أسامة إسبر - وسط أنقاض شهور أخرى

-١-
بياضٌ على شاطئ المحيط.
الزبدُ يصعدُ درجَ عامٍ جديد
يدخلُ غرفَ المد،
وفيها كان النائمون
يُشْعلون نار أحلامهم
على حدودٍ بين اليقظة والنوم.
كنتُ أصبُّ فنجان قهوتي
قبل ذلك شربتْ عيناي
أفقَ الموجة الأولى،
وهي تقرعُ باب صباحٍ
ما يزال مغلقاً
في مملكة كانون الأول
التي على وشك أن تغزوها
خيولٌ كانون الثاني
كانت العاصفة تصهل هذه المرة في صوتها
وتحملُ على ظهورها الثلوج.
-٢-
بياضٌ على شاطئ المحيط
تلبسُ السماء غيوماً رخامية باهتة،
وتدلهم الأشياء
بعد أن يدخل مخدعها ضوءٌ شاحب.
لم أكن أقد أشعلتُ نار مدفأتي،
وحين هممتُ أن أفعل،
خطر لي أن أخرج إلى العالم الشاحب،
أن أقترب أكثر
من البياض على شاطئ المحيط
من الزبد
الذي يصعد درج عام جديد.
كانت الطيور تجثم بين الصخور
والأجنحة غارقة في ماء الخوف
والأعين مرتعشة
يختلط فيها احتمالُ هبوب العاصفة
مع عنف الهواء المخيّم
على العتبات البحرية.
-٣-
ماذا تقول أيضاً يا كانون الأول
في يومك الأخير؟
ماذا، أيتها الموجة
التي ستتلاشى بعد قليل؟
منذ لحظة تشكلكِ،
حتى لحظة تلاشيكِ،
أرى قدميّ تهرولان في مائكِ
أسمعُ أنفاسي تتصاعد فيكِ كموسيقا
لبستْ شكل ماءٍ رقيق،
أشعر بجسدي كله
يعيش فيكِ
لحظة الولادة والموت.
-٤-
كان لا بدّ أن أقدّم نذوري لعامٍ مضى:
كل ما مرّ فيه من فرح وحزن وعناق،
كل ما عبر فيه من أملاك العين
التي غادرت كالومض أو كرَمْشتها
كل الدروب التي سارتْ على جسدي،
وسار عليها
كل ما مرّ من لحظات نادرة،
لن يُكتب لها أن تعود،
حين كان الزمن أكثر نضجاً
على نار يوقدها كلٌّ منا بيديه
يجمع حطبها من تلك الفتحات
التي تضيء حياته
وتستغويه كي يدخل
إلى ما هو أبعد من نفسه.
-٥-
ها أنذا أعود إلى نفسي
أضع قدميّ
على الطريق البحري
لعام أكثر صخباً،
فيما الوجهُ يعيشُ في كمامة،
والجسد أكثر عزلةً،
في منفاه بين الأشياء،
لم يعد يولد في فضاء غيره
كما كان، حين يجمح أو يصهل
حين تعدو الخيول في صوته،
أو في دمه
كي تجتاز مسافة الملل،
حيث يتهدم ويُبنى كل شيء.
هأنذا
على بداية الطريق،
حيث يصعد الزبدُ درج عامٍ آخر،
وتكرّرُ الموجة قصتها على مسامعي
أشعر بلهفة قدميّ
باستيقاظ روحٍ غافية في أنحائي،
تخرجُ عارية
تبحث عما ترتديه في هذا البرد،
عن جسدٍ يُولد فيها وتولد فيه،
وسْط أنقاض شهورٍ أخرى.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى