غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّعَلُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّغَلُّمِ؟ (3)

﴿ وَلٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾
[الأعراف: 176]

(3)

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا قيلَ مِنْ بَلاغةٍ وبَيَانٍ في التشبيهِ القرآنيِّ بينَ «حَيَوَانِيَّةِ» هذا الكلبِ بالعَيْنِ منظورًا إليهِ من منظارِ توصيفٍ يكادُ أنْ يكونَ بِمَحْضِ «شَرْعِيَّتِهِ» توصيفًا مكروهًا، أو حتى توصيفًا غيرَ مُسْتَحَبٍّ، على مَرِّ الزَّمَانِ وجَرِّ المَكَانِ، كمثلِ توصيفِ «اللُّهَاثِ الأبَدَيِّ المُذِلِّ»، مِنْ جهةٍ أُولى، وبينَ «لاإنسانيَّةِ» ذلك الإنْسِ المَعْنِيِّ الذي لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ أَنْ «يُخْلِدَ إلى الأرْضِ» وأَنْ «يَتَّبِعَ هَوَاهُ»، وقد تَوَخَّى لنفسِهِ، دُونَ غَيْرِهَا في المَآلِ، تَوَخِّيًا سَبيلَ التَّسَفُّلِ عَامِدًا مُتَعَمِّدًا كنقيضٍ تَامٍّ لسَبيلِ التَّرفُّعِ، مِنْ جهةٍ أُخرى – وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا قيلَ بالقَوْلِ مِنْ قَفْرٍ وَمِنْ خَوَاءٍ في سَبيلِ التَّسَفُّلِ هذِهِ ومَا تَنْطَوِي عليهِ كذاكَ مِنْ وَحْشَةٍ ومِنْ قَتَامٍ يعْتَرِيَانِ ذاتَ النَّفسِ البشريةِ أيَّمَا اعْتراءٍ، مِنْ ناحيةٍ أُولى، ومَا تَسْتَقِيهِ ذاتُ السَّبيلِ أيضًا مِنْ فَسَادٍ ومِنْ خَسَاسَةٍ إزاءَ ذينك الحِرْصِ والشَّغَفِ الدُّنْيَوِيَّيْنِ الأَدْنَيَيْنِ اللذين يتجلَّيَانِ، أو حتى يتخَفَّيَانِ عَكْسًا، في ذلك «اللُّهَاثِ الأبَدَيِّ المُذِلِّ» وراءَ الجَاهِ والسُّلطانِ والمَالِ، ومَا إليهَا، حتى أشدَّ فَسَادًا وأشدَّ خَسَاسَةً بالنسبةِ لِغَنَمٍ مِنَ الأغنامِ مِنْ أيِّمَا «ذِئْبَيْنِ جائعَيْن أُرْسِلا عَنْوَةً إليها»، كَمَا جَاءَ في الحديثِ الشَّهيرِ، مِنْ ناحيةٍ أُخرى – وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا قيلَ مِنْ نَجَاسَةٍ، لا بلْ مِنْ رَجَاسَةٍ، في مَسِيسِ هذا الكائنِ الحيوانيِّ المُسَمَّى بِـ«الكلبِ» مِنْ لَدُنْ هذا الكائنِ البشريِّ المُسَمَّى بِـ«الإنسان»، وبالأخصِّ إنْ كانَ مَسِيسًا مقصُودًا أو غيرَ مقصُودٍ بِيَدٍ بَلِيلةٍ أو حتى بِجِسْمٍ نَدِيٍّ، مِنْ جانبٍ أَوَّلَ، ومَا يَتَرَتَّبُ على هذا المَسِيسِ المقصُودِ أو غيرِ المقصُودِ تَرَتُّبًا كذلك مِنْ طَهَارَةٍ، لا بلْ مِنْ نَقَاوَةٍ، عَنْ طريقِ التيمُّمِ بالتُّرَابِ في البَدْءِ مرَّةً واحدةً، كَحَدٍّ أدنَى، وعَنْ طريقِ الاغْتِسَالِ كذاكَ بالمَاءِ من ثمَّ مِرارًا ومِرارًا لا تدنو عنِ السَّبْعِ، مِنْ جانبٍ آخرَ – فإنَّ هذا الكائنَ الحيوانيَّ المُسَمَّى بِـ«الكلبِ» عينِهِ، ومعَ اليقينِ المُطْلَقِ (أو بالكَادِ) بحُدوثِ لُهَاثِهِ المُسْتَدِيمِ في كُلٍّ من الكَلالِ والارْتِياحِ، وفي كُلٍّ من الظَّمَاءِ والارْتِواءِ، وفي كُلٍّ من الصَّحَاحِ والاعْتِلالِ، وَمَعَ الظَّنِّ بافتقارِ فؤادِهِ المُسْتَكِينِ إلى وَجيبِ الحياةِ كَعِلّةٍ فيزيائيةٍ أُولى في اسْتِدامةِ لُهَاثِهِ هذا، دونَ غيرِهِ من سَائرِ أنواعِ السِّبَاعِ قاطبةً، إنَّمَا هو أبلغُ رُقِيًّا بكثيرٍ وأوسعُ رحمةً بكثيرٍ وأنقى طهارةً بكثيرٍ وكثيرٍ من «أَرْقَى» و«أَرْحَمِ» و«أَطْهَرِ» طاغيةٍ فاشيٍّ إجراميٍّ على وجهِ الأرضِ، ناهيكُمَا، بالطبعِ، عن تلك البقعةِ الدَّاميةِ المُدَمَّاةِ من هذِهِ الأرضِ المُسَمَّاةِ بِـ«العالم العربي»، من محيطهِ إلى خليجهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.

بيدَ أنَّ الطَّاغيةَ الفاشيَّ الإجراميَّ المَعْنِيَّ هٰهُنَا، وعلى الأخصِّ حِينَمَا يظنُّ إلى حَدِّ اليقينِ أَنَّهُ قَدْ صُيِّرَ «إِنْسًا أو إِنْسَانًا خالدًا مُخَلَّدًا إلى الأرْضِ» بعنايةٍ إِلٰهِيَّةٍ كانتْ قَدْ نزلتْ عليهِ نُزولَ الوَحْيِ من عَنَانِ السَّمَاءِ، ليسَ لَهُ بذاك سِوَى أنْ يَعْرِضَ وأنْ يَسْتَعْرِضَ، بينَ حينٍ وآخَرَ، حَشْدًا من أعراضِ دَاءِ ذٰلِكَ الغَبَاءِ القَهْرِيِّ التَّكْرَارِيِّ، بكلٍّ من صِفَتَيْهِ الفِطْرَانِيَّةِ والخِبْرَانِيَّةِ (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ بالعَيْنِ)، تَيْنِكَ الصِّفَتَيْنِ المتلازمَتَيْنِ اللتينِ أُشِيرَ إليهمَا قَبْلاً في مُسْتَهَلِّ القِسْمِ الثاني من هذا المقالِ. إذ تبدَّى هذا الدَّاءُ النفسيُّ العُضَالُ، أكثرَ مَا تبدَّى، في تِيكَ الآونةِ الأخيرةِ أو مَا قَبْلَهَا، في مهزلةِ انتخابِ طاغيةٍ فاشيٍّ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ من مثلِ عبد الفتاح السيسي بالذاتِ، تلك المهزلةِ التي تأوَّجتْ بالأوجِ في تصويرِهَا وإخراجِهَا اللافِتَيْنِ على طريقةِ «الأُسْخُورَةِ» أو «الپاروديا» Parody، وفي عَرْضِهَا الأكثرِ لَفْتًا من ثمَّ في ذلك البرنامجِ المُسَمَّى بـ«مُنَوَّعَات» Mélange على القناةِ الفرنسيةِ الثانيةِ. وإنَّ أوَّلَ مَا أَرَتْهُ عَيْنُ المهزلةِ ذاتِهَا لهذا العَالَمِ طُرًّا، دونَ أيِّ تحفُّظٍ أو حتى تلكُّؤٍ، إنَّمَا هو مشهدٌ تهكُّميٌّ للجمهورِ المصريِّ المُنْتَخِبِ وهو يهتفُ عَاليًا عَاليًا بهُتافاتِهِ الجَهْوَرِيَّةِ والحَمَاسِيَّةِ، مشهدٌ تهكُّميٌّ يُبَيِّنُ كيفَ أنَّ هذا الجمهورَ المصريَّ المُصَوَّرَ لَمْ يَكُنْ، في حقيقةِ الأمرِ، يحملُ صُوَرًا لِرئيسِهِ المنتخَبِ «السيسي» هذا، بلْ كانَ يحملُ بدلاً منهَا صُوَرًا للممثلةِ النمساويةِ الراحلةِ رومي شنايدر هذِهِ مأخوذةً من فيلمِها الشهيرِ «سيسي» Sissi، الذي مثَّلتْ فيهِ، من بينِ ثُلاثيةٍ سينمائيةٍ، دورَ الإمبراطورةِ النمساويةِ إليزابيث Elizabeth، وذلك في أعقابِ تتويجِها المَلَكِيِّ البدئيِّ سنةَ 1854، بِوَصْفِهَا حَاكِمَةً مُتَوَّجَةً أَيَّمَا تَتْوِيجٍ بأمرٍ من الحَقِّ الإلٰهي، شاءَتْ تيك الجماهيرُ المحكومَةُ، عَصْرَئِذٍ، أمْ أبَتْ. ولِكَيْمَا تشاءَ الأقدارُ بِـ«كَلْبِيَّتِهَا» على وجهِ اليقينِ، في هذا السياقِ، فإنَّ الاسمَ الأنثويَّ المُصَغَّرَ تَصْغِيرًا طَارِئًا «سيسي» Sissi نفسَهُ، هذا الاسمَ الذي يُوَرِّي توريةً كلبيةً عينَ الكُنْيةِ الذَّكَرِيَّةِ لِـ«سِي» عبد الفتاح ذاتِهِ مُتَجَرِّدًا من «أل» تعريفهِ (أو حتى من محلِّ إعرابِهِ حرفيًّا، بالأحرى)، إنَّما هو ذلك الاسمُ التحبُّبِيُّ، أو حتى الاسمُ التهكُّميُّ حسبمَا يقتضيهِ المَآلُ النَّفْسَانِيُّ المُؤَاتِي، للإمبراطورةِ النمساويةِ إليزابيث نفسِهَا حينمَا كانتْ طفلةً لَعُوبًا إبَّانَئِذٍ. هذا إنْ لَمْ يُقَلْ أيُّ شيءٍ بِأَيِّمَا إِسْهَابٍ، في سياقٍ كلبيٍّ مُمَاثلٍ، عن مهازلِ انتخاباتِ طاغيةٍ فاشيٍّ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ آخرَ من مثلِ حافظ الأسد، الذي بلغتْ نتيجةُ انتخابِهِ في الدورةِ الرابعةِ عامَ 1991 تحديدًا مبلغَ النسبةِ القياسيةِ الخارقةِ للطَّبْعِ والتَّطَبُّعِ 99.99%، أو حتى من مثلِ الخَلَفِ ابنِهِ بشار الأسد، الذي صَرَّخَ مُمَثِّلٌ مَحْمُومٌ ذُو لَمَمٍ وذُو لُوثَةٍ عنْ شرذمةٍ أو رَهْطٍ من أولئك العِسَفَةِ العَتَفَةِ المنافقينَ الأذِلاَّءِ من لَعَقَةِ المُثْلَيَاتِ من الأَسْتَاهِ ومن أشكالِ النِّعَالِ المِلاءِ تَصْرِيخًا بأعلى عَقِيرَتِهِ في رَجَا مَا يُسَمَّى بـ«مجلس الشعب» ذاتَ يومٍ، وذلك إعلانًا صَرِيحًا بأنَّ هذا الـ«بشارَ» الخُلْفَ بالذاتِ ينبغي أنْ يكونَ «رئيسًا للعَالَمِ» الحدِيثِ ومَا بعدَ الحدِيثِ بأجمعِهِ، ودُونَمَا الاِسْتِثْنَاءِ!

وحتى لو أظهرَ طاغيةٌ فاشيٌّ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ معيَّنٌ نوعًا طافرًا من أنواعِ «الذكاءِ البشريِّ» إظهارًا جُزافيًّا أو اعتباطيًّا، كمثالٍ ملموسٍ وَكِيدٍ من أمثلةِ الإرْدَافِ الخُلْفِيِّ ذاتًا، أو ما يُصْطَلَحُ عليهِ لغويًّا بـ«الضَّدِيدِ» Oxymoron (هذا الاصطلاحِ الفريدِ الذي يعني بحرفيَّتِهِ تمَامًا مَدَى «الغباءِ المُتَّقِدِ»، أو مِيدَاءَ «البَلاهَةِ الألْمَعِيَّةِ»، أو مَا شابَهَ ذلك في أصْلِهِ اليونانيِّ القديمِ)، فإنَّ التَّقاربَ الذهنيَّ اللافتَ بينَ هذا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ اصْطِنَاعًا وبينَ ذاك الكائنِ الحيوانيِّ المُسَمَّى بـ«الكلبِ» تَسْمِيَةً إنَّمَا يتجلَّى في ماهيةِ الخوفِ المترسِّخِ من أيِّمَا خَطَرٍ يَحْدَوْدِقُ بِهِ في أرضِ الواقعِ أو حتى في سَمَاءِ الخَيَالِ – خَلا أنَّ الاستجاباتِ الهَرَعيَّةَ، أو حتى «الاهتلاسيَّةَ»، التي تصدرُ عن عَيْنِ الطاغيةِ الفاشيِّ «الذكيِّ» قَدْ تتفاوَتُ من حيثُ تأثيرُهَا الجَلِيُّ أو الخَفِيُّ بتفاوُتِ إدراكِهِ أو تخيُّلِهِ لشدَّةِ الخطرِ المُحْدِقِ عَيْنًا، بَيْنَمَا عَيْنُ الاستجاباتِ الفَزَعِيَّةِ، أو «اللااهتلاسيَّةِ» في المقابلِ، التي تنشأُ عن ذاتِ الكلبِ «الغَرَزِيِّ» تكادُ أنْ تتماثلَ كُلِّيَّةً فيمَا بينهَا أَثَرًا وتَأْثِيرًا، نظرًا لافتقارِهِ إلى إدراكِ نوعيةِ الخطرِ المُحْدِقِ ذاتِهِ، مَهْمَا تكرَّرَ هذا الخطرُ من أمامِ بَصَرِهِ أو حتى تبصُّرِهِ. وفي هكذا تقاربٍ ذهنيٍّ لافتٍ مَا يفسِّرُ كيفَ أنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ، أيًّا كانَ حقيقةً شَأْنًا، لا يستطيعُ أنْ «يُخْلِدَ إلى الأرْضِ» ولا حتى أنْ «يَتَّبِعَ هَوَاهُ»، حَسْبَمَا يحْدُو بِهِ إليهِ «لُهَاثُهُ الأبَدَيُّ المُذِلُّ» وَرَاءَ السُّلْطَةِ والنُّفُوذِ المُطْلَقَيْنِ – أو هكذا يَتَبَدَّيَانِ، مَا لَمْ يُدَجِّجْ نظامَهُ وأزلامَهُ كافَّتَهُمْ بكلِّ أنواعِ السلاحِ الخفيفِ والثقيلِ ومَا بَيْنَهُمَا، وبكلِّ آلاتِ القتلِ الفرديِّ والجماعيِّ ومَا بَيْنَهُمَا كذلك، ومَا لَمْ يُؤَجِّجْ شَهْوَتَهُ السُّلْطَوِيَّةَ والنُّفُوذِيَّةَ هذِهِ داخلَ كَمٍّ مُكَمَّمٍ لا يُسْتَهانُ بِهِ من قُصُورٍ حَصِينَةٍ أيَّمَا حَصَانَةٍ، ومن قِلاعٍ مَنِيعَةٍ أيَّمَا مَنَاعَةٍ، وإلى حَدِّ داءِ العُصَابِ الهُجَاسِيِّ المُزْمِنِ في الآلِ والمَآلِ. فلا غرابةَ من هذا المنظورِ التقارُبِيِّ واستثنائِهِ، إذنْ، أنْ يساندَ ثُلَّةٌ من الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتاةِ المُصْطَنَعِينَ، على هذِهِ الشاكلةِ المُثْلَى، بعضَهم بعضًا في السَّرَّاءِ وفي الضَّرَّاءِ، إِنْ لَزِمَ الأمرُ، وأنْ يكونوا كذاكَ متأهِّبينَ كلَّ التأهُّبِ لهذِهِ المُسَانَدَةِ «السَّخِيَّةِ»، ليسَ تعبيرًا عن حُبٍّ حميمٍ كَنِينٍ مُتَبَادَلٍ فِيمَا بينَهُمْ حَسْبَمَا يَتَجَلَّى، بَلْ تعبيرًا عن خوفٍ (أو حتى عن «رُهابٍ» مَرَضِيٍّ) ذميمٍ دَفِينٍ لا مَحِيصَ عَنْهُ منْ فُقْدانِ ذينك السُّلْطَةِ والنُّفُوذِ المُطْلَقَيْنِ، كَمَا ذُكِرَ للتَّوِّ – تمَامًا كَمَا هي الحَالُ الآنَ، وحتى مَا قبلَ الآنِ، في وقوفِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ عبد الفتاح السيسي ذاتِهِ إلى جانبِ نظيرهِ الأكثرِ فاشِيَّةً واصطناعًا بشار الأسد على الصَّعِيدِ العسكريِّ، في المقامِ الأولِ، سواءً تنزَّلَ الطاغيةُ الفاشيُّ الأولُ بالعُنُوِّ عندَ رغائِبِ الغربِ «الديمقراطيِّ» بجَانِبِهِ الوَفِيِّ الأمريكيِّ بالذاتِ في التواجُدِ العسكريِّ في شرقيِّ الفراتِ أم تذرَّعَ بالغُدُوِّ بذريعَةِ الانهماكِ المُدَّعَى بمحاربةِ الإرهابِ فُلُولاً على أرضِ سيناءَ تحديدًا، وذاك بُعَيْدَ تنفيذِ تلك المسرحيةِ الدمويةِ الكيميائيةِ الشَّهِيرَةِ التي كانَ هذا الغربُ «الديمقراطيُّ» قَدْ مَسْرَحَهَا وأَخْرَجَهَا من ثَمَّ بمعيةِ جانبَيْهِ الوَفِيَّيْنِ الآخَرَيْنِ، الجَانِبِ البريطانيِّ والجَانِبِ الفرنسيِّ: مُنَوِّهًا تنويهًا مُلِحًّا، أوَّلاً، إلى افتعالِ «عدوانٍ غربيٍّ ثلاثيٍّ» آخَرَ على سوريا المَصِيرِ؛ ومنوِّهًا تنويهًا أشدَّ إلْحَاحًا، ثانيًا، إلى اختلاقِ «جمال عبد الناصر» آخَرَ من هذا الطاغيةِ الفاشيِّ الأخيرِ.

عِلَاوَةً على ذلك، فإنَّ هكذا تقاربًا ذهنيًّا لافتًا بينَ كُنْهِ الطاغيةِ الفاشيِّ «الإنسانِ» وبينَ كُنْهِ الكلبِ اللافاشيِّ «الحيوانِ» في ماهيةِ الخوفِ المترسِّخِ ذاك، وعلى الرَّغْمَ من وجودِ ذلك الفارقِ النفسيِّ (السُّلوكيِّ) بينَهُمَا في طبيعةِ كلٍّ من الاستجاباتِ الهَرَعيةِ والاستجاباتِ الفَزَعيةِ مثلمَا ذُكِرَتْ قبلَ قليلٍ، إنَّمَا يدُلُّ دلالةً لا يرقى إليها أيُّ شَكٍّ على اقترانِ مَا يَبْتَنِيهِ هذا الخوفُ المُتَرَسِّخُ، في سَريرَةِ الطاغيةِ الفاشيِّ المعنيِّ، من مكنونِ تَعَاسَةٍ أو عُبُودِيَّةٍ أو رِيبَةِ نفسٍ أو حتى وَهَانَةِ جأشٍ ليسَ لَهَا، في عَيْنِ الواقعِ، إلاَّ أن تُجَسِّدَ منهُ طاغيةً فاشيًّا «وُهَامِيًّا» Paranoiac مُنْطَوِيًا أَيَّمَا انْطِوَاءٍ على نفسِهِ الباخِعِ ومُنْفَصِلاً كلَّ الانْفِصَالِ عن عَيْنِ هذا الواقعِ، سَوَاءً كَانَ مُنْفَصِلاً عن واقعِهِ الداخليِّ الذاتيِّ، أمَامَ «الأَنَا»، أَمْ كَانَ مُنْفَصِلاً عن واقعِهِ الخارجيِّ المَوْضُوعِيِّ، أمَامَ «الآخَرِ» – على النقيضِ الكاملِ، فيمَا يبدو، من أيِّمَا مبثُوثِ «سَعادةٍ» أو «حُرِّيَّةٍ» أو حتى «ثِقَةٍ بِنَفْسٍ» أو حتى «رَبَاطَةِ جَأْشٍ» يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهَا بشيءٍ من اليَسَارِ من أيَّةٍ من صُوَرِهِ وجداريَّاتِهِ الكامِخَةِ حِينًا في كلِّ فَضَاءٍ، أو من أيٍّ من تماثيلِهِ وأصنامِهِ الشامخةِ حِينًا آخَرَ في كلِّ عَرَاءٍ. فَشَتَّانَ شَتَّانَ بينَ مَا يُبْدِيهِ وَجْهُ الطاغيةِ الفاشيِّ «المُصَوَّرُ» و/أو «المُتَصَوَّرُ» مِنِ مَشَاعِرِ ابتهاجٍ واغتباطٍ ومِنِ نَظَائِرِ انشراحٍ وارتياحٍ ومِنِ بَصَائِرِ اسْتِبْشَارٍ واسْتِحْبَارٍ، في أَيَّةٍ من تلك الصُّوَرِ والجداريَّاتِ قبلَ أن يعتريَهَا التمزُّقُ والتهشُّمُ، وفي أَيٍّ من تلك التماثيلِ والأصنامِ قبلَ أن يعْتَوِرَهَا التصدُّعُ والتحطُّمُ، مِنْ طَرَفٍ أوَّلَ، وبينَ مَا يُخْفِيهِ وَجْهُ الطاغيةِ الفاشيِّ ذاتِهِ «المُحَقَّقُ» و/أو «المُتَحَقَّقُ» المُقَابِلُ مِنِ مَشَاعِرِ ابْتِئَاسٍ وارْتِكَاسٍ ومِنِ نَظَائِرِ انقباضٍ وامتعاضٍ ومِنِ بَصَائِرِ اسْتِطْيَارٍ واِكْفِهْرَارٍ، في قَرَارَةِ نفسِهِ أو قلبِهِ (إن كانَ يحتوي بالفعلِ، أو حتى بالقوةِ، قلبًا حقيقيًّا، في أيِّمَا وجهٍ من وُجُوهِ الحقيقةِ بالذاتِ)، مِنْ طَرَفٍ آخَرَ. وفي هذا البَوْنِ الشَّاسِعِ بينَ وَجْهِ الطاغيةِ الفاشيِّ «المُصَوَّرِ» و/أو «المُتَصَوَّرِ» وبينَ وَجْهِهِ «المُحَقَّقِ» و/أو «المُتَحَقَّقِ» المُقابلِ مَا يُبَيِّنُ بالجَلاءِ وبالانْجِلاءِ كيفَ أنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ هذا (وحتى أيًّا كَانَ كذلك) إنَّمَا هو جَانٍ نَفَّاجٌ مُتَنَفِّجٌ يحترفُ النَّفَجَانَ في أَزْرَى مَعَانِيهِ وفي أخْسَئِها وأخَسِّها، جَانٍ نَفَّاجٌ مُتَنَفِّجٌ يزدادُ سَمَاجَةً وضَرَاوَةً وشَرَاسَةَ بإزاءِ المُسْتَضْعَفِينَ والمُسْتَضْعَفَاتِ الأبرياءِ مِمَّنْ فُرِضَ عليهم طُغْيَانُهُ اللازَمَنيُّ كَرْهًا وقَسْرًا، في بقعةٍ شُؤْمٍ من بقاعِ هذا العَالَمِ العربيِّ واللاعربيِّ المُصَنَّفِ «عالَمًا ثالثًا»، كُلَّما ازدادَ رُضُوخًا وخُضُوعًا وخُنُوعًا لأسيادِهِ المُسْتَشَدِّينَ والمُسْتَشَدَّاتِ الأقوياءِ مِمَّنْ فَرَضُوا حتى أَسْوَأَ فَأَسْوَأَ من ذلك كُلِّهِ، في بقعةٍ سُمٍّ، أو حتى أكثرَ، من بقاعِ ذاك العَالَمِ الآخَرِيِّ واللاآخَرِيِّ المُصَنَّفِ «عالَمًا أولَ»، في المُقَابِلِ. وحتى لو صَادَفَ، في عَيْنِ العَالَمِ الاِفْتِرَاضِيِّ، أنْ حَصَلَتْ مُوَازَاةٌ بينَ وَجْهَي الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ هٰذينِ، وعلى الأخَصِّ من حيثُ مبثُوثُ «السَّعادةِ» أو «الحُرِّيَّةِ» أو حتى «الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ» أو حتى «رَبَاطَةِ الجَاْشِ» (تمَامًا مثلمَا نُشِرَتْ عَلَنًا جَهَارًا على غلافِ تيك المَجَلَّةِ الهِجَائِيَّةِ البريطانيةِ الشهيرةِ «العَيْنُ الخَفِيَّةُ» Private Eye، مؤخَّرًا حِينَئذٍ، تمَامًا مثلمَا نُشِرَتْ صُورَتَانِ متوازيتانِ تُرِيَانِ وَجْهَ بشار الأسد «مبتهجًا» و«مغتبطًا»، إلى آخرِهِ، قبلَ وبعدَ «إنْجَازِ مُهِمَّةِ» التَّكْلِيفِ بتلك المسرحيةِ الدمويةِ الكيميائيةِ الآنفةِ الذِّكْرِ)، فإنَّ هذا الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ بوجهَيْهِ المقصودَيْنِ هٰذينِ إنَّمَا يمثِّلُ دورَهُ المُرْتَسَمَ في المبثُوثِ ذاك تمثيلاً وَفِيًّا، على وَجْهٍ من الدِّقَّةِ والتَّفْصِيلِ وحتى الكَمَالِ كُلاًّ، وذلك بالنِّيابةِ المُثْلَى عن وُجُوهِ أسيادِهِ المُسْتَشَدِّينَ والمُسْتَشَدَّاتِ الأقوياءِ أُولئكَ الذين ازدادَ لَهُمْ رُضُوخًا وخُضُوعًا وخُنُوعًا، إذَّاكَ رغمَ أنفِهِ – وقدْ بلغَ التمثيلُ الوَفيُّ لهذا الدورِ مُرْتَسَمًا في المبثُوثِ ذاك مُنْتَهَاهُ حِينَمَا شَرَعَ إعلامُ النِّظَامِ، نظامِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ ذاتِهِ في أعقابِ تلك المسرحيةِ الدمويةِ الكيميائيةِ بالذاتِ، حِينَمَا شَرَعَ وَقْتَهَا في الاستعراضِ التلفزيونيِّ المُفَبْرَكِ لأحدثِ وأخطرِ مَا بِـ«حَوْزَتِهِ» من أَسْلِحَةٍ روسيةٍ فَتَّاكَةٍ مُهْلِكَةٍ «لا تَهَابُ» أيَّ غريمٍ أمريكيٍّ أو بريطانيٍّ أو حتى فرنسيٍّ، كمثلِ صواريخِ «پانتسير» Pantsir وصواريخِ «بوك» Buk وصواريخِ «پيتشورا» Pechora، وغيرِهَا.

بهٰكذا مَثَابَةٍ لا تَسْتَحِقُّ حتى شيئًا وَاهِيًا أو وَاهِنًا من ذاتِ «الرِّثَاءِ المُفَاءِ»، إذن، يَعْرِضُ الطُّغَاةُ الفاشيًّونَ العُتَاةُ المُصْطَنَعُونَ في أَجْزَاءٍ شَتَّى من هذا العَالَمِ العربيِّ الرَّثِيمِ من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، يَعْرِضُونَ دَاءَ ذٰلِكَ الغَبَاءِ القَهْرِيِّ التَّكْرَارِيِّ المُتَكَلَّمِ عَنْهُ هٰهُنَا أو هٰهُنَاك. وبهٰكذا مَثَابَةٍ مَاثِلٍ مُتَمَثِّلٍ، كذلك، يستعرضُونَ عَرَضًا أو حتى أَعْرَاضًا من هذا الدَّاءِ العُضَالِ، فِطْرَانِيًّا كَانَ أمْ خِبْرَانِيًّا (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ)، بكلِّ فخرٍ وبكلِّ اعتزازٍ بينَ الفَيْنَةِ والفَيْنَةِ، يستعرضُونَهُ أو يستعرضُونَهَا من جَرَّاءِ «لُهَاثِهِمِ الأبَدَيِّ المُكِلِّ والمُذِلِّ» وَرَاءَ ذينك السُّلْطَةِ والنُّفُوذِ المُطْلَقَيْنِ، إلى مَا شَاءَ مَرُّ الزَّمَانِ ومَا بَاءَ كذلك جَرُّ المَكَانِ، ومَا إلى كلِّ ذلك. بهٰكذا مَثَابَةٍ مَاثِلٍ يُبْرِزُونَ كُلَّ أَوْ جُلَّ عَضَلاتِهِمْ إِبْرَازًا مِنْ خَوْفٍ كَنِينٍ مُسْتَأْصِلٍ في أعماقِهِمْ، ومِنْ هَرَعٍ دَفِينٍ مُسْتَوْثِنٍ كذاك في أعماقِ أعماقِهِمْ، يُبْرِزُونَهَا عَضَلاتٍ جِدَّ جَوْفَاءَ جِدَّ عَجْفَاءَ، إنْ كانتْ مَحَلِّيَّةً لَامُسْتَوْرَدَةً «قُحًّا» في آنَاءِ اللَّيْلِ، ويُبْرِزُونَهَا عَضَلاتٍ «جِدَّ مَتْنَاءَ جِدَّ بَطْنَاءَ»، إنْ كانتْ لَامَحَلِّيَّةً مُسْتَوْرَدَةً «أُحًّا» في أَطْرَافِ النَّهَارِ. وبكلِّ تَعَاظُمٍ وتَطَاوُلٍ مُبْتَدَعَيْنِ هُنَا، وبكلِّ تَعَجْرُفٍ وتَعَنْجُهٍ مُفْتَرَيَيْنِ هُنَاكَ، وبكلِّ غَطْرَسَةٍ وغَطْرَفَةٍ زَائِفَتَيْنِ هُنَا هُنَاكَ، يَكْشِفُ عُصْبَةُ، لا بلْ عِصَابةُ، هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ عَنْ أَسْرَارِهِمْ وعَنْ خَفَايَاهُمْ على المَلأِ المَليءِ كُلِّهِ، يَكْشِفُونَ عَنْهَا وهُمْ يَعْلَمُونَ، أو لا يَعْلَمُونَ حتى، أنَّ مَا يَحْقِنُ ومَا يُوَرِّمُ تلك العَضَلاتِ «المِتَانِ جِدًّا والبِطَانِ جِدًّا»، بينَ آنٍ وآنٍ، إنَّمَا هو بالكَلامِ البَسِيطِ جِدًّا سِلاحٌ غربيٌّ «ديمقراطيٌّ» «ليبراليٌّ» «خَيِّرِيٌّ»، سلاحٌ غربيٌّ تتركَّزُ غايتُهُ الأولى والأخيرةُ بُدًّا على إِبَادَةِ أيِّمَا شَعْبٍ عربيٍّ مَغْلُوبٍ على أَمْرِهِ، حينمَا يُحَاوِلُ أن يثورَ في وَجْهِ هٰكذا طُغْيَانٍ وهٰكذا ظُلْمٍ وعُدْوَانٍ، وقَدْ طَفَحَ الكيلُ بِهِ طَفْحًا من كلِّ الجِهَاتِ، وقَدْ بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى في يَوْمٍ فَائِتٍ بالمَدْعَى وفي يَوْمٍ آتٍ بالمَدْعَاةِ. غيرَ أنَّ مَا يَعْلَمُهُ عِصَابَةُ رَهْطِ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ علمَ اليقينِ بَتًّا هو أَنَّهُمْ، حتى باسْتِخْدَامِ لُغَةِ الاِحْتِرَامِ الأدبيِّ الرَّفِيعِ هٰهُنَا، لا يَعْدُونَ أنْ يَكُونُوا، في هذِهِ القرينةِ بالذاتِ حَدًّا مَحْدُودًا، عِصَابَةَ رَهْطٍ من «كلابِ حِراسةٍ طَيِّعَةٍ وَفِيَّةٍ لِمَآرِبَ إمبرياليةٍ تَوَسُّعِيَّةِ لم تعُدْ خَافِيَةً على أَحَدٍ قَطُّ»، عِصَابَةَ رَهْطٍ من كلابٍ مُتَوَحِّشَةٍ مَسِيخَةٍ مَهِينَةٍ ليسَ لَهَا إِلاَّ أنْ تُعَبِّدَ الطريقَ عندَ الطَّلَبِ والإِلْزَامِ شيئًا فشيئًا تحتَ أقدامِ أسيادِهِمْ منْ عَيْنِ هذا الغربِ «الديمقراطيِّ» و«الليبراليِّ» و«الخَيِّرِيِّ»، وذلك سَعْيًا حَثيثًا وَرَاءَ احتلالِ أجزاءٍ ومناطقَ إسْتيراتيجيةٍ هامَّةٍ قدْ بَدَأَ التَّدَارُسُ فيهَا باهتمَامٍ شديدٍ منذُ بِدَايَاتِ مَا كَانَ يُسمَّى إِفْكًا آفِكًا بـ«الثورةِ العربيةِ الكبرى» عامَ 1916. فكَمَا أَنَّ عِصَابَةَ رَهْطِ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أَيَّامَئِذِ قَدْ عَبَّدُوا الطريقَ بجُيُوشِهِمِ «عربيةً» أيَّمَا تَعْبِيدٍ لاحتلالِ بقاعِ فلسطينَ عامَ 1948، فإنَّ أشْبَاهَهُمْ من عِصَابةِ رَهْطِ هذِهِ الكلابِ المُتَوَحِّشَةِ المَسِيخَةِ المَهِينَةِ تبتغي، في هذا الآنِ وفي هذا الأوَانَ، أن تُكَرِّرَ الشيءَ ذاتَهُ من خلالِ التدخُّلِ العسكريِّ «العربيِّ» بَدَلاً بَدِيلاً من التواجُدِ العسكريِّ الغربيِّ (الأمريكيِّ) في فُرَاتِ سوريا، وذاكَ في مُقَابِلِ «لُهَاثِهِمِ الأبَدَيِّ المُكِلِّ والمُذِلِّ» وَرَاءَ ذينك السُّلْطَةِ والنُّفُوذِ المُطْلَقَيْنِ.

كُلُّ هذا التَّمَادِي المَقِيتِ الذي تَمَادَتْهُ عِصَاباتُ أَرْهَاطٍ من كلابٍ مُتَوَحِّشَةٍ مَسِيخَةٍ مَهِينَةٍ كهذِهِ لَمْ يَكُنْ لِيبلُغَ أوْجَهُ، كمَدْعًى أو كمَدْعَاةٍ لليأسِ والقلقِ الشعبيَّيْنِ على هذِهِ الشَّاكِلَةِ الشُّؤْمَى، لولا أنَّ ثمَّةَ في الداخلِ أيضًا مَنْ كَانُوا، ومَا زَالُوا، في احترافِ أشكَالِ المُدَاهَنَةِ والتَّمَلُّقِ والتَّلَهْوُقِ طُرًّا، أَسْقَطَ لا بَلْ أسْفَلَ لا بَلْ أنْذَلَ عِسَفَةٍ عَتَفَةٍ من أيِّ كلبٍ من كلابِ هذهِ العِصَابَاتِ الأَرَاهِيطِ حتى. ذلك لأنَّ «الكوائِنَ» البَشَرِيَّةَ المَقْهُورَةَ التي تُدْمِنُ على الظَّنِّ، قِيَامًا وقُعُودًا، وإلى حَدِّ اليَقِينِ بأنَّهَا عَاجِزَةٌ مُعْجَزَةٌ لا حَيْلَ لَهَا ولا حِيلَةَ لَهَا، على الإطلاقِ، في زَمَانِهَا السَّوْدَاوِيِّ العَصِيبِ، إنَّمَا هي بالتَّأْكِيدِ في سَيْرُورَةِ خَلْقِهَا الحَسْمِيِّ الأكِيدِ لِطَاغِيَتِهَا الفاشيِّ العَتِيِّ، أو لِطُغَاتِهَا الفاشيِّينَ العُتَاةِ، بنفسِهَا دُونَ غيرِهَا – تَمَامًا مثلمَا أنَّ «الكائنَ» البَشَرِيَّ الرأسماليَّ الحُوشِيَّ الهَمَجِيَّ بالتَّشْدِيدِ في تَسْيَارِ حَفْرِهِ الحَتْمِيِّ الشَّدِيدِ لِقبْرِهِ الشَّجِيِّ بنفسِهِ دونَ غيرِهِ، ولا رَيْبَ في هذا. ولَئِنْ كَانَ الطُّغَاةُ الفاشيُّونَ العُتَاةُ المُصْطَنَعُونَ، أيْنَمَا كَانُوا، يُفَضِّلونَ جُلَّ بَقَائِهِمْ «صَدَاقَةَ» الكِلابِ لِأَنَّ هذِهِ الكَائِنَاتِ الحَيَوَانِيَّةَ سَوْفَ تَبْقَى لَهُمْ خَادِمَةً وَفِيَّةً، وَطَائِعَةً مُثْلَى، حَتَّى لَوْ جِيرَ عَلَيْهَا أَشَدَّ الجَوْرِ، وَحَتَّى لَوْ أُذِلَّتْ كذاك أَشَدَّ الإِذْلالِ، كَمَا يَرْتَئِي الفيلسوفُ الاشتراكيُّ الفرنسيُّ شَارل فورْيِيرْ، فإنَّ في مُجْتَمعَاتِنَا الحَزِينَةِ والكَئِيبَةِ حَقًّا هُنَاكَ مَنْ يَسْتَحْلُونَ الأَشَدَّ الأَشَدَّ من كلِّ ذلك بالكَثِيرِ حَتَّى. فَمَا أَكْثَرَهُمْ مَنْ هُمْ خَادِمُو ثُلِّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ الأَوْفِيَاءُ، وَمَاسِحُو أَحْذِيَتِهِمْ، وَمَا أَكْثَرَهُمْ مَنْ هُمْ طَائِعُو فَلِّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ الأَتْقِيَاءُ، وَلاحِسُو أَقْفِيَتِهِمْ. ومَنْ يُصِرَّ، بكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ حَوْلٍ ومِنْ قُوَّةٍ، على أنْ يكونَ لِرَهْطِ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أكثرَ ذُلاًّ وتَذَلُّلاً مِنْ كَوْنِهِمْ هُمْ لأسْيَادِهِمْ، يُبَشَّرْ بِأَنَّهُ لا يَعْدُو أنْ يكونَ خادِمًا ذَلِيلاً مُتَذَلِّلاً لكلبٍ ولِابْنِ كلبٍ!

[انتهى القسم الثالث والأخير، لا الآخر، من هذا المقال]

*** *** ***

دبلن (إيرلندا)،
29 نيسان 2023

/ عن الحوار المتمدن
غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّعَلُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّغَلُّمِ؟ (3) (ahewar.org)

/ عن مدارات ثقافية
ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّعَلُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّغَلُّمِ؟ (3) - غياث المرزوق - مدارات ثقافية (madaratthakafia.com)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى