القصة الأولى:
شخصية خارج النص الروائي
بعد فيضان عاطفته ، فكّر في كتابة رواية عاطفية ، طويلة ، حزينة ، غارقة في الحزن.
اختار المكان المناسب ، والزمن الأنسب ، والكلمات الجارفة للقاسية قلوبهم ، والحارقة للزارعين بذورا في رماد أطلال الوهم والنسيان.
جمع شخصياتها ، من ذكر وأنثى ، الخيّرة و الشريرة ، الغنية و الفقيرة ، الصغيرة والكبيرة ، اجتمعوا كلهم في صعيد ورقة بيضاء يقودهم قلم أزرق ، يسنده أخر..إلا شخصية واحدة كانت عصية على أن تكون تحت قبضته، يسوقها كيف يشاء، يقلّبها على بساط الترف والشطط ..إنها شخصية الحمّال الذي لم يعجبه تقمص شخصية ذاك الرجل الثري، صاحب الكلمة التي لا ترد، الجبّار..!
لا يطيق فراق عربته الصغيرة ، يجرها كل صباح باكر، متجها نحو أصحاب الدكاكين الكبيرة ليكون مع رفقائه، منتظرا دوره ، داعيا أن يجد سيده سخيا، يدفع له دراهم معتبرة مقابل حمولة ثقيلة يأخذها إلى مكان بعيد.
فكر طويلا ثم عرض عليه أن يكون صاحب أعلى مكانة في الحياة كلها لكنه امتنع وقال له:
- دعني وعربتي ، تجرني وأجرها ، تدفعني وأدفعها ، من يبتسم لهؤلاء ؟ ..من يأكل رغيفي اليابس الذي لا ينغمس في زيت المترفين..؟!..عد إلى قلمك وورقتك..واكتب ما تشاء ..إلا اسمي..!
مزّق الورقة، وأخرج أخرى، وبدأ رواية جديدة تناسب عناده وكبرياءه ،.. فنص الحياة لا يمكن يكون محشوًا بالأكاذيب ..!
***
القصة الثانية:
نهاية خدمة..
يحمل " عظم الشقاء " بين يديه صورا وملصقات عليها أشعار الطفولة والشباب والكهولة.
القطار سريع جدا، يترك في نفسه ألما شديدا.
في كل مرة يحاول اللحاق به ليلصق أشياءه على واجهاته الجانبية ليرى كل سكان وطنه إبداعه،فالقاطرات كثيرة وستزور كل ربوعه .
تمنى أن لو يترجى سائقه ليبطئه ،لكن الأمر ليس سهلا ..وكل الناس مستعجلين.
وجد هذه المرة فكرة رائعة ورأيا سديدا،نام في المحطة الأولى .
في الصباح وجد القطار متوقفا ينتظره ، فرح فرحا شديدا و نادى بأعلى صوته :"سأنشر كل أعمالي"..
"سأنشر كل أعمالي"..مما أثار انتباه المسافرين حتى قال عنه بعضهم بأنه مجنون .
ألصق كل شيء وانتظر انطلاقة القطار ، لكنه لم ينطلق ،ولن ينطلق..
..احتفل العمال بعيده المائة وأعلنوا توقفه عن الخدمة .
***
القصة الثالثة:
في قطار الحياة..
القطار سريع جدا ،التفتُ إلى من كانوا يجلسون بجنبي فما وجدت غير أطفال لم يكونوا متواجدين قبل الانطلاق.
سألت أحدهم :
أين الذي كان يجلس عن يميني ؟
قال: ذاك أبي وقد رحل في اللحظة التي غفوت أنت فيها
فبكيت ...وتعجبت..
سألت صغيرة جميلة جدا، كالزهرة البيضاء:
- أين العجوز التي كانت جالسة عن شمالي ؟
قالت :تلك جدتي وقد رحلت عندما كنت غارقا في الضحك مع صديقك الذي رحل هو أيضا..
فبكيت بكاء شديدا ،وتمنيت أن يتوقف القطار لأنزل..
همس في أذني يافع ، وقد لاحظ على وجهي الاستعجال،
-قربت محطتك..يا عمي..
***
القصة الرابعة:
انقطاع ..وتواصل !
انقطعت الكهرباء،وانقطعت " الأنترنيت " ،فتغير وجه البيت الكبير ،واجتمع الجميع حول شمعة واحدة كانت كفيلة أن تضيئه وتبعث روحا فيه اتضح وجها الجد والجدة ففي تجاعيدهما قصص وعبر للأحفاد الذين كانوا مستغربين، كأنهم رأوا هذين الوجهين لأول مرة!!
- الجد: ألمْ تعلموا أن على ظهري وصدري خرائط التعذيب والدمار تشبه التي كانت على هذه الأرض المباركة...تركها الاستدمار الفرنسي شاهدة على حقده الدفين ووجهه القبيح ..؟!
وقد رأى الجميع هذه الخرائط ...
عادت الكهرباء ، وعادت معها " الأنترنيت " فانفض الأحفاد نحو عالمهم الافتراضي ، ولم يكمل الجد حكايته التي بدأها ، ولم تبدأ الجدة حكايتها بعد،..وماتت الشمعة في لحظة اللامبالاة ..!!
***
القصة الخامسة:
موت وردة!
انتظرتْ وردةً بيضاءَ هذا المساء،لم تكن تهتم بالألوان من قبل..
دخل زوجها ولم يلق التحية ولم يقدم أي وردة أو ابتسامة وإن كانت مزوّرة ،يغطي بها وجهه المظلم.
دخل حجرة الضيوف وأغلق الباب، وأمر بصوت عال أن لا يكلمه أحد.
رمت وردتها من مساحة خيالها ،ونادت بناتها أن ينمن معها هذه الليلة الأليمة،وقللت مما قام به أبوهن من تصرفه الشائن ، لكن ألم المساء لم يغادر قلبها الضعيف، تظاهرت بالنوم لتصنع نوما في عيونهن الذابلات الخائفات من المجهول الذي رسم خيوطه على وجهها.
نمن ، إلا الكبرى ، أرادت تقاسم أمها ليلها .
ما أصعب هذه اللحظة التي يكسوها الشوق .. !
قالت وهي تتمتم:
- ترى ما سبب انزعاجه ،وما سبب هروبه مني ، ولماذا لم يقدم لي وردتي كعادته، هل في الأمر شي..؟ !
تذكرت كيف كان يسهر على تمريضها الليالي الطوال ،ويتألم لألمها.
أمرت بنتها أن تساعدها على القيام،لأنها لم تعد تقوى على فعل أي شيء لوحدها ، وقد قوي الألم الذي امتزج بالحنين .
دخلت عليه لتطمئن على حاله !.. صرخ في وجهها قائلا :
- أطفئي النور، ألم أقل لكم دعوني أنام، دعوني أرتاح .
عادت إلى غرفتها لتنام بينهن، ولتنصرف في هدوء كانصراف العشب في زمن القحط... !
صاحت بنته وقد أيقظت الجميع:
- ماتت أمي ..يا أبي..ماتت أمي..يا أبي..
لم يتعلم من الحياة أن عمر الوردة فصل من الفصول.. !
* قصص قصيرة جدا من مجموعتي القصصيتين: "عطرالتراب" و "قبيل الفجر بقليل".
شخصية خارج النص الروائي
بعد فيضان عاطفته ، فكّر في كتابة رواية عاطفية ، طويلة ، حزينة ، غارقة في الحزن.
اختار المكان المناسب ، والزمن الأنسب ، والكلمات الجارفة للقاسية قلوبهم ، والحارقة للزارعين بذورا في رماد أطلال الوهم والنسيان.
جمع شخصياتها ، من ذكر وأنثى ، الخيّرة و الشريرة ، الغنية و الفقيرة ، الصغيرة والكبيرة ، اجتمعوا كلهم في صعيد ورقة بيضاء يقودهم قلم أزرق ، يسنده أخر..إلا شخصية واحدة كانت عصية على أن تكون تحت قبضته، يسوقها كيف يشاء، يقلّبها على بساط الترف والشطط ..إنها شخصية الحمّال الذي لم يعجبه تقمص شخصية ذاك الرجل الثري، صاحب الكلمة التي لا ترد، الجبّار..!
لا يطيق فراق عربته الصغيرة ، يجرها كل صباح باكر، متجها نحو أصحاب الدكاكين الكبيرة ليكون مع رفقائه، منتظرا دوره ، داعيا أن يجد سيده سخيا، يدفع له دراهم معتبرة مقابل حمولة ثقيلة يأخذها إلى مكان بعيد.
فكر طويلا ثم عرض عليه أن يكون صاحب أعلى مكانة في الحياة كلها لكنه امتنع وقال له:
- دعني وعربتي ، تجرني وأجرها ، تدفعني وأدفعها ، من يبتسم لهؤلاء ؟ ..من يأكل رغيفي اليابس الذي لا ينغمس في زيت المترفين..؟!..عد إلى قلمك وورقتك..واكتب ما تشاء ..إلا اسمي..!
مزّق الورقة، وأخرج أخرى، وبدأ رواية جديدة تناسب عناده وكبرياءه ،.. فنص الحياة لا يمكن يكون محشوًا بالأكاذيب ..!
***
القصة الثانية:
نهاية خدمة..
يحمل " عظم الشقاء " بين يديه صورا وملصقات عليها أشعار الطفولة والشباب والكهولة.
القطار سريع جدا، يترك في نفسه ألما شديدا.
في كل مرة يحاول اللحاق به ليلصق أشياءه على واجهاته الجانبية ليرى كل سكان وطنه إبداعه،فالقاطرات كثيرة وستزور كل ربوعه .
تمنى أن لو يترجى سائقه ليبطئه ،لكن الأمر ليس سهلا ..وكل الناس مستعجلين.
وجد هذه المرة فكرة رائعة ورأيا سديدا،نام في المحطة الأولى .
في الصباح وجد القطار متوقفا ينتظره ، فرح فرحا شديدا و نادى بأعلى صوته :"سأنشر كل أعمالي"..
"سأنشر كل أعمالي"..مما أثار انتباه المسافرين حتى قال عنه بعضهم بأنه مجنون .
ألصق كل شيء وانتظر انطلاقة القطار ، لكنه لم ينطلق ،ولن ينطلق..
..احتفل العمال بعيده المائة وأعلنوا توقفه عن الخدمة .
***
القصة الثالثة:
في قطار الحياة..
القطار سريع جدا ،التفتُ إلى من كانوا يجلسون بجنبي فما وجدت غير أطفال لم يكونوا متواجدين قبل الانطلاق.
سألت أحدهم :
أين الذي كان يجلس عن يميني ؟
قال: ذاك أبي وقد رحل في اللحظة التي غفوت أنت فيها
فبكيت ...وتعجبت..
سألت صغيرة جميلة جدا، كالزهرة البيضاء:
- أين العجوز التي كانت جالسة عن شمالي ؟
قالت :تلك جدتي وقد رحلت عندما كنت غارقا في الضحك مع صديقك الذي رحل هو أيضا..
فبكيت بكاء شديدا ،وتمنيت أن يتوقف القطار لأنزل..
همس في أذني يافع ، وقد لاحظ على وجهي الاستعجال،
-قربت محطتك..يا عمي..
***
القصة الرابعة:
انقطاع ..وتواصل !
انقطعت الكهرباء،وانقطعت " الأنترنيت " ،فتغير وجه البيت الكبير ،واجتمع الجميع حول شمعة واحدة كانت كفيلة أن تضيئه وتبعث روحا فيه اتضح وجها الجد والجدة ففي تجاعيدهما قصص وعبر للأحفاد الذين كانوا مستغربين، كأنهم رأوا هذين الوجهين لأول مرة!!
- الجد: ألمْ تعلموا أن على ظهري وصدري خرائط التعذيب والدمار تشبه التي كانت على هذه الأرض المباركة...تركها الاستدمار الفرنسي شاهدة على حقده الدفين ووجهه القبيح ..؟!
وقد رأى الجميع هذه الخرائط ...
عادت الكهرباء ، وعادت معها " الأنترنيت " فانفض الأحفاد نحو عالمهم الافتراضي ، ولم يكمل الجد حكايته التي بدأها ، ولم تبدأ الجدة حكايتها بعد،..وماتت الشمعة في لحظة اللامبالاة ..!!
***
القصة الخامسة:
موت وردة!
انتظرتْ وردةً بيضاءَ هذا المساء،لم تكن تهتم بالألوان من قبل..
دخل زوجها ولم يلق التحية ولم يقدم أي وردة أو ابتسامة وإن كانت مزوّرة ،يغطي بها وجهه المظلم.
دخل حجرة الضيوف وأغلق الباب، وأمر بصوت عال أن لا يكلمه أحد.
رمت وردتها من مساحة خيالها ،ونادت بناتها أن ينمن معها هذه الليلة الأليمة،وقللت مما قام به أبوهن من تصرفه الشائن ، لكن ألم المساء لم يغادر قلبها الضعيف، تظاهرت بالنوم لتصنع نوما في عيونهن الذابلات الخائفات من المجهول الذي رسم خيوطه على وجهها.
نمن ، إلا الكبرى ، أرادت تقاسم أمها ليلها .
ما أصعب هذه اللحظة التي يكسوها الشوق .. !
قالت وهي تتمتم:
- ترى ما سبب انزعاجه ،وما سبب هروبه مني ، ولماذا لم يقدم لي وردتي كعادته، هل في الأمر شي..؟ !
تذكرت كيف كان يسهر على تمريضها الليالي الطوال ،ويتألم لألمها.
أمرت بنتها أن تساعدها على القيام،لأنها لم تعد تقوى على فعل أي شيء لوحدها ، وقد قوي الألم الذي امتزج بالحنين .
دخلت عليه لتطمئن على حاله !.. صرخ في وجهها قائلا :
- أطفئي النور، ألم أقل لكم دعوني أنام، دعوني أرتاح .
عادت إلى غرفتها لتنام بينهن، ولتنصرف في هدوء كانصراف العشب في زمن القحط... !
صاحت بنته وقد أيقظت الجميع:
- ماتت أمي ..يا أبي..ماتت أمي..يا أبي..
لم يتعلم من الحياة أن عمر الوردة فصل من الفصول.. !
* قصص قصيرة جدا من مجموعتي القصصيتين: "عطرالتراب" و "قبيل الفجر بقليل".