أسامة إسبر

انطفأت شَمْس المدينة توهجتْ شمْس الخضرة في ابتسامةٍ على الباب في أغصان تتفرغ في فضاء لا يتوقف. على اليمين ينبوع يتدفق بين الصخور منظره روى ظمأي. أمام بيت خشبي يرتفع بين الأشجار آلهة أحيلت إلى التقاعد تنتصب بعيون تدمع خلف النوافد ورأيت إلهاً يضغط بيده على العكاز كما لو أنه يتحكم بالنسغ. كانت...
عليه أن يرنَّ جَرسَه كي أسمعَ هذا النهار، أن يتلفّظَ باسمه ويرفع صوته. أسير في ظلامه مضيّعاً نفسي والآخرين وحين أرى الشعاع أتعجّب، ولا أتساءل من أين أتى. نادراً ما أرى الشمس في هذه الأنحاء تجلس على كرسيها وتأكل رغيف الظلال. أنضح داخل وحدتي متشبّهاً بورقةٍ تصفرّ على غصنها مزدحماً كطريقٍ سريع في...
لا يأتي النشيد إليَّ إلا على العتبات البحرية. ظننت أن للكلمات طعماً هنا غير أن خبزها كان مغمّساً في الزبد كأعوامٍ تتدحرجُ نحو السفوح من قممٍ فردتْ حياةٌ من الألق جناحيْها فوقها. كيف أبتكر لغة تفضحُ موتاً أفلتوه كقطعانٍ داستْ كلَّ شيء؟ كيف أرتدي خريطةً مزّقوها وألقوها في اللهب؟ جسدي حرفٌ يهجّيه...
حتى عن الشيءِ الذي لا تَقفُ عليه يُخططّون كي يُطيحوا بكَ. يشدّونك إلى أسفل، حيث لا شيء سوى السقوط. ورغم أن حياتك هامشية تُحاك انقلاباتٌ ضدّك على مدار الساعة كما لو أنك رئيسٌ أو من سلالة مُغْتصبي العروش والكراسي. تتطايرُ في الهواء تعيش، كما لو أنك أجنحة بُترت عن أجساد الطيور والفراشات. يستحضرونك...
كان هذا أيضاً وَعْد الموجةِ ألا أكون سماويّاً بينهم أن أكون أرضيّاً على طريقتي كما تسرّ ليَ زهرةٌ تتفتّح وغصنٌ يتفرّع، كما ينطق ألقٌ يرتدي قميصاً ويعبر في أفق العين كما تتعرّى شجرةٌ من ثوب أوراقها كي تشمّ ريح الخريف على عري لحائها. كان هذا أيضاً وعد الموجة ألا يعبر جسدي العتبات المقدسة ألا أسلمَ...
صار بوسعي محو ذاكرتي أنساني مُحرّكُ غوغل وجودها. أبحثُ عن جملةٍ أو وجهٍ أنظرُ إليهما بسرعةٍ وأتركهما ينزلقان ويغرقان في المدّ الرقميّ. لا أحسُّ بالشبع، معدتي دوماً فارغة وعقلي لا يكترث. أعيشُ على ضفّة نهرٍ بلا ماء أعثرُ بشق النفس على موطئ قدمٍ بين الصيادين أسمعُ صوت الهدير كما لو أن روح...
تَرْميني في ماء العلاقات وتنتظرُ حين تعلق الأسماكُ تنتقي منها وتطرحُ الباقي. كنت أشم رائحةَ أسماكٍ تنفقُ في غرفة النوم وأرى أخرى تسبحُ في ماء شرودها. أحببتُ امرأةً كانت تستخدمني كطعمٍ، وكنت أحضر لها العطر والسجائر والصابون، كي تستحمّ حين تأتي المياه. أحبّت الظلام، وقضاء الوقت مع عشاقها دون...
نتجرّع كأس السم كلّ يوم، ولا نموت يخيم الألم تحت الجلد، في عتمات الجسد ثمة من يريدنا أن نظل أحياء كي نظلّ نشربه. لا أحلم بينابيع تعيشُ في الكتب، ولا بمدنٍ سيراها غيري. كل يوم يزداد يقيني بأنني لا أؤمن بأي شيء وبأن جسدي لا مرئيّ في أوج حياته. وحين أسير أسير كما لو أنه هواء يهبّ قليلاً ثم يبتلع...
-١- من الأفضل ألا تصل الأخبار، أن تعْلق في مكانٍ ما وسط الأثير أن ينحرفَ النهر عن الشاشة ويصبّ في مستنقعٍ آخر. من الأفضل أن يظلّ الفراغ حاضراً ألا يمتلئ ألا يصير حاويةً. ها هي الكلمات تعتدّ بنفسها تظن أنها تقول شيئاً تتوهّم أنها تقود الأشياء على الطريق السريع لجنونٍ يومي غير أنها تتبخّر تحت...
لم أتوقّع أن أرث ثروةً بيضاء، بعد مرور كلّ تلك الأعوام. بياضٌ يمنح معناه للزمن أو يستعيرهُ منه يبهر عينيّ في الشوارع البيوت الأشجار في مجرة سكنت فيها الأرض لأن الشمس ليست هنا والربيع يتأخر عن موعده. لم أتوقّع أنني سأكون صاحب الثلج مالك البياض وكل ما يذوب بعد أن يطعن بسكّين البرد. لم أتوقّع أنني...
(-١- ثمة أشخاصٌ يكذبون على أنفسهم ويصدّقون الكذبة. الوهمُ ضرعٌ بين الشفتين والبياضُ كفنُ الكلمات. إذا كنتَ تبحث عن مهزلةٍ تعال وسرْ معي على هذه الشواطئ. -٢- أنساني صوتُ الهاتف فكرةً خطرتْ في ذهني، حين قرأتُ رسالةً حفرتْ نفسها على الشاشة بسكين الكهرباء عرفت أن شخصا أعرفه مات في مدينةٍ عشتُ فيها...
-١- تهبُّ الريح عبْر الأغصان تدغدغني كأنّ بساتين الزيتون تسكن في جسدي ثم يعلو الدخان يحجبُ الشاشةَ وتفيضُ عيناي بالدموع. تعلو صرخاتٌ تحاول أن تصل إليّ تمتدُّ أيد نحوي في ظلام يتكثّفُ لا أستطيع فيه الحراك. -٢- الزمن يخلطُ سمومه يحشو دماه ويُرْسلها كي تنفجر بين يديْ طفلٍ يولد الآن وسط الأنقاض...
ما أبعد زمني عن جسدي! الساعة تمرّ أثقل من صخرة سيزيف، لوحات الإعلانات تتوهج في ليل المدينة، كأنها أجساد تدبُّ فيها الحياة. آه، نعم، أنا في سان فرانسيسكو الليلة، سمعتُ صوتاً تحت قدميَّ، كدت أرتطم برأس نائم وأنا أمشي. كشف الغطاء قليلاً وصرخ في وجهي ففاحت رائحة الفودكا والتعرق٠ الأرصفة أسرّة...
انطبعتْ قدما نورسٍ على رمال ٍ صَقلَها مدٌّ يتقدّمُ ويتراجع. لم ينظرْ إلى انعكاسه كانت عيناه تُصْليان أشراكهما حيث تعبر الطرائد وعيناي تترصدان الضوء وهو يتقلّب على الزرقة ويُغْرقها في لونهِ فتخرجُ من نفسها كأفعى تخلعُ جلدها ويسرقه ماءُ موجةٍ تندفع بطيشٍ. إنه العُرْي يرفعُ برجاً ويتسلّقه بنفسه...
لا شيء يناديني، لا أسمعُ كلماتٍ موجهةً لي أو لأحدٍ غيري. أسمعُ أصواتاَ هنا كما لو أن الأشياء تتكلم دون أن تكترث إن كانت كلماتها مسموعةً. ثم تأتي الريحُ لا كي تقول شيئاً بل لتسكن في صوتها وهو يتسلّق المنحدرات على ضوء لزجٍ يسترخي قليلاً على الطحالب قبل أن تتشرّبه الظلال. ثم يعلو المدّ، تضيع...

هذا الملف

نصوص
59
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى