أدب السجون ليلى جمل الليل - صرصار الليل..

على السرير الحديدي أستلقى، وقد أرهق عينيه التحديق طوال الليل لصورتها، لم يستطع إشاحة بصره عن خديها المتوردين، أخذ يتأوه ناظرًا لعينيها التي بدت كورق العنب الغض، وشعرها البني المنسدل الذي ذكره بقهوته الصباحية، وصحيفته، وهو يقرأ على كرسيه الهزاز، ويدخن سيجارة، فيما تتضايق سعاد وهي تتحسس بطنها قلقة من كمية الدخان المتصاعد، وهو يطمئنها أن واحدة فقط لن تضر!
وضع صورة ملاكه الصغير أمامه أحدثت تنهداته ضجة تنبه له زميله، وتلك الخربشة التي أحدثها في الأسفل جعلته ينتفض
_ماذا تفعل تحتي؟
ليرد عليه متنهدًا
_ ألصقت صورة ندى ابنتي على لوح سريرك فقط!
_ آه حسنا ، ظللت طوال اليوم وأنت تحدق للصورة !!
_ ربما أحدق على الأشياء كلها من خلال رقرقاق عينيها ، أرأيت مولودًا يحمل مُقلا كبيرة ورموشا بتلك الجمال الرباني!.
_ حسنا ياصديقي، هل تشبه والدتها ؟
_ بل، كأنها هي!
ابتسم صديقه وقد عرف من أين تنبع اللواجع، فعاد ليفترش السرير الصلب وهو يبتسم، شردت عيناه هو الآخر، وتعلقت في السقف الذي أصدأته الرطوبة تاركة تلك الأثار والبقع والخطوط المتشعبة أخذ يتأملها كلوحة رُسمت عليها ملامح وجه خالدة، تذكر تذمره من ثرثرتها، وهي تناوله طبق الحلو الذي تتفنن كل مرة في إعداده، وأخذ يستنشق رائحته من عنفوان الذاكرة، وهي تحكي ضاحكة عن جارتها سماح ومشاجرتها مع البقال، وسعر اللحم المرتفع، وتأخر الزبال عن موعده، تدفقت الذكريات كالفيضان حتى كاد يسمع ركض طاهر وأروى حوله، وهو يحاول تارة إبعاد أصابع طاهر من شعر أخته بعد أن أغضبته بالرد على شتيمته، تدفقت بغزارة تلك الصور أخذت تعاتبه، هل كان الأمر يستحق!؟، قاطعه صوت من الأسفل.
_هل تظن مقالاتي السياسية، اِستحقت كل تلك التضحيات، طالما نبهتني سعاد، أن ابتعد، لكن لم أُصغ لها أبدا!!
قاطعة ضاحكًا:
_ هههه إذا كنت نادمًا، ولم يمض على مكوثك هنا إلا بضع شهور بعد، فكيف أنت فاعل وقد قضيت خمس سنوات وراء هذه الجدران اللعينة!! .
ثم عَم الصمت، تأمل القضبان التي ألتهمت عزيمته، وشقت طريقها لتفج صلابة الأمل في قلبه الجسور، الذي لم يخنع لحاكم ظالم ، ولا لمسؤول فاسد، طالما نظر لقلمه أنه سيفه البتار، الذي، يحارب به الأشرار ، تذكر والدته حينما كان مراهقا وهو يضع رأسه على حجرها وهي تمرر أصابعها بين خصلاته..
ناصحة إياه بعد جدال بينه وبين والده، وتنشد قائلة:

يا كاره القصر ويلك من بطش سكانه
حتى الشجاعة خانت من عصى سلطانه

تدحرجت دمعتان بنهكة التمرد المقموع
عقبها ألحان صرير صرصار الليل، أنصتا فيما اِعترتهما رجفة مشاطرته المصير.

بقلم ليلى جمل الليل/اليمن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى