أدب السيرة الذاتية سي حاميد اليوسفي - حلم معلق على خبر في جريدة

حصلت على شهادة الباك في موسم 1977 ـ 1978 . درست بثانوية محمد الخامس. كانت وزارة التربية الوطنية تعلن عن النتائج عبر الصحف الوطنية. بعض المحظوظين الذين لهم معارف بمدينة الدار البيضاء يتوصلون بالنتائج عبر الهاتف. باقي الأسر والأبناء كنا ننتظر في ساحة جامع الفنا أمام الأكشاك التي تبيع الجرائد ما بين مقهى جلاسيي ومقهى فرنسا. الطلبة والطالبات والأمهات والآباء ، معهم يتحول ليل جامع الفنا إلى نهار.
هذا الطالب بعد أٌقل من سنة سيحصل على عمل، ويصبح موظفا، ويكتري بيتا، ويمد يد العون لوالديه، ويتقدم لطلب يد صديقته، ثم يتزوج. طالب آخر يحلم بالهجرة إلى ما وراء البحار. الباك وجواز السفر ومصاريف النقل، وقليل من المال للإقامة شهرا أو شهرين، (هوب) وتنجح العملية. النوع الثالث يحلم بمتابعة الدراسة بالجامعة في الرباط أو فاس. يكفي أن يتوفر على القليل من الإمكانيات ليتحول الحلم إلى واقع. مئات الأحلام معلقة على خبر في جريدة، والوقت يمر بطيئا.
الجرائد يتم نقلها عبر القطار القادم من الدار البيضاء. لا أتذكر الوقت الذي يخرج فيه. أعرف فقط أن عليه أن يصل إلى المحطة في الرابعة صباحا، وقد يتأخر ساعة أو أقل. بعض الصحف أيضا تحملها حافلات (الساتيام). الجرائد تصل إلى الساحة حوالي الساعة الخامسة صباحا.
قطار السبعينات يسير مثل السلحفاة. عربات الدرجة الرابعة مفتوحة على الهواء الطلق من اليسار واليمين. مقاعد خشبية تؤلم الأوراك التي تجلس عليها لفترة طويلة. طاق طاق .. طاق طاق .. صوت العجلات وهي تصطك مع سكة الحديد يتوالى بشكل رتيب طيلة الطريق، ويصيب الأذنين بوقر شديد.
وكلما اقتربت لحظة وصول الجرائد إلى جامع الفنا، ازدادت الساحة اكتظاظا. بعض الطلبة الذين حصلوا على نسخة من أي جريدة يصعدون إلى إحدى العربات، ويقرءون أسماء الناجحين بصوت عال. ينقسم الحشد إلى مجموعات حسب التخصصات. وعليك أن تستجمع كل طاقتك، وتركز جيدا، وتنتظر أن تسمع اسمك يتردد على لسان الطالب الذي يقرأ من الجريدة. وقد تستغرق هذه العملية حوالي ساعتين. ومع بداية طلوع الشمس، يصبح بإمكانك أن تقتني جريدة. ولتستمتع برؤية اسمك مكتوبا على إحدى الصفحات عليك أن تفتح عينيك وتركز جيدا، وإلا ستضطر إلى إعادة قراءة الصفحات من جديد ولكن بنفسية متوترة.
قبل العودة إلى الحي نتناول فطورنا في الخارج. قليل من الحريرة، وفنجان قهوة. نسترجع شيئا من قوتنا أمام تعب السهر والانتظار والخوف. نتحمل ما تحدثه أشعة الشمس من ألم في العينين بفرح. كل شيء يهون أمام ظهور الأسماء في الجرائد. عندما نعود إلى الحي، نجد الجميع ينتظر. وقبل الوصول إلى البيت عليك أن تفتح الجريدة، وتشير إلى اسمك، ليطمئن البقال والخضار والحمال والكسال والجزار وبائع الفحم والاسكافي وعمال الفرن. وبعد الدخول إلى الدرب عليك أن تجيب عن أسئلة الجارات، وترد على التباريك، وتعانق وتقبل. ومع الاقتراب من المنزل، تنطلق الزغاريد، وترقص الأم والأخت والعمة والجيران فرحا، (اداها اداها والله ما خلاها). المزاج الشعبي في ذلك الوقت شبه الباك بالعرس. كل الجرائد تنقل اسمك من طنجة إلى الكويرة، كأنك ولدت من جديد.
إذا لم يحالفك الحظ، ولم تعثر على اسمك، فعليك الاختفاء عن الأنظار، والبكاء في صمت. كان الله في عونك، أمام هذا الضغط النفسي الرهيب. فأنت أشبه بعريس فشل في فض بكارة عروسه.
حاميد اليوسفي كتاب وشوم في الذاكرة ص 40

مراكش في صيف 2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى