خالد جهاد - -طفولة تبكي فوق الأرفف

يتعامل الكثيرون مع الشأن الثقافي على أنه نوعٌ من الترف برغم أن الثقافة بمضمونها العميق ومعناها الواسع وميادينها العريضة تشكل عصب الحياة وتغطي مختلف جوانبها وتتغلغل في أساسياتها دون أن ينتبه البعض لذلك، فهي جزءٌ لا يتجزأ من بدايات أي إنسان، وهي اللبنة الأولى في تواصله مع ذاته ومحيطه ومع هذا العالم الواسع، ولذلك تسير الثقافة والتعليم في خطين متوازيين عند نشأة أي طفل لكنها سرعان ما تنتهي، ليُترك الطفل أمام مناهج تقدم له المعرفة بشكلٍ جزئي بعيداً عن الأدوات التي تمكنه من الإستفادة منها والتي تقدمها له الثقافة لتدعم موهبته وتصقلها وتزيد من ثراء حصيلته الفكرية..

ومن هنا جاءت الدعوات إلى الإهتمام بثقافة الطفل ونشاطاته وآدابه وتشجيعه على القراءة التي تساعده في استكشاف طريقه، لكن المشكلة التي تواجهنا اليوم على امتداد بلادنا بثقافاتها المتعددة رغم وجود بعض المحاولات الجادة هو غياب أدب الأطفال وغياب صحافة الأطفال ومجلات الأطفال واختفاء المطبوعات والإصدارات الخاصة بهم عدا عن عدم تقدير المختصين والقائمين على هذه الأعمال من كتاب ورسامين ومحررين ودور نشر على الصعيدين المادي والمعنوي وعدم توفير الإمكانيات التي تمكنهم من الإستمرار في ابداعهم وعطائهم.. وللحديث عن هذا الموضوع توجب علينا أن نستعرض تاريخ تجربة صحافة الأطفال في العالم العربي منذ بدايتها وصولاً إلى وضعها اليوم في ظل وجود جيل مختلف تماماً عن الأجيال السابقة..

حيث مرت صحافة الأطفال رغم تعثرها شبه الكامل حالياً بمراحل مشرقة نسبياً مع أن عدد الإصدارات لم يكن كبيراً منذ بدء تأسيسها في مختلف البلاد العربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لتعيش شغف البدايات الأولى لبضعة عقود تقريباً حتى منتصف القرن العشرين وتبدأ من بعدها مرحلةً مختلفة، عرفت تحدي الإستمرار عبر الزمن في ظل وجود أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة يرتبط بعضها ببعضه ويؤثر ظهورها في بلد على الآخر، أدت إلى زيادة سعرها عدة مرات للمحافظة على جودة الورق والمضمون والطباعة والإخراج الفني عدا عن مشكلات التوزيع وتوفير أعداد كافية تصل إلى أكبر عدد ممكن من المدن والقرى في كل دولة، دون أن ننسى تأثير الحروب التي شهدتها المنطقة أيضاً والتي كانت أحد العوامل المؤثرة على استمرارية صحافة الطفل، كما عاشت فتراتٍ ذهبية عرفت انتشاراً واسعاً قبل أن تنحسر بشكلٍ تدريجي سبق انحسار الصحف والمجلات التقليدية المطبوعة بعدة سنوات وللتنويه فإن معظم الإصدارات التي سنستعرضها توقفت بكل أسف، وبين بعض الإحصائيات والأبحاث غير الدقيقة المتوفرة على شبكة الإنترنت كان ينبغي التحقق من صحة العديد من المعلومات عدا عن مراعاة الظروف والأوضاع والمناخ العام في كل بلد للخروج بحصيلة أقرب إلى الموضوعية عن صحافة الأطفال في بلادنا والتي بدأت عام ١٨٧٠ أي بعد ٤٠ عاماً من صدور أول مجلة للأطفال في العالم في فرنسا عام ١٨٣٠..

فكانت البداية من مصر مع إصدار أول مجلة عربية للطفل عنوانها (روضة المدارس المصرية) بإشراف رفاعة الطهطاوي، وكانت نصف شهرية برئاسة تحرير علي فهمي رفاعة وعلي مبارك الذي أصبح وزيرا للمعارف (التعليم) بمصر عام ١٨٧٨، لتتوالى من بعدها الإصدارات المتنوعة تدريجياً وتسجل الرقم الأعلى عربياً في عدد المجلات الخاصة بالأطفال وتقدم أيضاً بعض النسخ المعربة للمجلات الأجنبية مثل (تان تان) البلجيكية عن دار الأهرام عام ١٩٧١ و (ميكي) التي كانت بدايتها ضمن مجلة (سمير) الصادرة عن دار الهلال عام ١٩٥٦ ثم استقلت عنها عام ١٩٥٨، بالإضافة إلى اصدارات هامة مثل مجلة (السندباد) التي بدأت عام ١٩٤٥ ومجلة (بابا شارو) للإذاعي المصري محمد محمود شعبان عام ١٩٤٨ وغيرها الكثير بالإضافة إلى ملحقات منفصلة خاصة بالأطفال وكانت تصدر عن كبرى الصحف ودور النشر المصرية..

لتليها التجربة اللبنانية التي عرفت أيضاً إصداراتٍ غزيرة ومتنوعة ساهمت الظروف السياسية القاسية التي مرت بلبنان في تلاشيها تدريجياً، فبدأت التجربة بمجلة (روضة المعارف) عام ١٩٠٨ لتليها مجلة (الكوثر) في العام التالي وتتوالى بعدها التجارب الناجحة، والتي تركت بصمةً بارزة في وجدان الأطفال مثل (لولو الصغيرة وصديقها الطبوش) الصادرة عام ١٩٦٦ ومجلة سوبرمان عام ١٩٦٧ عن شركة المطبوعات المصورة، وصدر في عام ١٩٦٦ أيضاً مجلة (غرندايزر) الشهيرة عن دار ميوزيك ببيروت، ومجلة (سامر) التي صدرت عام ١٩٧٩ عن دار أبي ذر الغفاري عدا عن الكثير من المجلات الناجحة والمتنوعة التي لا يتسع المجال لذكرها..

وكانت التجربة العراقية أيضاً من أوائل التجارب عربياً في صحافة الأطفال فصدرت للمرة الأولى مجلة (التلميذ العراقي) عام ١٩٢٢ والتي وصفت آنذاك بأنها مجلة مدرسية تهذيبية أسبوعية، وفي عام ١٩٢٤ صدرت مجلة (الكشاف العراقي) وكانت تنشر ما يهم أن يعرفه الكشاف من بعض المواد العلمية والعملية، أما مجلة (جنة الأطفال) فكانت اصداراً شهرياً ويعتبرها البعض أول مجلة تصدر في العراق للأطفال لصاحبها ورئيس تحريرها سلمي الشيخ محمود النائب وصدرت لأول مرة عام ١٩٥١، وفي نهاية عام ١٩٦٩ أصدرت وزارة الإعلام مجلة (مجلتي) للأطفال وأعقبتها بجريدة (المزمار) كأبرز الإصدارات في حينها..

أما التجربة الأردنية فبدأت محاولاتها باكراً في العام ١٩٢٨ مع أول عملٍ مدوّن للأطفال قدمه الكاتب (إبراهيم البوراشي) في مجموعته (الأناشيد المدرسية)، لكن الظروف والتحولات التي مرت على الأردن وفلسطين معاً كان لها بالغ الأثر في تعطيل وتجميد الكثير من المشاريع الثقافية الهامة، فعاشت أعمال الطفل بدايةً مبشرة في عقدي الخمسينات والستينات تلاها ازدهار في مرحلة السبعينيات عبر نموٍ كبير من حيث الكم والنوع في الكتب الموجهة للأطفال، وبرغم بدء إنشاء مجلات الأطفال في الثمانينات ولفتراتٍ متقطعة إلا أن بعض الإصدارات كان واعداً واتسم بالإنفتاح على التجارب العربية الأخرى ومحاولة تقديم مستوىً مميز من خلال الكتابة والرسوم والطباعة..

فبدأت الرحلة مع مجلة (أروى) الشهرية والصادرة عن الإتحاد الثقافي في فرنسا من خلال ترخيص خاص عام ١٩٨٤ والتي توقفت بعد عامين.. ثم جاءت مجلة (لونا) لتكون أول مجلة أطفال تصدر بانتظام أسبوعياً في الأردن منذ عام ١٩٩٤ واحتلت المراتب الأولى في الإنتشار حتى في عددٍ من الدول العربية المتقدمة في هذا المجال، لكن غياب الإعلانات التجارية تسبب في تزايد الخسائر المادية مما أدى إلى التوقف عام ١٩٩٧، ومع بداية عام ١٩٩٨ أصدرت صحيفة الرأي الأردنية مجلة (حاتم) والتي استطاعت أن تستمر في ظل وجود اعلانات عبر صفحاتها..

وكان المغرب من الدول السباقة إلى إصدار مجلات خاصة بالأطفال وإن كان يعاني شأنه شأن بقية الدول العربية من ذات المشكلات التي تعيق استمرار انتاجاته وتقدمها، فقدم الكثير من المطبوعات منذ عام ١٩٤١ بدءاً بمجلة (الكشكول الصغير)، ثم تلتها في تطوان عام ١٩٤٦ مجلة (الأنوار) والتي أصدرها أحمد مدينة وتوقفت عن الصدور عام ١٩٥٤، وتعد مجلة (العندليب) من المجلات البارزة التي صدرت عام ١٩٧٥ من طرف جمعية تنمية التعاون المدرسي كمحاولة لإغناء ثقافة الطفل من خلال النهوض بالإعلام التربوي، لكنها توقفت عام ٢٠٠٧ لتعود من جديد في عام ٢٠١٥، كما أسس الكاتب المغربي العربي بنجلون مجلة (الطفل) عام ١٩٧١ ثم مجلة (سامي) عام ١٩٩٠، بالإضافة إلى مجلة (أزهار) الصادرة عام ١٩٧٦ ومجلة (براعم) عام ١٩٨٤ وغيرهم الكثير..

وتميز السودان بإصدار مجلة (الصبيان) للطفل عام ١٩٤٦ والتي قدمت حالةً متميزة ثقافياً وفكرياً وساهمت في تنمية وعي جيل كامل، إلى جانب مجلات مثل (الجيل) و(الباحث الصغير) و(هدهد) و (شليل كيدز) و(صباح) و(مريود) و(عمار) و(سمسمة) كما كان هناك جهدٌ ملحوظ في محاولة تقديم اصدارات طموحة للطفل قبل أن يتراجع هذا المشروع الهام..

وكان للمملكة العربية السعودية نصيبٌ من اصدارات الأطفال المتتالية والتي بدأت بمجلة (الروضة) والتي صدر عددها الأول في عام ١٩٥٩ ورأس تحريرها طاهر الزمخشري؛ لكنها لم تستمر لأكثر من عامين، ثم تلتها مجلة (حسن) عام ١٩٧٧ عن مؤسسة (عكاظ للصحافة والنشر) والتي توقفت عن الصدور، عدا عن مجلات عديدة مثل مجلة (الشبل) النصف شهرية والتي صدرت عام ١٩٨١ ومجلة (باسم) التي صدرت عام ١٩٨٧ عن (الشركة السعودية للأبحاث والنشر) بالإضافة إلى بعض الإصدارات التي لم يكتب لها الإستمرار..

أما التجربة التونسية فكان لها وقع خاص عندما قرر رائد صحافة الأطفال في تونس وأحد أعمدتها الأستاذ عبد المجيد القسنطيني تأسيس مجلة (عرفان) عام ١٩٦٦ تحت شعار (مجلة الأطفال في كل مكان) عن الإتحاد التونسي لمنظمات الشباب التونسي ولتتبوأ مكانةً عريقة ضمن أرشيف الصحافة التونسية وتاريخها منذ الإستقلال حيث كانت المجلة تطبع في نسخ ملونة بالكامل، وتلتها مجلة (شهلول) عام ١٩٦٨ وأيضاً مجلة (كوسكو) في الربع الأخير من نفس العام، إلى جانب تجارب هامة مثل مجلة (قوس قزح) عام ١٩٨٤ و(الرياض) عام ١٩٨٨..

وفي العام ١٩٦٩ فشهد أكثر من إنطلاقة مع اختلاف ظروف كلٍ منها فكانت مجلة (سعد) باكورة الإصدارات الكويتية للأطفال وهي مجلة شهرية مصورة عن تصدر عن دار الرأي العام والتي أسسها (عبد العزيز فهد المساعيد) وصدر العدد الأول منها بتاريخ ٨ نيسان /أبريل كملحق لجريدة الرأي العام حتى تحولت إلى مجلة فصلية، تتولى رئاسة تحريرها منال الرفاعي التي توقع باسم ماما منال، بالإضافة إلى واحدة من أهم التجارب العربية الرائدة ألا وهي مجلة (العربي الصغير) المنبثقة من مجلة (العربي) الشهيرة والتي تصدر شهرياً عن وزارة الإعلام في بشكلٍ مستقل منذ شباط/ فبراير عام ١٩٨٦ بعد أن كانت ملحقاً للمجلة الأم منذ عام ١٩٥٨ والتي ساهم فيها نخبة من أهم الكتاب العرب دون أن ننسى مجلة (افتح يا سمسم) في تشرين الأول/ أكتوبر عام ١٩٨٠..

كما شهد هذا العام صدور جريدة (أمقيدش) وهي جريدة جزائرية شهرية للأطفال وجميع قصصها مستوحاة من التاريخ الجزائري القديم والحديث ومن تاريخ الوطن العربي والعقيدة الإسلامية، بالإضافة إلى مجلة (نونو) في حزيران/يونيو عام ١٩٨٢..

أما في سوريا فكان الأول من شباط/ فبراير موعداً هاماً لصدور مجلة (أسامة) النصف شهرية للأطفال في دمشق عن وزارة الثقافة السورية، وهي متخصصة بكل ما يتعلق بالطفل وتنمية ثقافة الأطفال واليافعين ونشرت المجلة في كافة المحافظات السورية والأقطار المجاورة، كما ترأس المجلة نخبة من الأساتذة وقد رسم بها الفنان الراحل (ممتاز البحرة) مبدع شخصية أسامة وماجد وشنتير وغيرهم، كذلك رسم بها الفنان الراحل (طه الخالدي) والفنان الراحل (نذير نبعة) والفنان (نعيم إسماعيل) وغيرهم، كما صدرت مجلات أخرى مثل (نيلوفر) الشهرية عام ٢٠٠٣ ..

كما أصدرت فلسطين مجلة (الأشبال والزهرات) الشهرية والتي مرت بحالة من عدم الإستقرار والتشتت والترحال المستمر بسبب الوضع الفلسطيني الصعب فصدرت لأول مرة عام ١٩٦٩ في دمشق وأسسها الأستاذ (سعيد المزين) لتلامس هموم ومشاكل الأطفال الفلسطينيين، ثم انتقلت إلى بيروت عام ١٩٨٢ ثم صدرت في تونس عام ١٩٨٤ ثم انتقلت إلى قبرص ثم ليبيا، وعادت إلى فلسطين عام ١٩٩٨، وهي أول مجلة رسمية متخصصة تعنى بشؤون الطفل تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني في السلطة الفلسطينية، كما صدر في فلسطين مجلة (الحياة) الشهرية للأطفال عام ١٩٩٠ عن جمعية أصدقاء الأطفال العرب..

أما في ليبيا فبدأت صحافة الأطفال في تشرين الأول/ أكتوبر عام ١٩٧٤ مع مجلة (الأمل) على يد الكاتبة والأديبة والإذاعية صاحبة التجربة المتميزة خديجة الجهمي، وتلتها مجلة (سناء) في أيلول/ سبتمبر عام ١٩٨٠ ومجلة (عالم الصغار) في نيسان/ أبريل عام ١٩٩٤..

وقدمت اليمن عدداً من المجلات المخصصة للأطفال منذ مطلع الثمانينات مع مجلة (هدهد) في آذار/ مارس عام ١٩٨١، ومجلتي (الطفولة) و(أسامة) عام ١٩٩٣، وأيضاً مجلتي (المثقف الصغير) و(الجوهرة) في الربع الأخير من عام ٢٠٠١..

كما تميزت دولة الإمارات العربية المتحدة بمجلة (ماجد) ذائعة الصيت والتي تأسست عام ١٩٧٩ بالإضافة إلى مجلة أطفال اليوم التي صدرت في عام ٢٠٠١ وعدة مجلات صدرت في مراحل لاحقة، وأصدرت سلطنة عمان مجلة (مرشد) عام ٢٠١٥ والتي سبقتها تجارب لم تستمر كالعادة مثل مجلة (أطفال الشبيبة)، كما أصدرت دولة قطر مجلة (راشد ونورة) عام ٢٠٠٢ وحالياً توجد مجلة (جاسم) في تشرين الثاني/نوفمبر عام ٢٠١٦..

كما شملت التجارب العربية رغم قلتها والتي بدأت حتى قبل استقلال بلادنا عن الإستعمار وتقدر بحوالي ١٠١ على مدار ١٣٠ عاماً أيضاً إصداراتٍ خاصة تحمل صبغةً دينية سواءاً كانت إسلامية أو مسيحية، إلى جانب اصدارات تمت بالتعاون مع شركات أجنبية وشركات لصناعة الرسوم المتحركة وبعض العلامات التجارية، وكما لاحظنا فإن الإستمرارية وقلة الموارد وضعف الإقبال وتغير الذوق وعدم القدرة على جذب اهتمام الطفل وتقديم مادة تجمع بين الثقافة والترفيه بسعر ٍ مناسب كانت هي العوائق الكبرى أمام وجود صحافة الأطفال بشكلٍ مستديم.. فهل سيتغير الحال وهل قد يقتنع الكثير من الآباء والأمهات بضرورة خلق رابط بين أبنائهم وهويتهم من خلال القراءة؟ الزمن وحده كفيلٌ بالإجابة بعد أن ضاعت الطفولة بين الأجهزة الذكية وباتت غريبةً منسية تبكي وحدتها بين الكتب وفوق الأرفف..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى