لا تختزل المشاعر في شكلٍ واحد من العلاقات، ولا يأخذ التعبير عنها أسلوباً منفرداً، فالإحساس كوكبٌ مستقل بقاراته وبلاده ومدنه وتضاريسه، له من وعورة الجبال وتفرع الطرق وعمق البحار وقسوة الصحاري واشتباك الأدغال ما يستعصي على البشر فهمه بسهولة، والتي برغم تعقيدها تبدو أيضاً بسيطة ً بشكل ٍ يثير الإستغراب مثل شخص ٍ ينهمك في البحث عن قبعته التي ينتبه لاحقاً أنه لا زال يرتديها فوق رأسه، فهي جزء من ناموس الطبيعة التي كثيراً ما نتصرف عكسها ورغم تناقضنا إلا أن الكثير من صفاتنا ومشاعرنا المجردة تشبه باقي الكائنات فالنفس عندما تتجرد من غرورها وأقنعتها ورتوشها ومساحيقها تعود إلى أصولها التي تتناغم معها بعيداً عن زحام التطور الذي أعاد إنسانيتنا إلى الوراء عشرات السنوات على أقل تقدير..
ولعل أهم الاكتشافات التي يكتشفها الإنسان في حياته هي اكتشافه لنفسه، والتي توازي أهم الإختراعات فهي تشغلنا بالترقي والبعد عن الصغائر، كما أنها تعطينا نضوجاً واستقلالاً لا يمكن أن نمضي قدما ً بدونه، فيقوم اعوجاج فكرنا وييقظ ضميرنا ويرشد مشاعرنا ليجعلنا أكثر قدرة ًعلى فهم الحياة والآخرين ويعلمنا كيف نحب حقاً..
فبرغم أن الحب شعورٌ فطري يتولد بشكل ٍ تلقائي تجاه شخص ٍ ما مهما تعددت مسمياته وأشكاله وتفرعاته وتندرج الصداقة ضمن هذه الأشكال للحب، إلا أن الوعي الذي يفترض أن يصاحبه لا يقل عنه أهمية ً بل إن لم يكن يفوقه، فهذه الأمور لا تبدو واضحة ً لنا في سن المراهقة أو حتى في العشرينات، بل تبدأ في الوضوح شيئاً فشيئاً على الأغلب بعد سن الثلاثين وتزداد تدريجياً بالنضوج وتجارب الحياة التي تصقلنا وتهذب اندفاعنا وتشذب عفويتنا بشكل ٍ قد يحزننا أحياناً، لكننا نشعر بالإمتنان لهذه الخبرة التي تؤهلنا للإختيار وتمنحنا القدرة على انتقاء ما يناسبنا دون أن ننساق وراء انفعالات ٍ مؤقتة قد لا نعود منها سوى بالندم..
فتوضيح مفهوم الحب والصداقة بالنسبة لكلٍ منا في حالةٍ من المكاشفة والمصارحة مع النفس هو الحل الأمثل، فلا يجب على أحدنا أن يخجل من شعوره بل عليه أن يفهمه ليعرف كيفية التعامل معه، بين احتياجٍ أو تعويضٍ أو هروبٍ من الوحدة، أو بحثٍ عن السند والدعم أو مجرد رغبةٍ أو نزوةٍ عابرة، والتي لكلٍ منها أسلوب ٌ مختلف ودقيق في التعاطي، لأننا نحتاج إلى الرقة واللين مع قلوبنا كما نحتاج إلى الصراحة والحزم في بعض الحالات، فاليوم بإسم الحب وإسم الصداقة (وهو ما يتعجل الكثيرون في إطلاقهم لهذه الصفات على بعض العلاقات) نتساهل في قول الكلمات التي تحمل عاطفةً خاصة، ولا يستحقها سوى شخصٌ يجمعنا به رابطٌ متين للغاية والتي يتضح غالباً أنه ليس أهلاً لها، كما نعتقد أن فعلاً عادياً ولطيفاً كالضحك والإبتسامة الصادقة يمكن مشاركته مع أيٍ كان، ولا نتذكر أن الضحك (وأعني الصادق منه) بات عزيزاً في أيامنا الحالية وتحول إلى الإبتذال في كثير ٍمن الأحيان، وننسى أنه جزءٌ من لحظات سعادتنا الخاطفة وجزءٌ من الإشراق النقي في أعماقنا والذي يحمل طاقتنا وأسلوبنا، والأجدر بنا أن نخبأه كالكنز وكثياب العيد لمن يستحقه ويقدر معنى أن نشاركه سعادتنا الصغيرة ومزاجنا الخاص، وقهوتنا التي نعدها بطريقتنا ونتصرف معه على سجيتنا دون حذرٍ أو قيود، مطلقين العنان للطفل بداخلنا فنشعر في وجوده بحالةٍ من التآلف والراحة..
كما أن فعلاً عفوياً وفطرياً لا نلقي له بالاً كتناول الطعام والذي كان على مدار التاريخ يحظى بقدسيةٍ خاصة، ونسميها في ثقافتنا الشعبية عندما نجتمع بشخص على مائدةٍ واحدة (الخبز والملح) فعل يحتوي على قدرٍ كبير من العاطفة والحب والشعور الذي يستحق أن نتشاركه فقط مع من يعي قيمته المعنوية التي تقرب المسافات وتشبه إعلاناً عن دخول ذلك الشخص إلى دائرتك المقربة..
ولا ننسى أن سلوكاً وجدانياً مفعماً بالعواطف كالعناق هو سلوكٌ خاص لا ينبغي أن نمنحه لكل عابر سبيل كما اعتدنا أن نرى، لأنه جوهر المشاعر الإنسانية التي تلخص الحب والأمان والإهتمام والمساندة والدعم، والذي افتقده البشر بعد التباعد الذي فرضته جائحة الكورونا وعرفوا أنه احساس ٌ لا يعوض ولا يقدر بثمن..
وعلينا أن نبذل جهدنا في استكشاف أنفسنا لفهم قلوبنا وتحرير أرواحنا لأنها تستحق السلام والسكينة، وتستحق علاقاتٍ صادقة ومشاعر حقيقية بعيدة عن التباغض والتنافس والتحاسد واللؤم والنفاق والغيرة والمصالح، ولأنها ما يبقى معنا عندما يرحل الجميع كما تبقى المقاعد الخالية منفردة.. تصفق بحرارة وتعانق خشبة المسرح بعد أن يمضي الجمهور ويمضي الممثلون..
خالد جهاد..
ولعل أهم الاكتشافات التي يكتشفها الإنسان في حياته هي اكتشافه لنفسه، والتي توازي أهم الإختراعات فهي تشغلنا بالترقي والبعد عن الصغائر، كما أنها تعطينا نضوجاً واستقلالاً لا يمكن أن نمضي قدما ً بدونه، فيقوم اعوجاج فكرنا وييقظ ضميرنا ويرشد مشاعرنا ليجعلنا أكثر قدرة ًعلى فهم الحياة والآخرين ويعلمنا كيف نحب حقاً..
فبرغم أن الحب شعورٌ فطري يتولد بشكل ٍ تلقائي تجاه شخص ٍ ما مهما تعددت مسمياته وأشكاله وتفرعاته وتندرج الصداقة ضمن هذه الأشكال للحب، إلا أن الوعي الذي يفترض أن يصاحبه لا يقل عنه أهمية ً بل إن لم يكن يفوقه، فهذه الأمور لا تبدو واضحة ً لنا في سن المراهقة أو حتى في العشرينات، بل تبدأ في الوضوح شيئاً فشيئاً على الأغلب بعد سن الثلاثين وتزداد تدريجياً بالنضوج وتجارب الحياة التي تصقلنا وتهذب اندفاعنا وتشذب عفويتنا بشكل ٍ قد يحزننا أحياناً، لكننا نشعر بالإمتنان لهذه الخبرة التي تؤهلنا للإختيار وتمنحنا القدرة على انتقاء ما يناسبنا دون أن ننساق وراء انفعالات ٍ مؤقتة قد لا نعود منها سوى بالندم..
فتوضيح مفهوم الحب والصداقة بالنسبة لكلٍ منا في حالةٍ من المكاشفة والمصارحة مع النفس هو الحل الأمثل، فلا يجب على أحدنا أن يخجل من شعوره بل عليه أن يفهمه ليعرف كيفية التعامل معه، بين احتياجٍ أو تعويضٍ أو هروبٍ من الوحدة، أو بحثٍ عن السند والدعم أو مجرد رغبةٍ أو نزوةٍ عابرة، والتي لكلٍ منها أسلوب ٌ مختلف ودقيق في التعاطي، لأننا نحتاج إلى الرقة واللين مع قلوبنا كما نحتاج إلى الصراحة والحزم في بعض الحالات، فاليوم بإسم الحب وإسم الصداقة (وهو ما يتعجل الكثيرون في إطلاقهم لهذه الصفات على بعض العلاقات) نتساهل في قول الكلمات التي تحمل عاطفةً خاصة، ولا يستحقها سوى شخصٌ يجمعنا به رابطٌ متين للغاية والتي يتضح غالباً أنه ليس أهلاً لها، كما نعتقد أن فعلاً عادياً ولطيفاً كالضحك والإبتسامة الصادقة يمكن مشاركته مع أيٍ كان، ولا نتذكر أن الضحك (وأعني الصادق منه) بات عزيزاً في أيامنا الحالية وتحول إلى الإبتذال في كثير ٍمن الأحيان، وننسى أنه جزءٌ من لحظات سعادتنا الخاطفة وجزءٌ من الإشراق النقي في أعماقنا والذي يحمل طاقتنا وأسلوبنا، والأجدر بنا أن نخبأه كالكنز وكثياب العيد لمن يستحقه ويقدر معنى أن نشاركه سعادتنا الصغيرة ومزاجنا الخاص، وقهوتنا التي نعدها بطريقتنا ونتصرف معه على سجيتنا دون حذرٍ أو قيود، مطلقين العنان للطفل بداخلنا فنشعر في وجوده بحالةٍ من التآلف والراحة..
كما أن فعلاً عفوياً وفطرياً لا نلقي له بالاً كتناول الطعام والذي كان على مدار التاريخ يحظى بقدسيةٍ خاصة، ونسميها في ثقافتنا الشعبية عندما نجتمع بشخص على مائدةٍ واحدة (الخبز والملح) فعل يحتوي على قدرٍ كبير من العاطفة والحب والشعور الذي يستحق أن نتشاركه فقط مع من يعي قيمته المعنوية التي تقرب المسافات وتشبه إعلاناً عن دخول ذلك الشخص إلى دائرتك المقربة..
ولا ننسى أن سلوكاً وجدانياً مفعماً بالعواطف كالعناق هو سلوكٌ خاص لا ينبغي أن نمنحه لكل عابر سبيل كما اعتدنا أن نرى، لأنه جوهر المشاعر الإنسانية التي تلخص الحب والأمان والإهتمام والمساندة والدعم، والذي افتقده البشر بعد التباعد الذي فرضته جائحة الكورونا وعرفوا أنه احساس ٌ لا يعوض ولا يقدر بثمن..
وعلينا أن نبذل جهدنا في استكشاف أنفسنا لفهم قلوبنا وتحرير أرواحنا لأنها تستحق السلام والسكينة، وتستحق علاقاتٍ صادقة ومشاعر حقيقية بعيدة عن التباغض والتنافس والتحاسد واللؤم والنفاق والغيرة والمصالح، ولأنها ما يبقى معنا عندما يرحل الجميع كما تبقى المقاعد الخالية منفردة.. تصفق بحرارة وتعانق خشبة المسرح بعد أن يمضي الجمهور ويمضي الممثلون..
خالد جهاد..