المحامي علي ابوحبله - أمريكا والغرب وخيبة الأمل

استيقظت روسيا صباح السبت على واقع أنباء صادمة عن دخول عناصر شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة التابعة لرجل الأعمال المقرب من الكرملين، يفغيني بريغوجين، إلى مدينة روستوف (جنوب غرب)، وتقدمها شمالاً، بعد توعده بـ"مسيرة العدالة" إلى موسكو.

تمرد فاغنر كان بمثابة صدمه للروس الذين حبسوا أنفاسم و أبدوا تخوفهم من الانزلاق لحرب أهليه داخليه ، لكن سرعان ما تبدد خوفهم ولم تدم أزمة تمرد بريغوجين طويلا ، حتى أعلن بحلول مساء السبت التوصل إلى اتفاق بوساطة الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، يعيد قائد "فاغنر" بموجبه مقاتليه إلى مواقع المرابطة ويغادر إلى بيلاروسيا بضمانات شخصية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ورغم تجاوز ذروة الأزمة، إلا أنها تركت أسئلة كثيرة بلا أجوبة، ولعل أبرزها كيف نشأت خلية تمرد داخل وحدة توصف بأنها الأكثر كفاءة على الصعيد القتالي ضمن القوات الروسية، وإخفاق الأجهزة الاستخباراتية الروسية في رصد هذا التوجه قبل بلوغه مرحلته الأخيرة، وأسباب السماح لقوات "فاغنر" المتمردة بقطع مئات الكيلومترات دون أن يعترضها الجيش أو القوات الخاصة الروسية.

ويرجع رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، تأني السلطات الروسية في مواجهة تمرد بريغوجين إلى سعيها لتجنب نشوب "حرب أهلية مصغرة" واحتواء الأزمة بطريقة سلمية.

هذه “الخيانة الكُبرى” التي أقدم عليها يفغيني بريغوجن رئيس قوّات جماعة فاغنر حسب وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جاءت لإجهاض الانتِصار الكبير الذي حقّقه الجيش الروسي بتصدّيه للهُجوم الأوكراني المُضاد، الذي راهنَ عليه حلف “النّاتو” ودُوله، وإفشاله باعتِراف الرئيس زيلينسكي ببطئه ولومه واتّهامه للولايات المتحدة ودُول حلف النّاتو بعدم تقديم الأسلحة والمعدّات العسكريّة المُتطوّرة والكافية.

الرئيس الروسي بوتين الذي فُوجِئ بهذا التمرّد العسكري، ومن أقرب حُلفائه (بريغوجن ومُرتزقته) سارع بإلقاءِ خطابٍ قصيرٍ لم تزد مُدّته عن خمس دقائق اعتبر فيه هذا التمرّد “طعنةً في الظّهر”، و”خيانةً عُظمى”، وحذّر من التّهديد القاتل المُتمثّل في إشعال فتيل الحرب الأهليّة، وتعهّد بسحق هذه الخِيانة ورُموزها، وكُل المُشاركين فيها وعلى رأسهم بريغوجين الذي تجاوز في نظره كُل الخُطوط الحُمر، عندما دعا قيادة الجيش الروسي وجُنوده للعِصيان، والثورة، والانضِمام إلى قوّاته، والزّحف إلى موسكو لإطاحة النّظام ورئيسه.

توقيت ظهور تمرد فاغنر والتهديد باحتلال موسكو، يطرح تساؤلات كثيرة ويضع علامات استفهام ؟؟؟ إن قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، اقدم على مغامرة غير محسوبة العواقب عندما أعلن انه يتقدم إلى موسكو لاحتلالها.

هذا الوهم الذي عليه بريغوجن وجنون العظمه جعله يتصور أن الطريق الى موسكو معبده ناسيا أو متناسيا : ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يستطيع سحق قوة فاغنر وهي في طريقها لو أراد ذلك، وبمجرد قطع المحروقات عن قوات فاغنر فانها لا تستطيع أن تصل إلى موسكو.

تمرد فاغنر جاء في وقت استطاع الجيش الروسي ان يمتص الهجوم الأوكراني وينهيه، وبحسب معلومات تقول بسقوط أكثر من 16 الف قتيل وسحق بحدود 40 بالمائة من الآليات التي كانت تدعم الجيش الأوكراني، وبالتالي في العلم العسكري، فأن أي هجوم مضاد سيأتي بعد سحق قوات الخصم، حيث كان من المتوقع ان تبدأ القوات الروسية بهجوم مضاد، ولهذا أتى التمرد في هذا التوقيت من اجل إرباك الشأن الداخلي الروسي وتسليط الأنظار إلى روسيا بان الوضع الداخلي والجيش الروسي غير متماسك، إضافة إلى هشاشة وضع بوتين.

أمريكا والغرب كانت في انتظار حالة التمرد واعدت أمريكا والغرب وحلفائهم عدتهم لهذا الحدث الذي قد يغير في موازين الحرب في أوكرانيا، وبحسب ألصحافه ووسائل الإعلام الامريكيه وحديثها عن التمرد جاء فيها " فقد رصدت أجهزة الاستخبارات الأميركية مؤشرات قبل أيام على أن رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين كان يحضر للتحرك ضد مؤسسة الدفاع الروسية،" .

وقدم مسئولون في الاستخبارات الأميركية إحاطات في البيت الأبيض والبنتاغون وكابيتول هيل بشأن احتمال وقوع اضطرابات في روسيا قبل يوم على بدئها، وفق ما ذكرت "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز".

وذكرت "واشنطن بوست" بأن أجهزة الاستخبارات بدأت رصد المؤشرات بأن بريغوجين وقوة فاغنر التابعة له ينويان التحرك ضد القيادة العسكرية الروسية في منتصف يونيو (حزيران) الحالي.

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أنه بحلول منتصف الأسبوع أصبحت المعلومات ملموسة أكثر ومقلقة، ما دفع مسئولي الاستخبارات لتقديم سلسلة إحاطات.

وأثارت المعلومات بأن بريغوجين ينوي التحرك عسكرياً قلق مسئولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية حيال إمكانية اندلاع فوضى في بلد يملك ترسانة نووية قوية، وفق "نيويورك تايمز".

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أُبلغ بأن بريغوجين الذي كان حليفاً مقرباً له، يخطط للتمرد قبل يوم على الأقل من تنفيذه.

وأثر إعلان حالة التمرد أبدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون السبت حذراً حيال التطورات التي تشهدها روسيا ، وفي إطار مشاورات أُطلِقت على عجل، تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن هاتفياً عن الوضع في روسيا مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وفق البيت الأبيض.

وأكد القادة الأربعة "دعمهم الثابت لأوكرانيا" لكنهم امتنعوا عن التعليق مباشرة على التمرد المسلح لزعيم مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوزين الذي أنهى السبت تقدم قواته نحو موسكو بموجب اتفاق أبرمه مع الكرملين لطي صفحة أخطر أزمة أمنية في روسيا منذ عقود.

وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس بايدن أُبلغ "بآخر التطورات" في روسيا خلال اجتماع صباح السبت مع قيادته السياسية والعسكرية ،وعُقِدَت اجتماعات مماثلة على أعلى مستوى في عواصم أوروبية. في وقت سابق، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالات مع نظرائه من دول مجموعة السبع الذين ينوون الإبقاء "على تنسيق وثيق"، وفقا للخارجية الأميركية.

كذلك، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتصالات مماثلة مع نظرائه الكندي والفرنسي والألماني والبريطاني والبولندي، حسب المتحدث باسمه ، وقد أخذت الولايات المتحدة هذه ألازمه على محمل الجد وقد ، ألغى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي رحلة مقررة إلى إسرائيل والأردن.

وسط هذه التطورات، أكد القائد العام للجيش الأوكراني فاليري زالوجني لرئيس الأركان الأميركي السبت أن الهجوم الأوكراني المضاد "يسير وفقاً للخطط"، حسبما جاء في بيان.

وبتتابع الأحداث وتداعياتها على روسيا كانت أمريكا والغرب وحلفائهم أعدوا عدتهم للضخ الإعلامي على اعتبار أن الإعلام أقوى سلاح بيدهم فكان الضخ الإعلامي الأمريكي والغربي وحتى العربي المتماهي في مواقفه مع المخططات الامريكيه الصهيونية يضخ ويهول من الأحداث داخل روسيا اثر تداعيات تمرد فاغنر وأن بوتن بات ضعيف وأنه غادر الكرملين وغير ذلك من المصطلحات التي باتت لا تخفى على المتابعين

وحقيقة القول أن مشاهد بعض الشاشات العربية والقنوات ألغربيه والأمريكية جميعها تعيدنا إلى أحداث رومانيا فما يسمى ذكرى ألانتفاضه التي وقعت في 21 كانون الأول من ديسمبر في ثمانيات القرن الماضي وأسقطت ما تم وصفه الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو. "ثورة" بثت على الهواء مباشرة عبر القنوات التلفزيونية العالمية، وكانت منعرجا هاما في تلاعب السياسة بوسائل الإعلام.

ففي كانون الأول/ديسمبر 1989، أنظار العالم كلها متجهة صوب رومانيا، عشية الاحتفالات بنهاية العام، وبعد أقل من شهر فقط على سقوط جدار برلين، بوادر سقوط حكم نيكولاي تشاوشيسكو بدأت تلوح في الأفق ....

وفي أقل من أسبوع، انهار آخر معاقل الستالينية في أوروبا الشرقية تحت أنظار ملايين المشاهدين، الذين تابعوا على الهواء مباشرة - لأول مرة - انتفاضة شعبية كما لو كان الأمر متعلقا بمسلسل تلفزيوني، تتابعت صور العنف فيه حلقة تلو الأخرى، لتختتم في النهاية بمشاهد إعدام "البطل".

مشاهد استحوذت على اهتمام الفرنسيين رغم الانزلاق الذي وقعت فيه وسائل الإعلام التي فشلت حينها في تقديم تغطية إعلامية صائبة، لا يزال تاريخ وسائل الإعلام يحفظ تعثرها.

أمريكا والغرب كانا يمنيان النفس في إطالة أزمة تمرد فاغنر ليتمكنا من عمليات الضخ الإعلامي والتضليل والخداع كما حصل في رومانيا في ثمانيات القرن الماضي والتمكن من إسقاط تشاوشسكو ، ليسقطوا الرئيس بوتن وبات يؤرقهم ويربك مخططاتهم ويدمر ما تبقى من الحكم الأحادي القطبية وينهي التحكم والسيطرة الأمريكية في حكم العالم لكن الأمر الذي لم يحدث لم يسقط بوتن ولم تسقط العاصمة الروسية موسكو بيد فاغنر وانتهت أزمة التمرد حيث ابتدأت لتخرج أمريكا والغرب وحلفائهم بخسارة مدوية ستكون لها تداعياتها على أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي وعلى أمريكا وحلفائها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى