أسامة إسبر - ليس لي، إلا هذا الترف البحري

-١-
أحتفي بهذا الترف البحري،
لي حظوةٌ على مائدة الأمواج
حضوري يكملُ اللوحة
يغذّي عروقَ ألوانها.
أشربُ النبيذ المعتق لعناقيد الضوء
التي تتخمّر، في شروقها وغروبها،
وهنا لا تجلس ذاكرتي
معي على الكرسي،
ولا تواكب خطواتي.
هنا يتراكمُ المحار
تُطْرَح الأعشاب اللزجة
وتتراكم قشورٌ
سرعان ما تنقلها
ريحٌ لا تتوقّف عن العمل.
-٢-
لا بطالةَ في عالم الريح،
لا شبعَ في إقطاعيات المد الجزر،
لا انقطاَع للضوء،
حين يريد
أن يرسمَ لوحةً شرسة
تكون فيها الشمس
باردةً ومنفصلة،
لا دفء في شعاعها.
وتصير الأشياء باردةً في عوالمها
كالقلب البشري
ككلمات البشر وهي تتجنب
ما يقلقها
وتبني بيوتاً تُحْكم إغلاقها
على ضفة نهر المصارف.
ليس لي إلا أندب هذا المد
الذي لا ينحسر عن الروح،
ويحفر في قلب المدينة قبراً
يبقيه مفتوحاً، يتنفس
برئات البشر.
ليس لي إلا أن أحتفي
بترفي البحري،
أن أراقب جناحيْ الطائر الطنان
يتحولان إلى هواء،
منقاره يتغلغلُ في الزهرة
ويذوب في رحيقها
كي أشربه وأثمل به
وأنا أستعرضُ أملاكي
من الأشياء المهاجرة،
أنقّل عينيّ عليها
كأنهما حصان جامحٌ
لا أقوى على الإمساك بأعنته.
-٣-
لي فسحةٌ هنا،
لي فضاءٌ
تملؤه أحياناً موجةٌ عالية
بغيوم بياضها
أو أجنحة بجع،
أو جناحا نسر،
لي نافذةٌ،
وكل هذا مبدّد
حيث لا تجرؤ المدينة على التجول،
الشوارع في الليل
للمدية والطلقة
وأشباح الجوع
تعيش الأبواب
في مملكة الأقفال
والعدسات
حارسة الأحلام.
-٤-
ليس لي إلا أن أحتفي
بهذا الترف البحري،
حيث يتولّد نشيدٌ في خطواتي،
أو من لعب الهواء بشعري
أو من طعم الملوحة على شفتيّ،
وطعم الريح أيضاً.
لم أعد أشعر بطعم الكلمات
على مائدة اللغة
حيث كل ما يُقدم لك كي تأكله
فراغُ صحنكَ وكأسكَ،
وأصواتٌ تعيشُ كي تقهقه هذا الفراغ.
الكلماتُ تفيض من القواميس
من ألواح الإعلانات
من أفواه المآذن
من خطب السياسيين
من الجرائد،
وأفواه المذياعات المزبدة
وتصنع بحراً آخر،
لا أستطيع السير على شاطئه،
فأنا غنيٌّ بترفي البحري،
الذي تخطفه الريح مني
أو غروبُ الشمس
أو انحسار الماء
أو تموجه.
أنا راض بأن أثمل بجناحيك فقط
أيها الطائر الطنان،
وربما في النهاية
أن أتحول مثلهما إلى هواء.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى