بسروالٍ قصيرٍ وقميصٍ أبيض بلا أكمام مصنوع من البوليستر ومواد أخرى أُعِيْدَ تدويرها كنت أقفُ في المطبخ حافياً فانتبهتُ إلى أنني لم أقصّ
أظافر قدميّ منذ مدة.
بدا بعضها متشققاً وهشّاً وفيه خطوط متعرجة.
كنتُ كشجرة بحاجة للتقليم أو حديقة بحاجة للتعشيب.
شعري لم أمشطه منذ يومين، يتدلى فوق عينيّ
وحين أرفعه يُعاود الكرة.
أمسكتُ لوح التقطيع بيدي اليسرى وقلبْتهُ فوق الإناء فتهاوتُ الخضار من سماء خشبية ملساء إلى فضاء زجاجي، ثم عصرتُ فوقها نصْفَ ليمونة فتساقطت البذور مع العصير الأصفر الزاهي وحين حاولتُ أن أخرجها بالشوكة، انزلق بعضها إلى الأسفل كما لو كي يغيظني فتركته غاضباً وأنا أتجوّل في مدينة أخرى
في الشارع الذي لمحتكِ فيه أول مرة وأعطيتكِ معطفي
فرَفَعْتهِ فوق شعركِ كمظلة وسرْنا معاً تحت المطر.
تبلّلْتُ وبدأ الماء يقطرُ مني كما لو أنني غيمةٌ من لحم ودم
نزلتْ من سماء حياتها كي تمشي معكِ على الرصيف.
واقفاً في المطبخ
البرادُ خلفي يُصْدر صوته الجنائزي.
النافذةُ تطلّ على بلدةٍ على شاطئ المحيط
لا تغيّر جلدها المصنوع من الضباب
الشمسُ تنسى أن تمرّ فوقها
وتضع قدميها في ماء بارد
غير آبهة بما يجري في العالم.
انتبهتُ إلى أنني ما زلت أحمل سكيناً من الفولاذ لكنها سرعان ما سقطت من يدي كأن عيناً أصابتها وارتطمت برخام المجلى وتهاوت على الأرض فانحنيتُ فوقها ورفعتها إلى المغسلة وفتحتُ الصنبور فتدفق الماء كالمفاجأة وخلخل صوته جوقة الأصوات المنزلية ثم غسل البقايا كما يفعل المطر. امتدت يدي إلى زجاجة زيت الزيتون، فتحتُها وصببتُ بعض القطرات ذات اللون الأصفر الفاتح فوق مزيج الخُضْراوات وأنا أنظر إلى الكراسي الفارغة لمقهى قبل أن أصل إليكِ.
كانت المدينةُ شبه مهجورة
وضوء النهار شاحباً لا يقوى على الحركة،
يتعكز مسنداً يديه على الظلال.
وفيما كنت أرشّ الملح اقتربتِ أكثر مني
وفيما كنتُ أخلط مكونات السلطة وأراقب قطع البندورة وحبات زيتون انتُزعت منها النوى وقطع الفليفلة الخضراء وأوراقَ خسّ تغضّنت وأوراق كزبرةٍ وكلها تختلط ببعضها
توهّجَ طيفُ ابتسامتك ولمعتْ عيناكِ
كما لو أن النهار يخبىء ضوءه فيهما.
وفيما كنت أرشّ الفلفل الأسود
رأيتُ القطرات الأولى التي تسارعت
وسمعتُ صوتَ رَعْدٍ وبَرْقٍ
وهبوبَ هواءٍ
ثم أسرعتُ نحوك
وكنت أبتسم، ولا أعرف بماذا تفكرين.
حين جئنا إلى هذه المدينة
اكتشفنا أننا هاربان من أنفسنا،
كما لو أن كل واحد منا هاجَرَ من نفسه
ولم يصل إلى الأرض التي يريدها،
وهكذا قررتِ الرحيل.
ثم على طاولةٍ وضعتُ إناء السلطة وصحنين
واحداً لك وواحداً لي
ثم أخرجتُ من الخزانة كأسين
واحدةً لك وواحدة لي
وصببتُ جرعتيْ نبيذٍ
واحدةً لك وواحدة لي
وأحضرتُ شوكتين
واحدةً لك وواحدةً لي،
ثم طويتُ منديلين
واحداً لك وواحداً لي.
وحول الطاولة توضّع كرسيان متقابلان
واحدٌ لكِ وواحدٌ لي.
شربتُ نصف زجاجة نبيذٍ
وأنا أعيد رَسْمك في ذهني
إلا أن كرسيكِ ظل فارغاً
ثم شرع الفراغ يأكلُ من صحنكِ
ويحشو فمه وكان يمضغُ ويبتلع كأنه نديمي.
ثم انتزع الكأس من يدي وصبّ ما في الزجاجة
وأخذ يمتصني وهو يقهقه فشعرت كأنني أتبدد وأصير هواء وأمتزج به.
وبعد أنهى صحنكِ وصحني وتجرّع كأسك وكأسي
تمدد على السرير كأنه صاحب البيت.
أظافر قدميّ منذ مدة.
بدا بعضها متشققاً وهشّاً وفيه خطوط متعرجة.
كنتُ كشجرة بحاجة للتقليم أو حديقة بحاجة للتعشيب.
شعري لم أمشطه منذ يومين، يتدلى فوق عينيّ
وحين أرفعه يُعاود الكرة.
أمسكتُ لوح التقطيع بيدي اليسرى وقلبْتهُ فوق الإناء فتهاوتُ الخضار من سماء خشبية ملساء إلى فضاء زجاجي، ثم عصرتُ فوقها نصْفَ ليمونة فتساقطت البذور مع العصير الأصفر الزاهي وحين حاولتُ أن أخرجها بالشوكة، انزلق بعضها إلى الأسفل كما لو كي يغيظني فتركته غاضباً وأنا أتجوّل في مدينة أخرى
في الشارع الذي لمحتكِ فيه أول مرة وأعطيتكِ معطفي
فرَفَعْتهِ فوق شعركِ كمظلة وسرْنا معاً تحت المطر.
تبلّلْتُ وبدأ الماء يقطرُ مني كما لو أنني غيمةٌ من لحم ودم
نزلتْ من سماء حياتها كي تمشي معكِ على الرصيف.
واقفاً في المطبخ
البرادُ خلفي يُصْدر صوته الجنائزي.
النافذةُ تطلّ على بلدةٍ على شاطئ المحيط
لا تغيّر جلدها المصنوع من الضباب
الشمسُ تنسى أن تمرّ فوقها
وتضع قدميها في ماء بارد
غير آبهة بما يجري في العالم.
انتبهتُ إلى أنني ما زلت أحمل سكيناً من الفولاذ لكنها سرعان ما سقطت من يدي كأن عيناً أصابتها وارتطمت برخام المجلى وتهاوت على الأرض فانحنيتُ فوقها ورفعتها إلى المغسلة وفتحتُ الصنبور فتدفق الماء كالمفاجأة وخلخل صوته جوقة الأصوات المنزلية ثم غسل البقايا كما يفعل المطر. امتدت يدي إلى زجاجة زيت الزيتون، فتحتُها وصببتُ بعض القطرات ذات اللون الأصفر الفاتح فوق مزيج الخُضْراوات وأنا أنظر إلى الكراسي الفارغة لمقهى قبل أن أصل إليكِ.
كانت المدينةُ شبه مهجورة
وضوء النهار شاحباً لا يقوى على الحركة،
يتعكز مسنداً يديه على الظلال.
وفيما كنت أرشّ الملح اقتربتِ أكثر مني
وفيما كنتُ أخلط مكونات السلطة وأراقب قطع البندورة وحبات زيتون انتُزعت منها النوى وقطع الفليفلة الخضراء وأوراقَ خسّ تغضّنت وأوراق كزبرةٍ وكلها تختلط ببعضها
توهّجَ طيفُ ابتسامتك ولمعتْ عيناكِ
كما لو أن النهار يخبىء ضوءه فيهما.
وفيما كنت أرشّ الفلفل الأسود
رأيتُ القطرات الأولى التي تسارعت
وسمعتُ صوتَ رَعْدٍ وبَرْقٍ
وهبوبَ هواءٍ
ثم أسرعتُ نحوك
وكنت أبتسم، ولا أعرف بماذا تفكرين.
حين جئنا إلى هذه المدينة
اكتشفنا أننا هاربان من أنفسنا،
كما لو أن كل واحد منا هاجَرَ من نفسه
ولم يصل إلى الأرض التي يريدها،
وهكذا قررتِ الرحيل.
ثم على طاولةٍ وضعتُ إناء السلطة وصحنين
واحداً لك وواحداً لي
ثم أخرجتُ من الخزانة كأسين
واحدةً لك وواحدة لي
وصببتُ جرعتيْ نبيذٍ
واحدةً لك وواحدة لي
وأحضرتُ شوكتين
واحدةً لك وواحدةً لي،
ثم طويتُ منديلين
واحداً لك وواحداً لي.
وحول الطاولة توضّع كرسيان متقابلان
واحدٌ لكِ وواحدٌ لي.
شربتُ نصف زجاجة نبيذٍ
وأنا أعيد رَسْمك في ذهني
إلا أن كرسيكِ ظل فارغاً
ثم شرع الفراغ يأكلُ من صحنكِ
ويحشو فمه وكان يمضغُ ويبتلع كأنه نديمي.
ثم انتزع الكأس من يدي وصبّ ما في الزجاجة
وأخذ يمتصني وهو يقهقه فشعرت كأنني أتبدد وأصير هواء وأمتزج به.
وبعد أنهى صحنكِ وصحني وتجرّع كأسك وكأسي
تمدد على السرير كأنه صاحب البيت.