أسامة إسبر

كنت أستمعُ إلى مقطوعةٍ موسيقية وأنا أقودُ السيارة وسط غابة. شعرتُ كما لو أنني أتقدّم داخل وحشٍ معدني يلتهم لحم مسافة طُردت من خضرتها ودخلت في شحوب ضباب امتصها وحولها إلى أشباح سوداء. كان عنوان المقطوعة ”أختار نفسي“، لليستر يونغ وهاري إديسون. تساءلت: ما الذي يعنيه هذا العنوان؟ ثم عند منعطف واد...
حين تدبّ الشيخوخة في النسور تُصاب بالكآبة فتقرر الانتحار، تصعد إلى أعلى قمة تستطيع التحليق إليها ثم تضم أجنحتها على أجسامها تميل برؤوسها إلى الأمام وتسقط عمودياً ترتطم بالأرض وتموت. ليس للنسور كتب مقدسة ولا تردد صلوات تعرف فقط أنه حين يضعف بصرها ويزداد ثقل ريشها حين تتعب من حمل السماء على...
الغرْقى يسكنون أجسادنا يفتحون أعيننا على القاع الذي نعيش فيه. في عربةٍ صدئةٍ لفجر بطيء يجلس هيكلٌ عظميٌّ. في شوارع المستقبل لا شيء يتجول إلا شواهد قبورٍ تخرجُ من الجبّانات وتطارد الأحياء كي تنقش أسماءها على رئاتهم. الانتظار نوافذ وأبواب مغلقة. رمالُ الصحراء تنبض في عروق أمواج تحولت إلى كثبان...
انبسطَ الشاطئُ بعد أن خُيّل لي أنه خرجَ مني وتمدّد متاخماً للماء فارتسمت آثارُ خطواتكِ على رماله انطبعتْ أمام عينيّ للحظةٍ وبعد ذلك خطفتها ريحٌ لا تكفّ عن الهبوب في الثقوب السوداء لأحلامنا. الشاطئ الذي لم يخرج مني الذي يفصل بيني وبينكِ كان يرتجفُ أمام موجةٍ تتقدم عالية بطوابقها بكل ما يقفُ على...
لن يحملني الشعاعُ خارج إطاره ولا الموجةُ إلى ما وراء ذرواتها. دمُ السلالة لا يصلح عكازاً حين لا يضيء دروباً جديدة. غنى كثيرون للحرية ومات كثيرون من أجلها ومن يعيشها يشعر بالدم يجري في شرايينه بالهواء يدخل من أنفه وبعينيه تخترقان المشاهد إلى ما وراءها لأنه وُلد كي يكون الكون كله ملعباً له. غير...
-١- قل لي يا ظلي على الرمال لماذا أنت أكثر غبطةً من جسدي؟ تخطفك غيوم منعكسة وأراك ذائباً في الشعاع ثم تصير طريقاً لعجينة الضوء وهي تُبنى وتُهدم تحت الأنفاس الهادرة لظهيرة البحر. -٢- الشواطئ لا تعيش كثيراً تموت وتولد كل يوم، مثلنا، تحبل بها مياهٌ وتلفظها أخرى على رمالها، فتتجول العينان في وعورة...
قلْ أيها الجسد أنك لم تنْس لغة الحب أن أيامك ليست معدودة بل حُبْلى بأزمنة لا تنتهي أن وجهك من ملامح الكوكب الأرضي بعينيك يرى بقدميك يخطو وقلبك يضخ الدم في شرايينه. قل أيها الجسد أنك مخلص لموسيقا لا تنبعث من قدميك إلا حين تسير على دروب غير مكتشفة. في هذا الوقت الذي يشبه خزانة حديدية مغلقة لا تكن...
تُشكِّلُ القراءة علاجاً، أو حلاً في الأوقات العصيبة، وقد تكون بديلاً للصلاة، ولطقوس عبادة كثيرة لم تنفع الإنسان في وجه الشدائد. وها نحن نرى الآن دور العبادة مغلقة، والناس أكثر تشكيكاً بوجود قوى ما ورائية قادرة على حمايتهم. وكان جدنا الشاعر السوري أبو العلاء المعري قد أشار إلى هذا العجز في بيته...
-١- معكِ يطلعُ الجسدُ من ليله ويُشْرق كشمسٍ من وراء جباله المغمورة بالضباب. -٢- معكِ ليس الجسدُ شجرة لوز في أوج إزهارها، بل جسدٌ في أوج إزهاره. -٣- معكِ انتهت مرحلة العزلة، ولم تعد القبلة تكترث إلا بأن تولد بعد ذلك يمكننا أن نتخيلها تحلّق بجناحيْ فراشة أو تتفتح ببتلتيْ وردة أو تظل عارية. -٤-...
-١- غرابٌ يجثمُ بين الأعشاب في ريشهِ وزغبه يتوحّد بريقُ سوادٍ بوهج اخضرارٍ. -٢- ترتعشُ ريشاتُ الغراب وزغبُ جناحيه ترتجفُ أعشاب طويلة وقصيرة كانت تقف في طريق الريح. -٣- جناحُ الطائر الطنان يدور ويتحوّل إلى هواء عيناي تدوران معه وتتحوّلان إلى هواء أما فمي فيمتصُّ مع منقاره رحيقَ الوردة. -٤- دربٌ...
-١- صوتُ الجبل في أذنيّ، ألوانهُ التي استدانتها الأشجار تعيشُ في صورٍ دخلنا إليها وغادرناها حين هبّ هواءٌ سرق الأوراق، في خريفٍ كدتُ أتساءل فيه: أين ملامح وجهي؟ -٢- أوشكتُ أن أصادق جذوع الأشجار وأنا أخبىءُ أحزاني في تغضناتها غير أنني بدأتُ من جديد كما كنتُ أبدأ معك، سمعتُ صوت الجبل يقول لي: في...
كانت الثلوج تُبيّضُ جميع الأمكنة، وفي الشارع الذي أسيرُ فيه الآن أشخاصٌ يرشّون الملح على مداخل بيوتهم أو يُعْملون المجارف في القطع القاسية كي يفتحو طريقاً، كان هذا مشهداً مألوفاً كل عام، مثل وَهْج البياض الذي ترتديه الأشجار وواجهات البيوت. كانت السطوح الخشبية كقمم الجبال المكللة وعن نافذةٍ أو...
-١- أحتفي بهذا الترف البحري، لي حظوةٌ على مائدة الأمواج حضوري يكملُ اللوحة يغذّي عروقَ ألوانها. أشربُ النبيذ المعتق لعناقيد الضوء التي تتخمّر، في شروقها وغروبها، وهنا لا تجلس ذاكرتي معي على الكرسي، ولا تواكب خطواتي. هنا يتراكمُ المحار تُطْرَح الأعشاب اللزجة وتتراكم قشورٌ سرعان ما تنقلها ريحٌ...
حين رأيتُ الغيوم تُغيّرُ لونها، ويتشبّعُ بياضُها بصفرة الضوء، ثم يترنح ثملاً بحمرة الأفق البحري ضائعاً في أنغام التدرجات، صارت قدماي جناحين على وشك التحليق. ثمة جمالٌ آخر يوسّع حدوده في فضاءٍ له ولغيره وأمامه كان شغفي بما يخرج عن المألوف في مناظر الطبيعة يزداد غنى يفيضُ عني ويعيش في رحلة...
-١- بياضٌ على شاطئ المحيط. الزبدُ يصعدُ درجَ عامٍ جديد يدخلُ غرفَ المد، وفيها كان النائمون يُشْعلون نار أحلامهم على حدودٍ بين اليقظة والنوم. كنتُ أصبُّ فنجان قهوتي قبل ذلك شربتْ عيناي أفقَ الموجة الأولى، وهي تقرعُ باب صباحٍ ما يزال مغلقاً في مملكة كانون الأول التي على وشك أن تغزوها خيولٌ كانون...

هذا الملف

نصوص
62
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى