقاد/طه حسين/نجيب محفوظ/…"

** ركّز الكاتب فى هذا المسار على عدةِ نقاط وعدة قضايا هامة ، كفيلة بأن تكشفَ الستارَ عن تلك

الحِقَب ووضعها الثقافى.

....................................................

يتبع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى