إيمان أحمد ونوس - الصالونات النسائية عبر التاريخ

تًعتبر الصالونات الأدبية النسائية صورة مشرقة من صور إبداع المرأة في مرحلة زمنية كانت فيها رهينة المعتقدات والعادات والتقاليد المجتمعية الضيّقة...
وهذه الصالونات لم تكن حكراً على الرجال، بل كانت المرأة هي السبّاقة لتأسيسها عبر مسيرتها الكفاحية لإثبات ذاتها وثقافتها وانعتاقها من بوتقة القهر والجهل.
لقد قامت المرأة العربية بتأسيس هذه الصالونات التي سعى إليها الأدباء والشعراء ورجال الفكر، فقد كان لـ "عُمرة " في مكة صالون يتردد عليه الشعراء لينشدوا ما ينظمونه من أشعار.
وعبر رصد تاريخي لظاهرة الصالونات النسائية الأدبية، قدّم الأستاذ عيسى فتوح محاضرته، فأشار إلى أن هذه الصالونات قد كثُرت في العصر الأموي، فكان صالون "سكينة بنت الحسين " في الحجاز، وصالون "عائشة بنت طلحة "، وصالون "جميلة " وغيرهنّ.
وأكد أن المرأة كانت تُجالس الرجال في هذه الصالونات وتناقشهم في القضايا الفكرية والأدبية دون أن تتخلى عن رصانتها ووقارها، ويذكر هنا إشادة الأصفهاني في كتابه( الأغاني) باستقامة سكينة بنت الحسين وبُعْدِ نظرها وسداد رأيها.
كما اشتُهر صالون فضل العبيدية في العصر العباسي إذ كان بيتها في بغداد ملتقى الأدباء والشعراء. إضافة إلى صالونات الأندلس حيث كان هناك صالون حفصة الركونية في غرناطة، والشاعرة ولاّدة بنت المستكفي في قرطبة، وصالون عائشة القرطبية، ونزهون الغرناطية، وسارة الحلبية التي قدمت من حلب واشتهرت بشعرها الرائع.
وبسبب انغلاق المجتمع بعد ذلك وتقوقع المرأة خلال عصور الانحدار والعصور التركية تلاشت ظاهرة الصالونات النسائية حتى بداية عصر النهضة الأدبية الحديثة، حيث خرجت المرأة من عزلتها وعادت الحياة لتلك الصالونات فكان صالون الشاعرة مريانا مرّاش في حلب، ومي زيادة، نازلي فاضل، لبيبة هاشم، هدى الشعراوي، وأماني فريد في القاهرة، والكساندرا الخوري في الاسكندرية، وماري عجمي، زهراء العابد، ثريا الحافظ، كولييت خوري، حنان نجمة، جورجيت عطية، وابتسام الصمادي في دمشق، انصاف الأعور، وحبوبة حداد في بيروت، صبيحة الشيخ داوود في بغداد.
صالون مريانا مرّاش:
تُعتبر مريانا مرّاش في حلب أول أديبة سورية ظهرت في ساحة الشعر والأدب والصحافة، فكان صالونها الوحيد من نوعه في المشرق العربي قبل أن يوجد صالون مي زيادة.
وقد أرجع الأستاذ فتوح انفتاحها إلى سفرها لأوربا واطلاعها على الحضارة الغربية ولقاءاتها مع سيدات غربيات، ما شجعها على افتتاح صالونها الأدبي رغم اختناق الحياة الاجتماعية أيام الحكم العثماني للبلاد العربية، ومع هذا فقد كان روّاد هذا الصالون من أدباء حلب حينها أمثال: رزق الله حسون، القسطاكي الحمصي، وجبرائيل دلال، الذين كانوا يجتمعون عندها مسحورين بالأنغام الجميلة التي كانت تعزفها على البيانو ليتناقشوا في الأدب والشعر وقد وصف القسطاكي الحمصي هذا الصالون قائلاً:
" كان منزلها في حلب مثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وعشاق الأدب."
ولكن تضييق الأتراك على الفكر والأدب دفع هؤلاء إلى السفر ومغادرة البلاد.
صالون مي زيادة:
يؤكد الأستاذ فتوح على أن صالون مي زيادة يبقى في المقدمة من الصالونات العربية لما امتازت به مي من حلاوة الحديث وإحاطتها باللغتين والثقافتين العربية والغربية، ولأنه كان يجمع الأدباء والشعراء ورجال الفكر والسياسة لأكثر من ربع قرن حيث كانت مي زيادة تديره بفطنة وذكاء ولباقة نادرة كل يوم ثلاثاء فيتباحث المجتمعون في شؤونهم ويتبادلون الرأي في نتاجاتهم المختلفة، ومن تلك الأسماء كان( أحمد زكي باشا، طه حسين، أنطوان جميل، مصطفى عبد الرازق، مصطفى صادق الرافعي، عباس محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازني... وغيرهم) وقد كان لصالون مي زيادة من الأثر ما كان تماماً لصالون سكينة بنت الحسين في توجيه الذوق الأدبي والجمالي، ولقد وصف طه حسين صالون مي زيادة بقوله:
" كان صالوناً ديموقراطياً، أو قل أنه كان مفتوحاً لا يرد عنه الذين لم يبلغوا المقام الممتاز في الحياة المصرية."
صالون نازلي فاضل:
هي ابنة أخ الخديوي اسماعيل، تزوجت من السفير التركي في تونس، ثمّ عادت لمصر بعد وفاته لتفتتح صالوناً أدبياً جمع كلاً من ( محمد عبده، سعد زغلول، حسن عبد الرازق، وقاسم أمين) فكانت أحاديثهم في معظمها تدور حول السياسة والمجتمع، ويُقال أن أفكار قاسم أمين عن تحرر المرأة قد تبلورت ضمن جدران هذا الصالون، ويذكر أن السيدة نازلي قد أسست صالوناً مشابهاً في تونس جمع رجال السياسة والفكر.
صالون لبيبة هاشم:
اقتصر على كتّاب مجلتها – فتاة الشرق- حيث ضمّ (أحمد لطفي السيد، ووردة ناصيف اليازجي.) لذا لم يأخذ صدى صالون مي زيادة.
صالون هدى شعراوي:
كانت هدى شعراوي وجيهة مصرية ثرية تتقدم المظاهرات النسائية عام/1919/ وحضرت معظم المؤتمرات النسائية لتدافع عن حقوق المرأة، وقد أنفقت معظم ثروة زوجها على تعليم الفتيات الفقيرات، وعلى تأسيس الجمعيات وأعمال البر.
وكان صالونها منزلاً شرقياً أنيقاً يشابه القصور البغدادية والأندلسية. وقد وصفته وداد سكاكيني قائلةً: (شهدت من صنوف روّاده من كانوا من ألمع رجال المجتمع المصري ونسائه مثل أحمد لطفي السيد، أحمد حسنين باشا، محمد حسنين هيكل، وفكري أباظة)
صالون ماري عجمي:
يذكر الأستاذ فتوح انه عندما انحلت الرابطة الأدبية التي تأسست عام/1921/ وتوقفت بذلك المجلة الناطقة باسمها، استأنف أعضاؤها اجتماعاتهم في بيت ماري عجمي في حي" باب توما" بدمشق، الذي ضمّ كبار الأدباء والشعراء أمثال( خليل مردم بك، عبد الكريم الكرمي أبي سلمى، شفيق جبري، فخري البارودي وغيرهم) غير أنه لم يرتقِ لمستوى صالون مي زيادة رغم أنها كانت- ماري عجمي- أديبة وناقدة أدبية من الطراز الرفيع، إضافة لجرأتها ومتانة أسلوبها، وتمكنها من العربية والإنكليزية.
صالون زهراء العابد:
هي زوجة أول رئيس للجمهورية العربية السورية، وأسمته( حلقة الزهراء) حيث كانت تقوم بتوفير كل ما يلزم روّاد الحلقة من أمثال( أحمد صافي النجفي، ممدوح حقي، عبد السلام العجيلي، وخليل مردم.)
صالون ثريا الحافظ:
أطلقت عليه اسم( منتدى سكينة)تخليداً لسكينة بنت الحسين. من روّاده( زاهدة حميد باشا، ألفت الأدلبي، د. طلعت الرفاعي، غادة السمان، عزيزة هارون، وعنايت رمزي) وقد تمّ اختيار هيئته من النساء فقط كي لا يتسم بالرسمية.
كان هدف المنتدى جمع نتاج الأدباء العرب، ومن ثمّ ترجمته للغات العالم، إضافة إلى التعارف مع الهيئات والندوات في الدول المجاورة. غير أنه لم يتحقق شيء من هذا القبيل على الرغم من مشاركة عدد كبير من الأدباء فيه أمثال( فخري البارودي، حكمت هاشم، بدوي الجبل، وعبد الكريم الكرمي) فقد تبنى أفكاراً قومية اجتماعية بنّاءة، فكان منبراً للفكر الصحيح لتتفتح قريحة بعض الشعراء ضمن هذا المنتدى أمثال نازك الملائكة التي كُرِّمت في هذا المنتدى.
صالون صبيحة الشيخ داوود:
كانت محامية، وأول ممن أنشأ صالوناً أدبياً في بغداد جمعت فيه أناساً مختلفي المواهب أمثال( منير القاضي، عبد المجيد لطفي، صفاء خلوصي، خليل مردم بك، كاظم الصالح، ووصفي التل) حيث جمع هذا الصالون كل المتناقضات، لكن يسوده الصفاء بالنسبة للأحزاب والأشخاص الموجودين فيه، حيث كانت الأحاديث تتناول موضوعات عدة متنوعة.
الصالونات الموجودة حالياً في دمشق:
بعد توقف صالون السيدة ثريا الحافظ عام/1963/ ولأسباب سياسية، مرت هذه الظاهرة- الصالونات- بفترة من الجمود استمرت حتى ظهور صالون الأستاذة المحامية حنان نجمة عام/1980/ التي كانت تستقبل مساء الخميس الأول من كل شهر نخبة من رجال الفكر والأدب والفن، وكان صالوناً منظماً ومبرمجاً حيث يلتقي روّاده للاستماع إلى موضوع محدد مسبقاً ومتفق عليه مع الكاتب الذي هو حكماً من الأعضاء الدائمين في الصالون، وأحياناً يكون ضيفاً زائراً من خارج دمشق، حيث استقبلت الأديبة نجمة أدباء وشعراء من المحافظات السورية والأقطار العربية، فكانت تُعقد الجلسات الطارئة حتى ولو لم يكن يوم خميس.
وقد استقبلت في صالونها( عمر أبو ريشة، زكي قنصل، بطرس ديب، ناصيف نصار، غالب هلسا، أحمد برقاوي، طيب تيزيني، نهاد سيريس، ندرة اليازجي، فراس سواح ود. فهمية شرف الدين ونوال سعداوي من مصر)
كما تمّ تكريم الراحل سعد صائب والشاعر مدحت عكاش والراحل عبد المعين الملوحي.
صالون كولييت خوري:
أشار الدكتور فتوح إلى أن الأديبة كولييت خوري اعتادت أن تستقبل في منزلها عدداً من الأدباء والكتاب ورجال وسيدات المجتمع فتتلون الأحاديث كما تنوع النماذج الموجودة بين الأدب والسياسة والفن، حيث تجمع في هذا الصالون الكاتب بغير الكاتب، والأديب بالسياسي، والفنان برجل الأعمال. ويذكر الدكتور فتوح أنه تعرف إلى عدد من أعلام الفكر والدب والفن الذين استقبلهم هذا الصالون منذ ستينيات القرن الماضي أمثال عمر أبو ريشة، كمال ناصر، نزار قباني، وفتحية العسّال.
صالون ابتسام الصمادي:
تأسس هذا الصالون عام/1997/ ويُعقد كل أول ثلاثاء من الشهر، ولما ضاق منزل الأديبة برواد الصالون انتقلت به إلى قاعة كبيرة في بناء برج الصالحية لاستيعاب العدد الكبير من رواد هذا الصالون الذي يضم مختلف الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية، حيث أقيمت فيه عدد من الندوات والأمسيات الشعرية، إضافة لمعرض تشكيلي لأحد الفنانين يقام على هامش كل ندوة تختتمها الشاعرة ابتسام الصمادي بمقتطفات من شعرها العذب.
ويشير الدكتور فتوح أنه في دمشق اليوم عدة صالونات لا تتعارض مواعيد انعقادها بما يتيح للرواد التوزع بينها دون تمييز أو تعصب لواحد دون الآخر، وهذا ما يدل على ما وصلت إليه المرأة السورية من نضج ووعي ورقي وتطور. لكنه من جهة أخرى يأسف لافتقاد المحافظات الأخرى لمثل هذه الصالونات.


إيمان أحمد ونوس

الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 09:04

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى